أفنان الشعيبي.. سفيرة فوق العادة للعرب في لندن

أفنان الشعيبي.. سفيرة فوق العادة للعرب في لندن
غزة - دنيا الوطن
في قلب العاصمة البريطانية لندن، بمنطقة مايفر الشهيرة، وقبالة مبنى سفارة الولايات المتحدة العملاق (الذي بيع إلى قطر بعد أن قررت واشنطن نقل سفارتها إلى منطقة فوكسهول جنوب شرقي لندن)، تقف بناية اصغر بكثير، يرفرف أمامها علم أخضر يلفت الانتباه لأنه مكتوب عليه بالعربية إلى جانب الإنجليزية.. وبإمكانك قراءة ما هو مكتوب عليه، وعلى مدخل البناية «غرفة التجارة العربية البريطانية». البناية وإن كانت فعلا صغيرة مقارنة بضخامة السفارة الأميركية فإن تأثيرها معتبر، ليس فقط على مستوى العلاقات الاقتصادية العربية البريطانية فقط، وإنما أيضا للدور الثقافي والاجتماعي المتعاظم الذي تلعبه. غرفة التجارة العربية البريطانية، التي يعود تاريخ إنشائها إلى عام 1975، برزت بشكل لا يستطيع إغفاله إلا جاحد، خلال السنوات الثلاث الماضية، ولعبت دورا متميزا خاصة في ذروة الأزمة المالية العالمية التي ضربت بقوة العالم، وكانت لندن كمركز مالي عالمي أكثر مناطق العالم تأثرا بما سمي «تسونامي» الأزمة المالية، ففيما هز هذا التسونامي الكثير من المؤسسات التجارية في العاصمة البريطانية، أبدت غرفة التجارة العربية البريطانية تماسكا وصلابة ملحوظة، بل بالعكس استطاعت الغرفة أن تزيد حجم أعمالها في ذروة عدم اليقين والشك الذي ميز القطاع المالي والاقتصاد العالمي، حيث تعافت مداخيل الغرفة بعد تراجع بسيط في 2008 (بلغت المداخيل فيه 3.1 مليون جنيه إسترليني تراجعا من 3.2 مليون جنيه إسترليني في 2007)، لترتفع إلى 3.3 مليون جنيه إسترليني في 2009، وتتوقع الغرفة أن تزيد مداخيلها إلى 3.4 مليون جنيه إسترليني في 2010.

وأثناء هذه المرحلة المضطربة اقتصاديا، كانت امرأة عربية سعودية تمسك بقيادة غرفة التجارة العربية البريطانية، وتقودها بأمان للتفوق على نفسها، ليس تجاريا فقط، حيث نجحت الدكتورة أفنان الشعيبي الأمين العام والرئيس التنفيذي لغرفة التجارة العربية البريطانية، منذ تعيينها في 2007، في الانتقال بالغرفة من منظمة عربية تقوم بدور روتيني إلى منظمة عربية فاعلة وناشطة على المستويين العربي والبريطاني، من خلال التواصل والتفاعل مع مؤسسات وهيئات حكومية وغير حكومية ومؤسسات المجتمع المدني، إذ أصبحت غرفة التجارة العربية البريطانية مركزا عربيا تجاريا في قلب العاصمة البريطانية لندن يقدم كل الخدمات التجارية واللوجيستية لقطاع الأعمال العربي في لندن، ليس عبر الخدمات التي تقدمها الغرفة فقط، إنما كذلك من خلال الفعاليات المهمة التي تنظمها، مثل «المنتدى الاقتصادي العربي البريطاني الأول»، الذي كان حدثا اقتصاديا بارزا في لندن العام الماضي. كما أن الغرفة انفتحت أكبر على الأنشطة الثقافية والاجتماعية، لتلعب دورا مهما في التعريف بالثقافة والفنون العربية.

ومن منطلق المقولة الشهيرة بأنه «لا يجب تغيير فريق فائز»، قرر، مؤخرا، الاتحاد العام لغرف التجارة والصناعة والزراعة للبلاد العربية ومقره بيروت إعادة انتخاب الدكتورة أفنان الشعيبي أمينا عاما ورئيسا تنفيذيا لغرفة التجارة العربية البريطانية، وقد صادق مجلس إدارة الغرفة على هذا القرار في اجتماعه الذي عقد في لندن.

