عبد الباري عطوان في وطن من كلمات: شجاعة البوح من قمة الصفحة الأولى

هيــام حسّــان*
ما الذي يغري شخصا ما بكتابة مذكراته ونشرها في كتابٍ يكون عرضة لأن تطاله أيدي معاصريه، من أعداء أو أصدقاء، بالنقد أو التعليق، بعدم الرضا أو عدم الموافقة؟ وأي حسابات أو صفقات يبرمها الشخص مع نفسه، عندما يتخذ قراراً كهذا؟ هل يختار مثلاً أن يكتب من خلال مرآةٍ مقعرة أم محدبة أم مستوية، وهل يفلح بالفعل في تحقيق مبتغاه على النحو الذي يريد؟ تراودني هذه الأسئلة كلما سمعت عن صدور مذكراتٍ شخصية لأحد ما، أو كلما وقعت يدي أو ناظري على بعض هذه المذكرات. وأحسب أنني قد حصلت على بعض الاجابة خلال الشهور التي تلت نهاية "العهد البليري" قبل نحو عام ونصف العام عندما انبرى عدد من السياسيين الذين عايشوا ذلك العهد الذي امتد نحو عشر سنوات ينشرون مذكراتهم ويدلون بكل ما لم يمكنهم الادلاء به من قبل. كان بين هؤلاء أليستر كامبل المستشار والصديق المقرب لتوني بلير، ووزير داخلية ذلك الأخير ونائبه جون بريسكوت وحتى زوجة بلير شيري، بل وبلير نفسه الذي كان أول من بادر الى ذلك ولو بطريقةٍ مخالفة للمعهود، فقد قام بافراغ بعض ما في جعبته في جلسات اعتراف متلفزة مع الـ بي بي سي. تلك المذكرات كانت على ما يبدو وكأنها مأخوذة بهم التسجيل لحقبةٍ سياسية اختلفت فيها الآراء والتقييمات وان كان هناك نوع من الاتفاق على تاريخيتها، أما أصحابها فكانوا حريصين على أن يدلوا بدلوهم مهما كان الثمن الذي وصل أحياناً الى حد اراقة كرامات الآخرين وتوجيه النقد اللاذع اليهم.
بعض آخر من الاجابة تقدمه مذكرات الشهيرات والشهيرين أو نجوم المجتمع الذين يسارعون الى نشر مذكراتهم أو بالأدق "مشاهداتهم" وكأنها واجب انساني يجب أن ينجز أولاً بأول وليس أدل على هؤلاء من عارضة الأزياء الشهيرة (جوردان) التي أصدرت ثلاثة كتب مذكرات عن حياتها وهي لم تبلغ الثلاثين بعد، ناهيك من أن ليس في حياتها ما يستحق ارهاق الآخرين بمعرفته من خلال كتب، فهي ضيفة مقيمة على صفحات الجرائد والمجلات خاصةً الاسبوعية منها. هي وأمثالها لا يتكلفون بالطبع عناء كتابة ما يرغبون في اشاعته عن أنفسهم بأنفسهم، بل غالباً ما يوكلون المهمة الى آخرين يتولون أمرها كله حتى يدفعونها الى الأسواق في أبهى حلةٍ، فتستقطب القراء والمعجبين وجيوبهم رغم ما فيها من "جوف" و"اجرام بيئي".
مذكرات الاعلامي عبد الباري عطوان التي نشرها مؤخراً بالانجليزية تحت عنوان "وطن من كلمات: من مخيم اللاجئين الى الصفحة الأولى" والتي جاءت في 285 صفحة من القطع المتوسط عن دار نشر الساقي في لندن لا يمكن فهمها على النحو الذي تأتي به مذكرات السياسيين هنا ولا بالطبع "نجوم المجتمع"، كما أنه لا يسهل تحديد موقعها بين هذين النقيضين. وحتى عند الأخذ بالاعتبار النموذج العربي الشائع في كتابة المذكرات فان ادراج مذكرات عبد الباري عطوان ضمن هذا النموذج أمر غير منصف أيضاً. ولعل فيما صرح به كاتبها بعض ما يعين على تحديد تصنيفها حيث قال في أحد محافل تقديمها أنها موجهة "اليهم" (الغربيون أو غير العرب) كي يقفوا على حقيقة "الانساني" في الشعب الفلسطيني فهو شعب كبقية شعوب الارض، يبكي ويضحك ويبتسم ويغني و....مثل كل الشعوب، وذلك رغم خصوصية قضيته وتفرد همومه ومآسيه. وهي وفقاً للكاتب أيضاً موجهة الى جيل جديد من الفلسطينيين، ولد وعاش في الخارج ولم تسنح له الفرصة للارتباط اليومي الوثيق بأرض الآباء والأجداد فكاد أن يفقد ذلك الخيط الذي يصله بجذوره وأصوله.
