اعتلال الأعصاب المحيطية.. أسبابه وأعراضه

اعتلال الأعصاب المحيطية.. أسبابه وأعراضه
كمبردج (ولاية ماساتشوستس الأميركية):  
يتسبب تضرر الأعصاب المحيطية في حدوث تنميل في الأطراف، والآلام فيها أحيانا.
كل واحد منا قد تعرض في وقت ما، لحدوث تنميل كلي لقدمه، نتيجة الوضعية التي كان يجلس أو يقف فيها، فالضغط غير المعتاد يكبس على الأعصاب ويؤدي إلى انضغاط الأوعية الدموية التي تغذيها. وترد الأعصاب على هذا الإجهاد بإرسال إشاراتها التي تتسبب في الشعور بإحساس من التنميل غير مريح، بل مؤلم أحيانا. إلا أن هذا الإحساس مؤقت، فالوخزات تزول بعد تغيير وضعية الجسم، بحيث تنفتح الأوعية الدموية ويزول الضغط عن الأعصاب.

* اعتلال الأعصاب المحيطية

* وللأشخاص المصابين باعتلال الأعصاب المحيطية peripheral neuropathy فإن الإحساس بالوخز - سوية مع حدوث الألم، الحرقة، التنميل، والإحساس بعدم الراحة - لا يزول لوحده بسهولة، إذ إن أعراضه لا تحدث استجابة لنقص كبير في التغذية الدموية ووجود إجهاد عليها، بل لوجود ضرر في الأعصاب أو تهيجها.

ووقفا لنوع الأعصاب المتضررة ودرجة تضررها، فإن العضلات قد تزداد ضعفا، الأمر الذي يؤدي إلى ضمورها تدريجيا. وفي حالة تضرر أعصاب الجهاز العصبي الذاتي فإن الوظائف الأساسية، مثل وظائف التحكم في المثانة أو حركة البطن ستتعرض للاختلال، بل قد يؤدي ذلك التضرر إلى عواقب أكثر خطورة.

* الأسباب

* إن أسباب اعتلال الأعصاب المحيطية كثيرة ومتنوعة. وفي الولايات المتحدة يحتل مرض السكري المرتبة الأولى في قائمة الأسباب، التي تشمل أيضا الإسراف في تناول الكحول، النقص الحاد في عناصر التغذية، التعرض للمركبات الكيميائية السامة، حالات أمراض المناعة الذاتية التي توجه هجماتها على الجهاز العصبي. كما قد تتسبب أمراض أخرى في اعتلال الأعصاب المحيطية، ومنها مرض الإيدز (أو الإصابة بفيروس «إتش آي في» المسبب له، «مرض لايم» Lyme disease، والجذام leprosy المنتشر في بعض مناطق العالم.

كما توجد حالات صحية متوارثة كثيرة تؤدي إلى حدوث حالة مدمرة من اعتلال الأعصاب المحيطية. وتطلق على تلك الحالات مسميات مثيرة، منها اسم إحداها وهو «مرض تشاركوت - ماري – توث» Charcot - Marie - Tooth disease. إلا أنه لا يمكن تحديد منشأ هذا الاعتلال في الأعصاب في الكثير من الأحوال، وهو الأمر الذي يخيب آمال الأطباء والمرضى. ويطلق على مثل هذه الحالات اسم «اعتلال الأعصاب المحيطية لسبب مجهول»idiopathic peripheral neuropathy.

* وسائل العلاج

* إن مشكلة «اعتلال الأعصاب المحيطية لسبب مجهول» تتمثل في اختلافها عن كل وسائل علاج اعتلال الأعصاب المحيطية التي تتوجه إلى علاج السبب الذي قاد إلى ذلك الاعتلال، وذلك بأمل أن يؤدي ذلك، على الأقل، إلى التخفيف من الاعتلال. ولذا، فإن ضبط مستوى سكر الدم بدقة، مثلا، قد يخفض من شدة اعتلال الأعصاب، وربما الحفاظ عليها من أي تدهور لاحق.

الاستراتيجية الأخرى هي معالجة المشكلة على مستوى أعراضها، بتوظيف الكثير من الأدوية التي يبدو أنها تهدئ الجهاز العصبي، وربما تغير من الطريقة التي يتسلم فيها الدماغ الإشارات من الأعصاب المتضررة. ومع هذا فإن أكثر الأدوية المستخدمة بهذه الطريقة توصف بأنها من الأدوية «غير المخصصة أصلا» لعلاج الاعتلال، أي الأدوية المجازة من قبل السلطات الصحية الأميركية المخصصة لعلاج أمراض أخرى. ومضادات الاكتئاب ثلاثية الحلقات غالبا ما تكون فعالة، وكذلك الكثير من الأدوية التي أجيز استخدامها أصلا لعلاج التشنجات أو الصرع.

