خفايا وأسرار الفساد في مناقصة تجهيز معامل الأوكسجين الطبي إلى وزارة الصحة ( العراقية ) / 1

بالوثائق والمستندات الرسمية ... خفايا وأسرار الفساد في مناقصة تجهيز معامل الأوكسجين الطبي إلى وزارة الصحة ( العراقية ) / 1

بقلم صباح البغدادي


عندما يتعلق مصير المواطن العراقي المريض بإنقاذه من الموت مقابل حصول المسؤول الحكومي على عمولة أو رشوة لغرض تمرير أي صفقة دوائية تكون منقذة للحياة البشرية ... يحدث هذا فقط في ما يسمى بـ ( عراقهم ) ( الديمقراطي ) الجديد ...


شكلت العواصف الرملية العاتية التي ضربت معظم أنحاء العراق أسوأ حالة مناخية يمر بها العراقيون منذ سنوات طويلة , والتي كانت هذه العواصف الرملية في السابق تستمر في الغالب لمدة يوم واحد أو يوميين على ابعد تقدير , ولكن العاصفة الرملية الأخيرة استمرت لأكثر من أسبوع وما زالت تداعياتها على الوضع الصحي المأساوي للمواطن العراقي مستمرة لغاية هذا اليوم , حيث اكتظت ردهات طوارئ المستشفيات في العاصمة بغداد وبقية المحافظات بالمئات من المواطنين المصابين وخصوصآ الأطفال الذين يعانون من مرض الربو وضيق التنفس والحساسية وحالات الاختناق جراء هذه العواصف الرملية وفي درجات حرارة مرتفعة , ومع شدة الازدحام على المستشفيات من قبل المراجعين المصابين وقلة الكادر الطبي والتمريضي المتخصص لمواجهة مثل هذه الحالات الطبية الطارئة , إضافة إلى قلة وعدم توفر أجهزة الأوكسجين الطبي النقي في معظم المستشفيات بالعاصمة وبقية المحافظات وافتقارها كذلك إلى البخاخات المطلوبة لعلاج المرضى , ومع كل هذا الواقع الصحي المزري تفانى الكادر الطبي والتمريضي لتقديم أفضل الخدمات للمواطنين بالمواد الطبية المتواجدة لديهم وبما هو متوفر على الرغم من شحتها وقلتها .

هذا الحالات المرضية كان يمكن أن يتم فيه تفادي موت الكثير من العراقيين , لو كانت هناك موجودة المعامل المنتجة للأوكسجين النقي , والذي بقي هذا الموضوع يراوح مكانه بين أروقة وزارة الصحة نتيجة الفساد الإداري والمالي المستشري من بعض المسؤولين في الوزارة كما سوف نوضحه في سياق سلسلة مقالاتنا هذه , حتى وصل الأمر إلى موت المواطن العراقي على آسرة المستشفيات وفي صالة العمليات نتيجة إعطائه الأوكسجين غير النقي والذي لم يكن مطابقآ للمواصفات العالمية الدولية , وكما حدث قبل أيام في مستشفى الديوانية العام وغيرها من المستشفيات الأخرى , ووقف بعض المسؤولين في وزارة الصحة يشاركهم بهذا الموقف المخزي بعض المتنفذين في رئاسة مجلس الوزراء متفرجين غير مبالين بالأوضاع المأساوية التي تصيب المواطن نتيجة لإهمال متعمد من قبل هؤلاء المسؤولين بعدم توفير الاحتياجات الدوائية للمستشفيات , والغرض كان بالأساس من وراء ذلك العمل المشين في سبيل احتساب مقدار العمولات والرشاوى المادية التي يطلبها هؤلاء المسؤولين من الشركات الأجنبية الدوائية المجهزة للمادة الطبية , أي أن المعادلة أصبحت إنقاذ مواطن مريض مقابل حصول المسؤول على عمولته من أي صفقة لمادة دوائية قد تنقذ معها العشرات والمئات من المرضى على آسرة المستشفيات .

تركت المستشفيات والمراكز الصحية خلال السنوات الماضية ولغاية ألان دون أوكسجين نقي مرخص طبيآ للاستعمال البشري , حيث تضطر معظم المستشفيات تحت ضغط الحاجة الملحة والشديدة شراء الأوكسجين غير النقي من السوق المحلية وهو بموصفات رديئة جدآ تنتجه معظم الشركات الأهلية لغرض التبريح المادي السريع
مما أدى بالتالي إلى وفاة عشرات ومئات المرضى على آسرة المستشفيات .



أما تفاصيل الموضوع الذي نحن بصدده فقد ساعدنا فيه بعض المسؤولين بالوزارة وكذلك بعض المسؤولين بشركة " كيماديا " مشكورين على ما وفروه لنا من مستندات رسمية ومعلومات مهنية وصحفية اطلعوا عليها في فترات سابقة من خلال عملهم الوظيفي المهني , وقد أعلنت المناقصة بخصوص تجهيز معامل الأوكسجين الطبي بتاريخ 17 شباط 2007 ولمدة ثلاثون يوما من قبل الشركة العامة لتسويق الأدوية والمستلزمات الطبية " كيماديا " قسم الاستيراد الهندسي , وذلك لتوريد (22) اثنان وعشرون معملآ لإنتاج الأوكسجين السائل بسعة ( 75 لتر / الساعة ) لكل معمل , ودرجة نقاوة لا تقل عن ( 99,06 ) حسب المواصفات الطبية العالمية , وبكلفة تقدر ( 50 ) مليون دولار عن كل سنة .

