طفلة يمنية مطلقة في العاشرة من عمرها وفي الصف الثالث الابتدائي:حياتي لم تكن طبيعية

طفلة يمنية مطلقة في العاشرة من عمرها وفي الصف الثالث الابتدائي:حياتي لم تكن طبيعية
الطفلة نجود
غزة-دنيا الوطن
تشهد الساحة اليمنية جدلاً محتدماً حول ظاهرة الزواج المبكر أو زواج الصغيرات وبالأخص منذ أن أقر مجلس النواب اليمني (البرلمان) الشهر الماضي، تعديلاً على قانون الأحوال الشخصية بحيث حدد سن الزواج للفتى أو الفتاة بـ 17عاماً. وهو الأمر الذي أثار حفيظة البعض من داخل البرلمان وخارجه ممن ينتمون إلى التيار الإسلامي في اليمن. فقد طالب عدد من النواب بإعادة المداولة بشأن تلك المادة بهدف إنقاص سن الزواج وهي المطالبة التي لم تلق ترحيباً كالذي لقيه قرار البرلمان بتحديد سن الزواج. وكانت الشبكة اليمنية لمناهضة العنف ضد المرأة (شيما) بالتعاون مع اتحاد نساء اليمن ومنظمات مدنية أخرى مهتمة بالمرأة قد أطلقت عام 2005 أول حملة توعوية من نوعها للتعريف بمخاطر الزواج المبكر وانعكاساته الصحية والنفسية والاجتماعية.

وتتفشى ظاهرة الزواج المبكر في المجتمع اليمني منذ فترة طويلة وبالأخص في المناطق الريفية كما تقول الدكتورة أمة الرزاق علي حُمّد، وزيرة الشؤون الاجتماعية اليمنية التي تقدمت الثلاثاء الماضي بتقرير إلى مجلس الوزراء حول الموضوع. وقالت حُمّد لـ «الشرق الأوسط» إن الزواج المبكر في اليمن فعلاً ظاهرة ومشكلة قائمة وموجودة «إلا أن خروج المرأة للدراسة والتعليم بدأ يخفف منها». وأكدت أن تقريرها المقدم إلى الحكومة استند إلى دراسات علمية أجريت بشأن الزواج المبكر وتأثيراته السلبية ويطرح جملة من التوصيات والإجراءات المطلوبة للحد من الظاهرة.

وأعربت الوزيرة حُمّد عن معارضتها الشديدة لإعادة الأمر للمداولة في مجلس النواب. مشيرة إلى أن وزارتها تسعى إلى حماية الفتيات الصغيرات. ويجري الزواج المبكر في اليمن بصورة كانت طبيعية ومن دون الالتفات إلى مخاطره وإلى أن التشريعات الدولية تحظره، حتى كشفت العام الماضي بعض الحالات عندما تقدمت فيها طفلات إلى القضاء للتخلص من أزواجهن. وهو ما سلط الضوء على الظاهرة وأبرز أولئك الفتيات الصغيرات نجود الأهدل التي استصدرت حكما قضائيا بتطليقها وهي في العاشرة من عمرها من زوجها البالغ من العمر 30 عاما.

نجود قالت لـ «الشرق الأوسط» إنها كانت «متضايقة» عندما تم تزويجها صغيرة «وحياتي لم تكن طبيعية» وترى أن حياتها «عادت من جديد» بعد الطلاق. وهي الآن تدرس في الصف الثالث الابتدائي وتتمنى أن تواصل دراستها وتبعث برسالة إلى الفتيات الصغيرات وتطلب منهن أن يرفضن الزواج في حال رغب أهاليهن في تزويجهن صغيرات. كما أنها ترجع موافقة والدها على زواجها في سن صغيرة يعود إلى الفقر وأنه يعيل 16 طفلا وطفلة.

ويعتقد أحمد القرشي، رئيس منظمة «سياج» لحماية الطفولة، أن طلب بعض النواب إعادة المداولة في المادة المتعلقة بتحديد سن الزواج في القانون، خطيراً ويدعو النواب إلى الاصطفاف إلى جانب الشعب وخاصة إلى جانب الفتيات اللواتي هن ضحايا الزواج المبكر. وأضاف لـ «الشرق الأوسط»: «نتمنى أن تكون مجرد وجهات نظر فقط ولا تتكئ إلى مرجعية دينية بأن هذا حرام وهذا حلال، إذا قالوا لنا إن هذه وجهات نظر فنحن نتقبلها لكن أن يتكئوا إلى المرجعية الدينية ويستقوون علينا بالنص الديني فهنا تكمن الخطورة لأنهم سيخرجوننا في النهاية، في نظر الناس، أننا ضد الله وضد الدين».

