فصيل فلسطيني تغادره كل قيادته ويبقى شخص واحد يحمل يافطة التنظيم يسمي اعضاءه في مؤسسات السلطة

فصيل فلسطيني تغادره كل قيادته ويبقى شخص واحد يحمل يافطة التنظيم يسمي اعضاءه في مؤسسات السلطة
وافيَّاضاهْ.. واحكومتاهْ.. وارقابتاهْ!!

بقلم: آصف قزموز
رام الله

كان يغُذ الخطى، يسابق الريح والزمن، يرى آفاق المستقبل البعيد فينشدها، أميناً لحصاد الماضي، فيعتبر منه ويؤسس عليه في شد قوة الأزر الذاتي وشحذ همته في وجه اليأس والاحباط الجارف حتى الدمار الانساني، لا يلوي يمنة ولا يسرة كي لا يضل الطريق او يفقد البوصلة، بل نشوان احياناً من فرط حماسته بانتظار الغد الآتي الذي اعتذر بغيابه عن المجيء، بل حل ضيفاً في رحاب من لم يحلموا برؤياه ولا هم اهل لمستواه، مع أنه ظل ينوء تحت اثقال ضميره المؤرق الذي لا يغفو ابداً واثقال حسه الذي ابتلاه، محملاً بكل ما يمكن لحمار العرس حمله او تحمله، هو هكذا ظل بيقظته يحلم محلقاً في الخيال، معلقاً بين السماء والارض بنور الأمل المسجى على دكة غسل القيم والمثل الانسانية والأخلاق الوظيفية، وحمار الوحش يشهد مقتله بين فكي تمساح بعرض النهر في موت رجيم وزمن دميم ذميم. دكة غسل الموتى تميد بها الارض، وتراقصت ألماً، ولم يرف جفن الصاعدين على كتفيه نحو العلا بقوة دفع مسروقة من دمه وعرقه وأنات الظلم الذي تفشى في عروقه ينشد مقتله، تماماً يعيد في الذاكرة البلهاء منا صورة فاقعة لوفاة البائع المتجول بطل آرثر ميلر.
واليوم تشكلت الحكومة الثالثة عشرة وتنفس الكثيرون الصعداء بعدما انحبست انفاسهم وانفرجت اسارير مستخدمي الوظيفة العمومية المتخوفين من انقطاع رواتبهم او المساس بها في حال تعثرت الأمور، وتعطلت ولادة الحكومة المنتظرة، او تغيّر الربان او المسار اللذان هما عماد ضمانتها ونجاحها الواعد. وما لأحد منا حق في انكار محاسن ومنجزات الحكومة السالفة التي ارست دعائم وركائز متينة في التنمية والاصلاح، فأقامت القاعدة الصلبة والمتينة للبناء الاقتصادي والمجتمعي الفلسطيني الصالحة لاستمرار عملية البناء والتطوير التي قادها د. سلام فياض وفريقه بنجاح ومهنية يعتد بها ويشار لها بالبنان بجدارة.
لكن ومن باب الحق وانصاف الحقيقة والحرص على تأمين ضمانات نجاح الحكومة الجديدة او المجددة كونها قد حافظت على غالبية وزرائها ولم تخرج عن سياق معايير المواصفات والكفاءات المهنية التي انجبها الشعب الفلسطيني ونعتز بها، لا بد من التأشير لبعض العوالق والبثور التي رافقت المرحلة الآنفة وهي في مطلق الأحوال تظل في حدود الطبيعي ولم تخرج عن سياقه مثلما لم تؤثر على مسار الحكومة ونهجها الواضح والشفاف الذي عايشناه. فمثلما علينا ان نضيء ما هو ايجابي ونركز عليه وفيه لتعزيزه ودعمه واسناده واستكمال البناء عليه فان الواجب يقتضي ايضاً الانتباه لبعض المظاهر والسلوكيات اللاموضوعية حد التعدي والمساس أحياناً بالنظم والقوانين والحقوق المؤسسية والفردية الخاصة بالعاملين بها وعليها.
