ينقصنا فقط مأسسة وزارات وتحرر وزراء من مفاهيم الغنيمة والاستحواذ

ينقصنا فقط مأسسة وزارات وتحرر وزراء من مفاهيم الغنيمة والاستحواذ
بقلم : برهان السعدي

انتشرت في السنوات الأخيرة مصطلحات فساد ومبادئ الحكم الرشيد، ونزاهة وشفافية وغير ذلك، وكلما سمعنا إذاعة تطنطن بمصطلح فساد، تصف فيه أداء السلطة الفلسطينية، كنا نشعر بوخزات إبر مسمومة مغروزة في جسمنا الوطني الفلسطيني، ونعتبر ذلك حملة تستهدفنا تماما كسلاح فتاك يستهدف المشروع الوطني الفلسطيني برمته، وتشكل أرضاً خصبة لمصادرة حقنا في إمكانية وجود وبناء دولة فلسطينية.

نتباهى ونباهي بنسبة التعليم المرتفعة لشعبنا الفلسطيني ونخبه المثقفة على مستوى العالم، ونعتد بغزونا العالم بعباقرة وعلماء وخبراء وكفاءات، فنجد أنفسنا نصطدم بصخرة الواقع المؤلم، ونتساءل عن مدى صحة ما يشاع، ونردد أننا نحن أصحاب الأداء المحاصرين بأطواق سميكة من الأعداء، وأن نسبة منسوب الخطأ بالمحصلة يمكن أن تكون مرتفعة، وأننا نكتشف الخطأ فنعالجه، وكررنا كثيرا ما تلقفناه من تصريحات للسيد الرئيس ودولة رئيس وزرائه ولبعض المنظمات ذات العلاقة، بأن مناسيب الفساد قد تقلصت، وفي مساحات من العمل قد تلاشت، فنحن بخير وألف عافية، وهذا ما ينتج الارتياح ويطبع البسمة ويجدد الأمل باقترابنا من القدس عاصمة سياسية للدولة الفلسطينية المستقلة على أنقاض الاحتلال.

وبعد قراءتنا المتمعنة لجولة كائن من جزيرة الشمس في موضوعة نشرت قلنا لا بد من جولة في بعض وزارات السلطة الفلسطينية، لنطمئن على أن الوطن بخير، وأن النصر قادم لا محالة رغم أنف المستوطنين وحكومتهم بأقطابها المشهورين بصلفهم ووقاحة تصريحاتهم ومواقفهم الرافضة التعامل معنا كشعب له حقوقه على أرض وطنه فلسطين.

قلنا: إذا كان هذا واقع الغاب المحكوم بأنظمة وقوانين، ويرفض أساليب البشر ذات ازدواجية المقاييس والظالمة لأصحابها، فلزاما علينا التجول في بساتين الحكومة الفلسطينية لنجدد الأمل بارتفاع بيارق النصر فوق أسوار القدس ومآذنها وكنائسها، لنرى برنامج رئيس وزراء فلسطين قد تحقق في سقفه الزمني.

دخلنا حرم بعض الوزارات، ورأينا تشابك خطوط السلطة ووضوح المسؤولية أحيانا وضبابيتها أحياناً أخر، وسمعنا بعض الهمسات والوشوشات في كثير من التكايا والزوايا، فكل وزارة من الوزارات التي طفنا بها لها خصوصيات، ففي وزارة الشؤون الاجتماعية التي تشكل حجما وأهمية في الواقع الفلسطيني، سمعنا مصطلحات استوقفتنا، فهل نحن في مقهى للعب الورق، أم في وزارة لها اهتماماتها وتعاملها مع قطاعات مهمشة من شعبنا، وجدنا كثيراً من الموظفين يمارسون هواياتهم في لعب الورق لساعات، فقلنا أهذه خلية النحل التي تقول عنها معالي الوزيرة. وبعد لحظات أو ساعات علمنا أن الفراغ يكمن لعدم تسكين عدد كبير من الموظفين، واستشعار عدد آخر بالظلم، نتيجة عملية إحلال لموظفين من خارج الوزارة بعقود ويتسلمون درجات وظيفية عليا، مما يحول دون أخذ موظفين كثيرين استحقاقهم، ومن الهمز والغمز تعالى لمسامعنا أن الإحلال جاء لخدمة أغراض حزبية، وعلى الأصح خدمة لوجود شريحة حزبية موازية للحزب الذي صدأت مقاعد أشخاصة بسبب التقادم في التنفذ.

