إعلاميون وخبراء أمام مؤتمر بابوظبي:التقنيات الحديثة تتحدى سيطرة الدولة على الإعلام

إعلاميون وخبراء أمام مؤتمر بابوظبي:التقنيات الحديثة تتحدى سيطرة الدولة على الإعلام
ابوظبي – دنيا الوطن-جمال المجايدة
واصل الخبراء اطلاق تحذيرات حادة امام المؤتمر السنوي لمركز الإمارات للدّراسات والبحوث الاستراتيجية المنعقد حاليا في ابوظبي تحت عنوان "الموارد البشرية والتنمية في الخليج العربي" من التهديدات الامنية والثقافية التي تشكلها العمالة الاجنبية وخاصة الاسيوية .
واكد الخبراء ان التقنيات الحديثة تنتج الآن أشكالاً جديدة تتحدى سيطرة الدولة على الإعلام وقالوا ان الإعلام لن يكون شريكاً حقيقياً في التنمية من دون الربط بينه وبين الحرية .
د. عائشة النعيمي اعربت امام المؤتمر عن اعتقادها أن الإعلام لا يمكن أن يكون شريكاً حقيقياً في عملية التنمية، من دون الربط بينه وبين الحرية في المجتمع، وهذا يقودنا إلى الفجوة المعرفية؛ فمن لا يملك لا يستطيع الحصول على المعلومة؛ ومن ثم فإن الاقتصاد هو الذي يصنع الثقافة، وليس العكس.
وقال د. عبدالواحد الحميد امام المؤتمر / البعد الإنساني مهم، لكننا يجب أن ندرك أن عدم توافر فرصة عمل يترك الإنسان في وضع مؤلم. يجب أن نضع العمل في الحسبان ونحن نحدد التخصصات؛ فسوق العمل الأمريكية - مثلاً - واسعة، لكن سوق العمل في الخليج ضيقة، وتحتاج إلى تخصصات بعينها، وأتفق أيضاً مع الدكتورة حصة في أننا يجب أن نصلح التعليم العام، وأن نوجه الفرد نحو التخصص الذي يجد نفسه فيه، والتحدي الذي يواجهنا، هو كيفية صنع المواطن المنتج.
وقال أن اقتصاد المعرفة يجتاح العالم كله، والهند - مثلاً - نموذج لذلك. ولذلك - مع تقديري للمنطلقات الإنسانية - فإن العالم كله الآن في سياق العولمة، وما لم نلحق سريعاً بالركب العالمي فستكون لدينا مشكلة.
وقال د. شملان العيسى / أول مرة نجد من يروج للتقليدية باسم الحداثة، فما المشكلة في تعلم كل شيء من الغرب؟ لا مانع من الاستفادة من أي تجربة إنسانية، ولا داعي للخوف على تقاليد بالية، أما ما قاله الأستاذ تركي، فإن لدينا إعلاماً رسمياً وإعلاماً غير رسمي؛ فما مستقبل كل من الإعلامين؟ لدينا فضائيات كثيرة جداً، نصفها يروج لطالبان ونصفها للرقص والأغاني الهابطة؛ فما مستقبل إعلامنا؟
وقالت د. حصة لوتاه
المعرفة ليست مقصورة على منطقة واحدة في العالم؛ فالثقافة الإغريقية هي أصل إنساني، وقد نقلها العرب عن اليونانيين، ثم نقلها الغرب منهم. إن لنا إسهاماتنا أيضاً، عرباً ومسلمين، وقد أضفنا إلى الثقافة الغربية. ليس لدينا مشكلة في التلاقح الثقافي، نريد - فقط - الاعتراف بخصوصيتنا، ونرفض هيمنة ثقافة على الأخرى.
ولا أنفي حاجة الشبان إلى العمل، ولا أدعو إلى البطالة، لكنْ لا نريد أن نقع في المشكلة التي وقعنا فيها بالتركيز على أنماط معينة للتعلم، نحن نقع الآن في إشكالية أن كثيراً من المدارس تدرِّس التجارة وإدارة الأعمال؛ وهذا يعني أننا بعد فترة سنجد فائضاً في هذا التخصص؛ فماذا سنفعل؟
هناك نقطة طرحت كثيراً، وهي المواطنة مقابل قضية الهوية الوطنية، وهذه من المشكلات التي ستواجهنا في المستقبل. نحن - المواطنين - نمثل نسبة ضئيلة الآن في دول الخليج، وطرح قضية المواطنة يعني أننا سنندثر، وستحدث مشكلات اجتماعية وسياسية وأمنية كبيرة.
