الحقوقية عزة المقهور تحاضر في المركز الثقافي المصري عن حظر النقاب بفرنسا
غزة-دنيا الوطن
بالمركز الثقافي المصري يوم 15. 6. 2010، قامت المحامية عزة كامل المقهور بإلقاء محاضرة تحت عنوان ( الرأي الصادر عن مجلس الدولة الفرنسي حول الوسائل القانونية لمنع ارتداء الغطاء الكامل (النقاب)، الصدر عن الجمعية العمومية لمجلس الدولة الفرنسي بدوائرها المجتمعة بتاريخ الخميس 25. 3. 2010 .
و استغرقت محاضرة الأستاذة عزة كامل المقهور أكثر من ساعة تعرضت خلالها لما يلي:
فرنسا والحجاب، تناولت الوقائع ذات العلاقة بمنع الحجاب من عام 1989، ثم صدور قانون بشكل عام يمنع كافة المظاهر الدينية في فرنسا والتي تكون ظاهرة في المدارس والدوائر العامة. ثم تعرضت لانتقال الحمة لعدة دول في أوربا مثل بلجيكا وألمانيا وهولندا.
وذكرت أن دولا أخرى سبقت فرنسا في منع ارتداء الحجاب كتونس، وتركيا وأندونيسيا في فترة محددة أثناء حكم سوهارتو.
وبعد ذلك تعرضت لقصة فرنسا مع النقاب والتي بدأت في عام 200 تقريبا، وأنه في فرنسا اليوم توجد أقل من ألفي امرأة منقبة منهن 26% من أصول فرنسية، إلا أن الرأي العام الفرنسي معبأ تماما ضد النقاب كما هو حال الإعلام في فرنسا.
وفي عام 2009، تقدم عدد من النواب في البرلمان الفرنسي بعريضة زعموا فيها أن النقاب يتعارض مع مبدأ العلمانية في فرنسا وهو مبدأ راسخ ومنصوص عليه في الدستور الفرنسي، ويتعارض مع قيم الجمهورية الفرنسية وهي الكرامة والإخاء والمساواة والحرية.
وعليه شكلت لجنة لتقصي الحقائق، رأسها نائب في الحزب الشيوعي الفرنسي يدعى أندريه جيرن، والتي أعدت تقريرا رفعته إلى رئيس الجمهورية آنذاك جاك شيراك من حوالي 658 صفحة تم فيه الاستماع لعدة أراء في المجتمع الفرنسي بما فيهن نساء منقبات.
في 29 يناير 2010، طلب رئيس الوزراء الفرنسي فرانسوا فيون Fillon من مجلس الدولة الفرنسي رأياً استشاريا حول إمكانية اتخاذ إجراءات بمنع ارتداء النقاب بشكل كامل وبفاعلية قصوى دون ”جرح مواطنينا من أتباع الديانة الإسلامية“.
في 25. 3. 2010 صدر رأي مجلس الدولة الفرنسي. وهو الرأي موضوع المحاضرة.
قبل الخوض في موضوع القرار، تناولت المحاضرة الأستاذة عزة المقهور، نشأة مجلس الدولة الفرنسي واختصاصه، وذكرت أن الملكية الفرنسية منذ القرن الثالث عشر عرفت مجلسا استشاريا للملك، حين كانت شخصية الملك تختلط بالدولة، ثم عقب الثورة الفرنسية رأت السلطة آنذاك أن قرارات الدولة كونها سلطة عامة يجب أن تخضع لقضاء خاص، فكان تأسيس مجلس الدولة الفرنسي فعليا في عام 1872 حين أصبح صاحب اختصاص قضائي كامل.
وهكذا تحول هذا القضاء الذي كان في منشأة مدعاة لحماية السلطة شيئا فشيئا إلى قضاء مستقل يعنى بالأساس بحفاظ حقوق الأفراد ضد تغول السلطة العامة وتسلطها، وأرسى بالتالي قواعد ما يعرف اليوم بالقانون الإداري وهو الذي يختص بالنظر في المنازعة المتصلة بسلطة إدارية أو بمرفق عام تباشره الإدارة بموجب القانون العام، وهو نظام لا تعرفه الدول الأنجلوساكسونية، وإن كانت تعرفه الدول التي تنتهج النظام القضائي الفرنسي كبلجيكا في أوربا وكثير من الدول العربية بما فيها ليبيا وإن كان بشكل غير متكامل.
مجلس الدولة الفرنسي اليوم هو بمثابة المحكمة العليا الإدارية في فرنسا، وهو يلعب دوران منفصلان، دور قضائي بحث يختص فيه بنظر الطعون الإدارية التي ترفع إليه في أحكام صادرة عن محاكم الاستئناف أو أحيانا المحاكم الإدارية بشكل مباشر، كما له اختصاص ابتدائي وانتهائي في ذات الوقت في بعض المسائل المحددة. كما أنه وكما كان في أصل نشأته يلعب دورا آخرا باعتباره مفتي أو مستشار للحكومة ، فعلى سبيل المثال لا يمكن للحكومة عرض أية مشاريع قوانين على البرلمان الفرنسي قبل عرضها على مجلس الدولة الفرنسي للرأي. كما وأنه بالتالي فإن آرائه غير ملزمة، لكنها في أغلب الأحيان تحترم
وتطرقت الأستاذة عزة بشيء من التفصيل للأجزاء الثلاثة التي تكون منها الرأي وهي:
الجزء الأول: ويتعلق ب التشريعات الوطنية والتشريعات المقارنة بالخصوص.
الجزء الثاني: عدم وجود أساس قانوني قوي للمنع العام لإرتداء الغطاء الكامل أو إخفاء الوجه في الأماكن العامة.
الجزء الثالث: الوسائل المتعددة التي يمكن دراستها بغرض تجانس ودعم مجال منع إخفاء الوجه أيا كان شكله.
الجزء الأول: ويتعلق ب التشريعات الوطنية والتشريعات المقارنة بالخصوص:
وركزت الأستاذة عزة في محاضرتها على أن مجلس الدولة الفرنسي أبتعد عن أستخدام لفظ "النقاب" أو "البرقع" وهما لفظان أشير إليهما في رسالة رئيس الوزراء للمجلس بطلب الاستشارة، وفضل أستخدام لفظين آخرين هما " الغطاء الكامل" " تغطية الوجه" وبهذا فإن المجلس وضع خطا أحمرا في عدم الدخول أو الانزلاق في الظروف الدينية للمسألة وحدد مساره في الإطار التشريعي وخاصة الدستوري من جهة و مبادئ حقوق الإنسان والضمانات القانونية لها من جهة أخرى، بما في ذلك أحكام المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان. كما وأنه قرر تناول المسألة على أساس تغطية الوجه بشكل عام أيا كانت أشكاله وصوره. وذكر المجلس من حيث المبدأ فإن خلصت المحكمة بالخصوص: من حيث المبدأ، فإن الشخص لا يمكن أن يخفي وجهه حين يكون التعرف على الهوية مهم لضمان أمن الأشخاص والممتلكات، أو لمكافحة الجريمة أو قمعها، وكذلك لضمان احترام النصوص القانونية واللوائح السارية. كما أستعرض الرأي القوانين السارية والتي تحد من تغطية الوجه سواء في مجال التعليم أو العمل أو غيرها.كما أشار إلى نصوص عقابية تسري على حالة إجبار الآخر أو دعوته لإخفاء الوجه. كما تعرض الرأي لتجارب وتعامل الدول الأوربية الأخرى في مسألة النقاب وبين أن أيا من هذه الدول لم تلجأ للمنع الكامل والشامل بغض النظر عن المكان والظروف المحيطة.
