صبحية.. لم ترحمها الطفولة .. والذل أصبح رفيقها

غزة - دنيا الوطن - أحمد قديح

صبحية طفلة فلسطينية من مدينة غزة عندما تراها للمرة الأولى تفكر أن خروجها من بيتها في ساعات الليل الأولى لكي تشترى الدفتر والقلم أو يكون لعائلتها حاجة ما من أحد المحلات التجارية, ولكن عندما يتكرر مشهد مرورها أمام عينيك ينشغل بالك قليلا وبعد ثواني قليلة من التفكير تقول مالي وشأنها ومن ثم تذهب.

هذه المرة اخترت لنفسي زاوية قريبة من منطقة مايعرف بالسرايا أو مركز تجمع الأجهزة الأمنية وسط مدينة غزة راقبت ثم راقبت حتى بدأت أتلمس خيوط قصة هذه الطفلة .

وجدتها تركض خلف كل سيارة تقف على الإشارة الضوئية عند مفترق السرايا وتمسك في كلتا يديها بعض احتياجات المارة لتبيعها لهم وما أن تشاهدك تلح عليك ببراتها حتى ربا تجعلك تنزع بعض من الشواكل من جيبك لتعطيها أيها دون أن تأخذ مقابلها أي حاجة, وفي بعض الأحيان يكون الشخص الذي تلتقي به قد مل من طول وقت دوامه بالعمل الشاق وما أن تمسك به هذه الطفلة حتى يسمعها كلاما هي تقول يجرح كرمتها وهذا لا يهمها كثيرا ولا أقصد لا يهمها الكرامة .. هي لا يهمها هذه الكلمات البذيئة لأنها اعتقدت منذ البداية أنها لم تأتي إلى مكان يسمعها ما يشفي صدرها أو لم تفكر أنها في مكان سيحميها أو يعطف عليها ويضمها بحنان الأبوة أو الأمومة المفقودة لدى طفلتنا صبحية.

زميل صحفي كان برفقتي قال لي أن هذه الطفلة لها وضعها الخاص تأتي كل يوم من الساعة الرابعة مساءا إلى الساعة العاشرة ليلا هي وعددا من أشقها الصغار تبيع العلكة والبزر على المارة لتحصل على بعض النقود ولا أدري لمن هي تذهب أي النقود.

أكمل زميلي حديثه قائلا بالأمس وجدت شقيق صبحية الأكبر والذي يبيع معها يشبعها ضربا ولم يشفق عليها من هذا الذل المرير الذي ألما بها منذ فترة طويلة.

وحينها سكت زميلي .. اختلست نظراتي ومن ثم توجهت لمكان وجودها أمسكت يدها طلبت منها أن تتحدث قلت لها من أنتي حاولت ابتزاز لسانها أعطيتها بعض النقود حتى أشعرها بالأمان واسلب منها كلام يشفي غليلي من وجودها كل ليلة على هذه الإشارة  وبدأت وبخجل تسرد قصتها تقول "" أنها تبلغ من العمر 11 عاما في الصف الخامس الابتدائي تسكن أحد أحياء مدينة غزة الكبيرة وما أن ينتهي دوامها الدراسي حتى تسرع إلى البيت وتجهز نفسها على الروتين اليومي ودون أن تهتم بمنظرها تمسك بعض الحاجيات وتنطلق مسرعتا إلى موقف السيارات لتبيع ومن ثم تعود إلى منزلها بقليل من النقود وبكثيرا من التعب والألم والذل ولكنها كما تقول تكابر رغم وعيها ورغم رفضها لهذا الذل ولكن هناك من يجلس بالبيت ويتوعدها كل لحظة أن تذهب لتبيع وتأتي بالنقود هذا الشخص "" والدها "" والذي كما تقول يوزع أبناه على كل مفترقات المدينة ليبيعوا بعض الحاجيات.

 وما أن سكتت لحظة حتى تجمهر عدد من الأطفال بجوارها هذا الكلام تقريبا كان الساعة الثامنة مساءا سألتها من هؤلاء؟؟ قالت أخوتي وكلهم يبيعون هنا وما هي إلا لحظات حتى بدأت أصواتهم تصوب تجاهي .. من أنت ولماذا تتكلم معنا كنت متأكد من طرح هذا السؤال لأن صبحية وأشقها الأربعة المنتشرين بالقرب من المفترق أصحاب مستويات جيدة بالمدرسة أي بالتأكيد سيكون عندهم بعض الاستفسارات عن وجودي معهم .

تعرفت على أسماهم جميعا ولكن لأسف لم أتعرف على أسم العائلة لأن هناك قرار  من والدهم أن لا يتكلموا مع أحد وأن لا يذكروا أسم عائلتهم وعندما سألتهم عن السبب قالوا بصراحة حتى "" لا  توهم الناس فينا "" ومن ثم قالت آلاء الشقيقة الأصغر من صبحية أحنا مش وحدنا  هي أمي كمان بتبيع معنا وأكيد بتعرفوها ضحكت قليلا وقلت لهم هل الحاجة والفقر أخرجكم في هذا الساعات الظلماء أم .... وبصوت خافت قالت صبحية طبعا الحاجة ولكن مش يعني أحنا فقراء ننذل ونذل أنفسنا كل يوم.

وبصوت خافت قالت هيك بابا تعود علينا وهو قاعد بالبيت وهاد مش من اليوم وأختي هلا بالجامعة سنة ثانية وكانت وهي صغيرة تبيع هنا,, ضحكت مرة آخري وودعت الأطفال الأربعة الذي شعرت بوجودي معهم بعلاقة الشفقة وفي نفس اللحظة تمنيت من صبحية وأخواتها البنات الذين يعملون معها وكذلك أمها أن لا يعودوا إلى هذا المكان وأن تهتم بالمدرسة فقالت بصوت خافت ياريت أقدر وما أجي هون بالمرة بس ما بقدر وبابتسامة ودعتهم بعد أن ثقل القلم وامتلأت الوريقات بالكلام.

هذا المشهد احتل حيز من تفكيري طيلة سفري بالسيارة من مدينة غزة مكان عملى حتى وصولي البيت بمدينة خانيونس حاولت أتعمق بتفاصيل المشهد ولكن لم يسعفني الوقت وبقي السؤال مطروحا لنفسي ولكل صاحب ضمير هل وصل الحال لهذا الحال ؟؟ ومن المسئول؟؟

التعليقات