أما ما يخص اللغة، فإن اللغة الإنجليزية تحتل مرتبة متقدمة؛ لأن دولاً قوية تروج لها، وليس لأنها لغة المعرفة، ولو زاد ثقل الصين لزاد ثقل اللغة الصينية عالمياً، وحين ساد العرب العالم كانت اللغة العربية هي الرائدة. فهناك ارتباط شَرطي بين اللغة والقوة.
وقال الاعلامي تركي الدخيل
لا يمكن عاقلاً أن يتجنب الحديث عن أهمية الحرية في الإعلام، لكن لا وجود لحرية مطلقة، إن المشكلة هي أن هناك من يتحدث عن كل شيء أو لا شيء، وفي رأيي أن التميز يأتي من الحركة في هوامش مناطق ضيقة، كما أن التقنيات الحديثة تنتج الآن أشكالاً جديدة، تتحدى سيطرة الدولة على الإعلام، وهناك الإنترنت، والمدونات، والصحافة الإلكترونية، وموقع "يوتيوب" الذي ينشر فيه أبناء الخليج وبناته أفلاماً ينتجونها هم أنفسهم.
أوافق الدكتور شملان أن انتشار القنوات الفضائية كبير جداً، لكنني أراها ظاهرة صحية، وسوف يحدث نوع من الفرز؛ فتغلق القنوات السيئة، وتبقى القنوات الجيدة. ولكن، أليست هذه القنوات تعمل بفضل وجود جمهور يمولها ويدفع لها؟ القنوات كثيرة، والمشاهد هو من يختار، اختاروا الأحسن إذا أردتم.
وأما ما يخص اللغة، فإن اللغة الإنجليزية في الوقت المعاصر ضرورة من الضرورات، والجهل باللغة الإنجليزية لا يجعل الشخص قادراً على العمل في الإعلام، لكننا - في المقابل - لا نستطيع أن ننتج جيلاً لا يعرف اللغة العربية، والجهل المتفشي في اللغة العربية بين الطلاب العرب سيحدث مشكلة كبيرة، وسيترك قطاعات كثيرة من دون موظفين. لقد حاضرت في طالبات كلية الإعلام بالشارقة، واكتشفت أن الطالبات كلهن لا يستطعن كتابة خبر باللغة العربية
في كلمتها امام المؤتمر قالت الخبيرة اليمنية المعروفة امة العليم السوسوة ان تواجه التنمية البشرية في دول مجلس التعاون تحديات عدة، أبرزها الأمن المادي وتحفيز المواطنين حيث بلغت دول مجلس التعاون مستوى متميزاً من الأمن الاقتصادي، حتى إن هناك اليوم من يرى أن بعض الشباب في دول الخليج لا يجدون الحافز الكافي للتحصيل الدراسي أو العمل لساعات طويلة، ويفضلون العمل في القطاع الحكومي على القطاع الخاص. وإذا ألقينا الضوء على معدلات البطالة المنشورة من منظمة العمل الدولية فهي متدنية في دول الخليج، وتبلغ أقل من 2% في دولة الإمارات العربية المتحدة وقطر والكويت، وأقل من 4% في مملكة البحرين، لكنها تصل إلى حوالي 26% بين الشباب، والنسبة الأقل في هذا الإطار هي 17% في قطر.
واضافت لقد ارتفعت مؤشرات التعليم الأساسي في دول مجلس التعاون في زمن قياسي، ولكن من حيث جودة التعليم- ورغم قلة الدراسات حول هذا المؤشر- يعد الأداء العربي بشكل عام متدنياً عن المعدل العالمي، وهو ما يفرض على الدول العربية الالتحاق بمثل هذه الدراسات لقياس جودة التعليم.