الجزء الثاني: : عدم وجود أساس قانوني قوي للمنع العام لإرتداء الغطاء الكامل أو إخفاء الوجه في الأماكن العامة:
وخلص المجلس في رأيه، إلى أنه لا يمكن فرض منع كامل وشامل على تغطية الوجه بشكل عام أيا كانت أشكاله وصوره، وأن لا أساس قانوني لفرض ذلك وأن الزام المنع الكامل والشامل سينتهك حقوق أساسية وحريات عامة كالحق في التنقل والعمل والحق في المعتقد الديني والحق في الحرية الشخصية والحياة الخاصة. وأن هذا يتعارض مع النصوص الدستورية كما يتعارض مع القوانين السائدة ومع مواقف وأحكام المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان.
وتعرض الرأي لنقاط ثلاث أعتمد عليهم المناهضون والرافضون لوضع النقاب ألا وهي: 1. مبدأ العلمانية. 2. مبدأ الكرامة الإنسانية. 3. مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة.
1. مبدأ العلمانية: وهو مبدأ أشاد به المجلس وبرسوخه طوال قرن من الزمان، إلا أنه ذكر بأن إلا أن المجلس رغم تمسكه وتأكيده على مبدأ العلمانية، فإنه يرى أنها لا تصلح أساسا للمنع العام لارتداء الغطاء الكامل في الفضاء العام. وهو ما أكدته المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان أن العلمانية لا يمكن أن تبرر منع مطلق للغطاء الكامل على كامل الفضاء العام.وأن المنع بشكل خاص للغطاء الكامل كشكل واحد بعينه، دون غيره يمكن أن يفسر على أنه تدخل من قبل السلطات العامة في مبدأ راسخ ألا وهو ممارسة حرية العقيدة .
2. مبدأ الكرامة الإنسانية : رأى المجلس إشكالية تتمثل في أن مبدأ حماية الكرامة ال إ نسانية وهو مبدأ دستوري وسامي يتضمن مبدأ حماية الحرية الشخصية، وحماية الحياة الخاصة القاضي بأن ” لكل فرد الحق في ممارسة حياته وفقا لمعتقداته وخياراته الشخصية، بما في ذلك المخاطرة بنفسه ماديا أو معنويا طالما أنه لا يضر بالآخرين ” حكم ال م حكمة أور و بية لحقوق الإنسان 17. 2. 2005كما استند الرأي إلى المادتين 4 و 5 من إعلان حقوق الإنسان والمواطن الصادر في أغسطس 1789 : م 4 كل الناس أحرار والحرية هي إباحة كل عمل لا يضر أحداً. وبناء عليه لا حد لحقوق الإنسان الواحد غير حقوق الإنسان الثاني. ووضع هذه الحدود منوط بالقانون دون سواه. وتنص المادة 5 على :ليس للقانون حق في أن يحرّم شيئا إلا متى كان فيه ضرر للهيئة الاجتماعية. وكل ما لا يحرمه القانون يكون مباحاً فلا يجوز أن يُرغم الإنسان به.
أشار المجلس إلى المعلومات المقدمة من وزارة الداخلية الفرنسية إلى اللجنة البرلمانية والتي تقضي بأن ارتداء النقاب في أغلب الأحيان يتم بشكل ”طوعي“.وإلى أنه من الصعب وضع قاعدة للمنع في موضوع يتعلق بالزي و يتسم بالتالي بالذاتية. وأعتبر المجلس أن مسألة الرغبة والطواعية في ارتداء النقاب بالنسبة للراشدة تجعل من مبدأ حماية الكرامة الإنسانية محل شك وخلاف و جدل قانوني في هذه الحالة.
وعليه رأى المجلس أن مبدأ حماية الكرامة الإنسانية لا يمكن أن يكون سندا للمنع المطلق والكامل لتغطية الوجه.
3. مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة:
أشار المجلس إلى أن هذا مبدأ دستوري راسخ م 1 من إعلان حقوق الإنسان والمواطنة ”يولد الناس ويعيشون أحراراً متساوين ف ي الحقوق. ولا يمتاز بعضهم عن بعض إلا فيما يختص بالمصلحة العمومية “. م 21 من الدستور الفرنسي حول المساواة في الانتخاب و التوظيف و المركز الاجتماعي بين الرجل والمرأة.
ذكر المجلس أن مبدأ المساواة يستخدم في مواجهة التمييز، أو للمطالبة بالمساواة في التعامل، وهو بالتالي يستخدم ضد الآخر. وعليه لا يجوز استخدامه ضد الشخص ذاته، أي ضد ممارسته لحريته الشخصية. بمعنى آخر أن الشخص وهو يمارس حريته الشخصية في ال ملب س يقوم هو ذاته بانتهاك مبدأ المساواة، بما في ذلك في الفضاء العام. وأكد على مسألة الطوعية في إخفاء الوجه في غالبية الحالات.
خلص مجلس الدولة الفرنسي بالنسبة للمبدأين المتعلقين بانتهاك الكرامة الإنسانية و / أو مبدأ المساواة بين الجنسين، ف أنهما لا يصلحان أن يكونا أساسا للمنع المطلق من ارتداء النقاب تأسيسا على أمر واحد ألا وهو عدم إ مكانية تطبيقه على الأفراد الذين اختارو ا طواعية وضعه.
فكرة النظام العام كأساس لتغطية الوجه: وتتلخص فكرة النظام العام وهي فكرة هلامية تتغير بتغير المكان والزمان وترتبط ترتبط بالمقومات الأساسية والعليا للجماعة، ورأى المجلس بالخصوص وبما أنه لا يوجد أساس قانوني يمكن الاعتماد عليه للمنع العام للغطاء الكامل كزي أو لأي شكل من أشكال إخفاء الوجه، وأن المنع العام يصطدم بالحقوق والحريات الدستورية وتلك المضمونة قانونا. فإن المنع العام لا يمكن أن يعتمد إلا على فكرة النظام العام بشكل منضبط ومحدد باعتبارها قاعدة التعايش في إطار المجتمع. وإنه وفي غياب سوابق قضائية فإن فكرة النظام العام ستكون عرضة للطعن بعدم الدستورية أو بالمخالفة للقوانين مما يضعفها.لذا فإن النظام العام بمكوناته التقليدية لا يسمح بالمنع العام لكنه يمكن أن يشكل أساسا للمنع الجزئي.
