أسطورة العم طارق..طبيب الموت الالماني الذي أشرف على الهولوكوست وقصة الهروب إلى مصر

أسطورة العم طارق..طبيب الموت الالماني الذي أشرف على الهولوكوست وقصة الهروب إلى مصر
غزة-دنيا الوطن
لم يكن هناك حديث لوسائل الإعلام، طوال الأيام الماضية، سوى عن الطبيب الألماني الدكتور أربيرت هايم، المتهم بارتكاب جرائم إبادة بشرية في عهد الرئيس الألماني أدولف هتلر ضد اليهود ـ إبان الحرب العالمية الثانية ـ والملقب بـ "طبيب الموت" والذي نسجت حوله أساطير وحواديت تفوق حكايات ألف ليلة وليلة، بداية من دخوله واختفائه في مصر وانتهاءً بوفاته على أرضها.

ووفق ما نشرته وسائل الإعلام فقد وضعته إسرائيل على رأس قائمة تضم أكثر المطلوبين المتهمين فى جرائم حرب ضد اليهود فى الحرب العالمية الثانية، ورصدت منظمات حقوق الإنسان فى تل أبيب، المهتمة بمطاردة النازيين الهاربين، مبالغ طائلة لإلقاء القبض عليه.

وقد انتقل أربيريت هايم، للحياة في مصر واعتنق الإسلام، مطلقاً على نفسه اسم طارق فريد حسين، وشطب بذلك سجله الغربي المثقل بالجرائم حتى توفى في العاشر من أغسطس عام 1992 بعد إصابته بمرض السرطان. ووفقاً لوكالة الأنباء الألمانية، تسبب «طبيب الموت» - كما أطلقت على هايم - في قتل 300 شخص في معتقل «موتها وزن شمال النمسا»، حقنهم مباشرة فى القلب بالسم والنفط والماء، بعد بتر أعضائهم دون مخدر لقياس قدراتهم على تحمل الألم.

وبينما اتجهت المؤشرات إلى أن هايم هرب إلى تشيلى، حيث تعيش ابنته، أو الدنمارك أو إسبانيا أو الأرجنتين، أكد متحدث باسم مكافحة الجريمة فى ولاية بادن فورتمبرج، أن السلطات الألمانية حصلت على معلومات تؤكد أن هايم أقام فى مصر منذ عام 1963 حتى توفى فى القاهرة عام 1992.

وخصصت صحيفة إنترناشيونال هيرالدتريبيون، مانشيت عددها الصادر الاحد لسرد تفاصيل قصة الطبيب، وقالت إنه كان عضواً فى قوات خاصة تابعة للزعيم النازى هتلر.

وقد كشف النقاب عن قصة الطبيب الألماني مؤخرا عبر تقارير من تلفزيون زد.دي.إف الألماني وصحيفة نيويورك تايمز الأميركية، حيث قالت التقارير أن "طبيب الموت" الذي تلاحقه السلطات المختلفة في أنحاء العالم، ويأتي على رأس قائمة إسرائيلية تضم أكثر الأشخاص المطلوبين، قد توفي في القاهرة في العاشر من أغسطس 1992، بعد إصابته بمرض السرطان. وكان قد تم رصد جائزة قدرها مليون و300 ألف دولار لمن يدلي بمعلومات عنه.

وأضاف التقرير ان هايم قضى في القاهرة 30 عاما، اعتنق خلالها الإسلام في أوائل الثمانينات من القرن الماضي ليشطب سجله الغربي وأصبح اسمه منذ ذلك الوقت طارق فريد حسين، إمعانا في التخفي. وقد ترك وراءه حقيبة يعلوها الصدأ وعليها قفل من دون مفتاح، تحوي أكثر من 100وثيقة من بينها صور جواز سفر مصري وطلبات للحصول على الإقامة ومستندات سحب أرصدة من البنوك وخطابات شخصية ومستندات طبية وكلها لا تدع أي مجال للشك أن هذا الشخص هو أربيرت هايم الصادر بحقه أمر اعتقال دولي.