وقالت انه رغم التقدم الهائل في تعليم المرأة، فإن المرأة لا تمثل نسبة كبيرة في قوة العمل في دول الخليج، وأعلى نسبة لمشاركتها هي 25% في بعض الدول. ومع ذلك فإن نسبة من النساء وصلت لمواقع قيادية، وتولت وظائف غير تقليدية. لكن من المهم استكمال تمكين المرأة، وسيجني المجتمع كله ثمار ذلك.
وفيما يتعلق بالعمالة الوافدة قالت امة العليم / نعترف بأهمية دور دول الخليج لكونها مصدر عمل لكثير من العمالة العربية والآسيوية. فقد قام القرار الاستراتيجي الخليجي منذ الخمسينيات من القرن العشرين على استثمار عائدات النفط في التنمية، والاستعاضة عن العجز في الموارد البشرية اللازمة بالعمالة الوافدة، وهو ما أدى إلى تطور البنية الأساسية في وقت قياسي، إضافة إلى توسيع السوق الخليجية، وتوفير شبكة علاقات دولية ضخمة لدول الخليج. لكن ذلك يفرض بعض التحديات الخاصة بالتركيبة السكانية، والهوية، وبحقوق العمال.
وقالت انه لمواجهة هذه التحديات من الضروري عدم إلقاء اللوم، أو كل الدور على القطاع الخاص، فينبغي الاهتمام بالقطاع العام وتنظيمه وتطويره، لأنه يعد حجر عثرة في بعض الأحيان أمام النمو السريع والمنصف، ويتطلب تحسين إدارته ومواجهة الفساد، وتحقيق الكفاءة الإدارية، وإدارة الأنشطة الاقتصادية بناء على المشاركة في اتخاذ القرار. كما أن اندماج المرأة في سوق العمل سيقلل من الاعتماد على العمالة الوافدة لحد بعيد، لكن تقف دون ذلك عوائق اجتماعية وثقافية يجب التغلب عليها.
مواكبة التعليم لاحتياجات التنمية
وقالت د. حصة حسين لوتاه ان
إن مفهوم التنمية بحاجة إلى مراجعة؛ إذ ينطوي هذا المفهوم بصورته المتداولة على نظرة مادية خالصة تجعل من الإنسان "مورداً"، بما يترتب على ذلك من أهمية تطويعه وتغييره وفقاً لهذه النظرة.
في ظل هذه الرؤية للتنمية، ظهر مفهوم التعليم المواكب للتنمية، وبرزت أهمية قضية "التعليم وسوق العمل" التي تحتل مكاناً بارزاً في الجدل الفكري الدائر الآن في دول الخليج. ويجب أن نسأل: ما هو سوق العمل الموجود لدينا في دولة الإمارات العربية المتحدة؟ لدينا سوق غير مبنية على إنتاجية حقيقية للإنسان، سوق تقوم على السياحة والخدمات. والتعليم يركز على قطاع معين من الشباب ونوع معين من التعليم، جرى معه استبعاد العلوم الإنسانية التي نُظر إليها على أنها غير ذات جدوى.
وتساءلت / هل ستوصلنا هذه الطريقة إلى ما نريد؟ إن طرح مفهوم التنمية الحالي باعتباره بحثاً عن الرخاء الذي تحكمه الأرقام، يقودنا إلى نظرة مادية بحتة، لكن لا أحد يقيس الصلة بالإنسان، والتأثير على مفاهيم مثل السعادة والشقاء وما إليها. إنه ابتعاد عن معرفة حقيقة الإنسان.
وقالت / نجد اليوم تركيزاً على التعليم التقني والتطبيقي، وبطبيعة الحال لسنا ضد هذا النوع من التعليم، ونحن بحاجة إليه، لكنه وحده لا يكفي. إن قادة العالم السياسيين والفكريين تخرجوا في كليات العلوم الإنسانية، وقرارات الدول الكبرى التي تحكم العالم تقوم على إنتاج مراكز بحوث يقودها علماء ومتخصصون اجتماعيون، والتقليل من أهمية العلوم الإنسانية يتجاهل هذه الحقائق.
وقد انتبهت بعض الدول لخطورة التجزئة والفصل بين العلوم التطبيقية والعلوم الإنسانية فلجأت إلى ما يسمى العلوم البينية، ولكننا في الخليج نفعل عكس ذلك، ونكرس التجزئة التي التفت العالم إلى خطورتها.
