الدوحة: يوم سيئ للمفسدين

الدوحة: يوم سيئ للمفسدين
غزة-دنيا الوطن
بعد شد وجذب استمرا بين الدول المشاركة على مدار 5 أيام، اختتم مؤتمر "الدول الأطراف الثالث في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد" أعماله في الدوحة مساء الجمعة 13-11-2009 بنجاح كبير؛ حيث وافق المشاركون بالإجماع على صيغة توافقية لآلية استعراض التزام الدول الـ241 الأعضاء في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد بتنفيذ بنود الاتفاقية، والتي كانت أبرز نقاط الخلاف داخل المؤتمر.
وتركز هذه الصيغة التوافقية لآلية الاستعراض على أن تكون كل دولة هي المكلفة بإعداد التقرير الخاص بمدى التزامها ببنود الاتفاقية، وأن يتم نشر ملخص هذا التقرير وليس تفصيلاته، وأن تكون زيارات الدول الموقعة على الاتفاقية لمراقبة بعضها البعض اختيارية، فيما لم يتم حسم مسألة اشتراك المجتمع المدني داخل الدولة في إعداد التقرير.

وتبنى المؤتمر بالإجماع جميع مشاريع القرارات المطروحة عليه، والتي تلزم أعضاء الاتفاقية بمنع وتجريم الفساد وتطوير التعاون الدولي واستعادة الأصول المسروقة وتحسين المساعدة التقنية من أجل تنفيذ الاتفاقية، واتخاذ تدابير الوقائية لمكافحة الفساد، وذلك إضافة إلى آلية الاستعراض التي تخص تقديم تقارير تستعرض مدى التزام البلدان بتطبيق هذه القرارات.

واعتبر الدكتور علي بن فطيس المري النائب العام القطري، رئيس المؤتمر، في كلمة له خلال الجلسة الختامية "أن مشاريع القرارات التي تبناها المؤتمر تعتبر كلها علامة بارزة على طريق مكافحة الفساد".

وبدوره وصف أنطونيو ماريا كوستا، المدير التنفيذي لمكتب الأمم المتحدة المعني بمكافحة المخدرات، يوم ختام المؤتمر بأنه "يوم سيئ للمفسدين"؛ وذلك بعد تبني آليات تاريخية تكافح الفساد وتعمل على منعه"، ولفت في ذات الوقت إلى أهمية توفير التمويل اللازم لتنفيذ آلية الاستعراض.

وكان المؤتمر شهد خلافات وانقسامات عدة بشأن هذه الآليات وخاصة فيما يتعلق بالمسئول عن إعداد التقارير التي تستعرض وتراقب مدى الالتزام ببنود الاتفاقية، والزيارات الميدانية بين الدول الأعضاء، وهل سيتم نشر تقرير المراقبة أم سيبقى سرا.

فقد كانت آلية الاستعراض التي وضعتها الأمم المتحدة تنص على أن تكون مراقبة الالتزام بتنفيذ الاتفاقية وإعداد التقارير عن ذلك بالتبادل بين الدول؛ بمعنى أن تكلف إحدى الدول بمراقبة وإعداد تقرير عن دولة موقعة على الاتفاقية، وتقوم الدولة الأخيرة بمراقبة دولة أخرى وهكذا.

ولكن في الصيغة التوافقية النهائية تم الاتفاق على أن تتولى كل دولة تقديم تقرير المتابعة عن مدى التزامها بنفسها.

كما كان هناك خلاف بين فريقين على الزيارات الميدانية للدول والمنظمات الدولية للرقابة والتقييم لمستوى الفساد بالدول التي وقعت على الاتفاقية، الفريق الأول: يشمل العديد من دول أوروبا والذي ينظر إلى هذه الزيارات على أنها شيء روتيني نابع من مبدأ الشفافية التي تقرها الاتفاقية نفسها للتعرف على ما تبذله الدول من تقدم في تنفيذ الاتفاقية.

أما الفريق الثاني، ومن بين من يشملهم مصر والصين وباكستان، فينظر إلى تلك الزيارات على أنها تدخل في الشئون الداخلية للدول من خلال إلزام تلك الدول بكشف كل ما يدور داخلها من قضايا قد تعطي لها صورة سيئة على المستوى الدولي، وتضر بمصلحتها العامة. وعلى هذا الأساس طالب هذا الفريق بأن تكون الزيارات اختيارية.

وتم التوافق في ختام المؤتمر على تبني مبدأ أن تكون الزيارات الميدانية اختيارية للطرفين، وألا تكون إلزامية للدول الموقعة على الاتفاقية.

وفيما يتعلق بسرية وعلانية نشر التقارير تم التوافق على نشر الملخص التنفيذي لتقرير المتابعة.

المجتمع المدني

ولا تزال الرؤية غير واضحة حول ما إذا كان سيتم إشراك المجتمع المدني في جلب المعلومات والبيانات التي يقوم عليها أي تقرير أم لا.

ولهذا رفع ناشطون من المجتمع المدني عقب الجلسة الختامية لافتة تطالب بتفعيل المادة 13 من الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد، والتي تحث الحكومات والمنظمات الدولية على ضرورة تعزيز دور المجتمع المدني في مكافحة الفساد كشريك أساسي وفاعل في هذا المسار.