في الوقت نفسه، أكد العديد من الشهود، بينهم ابن الطبيب الذي يعيش حاليا في ولاية بادن (جنوب ألمانيا) أن والده عاش في القاهرة، وأنه زاره هناك لأول مرة في منتصف السبعينات من القرن الماضي ثم عاد للبقاء الى جانبه والاعتناء به لعدة شهور في أعقاب العملية الجراحية التي أجريت له في مصر عام 1990 لإزالة ورم سرطاني من جسده.

وعلى الرغم من تقدمه في العمر حافظ هايم، أو العم طارق، الذي كان مظهره يدل على أنه أحد نبلاء القرون الوسطى، على لياقة بدنية عالية. فقد ظل مثابرا على السير يوميا بين الجامع الأزهر و"غروبي" وفندق "قصر المدينة"، وهي مسافة لمن لا يعرف القاهرة تقدر بنحو 25 كيلومتراً.

وكما ذكرت الأنباء فإن طارق حسين فريد، وهذا هو اسمه المصري، ترك وراءه شنطة يعلوها الصدأ وعليها قفل من دون مفتاح، تحمل كل الوثائق والسجلات الأصلية، بالإضافة الى مذكرات الدكتور أربيرت فيرديناند هايم، العضو البارز في النخبة النازية التي كانت تحيط بأدولف هتلر، والطبيب السابق في البوليس السري المعروف باسم S.S.

قائمة اتهامات

وكان هايم قد عمل لسنوات في معسكرات الاعتقال النازية، حيث اشتهر باسم "دكتور الموت"، خاصة في معسكرات بوشنوالد و ساكزينهوسن وموثهوزن، ويتذكره معارفه في القاهرة كعاشق للتصوير حيث كان من المستحيل رؤيته من دون أن تكون الكاميرا تتدلى من يده أو من رقبته، لكنه كان يرفض بشكل قاطع السماح لأي كان أن يلتقط صورته.

تتضمن قائمة الاتهامات الطويلة للرجل أنه كان يجري عمليات جراحية من دون تخدير السجين، وينتزع الأعضاء السليمة من أجساد المحتجزين الأصحاء لدراستها ومن ثم ترك أولئك المحتجزين ينزفون حتى الموت.. وأنه كان أحيانا يحقن قلوب المعتقلين بالبنزين والغازات السامة.. وفي أحد الأيام قطع رأس أحد المحتجزين واحتفظ به للذكرى لان الضحية (بحسب هايم) كان الأكثر عنادا بين الأشخاص الذين حضر عمليات التحقيق معهم ، ومن قصص الرعب التي تروى حول طبيب الموت هايم أنه أهدى لقائد أحد المعتقلات التي يعمل بها أباجورة صنع غطاؤها من جلد أحد ضحاياه، وتؤكد التقارير أن "طبيب الموت" توفي في العاصمة المصرية (القاهرة) منذ سنوات طويلة، حيث عاش 30 عاما متخفيا تحت اسم العم طارق حسين، فيما كان حتى وقت قريب يظن انه لا يزال حيا.


أدلة الاتهام


الطريف أن سجلات البوليس الدولي تحتفظ بتقارير من أشخاص يعيشون في مختلف دول العالم، من فنلندا حتى فيتنام والسعودية والأرجنتين. وكثيرون يؤكدون أنهم شاهدوا "طبيب الموت" النازي! وكان المحققون يقفزون من بلد إلى آخر سعيا للتأكد من تقارير أولئك "المشاهدين" ليكتشفوا أنهم ما زالوا في متاهات الطريق المسدود.

وتقول التقارير أن المحققين زاروا أكثر من 240 موقعا وردت تقارير تشير إلى وجود الدكتور هايم فيها. ومن بين الأماكن مصر بعد ورود أنباء عن أنه يعمل طبيباً في الشرطة المصرية خلال الفترة من عام 1967حتى منتصف السبعينات، لكن المحققين لم يعثروا على أي دليل .

قصة الهروب إلى مصر

اعتقل الأميركيون الدكتور هايم عقب الحرب العالمية الثانية وأخضعوه للتحقيق طوال شهور قبل أن يطلقوا سراحه ويعود إلى مسقط رأسه في النمسا حيث له زوجة وولدان والعديد من الأقارب، وهناك راح يمارس الطب لكن بعد شعوره بأنه ملاحق من البوليس الدولي (الإنتربول)، والمنظمات الصهيونية في عام 1962، توارى عن الأنظار، ولم يعد أحد يعرف مكانه.