وهكذا انتقل المجلس إلى نقطة أخرى جوهرية كأساس للمنع الجزئي ألا وهي: الأمن العام باعتباره مكون مادي للنظام العام والآداب وبما يمكن أن يشكل أساسا للمنع العام لتغطية الوجه. وأشار الرأي إلى مسألتين قبل أن يبلور موضوع الآن العام وهما:
- أن وضع النقاب حتى تاريخ صدور الرأي لم يثر أية مشاكل تتعلق بالأمن العام أو اضطراب للنظام العام، أو ردود فعل ذات طبيعة تبرر المنع العام لوضعه.
- أن منع النقاب بشكل مطلق يتعارض مع القوانين الأوربية الخاصة بعدم التمييز ، وتحديدا قانون صادر في 29. 12. 2000 حول تطبيق مبدأ المساواة في التعامل فيما بين الأفراد دون تمييز بسبب العرق أو الأصل الأثني، والميثاق الأوربي للحقوق الأساسية للإتحاد الأوربي 2009 (م 21).
النظام العام بمفهومه الجديد: ويمكن تلخيص ذلك فيما يلي:
- لا يوجد تعريف موحد وواحد لفكرة النظام العام.
- إلا أنه يمكن القول أن النظام العام يتجاوب مع القاعدة الأدنى التي تقضي بالالتزامات التقابلية والضمانات الأساسية من الحياة ضمن الجماعة. مثال احترام مبدأ التعددية الذي يقتضي تنظيم/ أووضع اشتراطات لممارسة حريات أخرى.
- أن التعاقد الاجتماعي يقتضي -أن الفرد متى تواجد في أماكن عامة - عدم إنكار ذاته تجاه المجتمع وفي ذات الوقت عدم التنكر عن طريق تغطية الوجه للحد الذي يمنع من التعرف عليه.
- وعليه فإن النظام العام بمفهومه الذي يشكل القاعدة الأدنى للالتزامات التقابلية وضمان ممارستها في إطار العيش الجماعي هو الأساس الوحيد لمنع تغطية الوجه في الأماكن العامة، ذلك أن لنظام العام داخل المجتمع يقتضي منع أي نكران للفرد بما يؤكد الحق والظهور المتساوي للجميع في إطار العيش المشترك. كما أعترف المجلس بأن هذا التعريف الجديد للنظام العام قد يلقى ردود أفعال توصمه بعدم الدستورية. وشدد المجلس على ضرورة الموازنة بين احترام الحياة الخاصة والحرية الشخصية والضمانات الدستورية الفردية من جهة، والمصلحة العامة من جهة أخرى.
و خلص المجلس إلى أن الجانب المادي للنظام العام وتحديدا الأمن العام يشكل أساسا قويا ”جدا“ لمنع إخفاء الوجه، ولكن في ظروف خاصة. كما استبعد المجلس المكونين التقليديين الآخرين لمبدأ النظام العام ألا وهما الصحة العامة والسكينة (الهدوء) العامة وأنهما لا ينطبقان على هذه الحالة.
الخلاصة: أن المكون المادي الوحيد لفكرة النظام العام والمتمثلة في الأمن العام وحدها يمكن أن تكون أساسا للمنع الجزئي لتغطية الوجه، على أن يصاحبها الضمانات اللازمة لحقوق الإنسان.
كما و أن هذا الأساس ليس مطلقا بل يتعين أن يتم التوفيق بينه وبين بعض المتطلبات القانونية: الحقوق والحريات العامة والدستورية.
كما وأنه يتعين خلق توازن فيما بين المتطلبات المختلفة والتي يتعين أن تكون خاضعة للرقابة القضائية على مدى دستورية وقانونية الأفعال التي تخضع لها.
وأشار المجلس إلى ضمانات أربعة يتعين التركيز عليها في حالة المنع الجزئي لتغطية الوجه، ألا وهي :
- إن الحد من الحقوق والحريات يتعين أن تكون مبررة بوجود اضطراب للنظام العام أو احتمال قوي بشكل كاف لوقوعه.
- مبدأ التناسب proportionnalite أن تكون أفعال الشرطة الماسة بالحقوق والحريات غير مفرطة ومناسبة.
- الضمانات المصاحبة لإجراءات المنع.
- أن تولى أهمية لرقابة المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان.
زمن ثم رفض الرأي المنع الكامل والشامل لتغطية الوجه، ذلك أن الأساس القانوني للمنع العام والكلي في كافة الأماكن العامة ضعيف. كما وأنه لم يترتب على هذه الظاهرة أي أخلال بالأمن العام. لذا فإن المنع سيكون مبنيا على منطق وقائي وهمي ، وان من الصعب وضع ضمانات تصاحب إجراء المنع هذا على كامل الأماكن العامة بهدف الحد من المساس بالحريات الشخصية.
الجزء الثالث: بعض الوسائل المتعددة التي يمكن دراستها بغرض تجانس ودعم مجال منع إخفاء الوجه أيا كان شكله.
وهنا أقترح المجلس بعض الحلول المناسبة،
كاستخدام المحافظ سلطاته كمأمور ضبط قضائي prefet بتحديد الأماكن والظروف التي يمنع فيها إخفاء الوجه، وتحديد أفراد الشرطة المحلية لمراقبة التنفيذ.
وضع نص عقابي لمن يجبر الآخر على تغطية الوجه خاصة متى تعلق الإجبار بالقصر وأقترح أن تكون جنحة يقرر فيها الحبس.
إلا أنه وحسب رأي الأستاذة عزة المقهور فإن أهم اقتراح للمجلس على الإطلاق هو اقتراحه أن يتم معالجة الأمر بمقتضى وسيلة جديدة ألا وهي الوساطة الاجتماعية ( سبيل اجتماعي للحديث والإقناع) وتحديد مؤسسة معتمدة للقيام بذلك، بأن تتم مقابلة المعنية والتحدث إليها واستخدام سبيل الحوار والإقناع.
الختام: جاء قرار المجلس كالتالي:
يخلص المجلس إلى أنه تأسيسا على الأمن العام يمكن أن يسمح فقط بمنع تغطية الوجه في الأماكن المعرضة وبشكل كاف لأن يحدث فيها اضطراب في النظام العام.
إن مجلس الدولة يرفض المنع العام الموحد.
أن أي نظام بالمنع يجب أن يؤسس على مبرر محدد ، الأمر الذي ينتج عنه عدم اللجوء إلى أسس افتراضية مكملة أو تبعية .