الدكتورة الشعيبي ترى في لقاء مع «الشرق الأوسط» في مقر غرفة التجارة العربية البريطانية بلندن أن الثقة الجديدة التي وضعت فيها لفترة ثانية على رأس غرفة التجارة العربية البريطانية وإن كانت تشريفا كبيرا تعتز به، فإنها قبل كل شيء تكليف ومسؤولية كبيرة تفتخر بأن توكل إليها.. وتدفعها لبذل مزيد من الجهد لتكون في مستوى الثقة التي وضعت فيها.

الشعيبي وبكل تواضع ترى أنها لم تقم إلا بأداء مهامها وأن نجاحها الشخصي «هو نجاح للمرأة العربية عامة والسعودية خاصة».

تجديد الثقة في الشعيبي على رأس غرفة التجارة العربية البريطانية وإن كان أيضا تأكيدا على قدرة المرأة العربية على القيادة والإدارة، فإنه أيضا تأكيد على مدى الثقل الاقتصادي العربي وترجمة منطقية له، وإنهاء لممارسات سابقة ميزتها الوصاية من طرف واحد على مؤسسة من المفروض أن يكون فيها الطرفان شريكين متساويين على الأقل. وقد تقدم إعادة انتخاب الشعيبي على رأس غرفة التجارة العربية البريطانية نموذجا أو على الأقل صورة مصغرة لما يصبو إليه الكثيرون في العالم في موضوع ضرورة إعادة النظر في توازنات القوى الاقتصادية في العالم، وربما يقفز هنا أكثر نموذج أو وضع مؤسستين اقتصاديتين عالميتين مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، اللذين يدفع الكثيرون في العالم، خاصة الاقتصادات الصاعدة، إلى ضرورة إعادة النظر في توازنات القوى فيهما بما يعكس الواقع الاقتصادي العالمي الجديد، ويضغطون في اتجاه وضع حد لسيطرة الغربيين عليهما، وإنهاء «حتمية» طالت كثيرا وتجاوزها الزمن ولم تعد تصمد أمام امتحان الوضع الاقتصادي العالمي الحالي، بأن يكون رئيس البنك الدولي أميركيا، ورئيس صندوق النقد الدولي أوروبيا!!.

وقد لاقت إعادة تعيين الشعيبي ترحيبا واسعا من المهتمين والمسؤولين في وزارات التجارة وغرف التجارة العربية والبريطانية، واعتبروها مواصلة للنهضة التي تشهدها الغرفة، التي شهدت إطلاق الكثير من المبادرات التجارية والثقافية التي تؤهلها لأن تكون وجهة رجال العمال والمهتمين، وتم من خلال الغرفة إعلان بناء شراكات استراتيجية تجارية ثقافية وعلمية في إطار حرصها على الانفتاح على السوقين العربية والبريطانية، وأصبحت الغرفة جسرا للتواصل بين الجانبين.

وفي هذا السياق، قال الدكتور عماد شهاب، الأمين العام والرئيس التنفيذي للاتحاد العام لغرف التجارة والصناعة والزراعة في البلاد العربية، إن إعادة انتخاب الدكتورة أفنان الشعيبي «لم تكن أمرا مفاجئا، لما قدمته الدكتورة الشعيبي على مدار السنوات الثلاث الماضية من إنجازات خلال توليها دفة قيادة الغرفة العربية البريطانية».

من جانبه، بارك أمين عام اتحاد غرف دول مجلس التعاون الخليجي عبد الرحيم نقي هذا التعيين الذي يراه «استمرارا وتقديرا من غرفة التجارة العربية البريطانية لدعم الخدمات والجهود التي قدمتها الدكتورة أفنان والتي واجهت عبرها الكثير من التحديات الكثيرة، واستطاعت أن تثبت قدرتها وتطلعاتها بها، ويظهر نجاحها متمثلا منذ فترة ولايتها الأولى التي حرصت خلالها على دعم الغرفة وسط تغيير بعض السياسات لتتوافق مع ما يجري من تطورات كثيرة على صعيد الأعمال، وكذلك اهتمامها الواضح في تحديث أسس الغرفة لجعلها أكثر مواكبة لتقنيات العصر ولقطاعات الأعمال، مما عزز التجارة بين بريطانيا والبلدان العربية بشكل أكبر».

ومن هذا المنطلق، أكد نقي أن «الأمانة العامة لاتحاد غرف دول مجلس التعاون الخليجي تدعو أصحاب الأعمال بدول مجلس التعاون الخليجي للتعاون والمساهمة مع الدكتورة أفنان الشعيبي في كل الأمور التي من شأنها تطوير الاقتصاد والتجارة بين بريطانيا والبلدان العربية».