وطوال عشرات السنين، ظل المحققون الألمان يعتقدون أنه مختف في مكان ما في أميركا اللاتينية حيث تردد أن له ابنة غير شرعية تعيش في تشيلي .

حقيبة الأسرار

قبل أيام حصلت محطة ZDF التلفزيونية الألمانية، ومعها صحيفة نيويورك تايمز على الشنطة التي يغطيها الصدأ من عائلة دوما، التي تملك الفندق القاهري الذي كان الدكتور هايم يقيم فيه. وكانت الأسرة قد احتفظت بها طوال هذه السنوات التي أعقبت وفاته سنة 1992.

وتحتوي الشنطة على أرشيف كامل ومغلفات لم تفتح بعد ورسائل ونتائج فحوصات طبية وقصاصات من صحف ألمانية ونمساوية عن الجهود المبذولة لملاحقته، بالإضافة لسجلاته المالية، بعض الوثائق باسم هايم وبعضها الاخر باسم فريد. لكن معظم الوثائق المدونة بالعربية ومنها طلب الإقامة في مصر والرسائل الشخصية تحمل اسم طارق حسين فريد، مع الإشارة إلى أن كل هذه الوثائق تتفق على أن الرجل من مواليد 28 يونيو 1914 في مدينة رادكيشبورغ النمساوية. وهي المعلومات ذاتها عن مكان وتاريخ ولادة الدكتور هايم.

وتنقل الـ "نيويورك تايمز" عن عشرة أشخاص من المعارف المقربين لطارق حسين فريد أن أحداً منهم لم يكن يعرف حقيقة الرجل الذين عايشوه لسنوات طويلة، على الرغم من قول البعض أنهم كانوا يشعرون بأن الرجل يهرب من شيء ما، ويقول طارق عبد المنعم الرفاعي ابن طبيب الأسنان الذي كان يتولى معالجة الرجل، وصديقه الأقرب، أنه سمع من أبيه أن طارق حسين فريد ربما كان على خلاف مع البعض.. من المحتمل اليهود، وقد يكون هذا هو السبب الذي جعله يلجأ إلى مصر.

وتشير شهادة الوفاة الصادرة عن السلطات المصرية المختصة إلى أن طارق حسين فريد توفي سنة 1992.

وتنقل الصحيفة الأميركية عن الدكتور روديجر هايم ( 53 عاما) أن طارق حسين فريد هو الاسم الذي اتخذه والدي لنفسه بعد أن أشهر إسلامه، واعترف الابن للمرة الأولى أنه كان إلى جانب والده حين وفاته بالسرطان. وقال ان الوفاة حدثت بعد يوم واحد من انتهاء دورة الألعاب الأولمبية أي في العاشر من أغسطس 1992 .

وأضاف أنه عرف بمكان وجود والده من عمته التي توفيت في وقت لاحق، لكنه احتفظ بالسر لأنه لم يكن يرغب في إحراج أصدقاء والده المصريين، أو التسبب بأي مضايقات لهؤلاء الأصدقاء، وطبقاً لأقوال الابن، فقد غادر والده ألمانيا بالسيارة إلى فرنسا فأسبانيا ومنها انتقل إلى المغرب قبل أن يستقر في مصر.

أكاذيب اليهود

من بين الرسائل التي عثر عليها في الشنطة، رسالة موجهة إلى مجلة دير شبيغل الألمانية بعد أن نشرت المجلة سنة 1979 تقريرا عن قائمة جرائم الحرب الموجهة إليه، قال فيها ان الصدفة وحدها هي التي جعلته يفلت من قبضة الشرطة التي داهمت المنزل لاعتقاله وذلك بعد لحظات من مغادرته المنزل. ولم يعرف إن كان الرجل قد بعث بالرسالة أم أنه كتبها واحتفظ بها لنفسه، وفي الرسالة ذاتها يتهم سيمون روزنتال، الصهيوني المتخصص في ملاحقة النازيين على مستوى العالم، بأنه هو الذي فبرك الاتهامات ضده.