كما يعتبر طلب إعادة المداولة في المادة تراجعا كبيرا عن خطوة إيجابية كانت تصب في سجل حقوق الإنسان في اليمن وهي سن تشريع يحدد سن الزواج بـ (17 عاما) و«بالتالي التراجع عنها يعد تراجعاً عن المواثيق والأعراف الدولية فيما يتعلق بحقوق الإنسان عموما وحقوق الطفل بشكل خاص».

وعما إذا كان المطالبون بإعادة النظر في التشريع يمتلكون أغلبية؟ يقول إنهم «ينتمون إلى تيارات سياسية معروفة بأنها ليست ذات أغلبية وإذا كان المؤتمر الشعبي العام (الحزب الحاكم) جادا في مسألة حقوق الإنسان في اليمن فباستطاعته بواسطة أغلبيته الكبيرة ألا يتم التراجع عن هذه الخطوة الإيجابية».

أما الدكتور عبد الباري دغيش، عضو مجلس النواب، فيعتبر أن طلب إعادة المداولة حق من حقوق أي نائب في البرلمان «وشخصياً كطبيب، بأن قرار تشريع سن الزواج كان صائباً وحافظ على المقصد الكلي للتشريع الإسلامي بأن تكون الأسرة المسلمة أسرة قوية تستند إلى أم تستطيع أن تزرع وتغرس القيم النبيلة في نفوس أطفالها، مقارنة بأن تكون طفلة صغيرة لا تستطيع تربية أطفالها ولا تستطيع تحمل الأعباء سواء الصحية ولا تحقق فيها الشروط الفسيولوجية للحمل والإنجاب».

ويعتقد في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن من الصعب أن يتراجع مجلس النواب عن قراره رغم أنه يترك باب الاحتمال مفتوحا، ويؤكد أنه شخصيا لن يصوت لتعديل المادة وكذلك الحال يرى بالنسبة لعدد كبير من أعضاء كتلة الحزب الحاكم التي ينتمي إليها وأعضاء في كتل نيابية أخرى.

وكانت دراسة أكاديمية يمنية نشرت عام 2008 قد أفادت بوجود العديد من الأسباب وراء ظاهرة الزواج المبكر في اليمن كعادة اجتماعية متأصلة ليس لها علاقة بزيادة حدة الفقر في البلاد. واعتبرت الدراسة أن توفر المال يمثل بالنسبة لـ 30 % من الأسر اليمنية السبب الأول الذي يدفع الأسر لتزويج أولادها الذكور في سن مبكرة، لذلك فالفقر يمثل المرتبة الثانية من بين أسباب الزواج المبكر فضلا عن ذلك فإن الزواج المبكر لا يرتبط بـ«قلة الدخل» بقدر ما يرتبط بـ«ثقافة الفقر».

وقالت الدراسة «إن العامل الرئيسي الذي يقف وراء ظاهرة الزواج المبكر هو انتشار توجهات ثقافية مؤيدة للزواج حيث يرى معظم السكان أن الإسلام يحث على الزواج المبكر». واعتبرت أن البنى الاجتماعية في بعض المحافظات اليمنية تتسم بالتقليدية حيث لا تتوفر فرص كبيرة للحراك الاجتماعي الأمر الذي يؤدي إلى تدني مستويات طموح الأفراد الذين ينتمون إلى فئات اجتماعية فقيرة أو مهمشة في تحسين أوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية. وعزت ارتفاع معدلات الزواج المبكر إلى تزايد مستويات الفقر والرغبة في التخلص من مسؤولية الفتاة التي تعتبر عبئا على موارد الأسرة، بالإضافة إلى تسرب الفتيات من المدارس قبل إكمال مرحلة التعليم الأساسي، فنحو 52 في المائة من الفتيات اليمنيات تزوجن دون سن الخامسة عشرة خلال العامين الأخيرين، مقابل 7 في المائة من الذكور تزوجوا دون هذه السن. وترتفع نسبة الأمية بين المتزوجات مبكرا إلى أكثر من 43 في المائة.

ويتزعم عدد من الإسلاميين في البرلمان اليمني التيار الداعي إلى عدم تحديد سن الزواج وهم من طالبوا بإعادة المداولة في المادة التي حددت سن الزواج ، ومن أبرز هؤلاء الشيخ زيد الشامي، نائب رئيس الكتلة النيابية لحزب التجمع اليمني للإصلاح الإسلامي المعارض، يشرح لـ «الشرق الأوسط» وجهة نظرهم بشأن ما يطرح ويقول: «لم يقل أحد بأن تزف الصغيرة قبل أن يكتمل نضوجها الجسدي والعقلي والزوبعة المثارة أعطت القضية أكبر من حجمها ومن قال إننا نريد تزويج البنات في سن عشر سنوات أو غير ذلك؟».