ملحق بالرأي مشروع لنصين قانونيين.
ملاحظات :
وبعد الاستعراض المسهب لرأي مجلس الدولة الفرنسي بالخصوص، قدمت الأستاذة عزة ملاحظاتها بأن ذكرت بقول للأستاذ/ مصطفى المهدوي الرئيس السابق لمحكمة استئناف بنغازي والذي قام بتدريسها في السنة الرابعة كلية القانون حين قال في أول محاضرة : إن القانون ينشد حقا، بينما السياسة تنشد مصلحة.
وذكرت أن هذا الرأي انحاز إلى الحق، ولم يستجب لا للضغوط السياسية ولا الاجتماعية ولا الإعلامية القوية التي كانت تتطاحن وما تزال في المجتمع الفرنسي.
وخلصت إلى ما يلي:
هذا الرأي أباح المنع ولكن في أضيق نطاق. نوع من التوازن بين حق الفرد ومصلحة الجماعة.
هذا رأي استشاري وليس ملزم، لكنه رأي محترم وله وزن.
هذا الرأي كأننا أمام مزارع قلم أغصان الشجرة اليابسة والخضراء منها والتي قد تضر بجمال الشجرة لكنها لا تضر بنموها، حين حرص كل الحرص على جذعها.
لم يأخذ المسألة من منطلقها الديني، ولا الاجتماعي، ولا العرقي (الإثني)، ولا الجنسي (الجندر/ الأنثوي)، ولا حتى السياسي، وإنما وضع لنفسه حدودا ومعايير التزم بها ولم يخرج عنها.
الرأي لم ينزلق نحو الجوانب والاعتبارات التي تغلف ظاهرة النقاب، كما لم يدغدغ المشاعر التي تثيرها الظاهرة في المجتمع الفرنسي ولم يستجب أو يتعاطف مع مبدأ حرية العقيدة إلا بالقدر الذي تمليه القواعد الدستورية ذات العلاقة بحقوق الإنسان.
غلب وأعطى الأولوية لمبادئ حقوق الإنسان وشدد على أن المنع يجب أن تصاحبه ضمانات (مبدأ التناسب/ أن يكون إستئنائيا...)
هذا الرأي القانوني لم يخضع للاعتبارات ولا للضغوط السياسة ، بل و الاجتماعي ة، والدعاية الإعلامية وإفرازاتها على المجتمع. الاهتمام بقضاء المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان بشكل واضح. فالقاضي الوطني لم يعد خاضع فقط لرقابة القضاء الوطني بل يخضع لرقابة أعلى وأوسع هي رقابة المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان.
بقى أن نقول أن المرأة كانت منقبة (منتقبة)،غابت كما غاب الدين عن هذا الرأي إلا فيما ندر.
مقارنة:
ثم عقدت الأستاذة عزة المقهور مقارنة بين هذا الرأي حكم المحكمة الدستورية المصرية حكم المحكمة الدستورية العليا المصرية: 18. مايو. 1996 دعوى رفعت أمام القضاء الإداري المصري 21/ 49 ق ضد قرار وزير التعليم رقم 113 لسنة 1994 المفسر بالقرار رقم 208 لسنة 1994، يحددان الزي المتعين ارتدائه، طالبا الحكم بإيقاف القرار السلبي بالامتناع عن قبول ابنتية بإحدى المدارس الثانوية لأنهما متنقبتين. وأسانيد المحكمة برفض الطعن بعدم الدستورية، وذكرت أن القاضي وليد بيئته ومحيطه، وأن القاضي المصري وهو يسبب ويصدر أحكامه قد شعر بالراحة والبراح في التأصيل الشرعي والديني للمسألة، حين تطرقت المحكمة الدستورية العليا المصرية لصميم الشريعة فيما يتعلق بالنقاب و تطرقت للأحكام الشرعية القطعية في ثبوتها ودلالتها والتي يكون الاجتهاد فيها ممتنعا. التي لا يتغيرمفهومها بتغير الزمان والمكان. وبين الأحكام الظنية غير المقطوع بثبوتها أو بدلالتها أو بهما معاً،والتي تنحصر دائرة الاجتهاد فيها ولاتمتد لسواها وهي بطبيعتها متطورة تتغير بتغيير الزمان والمكان. بينما كان موقف القاضي الفرنسي في رأيه بعيدا كل البعد على ذلك ومؤسسا فقط على مبادئ الحريات العامة وحقوق الإنسان. وهي مسألة تحتاج إلى التوقف عندها وتفهمها إذ أن القضاة هو نتاج مجتمعاتهم وتكوينهم الفكري والثقافي والتعليمي.
تداعيات رأي مجلس الدولة الفرنسي :
رفضت الحكومة الفرنسية رأي مجلس الدولة الفرنسي، وتمضي قدما في اتجاه المنع الكامل.
واقعة سائقة السيارة الفرنسية المنقبة، التي عوقبت بالغرامة (22 يورو) بحجة مخالفتها لقانون السير قانون السير الذي ي قضي بتسجيل محضر مخالفة بحق من يعتبره الشرطي مرتديا ما من شأنه إعاقة القيادة الآمنة عقب صدور القرار في أبريل 2010 بمدينة نانت الفرنسية.
أعدت الحكومة مشروع قانون يقضي بالمنع الكامل على كامل التراب الفرنسي حتى بالنسبة للسياح القادمين إلى فرنسا. يتوقع صدور القانون في الدورة البرلمانية المقبلة، ولكن السؤال كيف سيكون فحوى قانون، كما أنه سيمر على مجلس الدولة مجددا. أن صدور قانون بالمنع الشامل والكامل سيفتح الباب للطعن عليه بعدم الدستورية، رفع دعوى أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان.
هذا ماكان من محاضرة الأستاذة/ عزة كامل المقهور، بقي أن نشير إلى أنها أنهتها بقراءة لفقرة من مقال للدكتور نجيب الحصادي أستاذ الفلسفة بالجامعات الليبية بالقول في مقال له تحت عنوان " رأي من الوطن: الوجه باب الروح" :
"ليس الوجه مجرد قطعة أخرى من الجسد. الوجه عشب الروح البازغ من طين الجسد، باب للمهجة، يواربه النقاب ويوصده الخمار . . ....... بطاقات ُ هويات ِ نا تحمل صور َ وجوه ِ نا. وجوه ُ نا ـ لا عيون ُ نا ـ هي أسماؤنا. حين يخطر الراحلون على البال، تهطل ُ وجوه ُ من غيم ِ الذاكرة. أكثر من ذلك أن المرء َ لا يغدو كيانا أخلاقيا إلا بعد أن يصبح مسؤولا عن وجهه. "
"فيا أيها الملثم؛ أنت تراني، وأنا لا أرك؛ فأرني وجهك، حتى أراك ."