وبعد أن دافع عن الفلسطينيين باعتبارهم ضحايا المذابح اليهودية، قال ان يهود الخزر، ومن وراءهم اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة، كانوا أول من أعلن الحرب على ألمانيا سنة 1933.

وعلى الرغم من أن عشرات السنين الماضية قد عملت على إبعاد قضية النازيين السابقين عن دائرة الاهتمامات العالمية إلى حد كبير، فإن الكشف عن وثائق الدكتور هايم، أو العم طارق، قد سلط المزيد من الأضواء على قضيته لأن مكان دفنه لا يزال مجهولاً كما يقول المحققون المتابعون لقضيته.

ويضيف هؤلاء أن موت الرجل يضع نهاية لفصل من مجموعة فصول تتعلق بملاحقة بقايا النازيين، فبعد أدولف أيخمان الذي خطفه عملاء إسرائيليون من الأرجنتين قبل نقله إلى إسرائيل حيث أعدم، لا يزال الطبيب النازي جوزيف مينغل طليقا ويعتقد على نطاق واسع أنه لا يزال على قيد الحياة متخفياً في مكان ما على الرغم من تقارير تحدثت عن وفاته في البرازيل سنة 1979 . وقد أنتجت هوليود فيلما بعنوان "ولد من البرازيل" يحكي قصة جوزيف مينغل كما تخيلها المحققون.

يهود الخزر

تشير الوثائق إلى أن الدكتور هايم أمضى سنوات في دراسة تاريخ يهود الخزر، وهم قبائل تركية الأصل. ويقول في الأبحاث التي أجراها حول الموضوع أن غالبية اليهود، ومن بينهم يهود الخزر، لا ينتمون للسامية. وقد أطلع العديد من أفراد عائلته على أبحاثه تلك، كما أنه كان يعتزم إرسال نسخ منها باسم مستعار هو الدكتور يوسف إبراهيم إلى العديد من مشاهير العالم، ومن بينهم سكرتير عام الأمم المتحدة في ذلك الوقت الدكتور كورت فالدهايم الذي أصبح فيما بعد رئيساً للنمسا، وزبيغنيو بريجنسكي مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي والرئيس اليوغسلافي جوزيف بروز تيتو.

وخلال فترة إقامته في مصر التي امتدت ثلاثين عاماً، أنشأ طارق حسين فريد علاقات مميزة مع الكثيرين وبالذات مع أسرة دوما التي تملك الفندق حيث يقيم، ويقول محمود دوما ابن صاحب الفندق ان العم طارق كان يجيد العربية والإنكليزية والفرنسية، بالإضافة إلى الألمانية، كما أنه كان مهتماً بقراءة القرآن ودراسته وقد أهدته عائلة دوما نسخة مترجمة بالألمانية.

وتنقل "نيويورك تايمز" عن محمود أن العم طارق كان كثيراً ما يهديه الكتب ويشجعه على الدراسة ويقول:" كان لي بمنزلة الأب .. يحبني كابنه ، وأحبه كما أحب أبي"، ويتذكر أن العم طارق الذي كان شغوفاً بممارسة الرياضة اشترى مضربين وكرات وشبكة للتنس نصبها على سطح الفندق وكان معه العديد من الأصدقاء يلعبون التنس بصورة شبه يومية مع العم طارق الألماني المسلم. لكن الحالة الصحية لهذا العم بدأت في التدهور سنة 1990وتم تشخيص مرضه على أنه السرطان.

مدفن سري

عندما مات أصر الدكتور روديجر هايم على تنفيذ وصية والده بالتبرع بكل أعضائه للأبحاث العلمية على الرغم من الصعوبات التي واجهها في هذا الشأن، حيث أن التقاليد الإسلامية المتبعة توصي بالإسراع في دفن الميت، وكان محمود دوما أول المعارضين لتنفيذ الوصية لأنه كان يريد دفن العم طارق في مدفن العائلة بالقرب من والده.

ومن أجل الإسراع في عملية الدفن، تمكن الاثنان من رشوة موظف في المستشفى ووضعا الجثمان في سيارة تمهيداً لنقله إلى مدفن العائلة، لكن السلطات المصرية علمت بالأمر في اللحظة الأخيرة وتولت بنفسها عملية دفنه في مكان سري.

التعليقات