وفي ظل التحديات الكبيرة التي ما زال يواجهها الاقتصاد العالمي، الذي تعرض إلى هزة كبيرة بفعل أزمة الائتمان العالمية، ما زالت ارتداداتها محسوسة أكثر، خاصة في عاصمة مالية عالمية مثل لندن، أكثر بكثير من العالم العربي، الذي كان أقل عرضة لهذه الأزمة العالمية، ترى الدكتورة الشعيبي أن تحذيرها الذي أطلقته للمستثمرين الغربيين عموما، خلال المنتدى الاقتصادي العربي البريطاني العام الماضي، من ضرورة استغلال الفرص الاستثمارية الواعدة في المنطقة العربية، ما زال قائما، خاصة مع بعض التحسن الملحوظ في الاقتصاد العالمي، كما أن الأزمة المالية خلقت في المقابل فرص استثمار ثمينة للمستثمر العربي في بريطانيا، تُرجمت بشكل ملحوظ في تزايد واضح للاستثمارات العربية في بريطانيا عموما، ولندن خصوصا. وترى الشعيبي أن غرفة التجارة العربية البريطانية في موقع أقوى يؤهلها لتعزيز وتطوير التبادل التجاري والخبرات بين الطرفين. وطموح الشعيبي كبير في هذا السياق، وفي تعزيز مكانة غرفة التجارة العربية البريطانية كلاعب أساسي في خارطة قطاع الأعمال بلندن، ورقم مهم في معادلة الاستثمار العربي البريطاني.. فمباشرة بعد إعادة الثقة فيها لولاية ثانية على رأس غرفة التجارة العربية البريطانية، وبالتعاون مع فريقها، بدأت في وضع «خطة عمل جديدة» لغرفة التجارة العربية البريطانية.. خطة جديدة تطمح إلى إعطاء أبعاد أخرى أكثر تأثيرا للغرفة، تعزز ما تم تحقيقه في السنوات الثلاث الماضية، ولعل من أبرز الأشياء التي تم تحقيقها في السنوات الثلاث الماضية، وتأمل الشعيبي في ترسيخها، المنتدى الاقتصادي العربي – البريطاني، والمعرض الخليجي - الأوروبي، واللذان كانا من أبرز التظاهرات الاقتصادية في لندن خلال السنوات الثلاث الماضية، وفي هذا الاتجاه من المنتظر أن تنظم غرفة التجارة العربية البريطانية المنتدى الاقتصادي العربي - البريطاني الثاني في صيف 2011، والمعرض الخليجي - الأوروبي الثاني في أواخر 2011.

الدكتورة الشعيبي اختتمت حديثها مع «الشرق الأوسط» بالتأكيد على أن طموحها كان وسيبقى «عدم إبقاء الغرفة (غرفة التجارة العربية البريطانية).. غرفة ضيقة ومغلقة على النشاط الروتيني الكلاسيكي، إنما جعلها غرفة مفتوحة مشرعة أبوابها ونوافذها على الإضافة والابتكار.. وسأزيدها اتساعا».

* الدكتورة أفنان الشعيبي حاصلة على بكالوريوس أدب إنجليزي من جامعة الملك سعود. واصلت بعد ذلك دراساتها العليا، حيث حصلت على ماجستير من الجامعة الأميركية بواشنطن، ودكتوراه من جامعة جورج واشنطن في الولايات المتحدة، وهي حاصلة أيضا على شهادة في العلاقات الدولية من الجامعة الأميركية بواشنطن.

* شغلت الدكتورة أفنان الشعيبي وظيفة مستشار لرئيس مجلس الأعمال السعودي الأميركي بالعاصمة الأميركية واشنطن دي سي منذ عام 1998 إلى عام 2007.

* عينت الدكتورة أفنان الشعيبي عام 2007 أمينا عاما ورئيسا تنفيذيا لغرفة التجارة العربية البريطانية.

* شغلت قبل ذلك عدة وظائف من ضمنها مديرة لشؤون تطوير الأعمال في إحدى الشركات الأميركية، بالإضافة إلى أعمالها في مكتبها الخاص.

* الدكتورة أفنان الشعيبي عضو لجنة التجارة الدولية وعضو مجلس إدارة المنتدى العربي الدولي للمرأة.

التعليقات