فما الذي يجعل فصيلاً فلسطينياً تغادره كل قيادته من اعضاء مكتبه السياسي ولجنته المركزية ويبقى شخص ما يحمل يافطة التنظيم يسمي اعضاءه في مؤسسات م.ت.ف والمنظمات الشعبية الفلسطينية، وبنفس الوضع وذات المقاربة يتمكن اي مسؤول من شقلبة المؤسسة رأساً على عقب وجعل عاليها سافلها وتوزيع المناصب والمكاسب وغض النظر عن حضور وغياب بعض العاملين فيها ممن اعتادوا النوم في العسل ودون كف الأذى، ويتم كل هذا تحت عنوان: "بناءً على ما تقتضيه مصلحة العمل وعلى الصلاحيات الموكلة لي قانوناً" الى آخر هذه الاسطوانة. وهنا يبرز سؤال: هل توجد لدى الفلسطينيين نخبة سياسية فعلاً؟! وهل تجاوز الفلسطينيون الوضع والاعتبارات الفردية والقبلية والعائلية بأي مستوى من المستويات؟! فحين يضع المسؤول أمر المؤسسة بين يدي اقل الناس خبرة ومعرفة وتجربة ويطلق العنان لهم يتحكمون في رقاب الناس ويعبثون بحقوقهم نستطيع ان نعرف كيف تُصرف مبالغ طائلة في المؤسسة على بناء جدران مؤقتة ثم يصرف مرة أخرى على ازالتها لصالح من يعتقدون ان لهم الحق في امتلاك سويت "جناح" على حساب راحة الموظفين في فندق المؤسسة الحكومية باعتبارها تركة الوالد وليس مؤسسة عامة!! .
وقد لا تجد في المؤسسة موازنة تشغيلية للضروريات من الحبر والورق وغيرها، ولكن توجد موازنة تأسيسية مبالغ بها للتأثيث والسيارات وموازنة للسفر المشخصن الذي كثيراً ما يجري التعامل معه على طريقة باص الفاردِة اوالعرس "هالباص طالع وطالع اطلعوا يا شباب". وحين يعتدى على حقوق مكفولة لموظف وتمنح لموظف آخر لا يستحقها في وضح النهار وعلى رؤوس الأشهاد باستخدام مبدأ النزع ممن يستحق لصالح من لا يستحق، وهو المبدأ الذي شُرّد على أساسه الشعب الفلسطيني من ديار آبائه واجداده. استطيع القول نعم إنه تكريس لنهج الاستيطان الوظيفي حين يستوطن موظف حقوق زميله الموظف على البارد المستريح تماماً كأكل لحم أخيك ميتاً وحياً. قد تبدو هذه المظاهر السلبية والسلوكيات الغريبة بسيطة ولا وزن لها قياساً بحجم الانجازات والنجاحات التي حققتها الحكومة، لكنها اذا ما أخذت في سياق حجم الضرر الفردي والعام الذي ينجم عنها وتأثيره اللاحق الذي سيبنى عليه، فإنها بحق تشكل معاول هدم وتخريب في بناء الوطن المجبول بدماء الشهداء وعرق الفقراء والمناضلين الذين بذلوا واستبسلوا في المؤسسة ومنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما زال عانساً على السُّلَّم الوظيفي.
استطيع ان اتصور قيام موظف مسؤول بترشيد النفقات من خلال تقليص حقوق الموظفين لصالح خزينة الدولة، لكن ما لا استطيع تفهمه ولا تخيله هو قيام المسؤول بخسف حقوق بعض الموظفين لزيادة امتيازاته وامتيازات آخرين لا يستحقونها لا بالقانون ولا بالمنطق. واستطيع ان اتصور مسؤولاً يحابي موظفاً لأسباب ذاتية او جهوية او توصية من هنا او هناك مع أنه لا يستحق قانوناً، لكن بعد منح المستحقين حقوقهم اولاً وليس على حسابهم وهو اضعف الإيمان وأقرب لمكارم الأخلاق.