وترى منظمات المجتمع المدني أن الطابع غير الإلزامي للزيارات الميدانية التقييمية يضعف آلية المتابعة، كما أعربت -في وقت سابق- عن رغبتها في نشر كامل التقرير وليس المخلص التنفيذي فقط.

"ترتيب البيت"

وفي مؤتمر صحفي عقب ختام الجلسة، أكد الدكتور علي بن فطيس المري رئيس المؤتمر أن النتائج التي خرج بها المؤتمر تشكل دفعة قوية وركيزة أساسي لمكافحة الفساد على مستوى العالم.

وفي رد على سؤال لمراسل إسلام أون لاين.نت حول انقسام المؤتمرين حول آلية الاستعراض، وكيف تم تجاوز الأمر، قال الدكتور المري:" كان العمل شاقا واستطعنا التغلب على الخلافات وتوصلنا إلى آلية تفرض على الدول تقديم تقارير دورية عما تم تنفيذه من الاتفاقية".

وتابع: كان هناك بعض الدول كان لديها ظرف خاص ويرى أن هذه الاتفاقية لا يمكن أن نصل فيها إلى وضع آليات تفرض على هذه الدول تقديم تقارير دورية عما صنعت لمحاربة الفساد وكان هناك دول ترى أن هذه المسألة مازال الوقت مبكرا عليها وأنها لا تستطيع تقديم هذه التقارير وأن هذه التقارير فيها مس بسيادتها.

وبين أنه: مع الاستمرار في النقاش تم التوافق، وأشار إلى أنه كان هناك جدل إلى آخر لحظة كما حدث في الجلسة الختامية من وفد الصين.

وأشار أن مشكلة اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد أنها تتمتع بروح فيينا، وروح فيينا تتطلب الإجماع فلا يمكن الوصول لاتفاقية دون إجماع، ولكن بفضل الله تم الإجماع وأصبح هناك آلية.

ولفت المري إلى أنه بموجب آليات الدوحة التي تم إقرارها بالإجماع فإنه يجب على الدول الموقعة "أن تعيد ترتيب قوانينها الداخلية، وتعيد ترتيب البيت من الداخل؛ ليصبح لديها القدرة على التجاوب مع متطلبات الاتفاقية، وأنا أعتقد أنه بالإرادة وتنظيم البيت من الداخل ستستطيع الدول الإيفاء".

وأعلن انضمام مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع لمؤتمر مكافحة الفساد لتصبح جزءا من منظمات المجتمع المدني لمراقبة تنفيذ الاتفاقية.

إعادة المسروق

وبشأن نتائج المؤتمر حول موضوع استرداد الموجودات، قال المدير التنفيذي لمكتب الأمم المتحدة المعني بمكافحة المخدرات والجريمة، أنطونيو ماريا كوستا في مؤتمر صحفي عقب ختام المؤتمر إن اتفاقية مكافحة الفساد تقضي بضرورة استرداد الموجودات، وإعادة الأموال المسروقة كاملة إلى الدولة الضحية، بعد أن كان في السابق يتم تقاسم هذه الأموال مناصفة بين الدولة التي توجد فيها والدولة المسروقة.

وأعلن كوستا أنه سيقرن اسم الدوحة بالقرارات التي خرج بها المؤتمر، ليصبح اسمها "آليات الدوحة للمتابعة"، مرجعا ذلك إلى "الدور الذي لعبته قطر خلال المؤتمر.. فرغم أن قطر صغيرة في حجمها إلا أنها أصبحت تعلب دورا عملاقا على مستوى العالم".

وأصدر مكتب الأمم المتحدة المعني بمكافحة المخدرات والجريمة بيانا رسميا حصلت "إسلام أون لاين.نت" على نسخة منه، أوضح خلاله كوستا أن هذا الاتفاق "لا ينهي الفساد بل يساعد في قياس ومكافحة الفساد. ويلزم الاتفاق 142 دولة بمنع وتجريم الفساد وتطوير التعاون الدولي واستعادة الموجودات المسروقة وتحسين المساعدة الفنية وتبادل المعلومات".

ونبه إلى أنه على ضوء الآلية الجديدة ستخضع كل الدول إلى المراقبة كل خمس سنوات لمعرفة مدى التزامها بتنفيذ تعهداتها في مكافحة الفساد.

ولفت إلى أن ملخص تقارير المراجعة والخبراء ستنشر من الآن فصاعدا للإطلاع عليها، وستحاكم الدول بذات الإجراءات التي اتخذتها والتي تلزمها بمحاربة الفساد.

وقررت الوفود المشاركة عقد الدورة الرابعة للمؤتمر في المملكة المغربية عام 2011 على أن تستضيف بنما الدورة الخامسة عام 2013.

واتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد تبنتها الجمعية العامة في 31 أكتوبر 2003 ودخلت حيز النفاذ في 14 ديسمبر 2005 هي الاتفاقية الوحيدة الشاملة التي تضع إطارا عاما للتشريعات المتعلقة بمكافحة الفساد والرشوة عالميا وحماية المال العام، وتقدم المتطلبات اللازمة لمنع الرشوة والفساد أو التحقيق في الجرائم المتعلقة بها ومعاقبة مرتكبيها.

التعليقات