أعقب المحاضرة نقاش من الحاضرين من المحامين والمثقفين ورجال الدين
*الوطن الليبية
بالمركز الثقافي المصري يوم 15. 6. 2010، قامت المحامية عزة كامل المقهور بإلقاء محاضرة تحت عنوان ( الرأي الصادر عن مجلس الدولة الفرنسي حول الوسائل القانونية لمنع ارتداء الغطاء الكامل (النقاب)، الصدر عن الجمعية العمومية لمجلس الدولة الفرنسي بدوائرها المجتمعة بتاريخ الخميس 25. 3. 2010 .
و استغرقت محاضرة الأستاذة عزة كامل المقهور أكثر من ساعة تعرضت خلالها لما يلي:
فرنسا والحجاب، تناولت الوقائع ذات العلاقة بمنع الحجاب من عام 1989، ثم صدور قانون بشكل عام يمنع كافة المظاهر الدينية في فرنسا والتي تكون ظاهرة في المدارس والدوائر العامة. ثم تعرضت لانتقال الحمة لعدة دول في أوربا مثل بلجيكا وألمانيا وهولندا.
وذكرت أن دولا أخرى سبقت فرنسا في منع ارتداء الحجاب كتونس، وتركيا وأندونيسيا في فترة محددة أثناء حكم سوهارتو.
وبعد ذلك تعرضت لقصة فرنسا مع النقاب والتي بدأت في عام 200 تقريبا، وأنه في فرنسا اليوم توجد أقل من ألفي امرأة منقبة منهن 26% من أصول فرنسية، إلا أن الرأي العام الفرنسي معبأ تماما ضد النقاب كما هو حال الإعلام في فرنسا.
وفي عام 2009، تقدم عدد من النواب في البرلمان الفرنسي بعريضة زعموا فيها أن النقاب يتعارض مع مبدأ العلمانية في فرنسا وهو مبدأ راسخ ومنصوص عليه في الدستور الفرنسي، ويتعارض مع قيم الجمهورية الفرنسية وهي الكرامة والإخاء والمساواة والحرية.
وعليه شكلت لجنة لتقصي الحقائق، رأسها نائب في الحزب الشيوعي الفرنسي يدعى أندريه جيرن، والتي أعدت تقريرا رفعته إلى رئيس الجمهورية آنذاك جاك شيراك من حوالي 658 صفحة تم فيه الاستماع لعدة أراء في المجتمع الفرنسي بما فيهن نساء منقبات.
في 29 يناير 2010، طلب رئيس الوزراء الفرنسي فرانسوا فيون Fillon من مجلس الدولة الفرنسي رأياً استشاريا حول إمكانية اتخاذ إجراءات بمنع ارتداء النقاب بشكل كامل وبفاعلية قصوى دون ”جرح مواطنينا من أتباع الديانة الإسلامية“.
في 25. 3. 2010 صدر رأي مجلس الدولة الفرنسي. وهو الرأي موضوع المحاضرة.
قبل الخوض في موضوع القرار، تناولت المحاضرة الأستاذة عزة المقهور، نشأة مجلس الدولة الفرنسي واختصاصه، وذكرت أن الملكية الفرنسية منذ القرن الثالث عشر عرفت مجلسا استشاريا للملك، حين كانت شخصية الملك تختلط بالدولة، ثم عقب الثورة الفرنسية رأت السلطة آنذاك أن قرارات الدولة كونها سلطة عامة يجب أن تخضع لقضاء خاص، فكان تأسيس مجلس الدولة الفرنسي فعليا في عام 1872 حين أصبح صاحب اختصاص قضائي كامل.
وهكذا تحول هذا القضاء الذي كان في منشأة مدعاة لحماية السلطة شيئا فشيئا إلى قضاء مستقل يعنى بالأساس بحفاظ حقوق الأفراد ضد تغول السلطة العامة وتسلطها، وأرسى بالتالي قواعد ما يعرف اليوم بالقانون الإداري وهو الذي يختص بالنظر في المنازعة المتصلة بسلطة إدارية أو بمرفق عام تباشره الإدارة بموجب القانون العام، وهو نظام لا تعرفه الدول الأنجلوساكسونية، وإن كانت تعرفه الدول التي تنتهج النظام القضائي الفرنسي كبلجيكا في أوربا وكثير من الدول العربية بما فيها ليبيا وإن كان بشكل غير متكامل.
مجلس الدولة الفرنسي اليوم هو بمثابة المحكمة العليا الإدارية في فرنسا، وهو يلعب دوران منفصلان، دور قضائي بحث يختص فيه بنظر الطعون الإدارية التي ترفع إليه في أحكام صادرة عن محاكم الاستئناف أو أحيانا المحاكم الإدارية بشكل مباشر، كما له اختصاص ابتدائي وانتهائي في ذات الوقت في بعض المسائل المحددة. كما أنه وكما كان في أصل نشأته يلعب دورا آخرا باعتباره مفتي أو مستشار للحكومة ، فعلى سبيل المثال لا يمكن للحكومة عرض أية مشاريع قوانين على البرلمان الفرنسي قبل عرضها على مجلس الدولة الفرنسي للرأي. كما وأنه بالتالي فإن آرائه غير ملزمة، لكنها في أغلب الأحيان تحترم
وتطرقت الأستاذة عزة بشيء من التفصيل للأجزاء الثلاثة التي تكون منها الرأي وهي:
الجزء الأول: ويتعلق ب التشريعات الوطنية والتشريعات المقارنة بالخصوص.
الجزء الثاني: عدم وجود أساس قانوني قوي للمنع العام لإرتداء الغطاء الكامل أو إخفاء الوجه في الأماكن العامة.
الجزء الثالث: الوسائل المتعددة التي يمكن دراستها بغرض تجانس ودعم مجال منع إخفاء الوجه أيا كان شكله.
الجزء الأول: ويتعلق ب التشريعات الوطنية والتشريعات المقارنة بالخصوص:
وركزت الأستاذة عزة في محاضرتها على أن مجلس الدولة الفرنسي أبتعد عن أستخدام لفظ "النقاب" أو "البرقع" وهما لفظان أشير إليهما في رسالة رئيس الوزراء للمجلس بطلب الاستشارة، وفضل أستخدام لفظين آخرين هما " الغطاء الكامل" " تغطية الوجه" وبهذا فإن المجلس وضع خطا أحمرا في عدم الدخول أو الانزلاق في الظروف الدينية للمسألة وحدد مساره في الإطار التشريعي وخاصة الدستوري من جهة و مبادئ حقوق الإنسان والضمانات القانونية لها من جهة أخرى، بما في ذلك أحكام المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان. كما وأنه قرر تناول المسألة على أساس تغطية الوجه بشكل عام أيا كانت أشكاله وصوره. وذكر المجلس من حيث المبدأ فإن خلصت المحكمة بالخصوص: من حيث المبدأ، فإن الشخص لا يمكن أن يخفي وجهه حين يكون التعرف على الهوية مهم لضمان أمن الأشخاص والممتلكات، أو لمكافحة الجريمة أو قمعها، وكذلك لضمان احترام النصوص القانونية واللوائح السارية. كما أستعرض الرأي القوانين السارية والتي تحد من تغطية الوجه سواء في مجال التعليم أو العمل أو غيرها.كما أشار إلى نصوص عقابية تسري على حالة إجبار الآخر أو دعوته لإخفاء الوجه. كما تعرض الرأي لتجارب وتعامل الدول الأوربية الأخرى في مسألة النقاب وبين أن أيا من هذه الدول لم تلجأ للمنع الكامل والشامل بغض النظر عن المكان والظروف المحيطة.