* تصنيف المصطلحات

* إن المصطلحات التي تحيط بوصف حالات اعتلال الأعصاب المحيطية قد تكون مثيرة للالتباس، خاصة إن كنتم من غير العارفين بها، فتعبير «المحيطية» يقصد به تلك الأعصاب التابعة للجهاز العصبي المحيطي الذي يتكون من شبكة واسعة من الأعصاب التي تربط أعضاء الحواس لدينا، والعضلات، والغدد، والأعضاء الداخلية، مع الجهاز العصبي المركزي الذي يضم بدوره الدماغ والحبل الشوكي، ولذا يستخدم مصطلح «اعتلال الأعصاب المحيطية» لوصف أي حالة تشمل حدوث ضرر أو خلل في الأعصاب الموجودة خارج الدماغ والحبل الشوكي.

* أما مصطلح «الاعتلال العصبي المتعدد» polyneuropathy فيصف الحالات التي تؤثر في الكثير من الأعصاب المحيطية في آن واحد.

* ولذا فإنه ومن غير المدهش أن يصف مصطلح «الاعتلال العصبي الأحادي» mononeuropathy الحالات التي يتأثر بها عصب واحد، كحالة متلازمة الرسغ النفقي carpal tunnel syndrome، على سبيل المثال.

* أما مصطلح «الاعتلال العصبي الأحادي المتعدد» mononeuropathy multiplex فهو مصطلح غير ودي لأذهان الناس، يمكن العثور عليه في بطون الكتب الطبية أو لدى البحث على الإنترنت. وهو يصف الحالات التي يتضرر فيها عدد من الأعصاب المعينة في مناطق منفصلة من الجسم، في أوقات مختلفة. وهو يستخدم أحيانا للتمييز بينه وبين «الاعتلال العصبي المتعدد» الذي يشمل مجموعة من الأعصاب.

إن أحد الأسباب التي تؤدي لحدوث إشكالات في استخدام المصطلحات، هي أن المصطلحات لا تستخدم بشكل دائم، أو أنها تتداخل مع بعضها عند وصف حالاتها. وعلى سبيل المثال، فإن مصطلح neuritis يعني التهاب الأعصاب، إلا أن الكثير من الكتب الطبية تذكر أنه مرادف لمصطلح «اعتلال الأعصاب» neuropathy، على الرغم من أن مصطلح الاعتلال هذا، محبذ أكثر للاستعمال ويتسم بسعة معناه.

أما مصطلح neuralgia، فإنه يصف الألم الذي يولده العصب، ولذا فإنه قد يمثل واحدا من جوانب مصطلح «اعتلال الأعصاب المحيطية»، إلا أن الكثير من حالات اعتلال الأعصاب تولد أحاسيس مختلفة عن الألم.

* «أسلاك عصبية» متضررة

* ولكي نفهم هذا الاعتلال في الأعصاب بشكل أبسط، لنتخيل صورة - ولو أنها لا تصل إلى الكمال، وليست فريدة من نوعها - لجهاز الأعصاب المحيطي، على شكل منظومة متشابكة من الأسلاك التي تنقل الرسائل من الدماغ والحبل الشوكي، وإليهما.

«الأسلاك الحية» في هذا الجهاز العصبي المحيطي هي «محاور الخلية العصبية» axons. ويربط هذا المحور بين خلية عصبية (أو العصبون) neuron وبين خلية عصبية أخرى. وكما هي الحال في تشبيك الأسلاك، فإن محاور الخلايا العصبية هذه تكون مغلفة بمادة عازلة، ليست من المطاط أو البلاستيك طبعا، بل بمادة دهنية تسمى «مايلين» (النخاعين) myelin. وما أن يأخذ الجهاز العصبي المحيطي بالتوسع خارجا حتى تصبح الأعصاب أصغر فأصغر، وتفتقد محاور العصبون فيها، إلى مادة المايلين.

وتكون غالبية حالات اعتلال الأعصاب المحيطية ناتجة إما عن أضرار حصلت لمحاور الخلايا العصبية، الناقلة للإشارات، أو للأضرار التي حصلت لغلاف المايلين العازل عليها، وأحيانا نتيجة حدوث أضرار في كليهما.