وفي الوقت الذي يعتقد الشامي أن سن تشريع يحدد سن الزواج يرجع إلى ضغوط تمارسها منظمات دولية على اليمن، فإنه يتحدث عن رأيهم كمعارضين بقوله إن «الإشكالية أن الناس المعترضين على تحديد سن الزواج يقولون إنه على مر التاريخ الإسلامي لم يحصل تحديد لسن الزواج، لكن حصل وأن وضعت شروط مثلا الأب أو الجد فقط يسمح لأحدهما بأن يعقد القران بالصغيرة، لكن لا يسمح لهما بذلك في حال كانت غير صالحة للزواج».

ويعرب النائب الشامي عن أمله في «سن مادة قانونية تشترط لسن الزواج البلوغ والنضج الجسدي والعقلي مع وضع عقوبات بحق كل من يتجاوزا هذا». وضمن أسباب معارضة الشامي ورفاقه لتحديد سن الزواج اعتقاده أن «الأولاد والبنات يختلف مستوى نضوجهم بحسب البيئة التي يعيشون فيها» أما السبب الثاني فهو «الحرج الشرعي الذي نشعر به»، كما يقترح للخروج من الجدل أن يطلب رأي مفتي الجمهورية في الأمر «وهو لا ينتمي إلى هؤلاء أو هؤلاء ونحن يجب أن نلتزم بالقاعدة الشرعية».

ورغم أن النائب الشاب فؤاد دحابة ينتمي لنفس التيار، إلا أنه يخالف الشامي الرأي ويقترح أن تلجأ لجنة تقنين أحكام الشريعة الإسلامية في البرلمان إلى المختصين من الأطباء والطبيبات الذين يواجهون حالات الولادة يوميا ولديهم دراية بالسن الآمنة للزواج. ودعا دحابة في حديثه لـ «الشرق الأوسط» العلماء قبل إصدار أي فتاوى حول الأمر، الأخذ يما سيطرح الأطباء الأخصائيون. مؤكدا أن حالات الزواج المبكر الفردية لا يمكن أن تبنى عليها القوانين.

التشريعات اليمنية التي تطورت كثيرا في عديد من المجالات، هناك من يعتقد أنها تراجعت في جوانب تتعلق بالمرأة والطفل. ومن ذلك ما تطرحه المحامية فتحية عبد الواسع، وكيلة وزارة الإعلام اليمنية المساعد للشؤون القانونية والمرأة والطفولة بشأن القوانين التي كانت متطورة في (الشطر الجنوب ـ سابقا) قبل الوحدة اليمنية التي قامت في مايو (أيار) عام 90 من القرن الماضي.

وتقول إن قانون الأسرة في الجنوب كان ينص على أن سن الزواج هي 15 عاما لكن أي ولي أمر لم يكن ليستطيع تزويج ابنته في تلك السن لأن الزواج يتطلب بطاقة شخصية والأخيرة لا يمكن الحصول عليها إلا في سن الثامنة عشرة و«بالتالي كانت حالات الزواج المبكر صفر في المائة».

وتضيف لـ «الشرق الأوسط»: بعد الوحدة اليمنية وبعد أن تم دمج القوانين الشطرية حدد سن الزواج بـ 15 عاما، بعد ذلك حدث تراجع وبالأخص بعد الحرب الأهلية عام 94م عندما جرى تعديل الكثير من القوانين عوضا عن الدستور واستمر بعض أولياء الأمور في تزويج بناتهم ما دون السن القانونية ووقعت تعديلات قانونية ألغت التشريع الذي ينص على سن الزواج واعتبر أن المسألة تخضع لأن تكون الفتاة جاهزة للحمل والوضع».

واليوم ووفقا للإحصاءات يوجد بين كل 4 زيجات، زواج يكون فيه الزوج أكبر من الزوجة بنحو 25 عاما، وهذا الفارق العمري كثيرا ما يتضمن عنفا منزليا وإساءة بحيث تجد الكثير من المنظمات النسائية نفسها في اليمن مضطرة للتعامل مع الكثير من هذه الحالات. وبالرغم من الجهود الحكومية لمواجهة هذه الظاهرة، إلا أن القضاء عليها معقد فهي ظاهرة يتداخل فيها القبلي مع الاقتصادي مع الاجتماعي. وكانت دراسات يمنية عديدة قد أشارت إلى أن الكثير من العائلات تزوج بناتها مبكرا تحسبا لاختطاف الفتيات في إطار الصراعات القبلية أو مقابل فدية أو دية أو انتقام، كما يتم تزويجهن في إطار التخلص من العبء المالي لإعالتهن أو دراستهن خاصة إذا كانت العائلات فقيرة. غير أن المجتمع اليمني يتحرك بسرعة، خصوصا النساء فيه، واليوم هناك المئات من النساء اللواتي يقفن أمام هذه الظاهرة.. لكن المعركة لا تزال طويلة ولن تكون سهلة.

التعليقات