منذ الصفحات الأولى للكتاب يتجلى هذان الهدفان بوضوح حيث يعرض الكاتب لذكريات طفولته وصباه وهي مرحلة من حياته وان كانت بائسة الا أنها لا تخلو من شقاوة و"سعادة"الأطفال والصبيان. كما يستعيد عطوان من خلال فصول الكتاب العشرة ذكرياتٍ أخرى مرت به منذ كان صبياً صغيراً في مخيم دير البلح للاجئين ثم في مخيم رفح الذي انتقل اليه وعائلته تكييفاً لأوضاعهم الاجتماعية كأسرةٍ فقدت الأب عندما كان هو ما يزال في السادسة عشرة من عمره.
وتمتد الذكريات الى أيام أخرى مبكرة في حياة الكاتب شاباً صغيراً في عمان يضطر الى العمل البدني المرهق الذي لا يتناسب مع تحصيله العلمي، ولكنه يقبل به على أمل توفير مبلغ مالي يمكنه من استكمال تعليمه الثانوي والتأهل للآخر الجامعي. ومن عمان الى القاهرة حيث ينخرط في تحصيله العلمي المدرسي ثم الجامعي، قبل أن يضطر الى مغادرتها فور تخرجه على نحوٍ غير متوقع لأسبابٍ أمنية ذات علاقة بنشاطه الطلابي المعارض. من ليبيا تبدأ الرحلة المهنية للكاتب الذي يقوده البحث عن حرية التعبير الى الخروج منها بعد فترة عمل غير طويلة متوجهاً الى السعودية حيث فرصة عمل أفضل ومساحة حرية على ضيقها أفضل. لندن هي المحطة المكانية الاخيرة التي تستقر عليها المسيرة الصحافية للكاتب الذي تنقل بين عدة وظائف قبل أن يستقر به الحال كرئيس تحرير لصحيفة "القدس العربي". ويفرد الكاتب فصولاً خاصة لابرز المحطات في حياته المهنية وتلك الخاصة، فيخصص الفصل السادس مثلاً للحديث عن "صدمة الحضارة" التي مر بها لدى انتقاله للعيش في لندن، وفي الفصل السابع يتحدث الكاتب باسهاب عن لندن وأجواء الحياة فيها بالنسبة للعرب خلال سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي على وجه الخصوص. أما أسامة بن لادن فاستحق هو الآخر فصلاً في الكتاب، ولا غرابة في ذلك وقد أفاد الكاتب من لقائه به قبل أحداث 11 سبتمبر، وكان اللقاء بالنسبة اليه بمثابة نقلة مهنية أسهمت في تقديمه للجمهور الغربي بكثافةٍ أكبر مما أتيح له من قبل، وقد نشر كتابا حول أسامة بن لادن وتنظيمه القاعدة وحمل عنوان "التاريخ السري للقاعدة" الذي تمت ترجمته الى لغات عدة بينها العربية. في الفصل التاسع كان هناك حديث خاص وغير مألوف عن ياسر عرفات ومنظمة التحرير الفلسطينية، يكشف فيه الكاتب جانبا غير شائع من شخصية عرفات. ويختتم الكاتب بفصل عن رحلة عودته الى مسقط رأسه حينما أتيحت له الفرصة لذلك بعد توقيع اتفاق أوسلو وهي رحلة لا تخلو من مشاهد مؤثرة رغم أنها لا تعدم المواقف الطريفة أيضاَ.
