هل لفعل الخير مواسم؟

هل لفعل الخير مواسم؟ 

بقلم:ميسون كحيل

ينتظر العرب والمسلمون بفارغ الصبر في كل عام ، أن يهلّ عليهم شهر الخير والبركات .. شهر رمضان الذي أنزل فيه الهدى وفيه ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر ..

تتشابه الأجواء الرمضانية في كل البلاد العربية والإسلامية .. وفي فلسطين المحتلة لم تختلف تلك العادات والعبادات الرمضانية بالرغم من احتلالها منذ أكثر من ستين عاما .. فقد حافظ الشعب الفلسطيني على عباداته وطقوسه الخاصة .. فتشبث الفلسطيني بالأرض وذوده عنها يتجلى في أروع صوره في شهر رمضان الكريم .. وتجد التكافل والتعاضد بين الأسر مما يساهم في التخفيف عن كاهل المواطن المقهور من الاحتلال وحصاره ... تلك سمة يتميز بها الفلسطيني في رمضان وغير رمضان إلا أنها تبرز فيه أكثر من أي وقت في السنة .. فكان ذلك أحد ركائز الصمود الأسطوري للشعب الفلسطيني على أرضه بالرغم من الإرهاب والقمع اللذان تمارسهما قوات الاحتلال ضده !

في السنوات الأخيرة عاش الشعب الفلسطيني في فلسطين المحتلة أقسى وأصعب الأيام وذلك لتشديد الاحتلال قبضته وحصاره عليه ، وللإجرام المتواصل بصفة يومية ضد المدنيين العزّل ..ولقد انسحب هذا أيضا على الشهر الكريم فكم من مرة هاجم الاحتلال الفلسطينيين براً وبحراً وجواً وبأعتى الأسلحة وأحدثها فعاثوا في الأرض فساداً قتلا ًوتدميراً للبيوت الآمنة والمزارع والمصانع والبنى التحتية ! ومع كل ذلك استمر الفلسطيني مواظباً على عاداته وتقاليده وما تشتمل عليه من عبادات وطقوس خاصة حتى في الشهر المبارك حتى وان ازدادت أعباء الحياة على كاهله.

في الماضي ، كما يحدثنا كبار السن، كان رمضان أجمل وكان له رونق خاص .. وهم غير راضين عن الجيل الجديد من ربات البيوت لأنهن لا يرغبن في صنع المشروبات الرمضانية اللذيذة مثل التمر هندي ، الخروب ، السوس، شراب الورد ، برّاد الليمون وغيرهم،، في البيوت ويفضلن شرائها من محلات بيع العصائر الجاهزة ! والأنكى من ذلك أن بعضهن يفضلن عليها المشروبات الغازية التي تضر ولا تنفع بل والأمراض مثل هشاشة العظام وأمراض الجهاز الهضمي .. إضافة إلى إنهن اقلعن عن تحضير الفول المدمس والحمص بالطحينة في المنزل واكتفين بالمعلبات المستوردة من الخارج !! وينطبق نفس الأمر على الشوربة المجمدة والمجففة والمعلبة !!

ولم يقتصر نقد العجائز على ربات البيوت فقط ، بل اتجه نحو الصغار أيضا الذين يلحّون على شراء الفوانيس الحديثة ذات الألوان الزاهية والموسيقى الجميلة والتي تكون باهظة الثمن .. فينبرون بالحديث إليهم عن أيامهم الجميلة وكيف كانوا يصنعون فوانيسهم بأنفسهم حين كانوا صغاراً ، فلقد كانوا يأتون بالعلب المعدنية الفارغة ويقومون بثقبها من جميع الجهات ويأتون بسلك معدني ،ويثبتونه من طرفيه بشكلٍ جيدٍ في العلبة المعدنية لتصبح كمقبض لحمل العلبة، ثم يثبتون شمعة بداخله ،وبعد الإفطار يخرجون مع أقرانهم من الأقارب والجيران للشارع ويتجمعون وقد أضاؤوا الشموع في فوانيسهم المعدنية ، يغنون ويلعبون سوية حتى ينادي عليهم أهليهم فيعودون لبيوتهم .

تلك الأيام الجميلة والهادئة التي ما ينفك كبارنا وعجائزنا عن ذكرها والتغني بها انتهت، ولن تعود فهذا هو زمن المفرقعات والمزامير المزعجة واختفاء العادات الجميلة! فبعد ان كان الجيران يجتمعون على مائدة واحدة ويتبادلون الطعام فيما بينهم اندثرت هذه العادة اللهم إلا في بعض المناسبات القليلة ..تغير الحال وتبدل مع اشتداد وطأة الحصار على غزة و تفشي البطالة فيها ساهم بشكل واضح وملموس في الحد من العديد من العادات والطقوس الرمضانية التي يتميز بها الغزيون عن غيرهم .. فعلى سبيل المثال أصبحت الأسرة تجتمع لمشاهدة المسلسلات التي تنتج خصيصا للعرض في الشهر الفضيل و التي تغزو الفضائيات وكأنها في سباق مع الزمن لحشو اكبر عدد ممكن من المسلسلات والبرامج المنوعة الأخرى التي لا تنتهي إلا بانقطاع التيار الكهربائي عن المنازل !! وهذا الحال لا يعجب غالبية الاسر الفلسطينية لكن ما يدفعهم إلى ذلك هو الوضع الصعب في غزة والسجن الكبير المحكم الإغلاق من جميع الجهات!

فهذا العام حل رمضان علينا في ظل تفاقم الوضع الاقتصادي المتدهور أصلا منذ سنوات، فانقطاع التيار الكهربائي لساعات طوال مع دخول البلاد في أجواء حارة جدا لم تمر عليها مثلها منذ عشرات السنين ، مما زاد من بؤس المواطن علاوة على أن العيد يوافق هذا العام موعد دخول الطلبة للمدارس مما سيشكل أعباءاً إضافية على كاهل الأسرة الفلسطينية في ظل حمّى ارتفاع الأسعار عالميا ومحليا بعد الاهتزازات القوية التي تعرضت وتأثرت بها إقتصاديات الدول الكبرى.

هواجس كثيرة تنتاب الأسر الفلسطينية مع حلول العيد واقتراب موعد افتتاح العام الدراسي الجديد وعدم مقدرتها على تلبية احتياجات ومستلزمات الأطفال .. كيف ستتدبر الأمر وتتغلب على هذه المعضلة الاقتصادية التي تواجههم؟؟ وعليه يجب على المقتدر النظر نحو أخيه وجاره ممن لا يستطيعون تلبية الأدنى من ادني متطلبات أطفالهم .. يجب على المجتمع ككل العودة إلى جذوره وعاداته وتقاليدة الراسخة منذ سنين ومد يد العون إلى الفقير والمتعسر من أبناء شعبهم ..

هل لفعل الخير مواسم؟ بالتأكيد لا .. هي دعوة خير نطلقها لأصحاب الأيادي البيضاء والقلوب الرحيمة فهل من مجيب ؟! كل عام وأنتم إلى الله أقرب .. وعيدكم مبارك

التعليقات