أنس أبوسعده:خمسة شهور في الأراضي المحتلة
يوميات مغترب زائر لوطنه - 1
"خمسة شهور في الأراضي المحتلة"
أنس أبوسعده
هولندا - فلسطين
تختلف الأمور والأماكن والظواهر لإنسان زائر لبلد ما عن مواطن يعيش في نفس هذا البلد.. سوف تختلف الأمور أكثر لو كان هذا الإنسان مواطنا لهذا البلد لكن أبعدته الغربة والإغتراب عنه لمدة طويلة.. سترى هذه العين الأشياء بلون آخر غير التي تراه العيون التي اعتادت نفس الأشياء مع الروتين اليومي والتدريج القاتل التي تجعل المواطن العادي لا يعير لأي تغير أي اهتمام..! سترى تلك العين المغتربة التغير العميق في مظاهر المجتمع.. في علاقات الناس، وفي مؤسسات البلد وزعمائها.. ستكتشف تغير الأولويات، وغياب مظاهر وظهور أخرى..
فالطفل الذي كان يبكي في حضن أمه ، أصبح بعد غربة زادت عن الستة عشر عاما طالبا جامعيا أو يكاد.. ومن كان زميلا على مقاعد الدراسة وإذا به بعد كل هذه السنوات وزيرا أو وكيلا لوزارة ما ...والصديق الذي صادف زواجه في إحدى الزيارات القصيرة بعد الإغتراب لم يجد وقتا لزيارتك لكثرة انشغالاته وهموم أفراد عائلته التي كبرت..! لم تعد هي الحياة التي مازلت أتذكرها وأتذكر بعض جوانبها البسيطة.. أصبحت قاسية كقسوة الاحتلال والقهر الواقع بسببه.. تغيرت المفاهيم التي كانت فطرية : لم تعد الوطنية هي الوطنية التي كنا نموت لأجلها.. ولا بقي معنى السلام هو السلام الذي يعني الحل العادل والشامل بل صار هو التسوية المؤلمة غالية الثمن..! حتى الحرب لم تعد هي الحرب التي كنا نفهمها بأنها رجل لرجل بل صارت القتل بأي وسيلة كانت ولو غدرا...!!
هي تجربة إقامة خمسة شهور وكمغترب يقيم مؤقتا في وطنه.. جالست فيها كل شرائح مجتمعنا الفلسطيني.. سمعت فيها أحاديث العامة، وركاب السيارات العمومية والخاصة.. زرت فيها الكثير من مدننا وقرانا.. لاحظت التغيرات العميقة في شرائح المجتمع وطباعه ومظاهر معيشته.. لمست وعن قرب كيف حفر الانقسام بين الإخوة شرخاً عميقاً في العلاقات حتى العائلية والأسرية منها..! كيف أصبح وجود حكومتين لشعب واحد وتحت الاحتلال مادة للتندر بين المواطنين..؟! لمحت الدمعة المتجمدة في عيون الأمهات التي فقدت أحداً من أبنائها أو بناتها.. رأيت الحرقة التي تمعن في القهر في عائلات آلاف الأسرى في سجون المحتل.. عايشت الفرحة لنجاح ابن أو ابنة في الثانوية العامة أو في الجامعة أو لزواج.. قد تكون هذه الفرحة هي الشيء الوحيد المتبقي دون تغير، حتى لو تغيرت مظاهرها وتكاليف صناعتها..!
هذه التجربة ستكون مادة لسلسلة من المقالات التي سأطل عليكم من خلالها أملاً في نقل الصورة الأوضح عن واقع مجتمعنا بعيون مغترب يحب وطنه، بكل ذكرياته فيه المرة منها والحلوة ..! انتظروني..
"خمسة شهور في الأراضي المحتلة"
أنس أبوسعده
هولندا - فلسطين
تختلف الأمور والأماكن والظواهر لإنسان زائر لبلد ما عن مواطن يعيش في نفس هذا البلد.. سوف تختلف الأمور أكثر لو كان هذا الإنسان مواطنا لهذا البلد لكن أبعدته الغربة والإغتراب عنه لمدة طويلة.. سترى هذه العين الأشياء بلون آخر غير التي تراه العيون التي اعتادت نفس الأشياء مع الروتين اليومي والتدريج القاتل التي تجعل المواطن العادي لا يعير لأي تغير أي اهتمام..! سترى تلك العين المغتربة التغير العميق في مظاهر المجتمع.. في علاقات الناس، وفي مؤسسات البلد وزعمائها.. ستكتشف تغير الأولويات، وغياب مظاهر وظهور أخرى..
فالطفل الذي كان يبكي في حضن أمه ، أصبح بعد غربة زادت عن الستة عشر عاما طالبا جامعيا أو يكاد.. ومن كان زميلا على مقاعد الدراسة وإذا به بعد كل هذه السنوات وزيرا أو وكيلا لوزارة ما ...والصديق الذي صادف زواجه في إحدى الزيارات القصيرة بعد الإغتراب لم يجد وقتا لزيارتك لكثرة انشغالاته وهموم أفراد عائلته التي كبرت..! لم تعد هي الحياة التي مازلت أتذكرها وأتذكر بعض جوانبها البسيطة.. أصبحت قاسية كقسوة الاحتلال والقهر الواقع بسببه.. تغيرت المفاهيم التي كانت فطرية : لم تعد الوطنية هي الوطنية التي كنا نموت لأجلها.. ولا بقي معنى السلام هو السلام الذي يعني الحل العادل والشامل بل صار هو التسوية المؤلمة غالية الثمن..! حتى الحرب لم تعد هي الحرب التي كنا نفهمها بأنها رجل لرجل بل صارت القتل بأي وسيلة كانت ولو غدرا...!!
هي تجربة إقامة خمسة شهور وكمغترب يقيم مؤقتا في وطنه.. جالست فيها كل شرائح مجتمعنا الفلسطيني.. سمعت فيها أحاديث العامة، وركاب السيارات العمومية والخاصة.. زرت فيها الكثير من مدننا وقرانا.. لاحظت التغيرات العميقة في شرائح المجتمع وطباعه ومظاهر معيشته.. لمست وعن قرب كيف حفر الانقسام بين الإخوة شرخاً عميقاً في العلاقات حتى العائلية والأسرية منها..! كيف أصبح وجود حكومتين لشعب واحد وتحت الاحتلال مادة للتندر بين المواطنين..؟! لمحت الدمعة المتجمدة في عيون الأمهات التي فقدت أحداً من أبنائها أو بناتها.. رأيت الحرقة التي تمعن في القهر في عائلات آلاف الأسرى في سجون المحتل.. عايشت الفرحة لنجاح ابن أو ابنة في الثانوية العامة أو في الجامعة أو لزواج.. قد تكون هذه الفرحة هي الشيء الوحيد المتبقي دون تغير، حتى لو تغيرت مظاهرها وتكاليف صناعتها..!
هذه التجربة ستكون مادة لسلسلة من المقالات التي سأطل عليكم من خلالها أملاً في نقل الصورة الأوضح عن واقع مجتمعنا بعيون مغترب يحب وطنه، بكل ذكرياته فيه المرة منها والحلوة ..! انتظروني..
التعليقات