بين هذه وتلك من محطات العيش والعمل يعمد الكاتب الى الكشف عن مواقف مصيرية أو شخصيات استوقفته أو أخرى أثرت فيه. ويضم الكتاب باقة من أسماء كبيرة وأخرى غير معروفة من خلال مواقف يعرض لها الكاتب بانتقائية تدل على حسٍ صحافي مرهف يركز على الأغرب والاكثر اثارة وتأثيراً، وبما يكشف عن قدرة عالية على "القص اللذيذ" الذي تتوارى خلفه موهبة قصصية ومقدرة أدبية رفيعة متلفعة بثوبٍ صحافي، وهو أمر اكتشفه مبكراً سبيعي عثمان، المحرر في صحيفة "المدينة"، حيث كان الكاتب يعمل تحت اشرافه في بداية حياته الصحافية. وقد ارتأى عثمان في عبد الباري عطوان موهبة أدبية وأعرب عن أسفه عندما علم بهجره عالم الأدب الى غير رجعة بعد أن جرفه تيار العمل الصحافي الجاد بكثافته اليومية المتلاحقة.
نقرأ في الكتاب أيضاً أن علاقة الكاتب بالكلمة بدأت في وقتٍ مبكر من حياته خلال سنوات الدراسة الأولى حيث دفعه حماسه وحبه للقائد العروبي الكبير جمال عبد الناصر الى كتابة رسالة اليه يعبر فيها عن اعجابه وتقديره له. كان الوقع جميلاً عليه عندما وصلته بالبريد حزمة من الصور والمطبوعات أرسلها اليه على ما يبدو المكتب الاعلامي للقائد مرفقاً برسالة ممهورة بتوقيعه. يروي الكاتب الواقعة تحت عنوان: "قوة الكلمات المكتوبة"، ذلك أن الرسالة التي أرسلها جمال عبد الناصر للتلميذ عبد الباري عطوان فعلت فعلها في كل من علم بالنبأ حتى لقد تحول الصبي الى بطل في مخيمه بين ليلةٍ وضحاها، بل لربما كان لها يد طولى فيما آل اليه مصير ذلك التلميذ.
الملاحظ أيضاً أنه يتكرس في فصول الكتاب العشرة منهج خاص في سرد وعرض الأحداث يعتمد على شخوص أخرى غير الكاتب نفسه، حتى يكاد يختلط على المرء أحياناً ما اذا المقام حديث عن الذات أم الآخرين، ولا يعيد الأمور الى نصابها سوى أن السرد في مجمله يؤدي الغرض المبتغى منه ويسهم في رسم الصورة للشخصية محل الحديث. ان كان لهذا النهج من هدف فهو أنه يصب في خدمة التخفيف من وطأة "الأنا" التي من المفترض أن تكون في بؤرة الضوء في كتابٍ من هذا القبيل. يفعل الكاتب ذلك تواضعاً أو ذكاءً، وأيّاً كان الدافع فان الغرض يتأتى على نحوٍ أقل ما ينطبق عليه من أوصاف أنه ناجح و سلس. تتبدى شخصية عبد الباري عطوان، من خلال هذا النهج، واضحة المعالم بسيطة الوصف ولكن ضاربة في عمق الدلالات.
شيء آخر لابد أن يستوقف القارئ لتلك المذكرات ألا وهو المستوى العالي من المكاشفة والمصارحة اللتين يلتزم بهما الكاتب على نحوٍ ملحوظ وحتى غير متوقع في مراتٍ عدة سيما فيما تعلق بالجانب الخاص. وبشكلٍ عام يؤتي هذا النهج أكله في سبر أغوار الرحلة الطويلة التي بدأت من مخيم للاجئين وانتهت بالصفحة الاولى.
روح الفكاهة أيضاً تتجلى بشكلٍ ملحوظ في سرد الوقائع والاحداث بما في ذلك بعضها الذي لا يخلو من مرارة، وهو أمر يصعب توقعه من عطوان، الذي عهده الجمهور العربي متحدثاً غاضباً وحانقاً على أنظمة الحكم العربي أو الهيمنة الامريكية أو الاحتلال الاسرائيلي، حتى أنه بقدر ما يبدو عطوان عصبياً متشدداً في طروحاته وتحليلاته السياسية بقدر ما يتجلى في كتاب مذكراته رقيقاً وشفيقاً في تناوله للانساني والخاص في حياته. وحتى عندما تعلق الامر بوقائع كان أطرافها سياسيون ورؤساء دول مثل ياسر عرفات أو الرئيس اليمني علي عبد الله صالح، بدا عطوان حريصا على السرد الفكاهي الهادف، ويدل ذلك على اصرار الكاتب على تحقيق ما رمى اليه من وراء كتابه: رسم صورة لشعب يضحك ويبتسم ويتوافر على روح الدعابة رغم أنه يقبض على جمر الحجارة معظم الوقت.