وقالت لوتاه / إن إشكالية تعليم المرأة تحتل مكاناً مهماً هنا، فالنظر إلى الإنسان باعتباره مورداً أغفل الجانب الاجتماعي للمرأة. ونمط العمل الغربي الذي يستهلك يوم الإنسان بأكمله، يطيح الدور الاجتماعي للمرأة، ويسبب مشكلات اجتماعية جمة، ويحطم العلاقات الإنسانية ومشروع الإنسان كإنسان. ولم ينتبه أحد إلى أننا قادرون على خلق أنماط عمل خاصة بنا غير التي قدمها الغرب.
وذكرت إن الحديث عن الانتقال إلى "اقتصاد المعرفة" في الغرب له مبرراته، لكن هنا في دول الخليج، ما معنى الحديث عن اقتصاد المعرفة؟ نحن سوق متلقية ومستهلكة، ونعيد حتى إنتاج الأفكار التي زالت في مواطنها الأصلية.
وخلصت الي القول إن كثيراً من الأفكار المرتبطة بالتنمية في دولنا الخليجية هي خرافات اكتسبت بالتكرار والإلحاح وجوداً فعلياً قوياً. ففكرة مثل عدم كفاءة المواطنين هي فكرة استعمارية الجذور، تدور حول افتقار الشعوب المحتلة إلى الكفاءة، وحاجتها إلى إعادة التأهيل. هذه الفكرة الخاطئة موجودة في الخليج فقط، وجوهرها أن دول الخليج تمتلك ثروات لا يستحقها أبناؤها، ويجب انتزاعها منهم.




الإعلام ودوره في التنمية
وقال الكاتب والاعلامي تركي الدخيل في ورقته /
لعبت وسائل الإعلام دوراً مهماً في التنمية، من خلال تبني قضايا الإبداع، والدفاع عن حقوق المرأة، ومبدأ المواطنة، ومن هنا كانت مقولة إن الصحافة تمثل السلطة الرابعة في أي دولة، وإن كان ذلك – للأسف - لا ينطبق على الدول العربية. ويستمد الإعلام سلطته من صناعته للرأي العام.
أصبح الإعلام في عصر الفضائيات يملأ فراغاً جديداً، وأصبحت الفضائيات تحل محل الأحزاب السياسية في توجيه الرأي العام، خصوصاً مع غياب الأحزاب وموت الأيديولوجيا.
وفي مختلف المراحل التي مر بها مفهوم التنمية منذ الستينيات، وتركيزه آنذاك على الجوانب الاقتصادية، إلى المرحلة الراهنة التي يُنظر فيها إلى التنمية بوصفها عملية شاملة ولها أبعاد ثقافية واجتماعية، كان للإعلام دور تنموي مهم في نشر ثقافة التنمية. ونظراً إلى أهمية الإعلام التنموي، فقد حددت الأمم المتحدة يوماً للاحتفال به هو اليوم الرابع والعشريو من شهر أكتوبر من كل عام، ويؤكد الإعلان العالمي للحق في التنمية على مسؤولية مختلف الأطراف في التنمية، ومنها الإعلام.
وتطابق مسؤوليات الإعلام الجماهيري أهداف التنمية ذاتها، وهناك من يرى أن الرأي العام المستنير هو الفارق بين مسار الحداثة في العالم العربي ومسارها في الغرب. ومن هنا نرى أن الإعلام المستنير أو النهضوي هو أحد السبل المؤدية إلى النهضة والحداثة.
يجب أن يقوم الإعلام ببلورة وعي الناس بقضايا التنمية، وتعديل أفكار المجتمع ونظرته تجاه الأولويات. ويجب أن يدعم التعليم، وأن يؤكد على حق الأطراف المهمشة، مهما كان جنسها أو عرقها، في الحصول على فرص متساوية ضمن حقها في التنمية، وتشجيع الشباب وإبراز مواهبهم، وتحفيز المنهج النقدي، والتشجيع على قيم الشفافية والمحاسبة وتكافؤ الفرص، وتعزيز الإحساس بالمسؤولية لدى الأفراد، وتنمية الوعي البيئي، وغير ذلك.

التعليقات