الجزء الثاني: : عدم وجود أساس قانوني قوي للمنع العام لإرتداء الغطاء الكامل أو إخفاء الوجه في الأماكن العامة:
وخلص المجلس في رأيه، إلى أنه لا يمكن فرض منع كامل وشامل على تغطية الوجه بشكل عام أيا كانت أشكاله وصوره، وأن لا أساس قانوني لفرض ذلك وأن الزام المنع الكامل والشامل سينتهك حقوق أساسية وحريات عامة كالحق في التنقل والعمل والحق في المعتقد الديني والحق في الحرية الشخصية والحياة الخاصة. وأن هذا يتعارض مع النصوص الدستورية كما يتعارض مع القوانين السائدة ومع مواقف وأحكام المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان.
وتعرض الرأي لنقاط ثلاث أعتمد عليهم المناهضون والرافضون لوضع النقاب ألا وهي: 1. مبدأ العلمانية. 2. مبدأ الكرامة الإنسانية. 3. مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة.
1. مبدأ العلمانية: وهو مبدأ أشاد به المجلس وبرسوخه طوال قرن من الزمان، إلا أنه ذكر بأن إلا أن المجلس رغم تمسكه وتأكيده على مبدأ العلمانية، فإنه يرى أنها لا تصلح أساسا للمنع العام لارتداء الغطاء الكامل في الفضاء العام. وهو ما أكدته المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان أن العلمانية لا يمكن أن تبرر منع مطلق للغطاء الكامل على كامل الفضاء العام.وأن المنع بشكل خاص للغطاء الكامل كشكل واحد بعينه، دون غيره يمكن أن يفسر على أنه تدخل من قبل السلطات العامة في مبدأ راسخ ألا وهو ممارسة حرية العقيدة .
2. مبدأ الكرامة الإنسانية : رأى المجلس إشكالية تتمثل في أن مبدأ حماية الكرامة ال إ نسانية وهو مبدأ دستوري وسامي يتضمن مبدأ حماية الحرية الشخصية، وحماية الحياة الخاصة القاضي بأن ” لكل فرد الحق في ممارسة حياته وفقا لمعتقداته وخياراته الشخصية، بما في ذلك المخاطرة بنفسه ماديا أو معنويا طالما أنه لا يضر بالآخرين ” حكم ال م حكمة أور و بية لحقوق الإنسان 17. 2. 2005كما استند الرأي إلى المادتين 4 و 5 من إعلان حقوق الإنسان والمواطن الصادر في أغسطس 1789 : م 4 كل الناس أحرار والحرية هي إباحة كل عمل لا يضر أحداً. وبناء عليه لا حد لحقوق الإنسان الواحد غير حقوق الإنسان الثاني. ووضع هذه الحدود منوط بالقانون دون سواه. وتنص المادة 5 على :ليس للقانون حق في أن يحرّم شيئا إلا متى كان فيه ضرر للهيئة الاجتماعية. وكل ما لا يحرمه القانون يكون مباحاً فلا يجوز أن يُرغم الإنسان به.
أشار المجلس إلى المعلومات المقدمة من وزارة الداخلية الفرنسية إلى اللجنة البرلمانية والتي تقضي بأن ارتداء النقاب في أغلب الأحيان يتم بشكل ”طوعي“.وإلى أنه من الصعب وضع قاعدة للمنع في موضوع يتعلق بالزي و يتسم بالتالي بالذاتية. وأعتبر المجلس أن مسألة الرغبة والطواعية في ارتداء النقاب بالنسبة للراشدة تجعل من مبدأ حماية الكرامة الإنسانية محل شك وخلاف و جدل قانوني في هذه الحالة.
وعليه رأى المجلس أن مبدأ حماية الكرامة الإنسانية لا يمكن أن يكون سندا للمنع المطلق والكامل لتغطية الوجه.
3. مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة:
أشار المجلس إلى أن هذا مبدأ دستوري راسخ م 1 من إعلان حقوق الإنسان والمواطنة ”يولد الناس ويعيشون أحراراً متساوين ف ي الحقوق. ولا يمتاز بعضهم عن بعض إلا فيما يختص بالمصلحة العمومية “. م 21 من الدستور الفرنسي حول المساواة في الانتخاب و التوظيف و المركز الاجتماعي بين الرجل والمرأة.
ذكر المجلس أن مبدأ المساواة يستخدم في مواجهة التمييز، أو للمطالبة بالمساواة في التعامل، وهو بالتالي يستخدم ضد الآخر. وعليه لا يجوز استخدامه ضد الشخص ذاته، أي ضد ممارسته لحريته الشخصية. بمعنى آخر أن الشخص وهو يمارس حريته الشخصية في ال ملب س يقوم هو ذاته بانتهاك مبدأ المساواة، بما في ذلك في الفضاء العام. وأكد على مسألة الطوعية في إخفاء الوجه في غالبية الحالات.
خلص مجلس الدولة الفرنسي بالنسبة للمبدأين المتعلقين بانتهاك الكرامة الإنسانية و / أو مبدأ المساواة بين الجنسين، ف أنهما لا يصلحان أن يكونا أساسا للمنع المطلق من ارتداء النقاب تأسيسا على أمر واحد ألا وهو عدم إ مكانية تطبيقه على الأفراد الذين اختارو ا طواعية وضعه.
فكرة النظام العام كأساس لتغطية الوجه: وتتلخص فكرة النظام العام وهي فكرة هلامية تتغير بتغير المكان والزمان وترتبط ترتبط بالمقومات الأساسية والعليا للجماعة، ورأى المجلس بالخصوص وبما أنه لا يوجد أساس قانوني يمكن الاعتماد عليه للمنع العام للغطاء الكامل كزي أو لأي شكل من أشكال إخفاء الوجه، وأن المنع العام يصطدم بالحقوق والحريات الدستورية وتلك المضمونة قانونا. فإن المنع العام لا يمكن أن يعتمد إلا على فكرة النظام العام بشكل منضبط ومحدد باعتبارها قاعدة التعايش في إطار المجتمع. وإنه وفي غياب سوابق قضائية فإن فكرة النظام العام ستكون عرضة للطعن بعدم الدستورية أو بالمخالفة للقوانين مما يضعفها.لذا فإن النظام العام بمكوناته التقليدية لا يسمح بالمنع العام لكنه يمكن أن يشكل أساسا للمنع الجزئي.