أنواع الأضرار العصبية

* تضرر محاور الخلايا العصبية.. إن اعتلال الأعصاب المحيطية الناتج عن مرض السكري، ومشكلات الكلى، أو الإسراف في تناول الكحول، تكون ناجمة بالدرجة الرئيسية عن الأضرار التي حصلت في محاور الخلايا العصبية. وأول ما يتعرض لهذا الضرر في العادة، النهايات البعيدة لأطول هذه المحاور في جسم الإنسان. ونتيجة لهذا، فغالبا ما تبدأ الأعراض في نهايات الأطراف، في القدم وفي أصابعها، تتبعها اليدان وأصابعهما. وفي البداية يظهر شكل مبهم من عدم الارتياح ومن فقدان الإحساس يمكن تشبيهه أحيانا بحالة «حشر جورب في الحذاء»، أو تخشب القدم. ومع ازدياد سوء هذا الاعتلال، وهو الأمر الذي يحدث على مدى سنوات كثيرة، فإن هذه الأحاسيس تتجه للانتقال نحو الرجل، ثم الذراع في نسق يسمى «الجورب والقفاز» stocking and glove.

وإضافة إلى الخدر، فإن الأعراض الناجمة عن اعتلال الأعصاب بسبب تضرر محاور الخلايا العصبية، تشمل الإحساس بالحرقة، الوخز، والألم المماثل للطعنات، كما يعاني بعض الأشخاص من حالة allodynia، وهو الألم الناتج مثلا عن لمسة خفيفة على الجلد، الذي يكون غير مؤذ البتة عادة. وبالتدريج ستتأثر محاور الخلايا العصبية الموجودة في الأعصاب الأخرى في الجسم، ولذا فإن المصابين سيشعرون بالأعراض حول عظام القفص الصدري والصدر وفي الرأس في بعض الأحيان.

* تضرر غلاف المايلين.. تعتبر متلازمة غيليان - باريه Guillain - Barre syndrome، وهي من أمراض المناعة الذاتية، مثالا على المشكلات الصحية التي ينجم عنها ضرر في المايلين، وليس في محاور الخلايا العصبية. وتظهر الأعراض الرئيسية هنا في ضعف العضلات الذي يصاحب بإحساس بالوخز. وتحدث متلازمة غيليان - بارية غالبا، وليس دائما، بعد التعرض لعدوى في الرئة أو الجهاز الهضمي.

* وتتسبب الصدمات أو الأضرار الجسدية المباشرة في حدوث حالات اعتلال الأعصاب المحيطية الأحادية. ونموذجيا، فإن الضرر الحاصل للعصب يحدث نتيجة الضغط المتواصل على عصب موجود قرب الجلد أو العظم، أو بسبب تهيجه. ومتلازمة النفق الرسغي مثلا تحدث نتيجة الضغط الحاصل على العصب المتوسط في الرسغ، الذي يخدم جهة الإبهام في اليد.

* ويطلق اسم «شلل ليلة السبت» Saturday night palsy، بوصفه وصفا براقا للضرر الحاصل على العصب الكعبري radial nerve في الذراع. وتأتي هذه الكنية من أوضاع يكون فيها هذا العصب منضغطا عند نوم بعض الأشخاص عند إغفائهم على كرسي، وكان ذراعهم مدلى فوق ظهر الكرسي، أو عند نومهم في السرير وأيديهم تحت رؤوسهم، بعد قضاء ليلة مرحة! اختبار سلامة الأعصاب يبدأ تشخيص اعتلال الأعصاب المحيطية بطرح الأسئلة على المصاب للتعرف على الأعراض. كما ينبغي على الأطباء أيضا التعرف على التاريخ الصحي العائلي للمريض بخصوص هذا الاعتلال، والتعرف أيضا على احتمال إصابته بمرض السكري.

ويمكن لعدد من تحاليل الدم تقديم مؤشرات مهمة، فعلى سبيل المثال فإن مستويات الكرياتينين في الدم، ربما تؤشر لوجود مشكلات لم يتم رصدها من قبل، في الكلية.

كما توجد اختبارات أيضا لتقييم سلامة الأعصاب ووظائفها. وهي تشمل اختبارات حول سلامة توصيل الأعصاب، وذلك بتحفيزها بصدمات كهربائية خفيفة جدا، ترسل إشارات كهربائية عبر العصب. ويقيس هذا الاختبار سرعة انتقال الإشارات. وقد يفترض وجود سرعة صغيرة للإشارات المنتقلة حدوث ضرر في العصب. كما يوجد اختبار التخطيط الكهربائي للعضلات Electromyography، وهو اختبار لقياس النشاط الكهربائي لأغشية العضلات عندما تكون العضلات مسترخية خلال إجراء نشاط اختياري.