وعلمنا من أحاديث في بعض التكايا أن موظفين كانوا ينتظرون تسكينهم على درجة مدير في الهيكلية منذ الوزير السابق حفظه الله، لكنهم علموا من معالي الوزيرة الحالية أن ديوان الموظفين العام يرفض تسكينهم على هذه الدرجات، لا لشيء سوى تنفيذ شرطه بتسكين الذين تم ترقيتهم إلى درجة مدير دون تسكين من قبل وزير سابق تحت دعاوى غير موجودة بهيكلية. إن ديوان الموظفين العام هو الذي يملك الإجابة عن صحة أو عدم صحة هذه الإدعاءات، وفي حالة صحتها، وصحة غيرها في وزارات أخرى يتضح أن تعامل بعض الوزراء مع الوزارة أنها مغنم حزبي أو استحواذ شخصي، بعيدا عن فهم المأسسة، وروحية برنامج رئيس الوزراء د. سلام فياض، الأمر الذي من شأنه وضع عربة البرنامج أمام حصان الحكومة، ليبقيه عاجزاً عن السير أو الحركة، ويبقي العربة جامدة في مكانها دون حراك.

إن طرح بعض التفاصيل أحيانا يشكل إثقالاً، وأحيانا يشكل فهما معاديا للوزير أو برنامجه أو سياسته، أو يشكل ترويجا لدعايات مغرضة تستهدف وجود السلطة الفلسطينية من خلال ملفات مفتوحة أو مغلقة عنوانها الفساد. ورغم ذلك، لا يمكن تجاوز بعض المسميات أو المصطلحات، لتشكل سببا كافيا في إعادة النظر لما يجري في مؤسسات السلطة الرسمية، حتى نوقف الخطر المهدد وجودنا وإنجازاتنا ومشروعنا الوطني برمته، حتى لو انزعج معالي الوزير أو الوزيرة.
فمما تناهى إلى مسامعنا أسماء جمعيات مسجلة في وزارة الشؤون الاجتماعية وحصلت فيها مخالفات لا يمكن ذكرها حتى بتقرير صحفي لحساسية العناوين أو خطورة ذكر التفاصيل إن صحت، ومعالي الوزيرة وربما أيضاً هيئة الرقابة الإدارية والمالية التي يترأسها الأخ الدكتور محمود أبو الرب المعروف بنزاهته ونشاطه ونشاط موظفيه، ربما على علم بذلك.

ويتضح للأسف من دراسة سيرورة بعض الوزراء في وزارات تسلموا أمانة إدارتها تعاملهم مع الهيكلية بأنها استئثار للخاصة الشخصية أو الحزبية أو العائلية أو القرابة الجغرافية رغم صغر بقعة فلسطين المشطورة جغرافياً. وأن البعض لا يهمه وجود هيكلية أو إنجازها، فالوزارة والعمل سائر بهيكلية وغير هيكلية.

فمتى يتحرر وزراؤنا – بعضهم حتى لا نعمم – من هذه المفاهيم التي تشكل ثقافة دافعة للأداء في ترجمة أدوارهم من موقع القيادة والمسؤولية؟؟ ومتى سيشعر ويتعامل المسؤول مع المواقع والدرجات أنها ليست إرثا أو حكرا أو استئثارا له؟؟ ومتى سنغني أغنية الفرح وتحقق الأمل، عندما نجد أن معالي الوزير أو الوزيرة يقدم الدعم لمؤسسات أو جمعيات في داخل الوطن على أساس أولويات في الاحتياجات وتقديم الخدمة العامة، متجاوزين قاعدة أن الدعم ملتصق كمفهوم بالجمعيات ذات اللون الحزبي الذي يمثله أصحاب المعالي. فهل يعقل أن يتم تقديم الدعم والمشاريع لجمعية في نابلس مثلا في العام 2009م من 13 مؤسسة أجنبية من خلال وزارة الشؤون الاجتماعية وجمعيات أخرى حتى لم تسمع بذلك رغم أهميتها وفاعليتها.

ليس القصد هنا وزارة بعينها، أو معالي وزيرة الشؤون الاجتماعية التي نعتز بوطنيتها، إنما كونها وزارة فاعلة لا بد من حمل شعار " قف وفكر" خدمة للوطن والمؤسسة، وهناك الكثير المزعج إن تناولناه، لكنها دعوة للحكومة والوزراء كل في موقعه أن تشكل مصلحة العمل ومأسسته ومأسسة الوزارة وإداراتها جل الاهتمام، فالوطن أكبر من الحزب، ومصلحة العمل والمؤسسة أهم من مصلحة الصديق أو الحزبي أو غيرهما، ويا حبذا أخذت هذه المفاهيم ومضامينها بعين الاعتبار قبل التعديل الوزاري القادم، فشعارنا الذي يجب أن نلتصق به نهجا وروحا أن الوطن أهم منا جميعا، والوطن ليس ذرات تراب ورمل، إنه الإنسان والأمل والحاضر والمستقبل، والتاريخ والثقافة والجغرافيا.

التعليقات