وهكذا انتقل المجلس إلى نقطة أخرى جوهرية كأساس للمنع الجزئي ألا وهي: الأمن العام باعتباره مكون مادي للنظام العام والآداب وبما يمكن أن يشكل أساسا للمنع العام لتغطية الوجه. وأشار الرأي إلى مسألتين قبل أن يبلور موضوع الآن العام وهما:
- أن وضع النقاب حتى تاريخ صدور الرأي لم يثر أية مشاكل تتعلق بالأمن العام أو اضطراب للنظام العام، أو ردود فعل ذات طبيعة تبرر المنع العام لوضعه.
- أن منع النقاب بشكل مطلق يتعارض مع القوانين الأوربية الخاصة بعدم التمييز ، وتحديدا قانون صادر في 29. 12. 2000 حول تطبيق مبدأ المساواة في التعامل فيما بين الأفراد دون تمييز بسبب العرق أو الأصل الأثني، والميثاق الأوربي للحقوق الأساسية للإتحاد الأوربي 2009 (م 21).
النظام العام بمفهومه الجديد: ويمكن تلخيص ذلك فيما يلي:
- لا يوجد تعريف موحد وواحد لفكرة النظام العام.
- إلا أنه يمكن القول أن النظام العام يتجاوب مع القاعدة الأدنى التي تقضي بالالتزامات التقابلية والضمانات الأساسية من الحياة ضمن الجماعة. مثال احترام مبدأ التعددية الذي يقتضي تنظيم/ أووضع اشتراطات لممارسة حريات أخرى.
- أن التعاقد الاجتماعي يقتضي -أن الفرد متى تواجد في أماكن عامة - عدم إنكار ذاته تجاه المجتمع وفي ذات الوقت عدم التنكر عن طريق تغطية الوجه للحد الذي يمنع من التعرف عليه.
- وعليه فإن النظام العام بمفهومه الذي يشكل القاعدة الأدنى للالتزامات التقابلية وضمان ممارستها في إطار العيش الجماعي هو الأساس الوحيد لمنع تغطية الوجه في الأماكن العامة، ذلك أن لنظام العام داخل المجتمع يقتضي منع أي نكران للفرد بما يؤكد الحق والظهور المتساوي للجميع في إطار العيش المشترك. كما أعترف المجلس بأن هذا التعريف الجديد للنظام العام قد يلقى ردود أفعال توصمه بعدم الدستورية. وشدد المجلس على ضرورة الموازنة بين احترام الحياة الخاصة والحرية الشخصية والضمانات الدستورية الفردية من جهة، والمصلحة العامة من جهة أخرى.
و خلص المجلس إلى أن الجانب المادي للنظام العام وتحديدا الأمن العام يشكل أساسا قويا ”جدا“ لمنع إخفاء الوجه، ولكن في ظروف خاصة. كما استبعد المجلس المكونين التقليديين الآخرين لمبدأ النظام العام ألا وهما الصحة العامة والسكينة (الهدوء) العامة وأنهما لا ينطبقان على هذه الحالة.
الخلاصة: أن المكون المادي الوحيد لفكرة النظام العام والمتمثلة في الأمن العام وحدها يمكن أن تكون أساسا للمنع الجزئي لتغطية الوجه، على أن يصاحبها الضمانات اللازمة لحقوق الإنسان.
كما و أن هذا الأساس ليس مطلقا بل يتعين أن يتم التوفيق بينه وبين بعض المتطلبات القانونية: الحقوق والحريات العامة والدستورية.
كما وأنه يتعين خلق توازن فيما بين المتطلبات المختلفة والتي يتعين أن تكون خاضعة للرقابة القضائية على مدى دستورية وقانونية الأفعال التي تخضع لها.
وأشار المجلس إلى ضمانات أربعة يتعين التركيز عليها في حالة المنع الجزئي لتغطية الوجه، ألا وهي :
- إن الحد من الحقوق والحريات يتعين أن تكون مبررة بوجود اضطراب للنظام العام أو احتمال قوي بشكل كاف لوقوعه.
- مبدأ التناسب proportionnalite أن تكون أفعال الشرطة الماسة بالحقوق والحريات غير مفرطة ومناسبة.
- الضمانات المصاحبة لإجراءات المنع.
- أن تولى أهمية لرقابة المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان.
زمن ثم رفض الرأي المنع الكامل والشامل لتغطية الوجه، ذلك أن الأساس القانوني للمنع العام والكلي في كافة الأماكن العامة ضعيف. كما وأنه لم يترتب على هذه الظاهرة أي أخلال بالأمن العام. لذا فإن المنع سيكون مبنيا على منطق وقائي وهمي ، وان من الصعب وضع ضمانات تصاحب إجراء المنع هذا على كامل الأماكن العامة بهدف الحد من المساس بالحريات الشخصية.
الجزء الثالث: بعض الوسائل المتعددة التي يمكن دراستها بغرض تجانس ودعم مجال منع إخفاء الوجه أيا كان شكله.
وهنا أقترح المجلس بعض الحلول المناسبة،
كاستخدام المحافظ سلطاته كمأمور ضبط قضائي prefet بتحديد الأماكن والظروف التي يمنع فيها إخفاء الوجه، وتحديد أفراد الشرطة المحلية لمراقبة التنفيذ.
وضع نص عقابي لمن يجبر الآخر على تغطية الوجه خاصة متى تعلق الإجبار بالقصر وأقترح أن تكون جنحة يقرر فيها الحبس.
إلا أنه وحسب رأي الأستاذة عزة المقهور فإن أهم اقتراح للمجلس على الإطلاق هو اقتراحه أن يتم معالجة الأمر بمقتضى وسيلة جديدة ألا وهي الوساطة الاجتماعية ( سبيل اجتماعي للحديث والإقناع) وتحديد مؤسسة معتمدة للقيام بذلك، بأن تتم مقابلة المعنية والتحدث إليها واستخدام سبيل الحوار والإقناع.
الختام: جاء قرار المجلس كالتالي:
يخلص المجلس إلى أنه تأسيسا على الأمن العام يمكن أن يسمح فقط بمنع تغطية الوجه في الأماكن المعرضة وبشكل كاف لأن يحدث فيها اضطراب في النظام العام.
إن مجلس الدولة يرفض المنع العام الموحد.
أن أي نظام بالمنع يجب أن يؤسس على مبرر محدد ، الأمر الذي ينتج عنه عدم اللجوء إلى أسس افتراضية مكملة أو تبعية .
ملحق بالرأي مشروع لنصين قانونيين.