وفي بعض الأحيان، فإن الأطباء يطلبون أخذ خزعة من المريض. ويتم فحص قطع صغيرة من الجلد لرصد كثافة ألياف الأعصاب الصغيرة للعصب، ثم تؤخذ خزعة منها. وتساعد كل هذه الاختبارات الأطباء على فهم منشأ اعتلال الأعصاب المحيطية، سواء الناجم عن تضرر محاور الخلايا العصبية أو تضرر المايلين، إضافة لتحديد المشكلات الصحية الكامنة وراء حدوث تلك الأضرار.

ولا تجرى هذه الاختبارات إلا بعد التدقيق في أول المعلومات. فإن حدث وعلى سبيل المثال، أن ظهرت لدى مصاب بمرض السكري أعراض خفيفة على اعتلال الأعصاب المحيطية، فإنه من غير الضروري إجراء الاختبارات. وبدلا من ذلك فإن تحليلا مباشرا ورخيصا للدم للتعرف على مستوى السكر في الدم، يكون كافيا للتعرف على أصل المشكلة ومعالجتها.

علاج سبب الاعتلال في الكثير من الحالات المرضية، يكون من الصعب التعرف على سبب الحالة ومعالجة هذا السبب بدلا من علاج أعراضها. إلا أن الأمر يصبح مخالفا في حالة اعتلال الأعصاب المحيطية، فما أن يعرف السبب ويعالج حتى تشفى الأعصاب تقريبا، وتخف الأعراض.

واعتلال الأعصاب المحيطية الناجم عن مرض السكري أحد الأمثلة، إذ يمكن أن يتم علاجه عند ضبط مستوى السكر في الدم باتباع نظام غذائي مناسب وممارسة الرياضة والأدوية. وقد أظهرت نتائج تجربة كبرى أجريت قبل عدة سنوات أن العلاج المكثف بالأنسولين (ثلاث حقنات أو أكثر منه يوميا) كانت أكثر فاعلية في تخفيف اعتلال الأعصاب المحيطية وتقليل سوئها، مقارنة بالعلاج التقليدي (حقنة أو حقنتان يوميا).

وعلى الرغم من هذه الصورة المتفائلة فإن المصابين باعتلال الأعصاب المحيطية يحتاجون إلى علاجات لتخفيف أعراضهم، خاصة الألم. ولسوء الحظ فإن أدوية «أيبوبروفين» والأسبرين لا تكون فعالة هنا. ويكون البديل، وصف الأدوية المخصصة لعلاج أمراض أخرى مثل أدوية مضادات التشنجات أو مضادات الاكتئاب ثلاثية الحلقات.

وقد اتهمت شركة «فايزر» المنتجة لعقار «غابابنتين» gabapentin، («نيرونتين» Neurontin) المضاد للتشنجات بأنها تسوقه بطريقة غير مشروعة لأغراض علاجية أخرى. ومع هذا فإن هذا العقار يبدو فعالا لبعض الأشخاص المصابين باعتلال الأعصاب المحيطية، إلا أن أعراضه الجانبية تشمل النعاس وزيادة الوزن. أما عقار «بريغابالين» Pregabalin («ليريكا» Lyrica) فهو عقار جديد مضاد للتشنجات، له أعراض جانبية أقل فيما يخص النعاس.

ويصف الأطباء مضادات الاكتئاب ثلاثية الحلقات مثل «أميتربتيلين» amitriptyline («إلافيل» Elavil)، «ديسيبرامين» desipramine («نوربرامين» Norpramin)، و«نورتريبتيلين» nortriptyline («باميلور» Pamelor) لعلاج اعتلال الأعصاب المحيطية. والأعراض الجانبية لها التي تشمل النعاس وجفاف الفم، الصداع وزيادة الوزن، ويمكن أن تكون مزعجة، إلا أنها قد تكون مفيدة لتخفيف الأعراض، والألم.

ويقول الكثير من المصابين باعتلال الأعصاب المحيطية إن اليوغا، والوخز بالإبر، وأنواع العلاج الأخرى غير التقليدية مفيدة لهم. إلا أن هناك القليل من المعطيات التي تدعم رأيهم هذا، ومع هذا فإن هذه الوسائل يمكن توظيفها ما دامت لا تؤدي إلى أي ضرر على المصاب.

* رسالة هارفارد الصحية، خدمات «تريبيون ميديا»

التعليقات