لقد سبق وان تعاقدت وزارة الصحة العراقية وضمن برنامج ( النفط مقابل الغذاء والدواء ) أو ما يعرف بمذكرة التفاهم قبل الغزو والاحتلال الأمريكي وتحديدا في العام 2001 على استيراد نفس العدد من المعامل وبنفس المواصفات الحالية مع شركة فرنسية / ألمانية مشتركة تدعى نوفير لندا .

إلا أن يعض الوزراء والمسؤولين والمدراء العامين غير المهنيين المتعاقبين على وزارة الصحة بعد الغزو والاحتلال , والذين كانوا ينتمون معظمهم إلى حزب الدعوة ( الإسلامية ) ونتيجة لشعورهم بالدونية والنقص تجاه نجاحات المسؤولين السابقين , ولشهوة الانتقام الطائفية المسيطرة على نفوسهم المريضة , قاموا بإلغاء العقد الموقع مع الشركة أعلاه بحجة كونه قد تم توقيعه في عهد حكومة النظام السابق , وان هناك فسادآ في ذلك العقد يعد أكيدا كونه يحمل بصمة ذلك النظام السابق حسب ادعائهم عندما الغوا من جانبهم هذه الصفقة الطبية !!! ؟؟؟ , دون مراعاة لأي مواطن عراقي مريض أو حتى تقدير الضرر الكبير والفعلي الذي سوف يطال الشعب العراقي جراء ذلك الإجراء الطائفي غير الأخلاقي حيث شمل معظم العقود السابقة التي تم توقيعها والاتفاق عليها سابقآ , وكما سوف نوضحه لجمهور الرأي العام لاحقآ بالوثائق والمستندات الرسمية .

أن مصير هذه المناقصة لم يكن أحسن حالآ من سابقاتها , فقد تم إلغاءها أيضا , وسنوضح فيما بعد الأسباب الحقيقية والدوافع الكامنة وراء عرقلة وإلغاء هذه العقود والمناقصات لمثل هذا الموضوع الحساس والخطير إلا وهو موضوعنا " مناقصة الأوكسجين الطبي " الذي يعد مادة منقذة للحياة البشرية وضرورة قصوى لأي مستشفى ومركز صحي أو مستوصف أو عيادة طبية .

ابتدآ من تولي أول وزير ينتمي إلى حزب الدعوة ( الإسلامية ) في عهد مجلس الحكم سيئ السمعة والصيت لمقاليد وزارة الصحة / خضير فاضل عباس , وانتهاء بالوزير الحالي , فان السياسة المعتمدة لدى هؤلاء وحاشيتهم من وكلاء ومدراء عامين وعلى رأسهم الجلادين في مكتب المفتش العام بالوزارة , هو النهب المنظم وتدمير البنية التحتية للوزارة بصورة منهجية ومنظمة وفق سياسة مدروسة خبيثة يوحي ظاهرها المصلحة العامة أمام وسائل الأعلام , ورفع شعار محاربة والقضاء على الفساد .

وعودآ على بدء وفيما يخص المناقصة موضوع البحث في هذه السلسلة من المقالات , فانه قد تم إعداد مسح ميداني ودراسة معمقة على مدى أكثر من عام كامل , ومن قبل لجنة فنية وطبية وهندسية مهنية ومتمرسة تم تشكيلها في دائرة الأمور الفنية , شملت دراسة هذه اللجنة المسح الميداني لكافة أرجاء ومناطق الدولة العراقية للوقوف بشكل دقيق قدر الإمكان على الاحتياج السنوي للمستشفيات والمستوصفات والمراكز الصحية من الأوكسجين الطبي وبدعم كامل ومطلق من منظمة الصحة العالمية , وبإشراف مباشر من قبل الدكتورة نعيمة القصير وهي بدورها ممثل منظمة الصحة العالمية ومدير بعثة المنظمة في العراق , حيث بلغت كلفة تلك الدراسة والمسح الميداني أكثر من (100) ألف دولار أمريكي للخلوص إلى نتيجة نهائية متقاربة تحاكي حاجات المستشفيات في العراق من الأوكسجين الطبي , وما يترتب عليه من اتخاذ قرار لإنشاء تلك المعامل الخاصة بإنتاج الأوكسجين السائل والطبي في العراق بالأعداد والمواصفات التي تم الوصول إليها لهذا الغرض داخل وخارج العراق , وبمشاركة متخصصين في المجال الطبي والهندسي من مختلف الوزارات والمؤسسات الحكومية العراقية والأجنبية الرسمية وشبه الرسمية وبمحاضر واجتماعات موثقة للوصول إلى الصيغة النهائية للمواصفات العالمية المفروض استيرادها لتغطية حاجة العراق من تلك المادة الطبية الحيوية المنقذة للحياة ...

فاصل ونعود أليكم غدآ لتكملة الجزء الثاني ...

صحفي وباحث عراقي مستقل

معد البرنامج الإذاعي السياسي الساخر / حرامية بغداد
[email protected]

التعليقات