ملاحظات :
وبعد الاستعراض المسهب لرأي مجلس الدولة الفرنسي بالخصوص، قدمت الأستاذة عزة ملاحظاتها بأن ذكرت بقول للأستاذ/ مصطفى المهدوي الرئيس السابق لمحكمة استئناف بنغازي والذي قام بتدريسها في السنة الرابعة كلية القانون حين قال في أول محاضرة : إن القانون ينشد حقا، بينما السياسة تنشد مصلحة.
وذكرت أن هذا الرأي انحاز إلى الحق، ولم يستجب لا للضغوط السياسية ولا الاجتماعية ولا الإعلامية القوية التي كانت تتطاحن وما تزال في المجتمع الفرنسي.
وخلصت إلى ما يلي:
هذا الرأي أباح المنع ولكن في أضيق نطاق. نوع من التوازن بين حق الفرد ومصلحة الجماعة.
هذا رأي استشاري وليس ملزم، لكنه رأي محترم وله وزن.
هذا الرأي كأننا أمام مزارع قلم أغصان الشجرة اليابسة والخضراء منها والتي قد تضر بجمال الشجرة لكنها لا تضر بنموها، حين حرص كل الحرص على جذعها.
لم يأخذ المسألة من منطلقها الديني، ولا الاجتماعي، ولا العرقي (الإثني)، ولا الجنسي (الجندر/ الأنثوي)، ولا حتى السياسي، وإنما وضع لنفسه حدودا ومعايير التزم بها ولم يخرج عنها.
الرأي لم ينزلق نحو الجوانب والاعتبارات التي تغلف ظاهرة النقاب، كما لم يدغدغ المشاعر التي تثيرها الظاهرة في المجتمع الفرنسي ولم يستجب أو يتعاطف مع مبدأ حرية العقيدة إلا بالقدر الذي تمليه القواعد الدستورية ذات العلاقة بحقوق الإنسان.
غلب وأعطى الأولوية لمبادئ حقوق الإنسان وشدد على أن المنع يجب أن تصاحبه ضمانات (مبدأ التناسب/ أن يكون إستئنائيا...)
هذا الرأي القانوني لم يخضع للاعتبارات ولا للضغوط السياسة ، بل و الاجتماعي ة، والدعاية الإعلامية وإفرازاتها على المجتمع. الاهتمام بقضاء المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان بشكل واضح. فالقاضي الوطني لم يعد خاضع فقط لرقابة القضاء الوطني بل يخضع لرقابة أعلى وأوسع هي رقابة المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان.
بقى أن نقول أن المرأة كانت منقبة (منتقبة)،غابت كما غاب الدين عن هذا الرأي إلا فيما ندر.
مقارنة:
ثم عقدت الأستاذة عزة المقهور مقارنة بين هذا الرأي حكم المحكمة الدستورية المصرية حكم المحكمة الدستورية العليا المصرية: 18. مايو. 1996 دعوى رفعت أمام القضاء الإداري المصري 21/ 49 ق ضد قرار وزير التعليم رقم 113 لسنة 1994 المفسر بالقرار رقم 208 لسنة 1994، يحددان الزي المتعين ارتدائه، طالبا الحكم بإيقاف القرار السلبي بالامتناع عن قبول ابنتية بإحدى المدارس الثانوية لأنهما متنقبتين. وأسانيد المحكمة برفض الطعن بعدم الدستورية، وذكرت أن القاضي وليد بيئته ومحيطه، وأن القاضي المصري وهو يسبب ويصدر أحكامه قد شعر بالراحة والبراح في التأصيل الشرعي والديني للمسألة، حين تطرقت المحكمة الدستورية العليا المصرية لصميم الشريعة فيما يتعلق بالنقاب و تطرقت للأحكام الشرعية القطعية في ثبوتها ودلالتها والتي يكون الاجتهاد فيها ممتنعا. التي لا يتغيرمفهومها بتغير الزمان والمكان. وبين الأحكام الظنية غير المقطوع بثبوتها أو بدلالتها أو بهما معاً،والتي تنحصر دائرة الاجتهاد فيها ولاتمتد لسواها وهي بطبيعتها متطورة تتغير بتغيير الزمان والمكان. بينما كان موقف القاضي الفرنسي في رأيه بعيدا كل البعد على ذلك ومؤسسا فقط على مبادئ الحريات العامة وحقوق الإنسان. وهي مسألة تحتاج إلى التوقف عندها وتفهمها إذ أن القضاة هو نتاج مجتمعاتهم وتكوينهم الفكري والثقافي والتعليمي.
تداعيات رأي مجلس الدولة الفرنسي :
رفضت الحكومة الفرنسية رأي مجلس الدولة الفرنسي، وتمضي قدما في اتجاه المنع الكامل.
واقعة سائقة السيارة الفرنسية المنقبة، التي عوقبت بالغرامة (22 يورو) بحجة مخالفتها لقانون السير قانون السير الذي ي قضي بتسجيل محضر مخالفة بحق من يعتبره الشرطي مرتديا ما من شأنه إعاقة القيادة الآمنة عقب صدور القرار في أبريل 2010 بمدينة نانت الفرنسية.
أعدت الحكومة مشروع قانون يقضي بالمنع الكامل على كامل التراب الفرنسي حتى بالنسبة للسياح القادمين إلى فرنسا. يتوقع صدور القانون في الدورة البرلمانية المقبلة، ولكن السؤال كيف سيكون فحوى قانون، كما أنه سيمر على مجلس الدولة مجددا. أن صدور قانون بالمنع الشامل والكامل سيفتح الباب للطعن عليه بعدم الدستورية، رفع دعوى أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان.
هذا ماكان من محاضرة الأستاذة/ عزة كامل المقهور، بقي أن نشير إلى أنها أنهتها بقراءة لفقرة من مقال للدكتور نجيب الحصادي أستاذ الفلسفة بالجامعات الليبية بالقول في مقال له تحت عنوان " رأي من الوطن: الوجه باب الروح" :
"ليس الوجه مجرد قطعة أخرى من الجسد. الوجه عشب الروح البازغ من طين الجسد، باب للمهجة، يواربه النقاب ويوصده الخمار . . ....... بطاقات ُ هويات ِ نا تحمل صور َ وجوه ِ نا. وجوه ُ نا ـ لا عيون ُ نا ـ هي أسماؤنا. حين يخطر الراحلون على البال، تهطل ُ وجوه ُ من غيم ِ الذاكرة. أكثر من ذلك أن المرء َ لا يغدو كيانا أخلاقيا إلا بعد أن يصبح مسؤولا عن وجهه. "
"فيا أيها الملثم؛ أنت تراني، وأنا لا أرك؛ فأرني وجهك، حتى أراك ."
أعقب المحاضرة نقاش من الحاضرين من المحامين والمثقفين ورجال الدين
*الوطن الليبية
التعليقات