يبدو اننا ما زلنا نفتقر الى وجود هيئات رقابية حقيقية فاعلة تدقق في ضرورة الاجراءات من العدم، وحتى لا يصبح ما يجري تداوله حول هذه المسألة مجرد اجسام وهمية مثل شارع تشاوتشيسكو في رومانيا حين قرر زيارة شارع منشأ حسب الخطة الخمسية قبل عشر سنوات في حينه ولما لم يكن الشارع قد انجز في الواقع فقد تمت زيارة الرئيس تشاوشيسكو بنجاح، حيث كانت قد عمدت الاجهزة المعنية الى عمل ديكورات وزهور على البلاكين لواجهات فارغة توحي بوجود مبان على جانبي الشارع، ولم يكن اي من تلك الاشياء الحقيقية موجوداً ولعل في ما نشهده من سلبية العلاقة النافرة في كثير من الاحيان ما بين موظف الخدمة العامة وزملائه حين يعلو علواً ليس طبيعياً تعود اسبابه لعوامل مختلفة نفسية واجتماعية وشخصية، لكن خطير الأمر في بعض الاحيان ربما يكون في تلك التي تعود للثقافة الوطنية والمفاهيم السائدة المحملة بفيروسات الفساد الاجتماعي المشبع بالاحتلال، حين يطيش حجر الموظف وينسى نفسه أو يفقد صوابه، خصوصاً عندما تقوده الصدفة او الطرق غير الحقة ولا المحقة لموقع وظيفي لم يكن ليحلم به لولا غياب موازين العدالة او غفلتها في غفلة من الزمن، الأمر الذي يدفع بهذا الموظف غير المصدق لذاته وما تحقق له بأنه حط رحاله على ارض الغير او على وظيفة لمستحق التهمة اليوم في خضم حالة السعار الوظيفي التي من شأنها ان تنتابه بمثل هذه الحالة، فيسعى بكل ما اوتي من انفكاك رباط التوازن والانفعال بوجه زملائه والآخرين وينسى او يتناسى ان ثمة من هم أعلى شأناً وأسطع حقاً منه، وذلك من أجل اقناع نفسه بأنه اهل للموقع وصاحب حق به لا مستوطناً لحق غيره، فالحرامي السارق مهما حاول المسروق اقناعه بأنه قابل لهذا التعدي ومستعد للتعايش معه بسلام او حتى للمساومة على حقه مع السارق بقسمة ضيزى لصالح الحرامي فسيبقى في حالة قلق دائم وعدم طمأنينة لأنه الأعلم بالحقيقة والمضرّة معاً وهو لسان حالنا التاريخي مع اعداء السلام الاسرائيليين الذين لا يثقون بقيام سلام عادل مع الشعب الفلسطيني باعتبار حالهم هو حال السارق اللامطمئن للمصالحة مع الضحية، ولعل الشاعر قد اصاب كبد الحقيقة حين قال:
ملأى السنابل تنحني بتواضعٍ والفارغات رؤوسهنَّ شوامخُ
لكن ما يعترينا من الالم والاحباط احياناً وما يعترينا من الدهشة والقلق بات يشكل اليوم علامات فاضحة ودالة على مستويات الحاجة الماسة للحفاظ على ما انجز وتحذيره على طريق البناء والتنمية التي حملت لواءها حكومة الرئيس فياض السالفة، إضافة لأهمية التنبه بكامل يقظتنا لما صاحب هذه التجربة من مثالب وثغرات وبعض الممارسات الفسادوية التي ارتكبت عبر مسيرة السنتين الماضيتين ان بقصدٍ أو بغير قصد. وبمقدار ما نحرص على تعزيز تجربة الاصلاح واستمرار تطورها الزاحف ليشمل مختلف مناحي الحياة الفلسطينية باعتبارها خيارنا الذي لن نحيد عنه فإننا حريصون بذات المقدار واكثر على كشف العيوب ووضع حد لكل من اساؤوا استخدام النهج والأداة بقول حق أريد به باطل ولحسابات شخصية في غير الصالح العام.
فلتتعزز الرقابة الإدارية والسهر على تطبيق النظام والقانون لأنها الضمانة الأكيدة للنجاح المنشود الذي يعني كل فرد منا والذي سيمكننا من بناء السلام القوي المكلل بقيام الدولة الفلسطينية المستقلة التي تليق بالشعب الفلسطيني ومنجزاته. فلا تراجع عن منجزات الحكومة السالفة ومرحى ألف مرحى للحكومة الجديدة.
قيل لكارل ماركس لحظة دُنو أجله المحتوم: هل لك من كلمة اخيرة تقولها أجاب: الكلمة الأخيرة هي لأولئك الحمقى الذين لم يقولوا ولم يفعلوا بعد شيئاً نافعاً في حياتهم.
اعلم ان بعض المستشارين والمحيطين يتعمدون حجب الصوت عن المسؤول، لكنني لن اقول وامصيبتاه بل سأظل اقول بملء فيَّ :
وافيّاضاه.. واحكومتاه.. وارقابتاه. نحن الذين مشينا على رموشنا وقلوبنا وتقطعت بنا السُّبُلُ.
[email protected]

التعليقات