يترافق التكاشف والانفتاح مع درجة عالية من التسامح أيضاً يلمسها القارئ سريعاً خلال تصفحه للكتاب ويتيقن منها مع نهايته. ويحسب لتلك المذكرات أيضاً أنها ذهبت مذهباً مطلوباً في هذا الوقت من حيث تأصيل المفاهيم السياسية واعادة ترجمتها واخراجها من شرنقة الاستخدام السياسي الاحترافي (ان صح التعبير) الى المعاني اليومية المعاشة في تجربة انسانية صرفة، فاللجوء أو اللاجئ كمصطلح سياسي، ورغم أنه متواجد بشكلٍ يومي وينبض بالحياة في المؤتمرات والندوات وأروقة الامم المتحدة ووسائل الاعلام المختلفة الا أنه "تيّبس" ولم يعد له ذات الوقع الذي كان له قبل سنوات، أقول ذلك على ضوء السياق السياسي المرير الذي تعيشه القضية الفلسطينية حالياً وما تلقي به من ظلال ثقيلة ومعرقلة لمسيرة اللاجئين وحقهم في العودة.
مذكرات عطوان مثل حي على اللجوء بكل أبعاده ومعانيه الانسانية حيث اللجوء يعني الفقر الجوع التشرد والمنافي والخوف والقلق والحرمان وفقدان الهوية وتشوش الانتماء وغير ذلك من معانٍ ليس فيها الا المرارة. تلك المعاني التي كدنا نفقد الاحساس بها تحت وطأة معايشتها يومياً حتى بتنا نظنها "عادية"، لا نستشعرها "غير عادية" حتى ننظر اليها مكتوبة في هيئة مذكرات من قبيل مذكرات عطوان. وفي كل ما يأتي على ذكره، لا يغفل عبد الباري أهمية الاثراء النظري والبحثي لما يسرده من وقائع وأحداث فتراه لا يترك شاردة أو واردة الا ويرفقها بسيلٍ وفير من المعلومات التي تضعها في سياقها الجماعي الذي يضم تحت مظلته الكثيرين أو يلقي الضوء على حقائق وأحداث.
هناك جوانب عدة يمكن أن تحتسب لهذه المذكرات أيضاً، غير أن أهم ما يميز تلك المذكرات أنها الاولى من نوعها التي تتناول سيرة فلسطيني لاجئ ورحلة شتاته، وليس المقصود بذلك اغفال أو تجاهل ما كتبه سابقون لهم هذه الصفات، وبينهم عظيم مثل ادوارد سعيد مثلاً، ولكن ما يميز مذكرات عطوان عن غيرها يتأتى من حقيقة كونه ينتمي الى هوية أكثر شيوعاً، فهو لاجئ من غزة التي يشكل اللاجئون فيها 70% من عموم الشعب، كما أنه يملك تجربة مماثلة لتجارب الكثيرين من أبناء جيله أو الاجيال اللاحقة له، تجمع بينهم جميعاً الطريق الوعرة والنجاح الأخير، لم يفلح جميعهم بالطبع في أن يحرز ما أحرزه عطوان وان تربعوا على قمةٍ ما أو صفحةٍ أولى ما في حيواتهم. إن لم أخطئ التقدير فان هناك عادة فلسطينية في كتابة المذكرات ـ وان بطريقة شفهيةـ لا يخلو منها بيت فلسطيني ويكون بطلها في العادة الاب أو الابن الأكبر، وتجري فيها مراجعة أيام التشرد الأولى والفقر والجوع والحرمان وكأنها واجب مدرسي يومي يؤديه الأب مع صغاره ليعرفوا ولا ينسوا أنه قد كانت هناك أيام صعبة في حياة العائلة... وأنه سيأتي يوم لاحقاق الحق وأن الخير سينتصر دائماً والشر يولي أدباره.
تبدو مذكرات عطوان وكأنها من قبيل هذه العادة الفلسطينية الحميدة، الا أنها ليست مذكرات "ما قبل الرحيل" أو "آخر الطريق" التي اعتدنا عليها عربياً، ناهيك من كونها ليست مذكرات تصفية حسابات ولا مذكرات بيان سياسي أو مذكرات شوفينية استعراضية الطابع.
ان كان لتلك المذكرات من مأخذٍ ما يؤخذ عليها فهو أنها مذكرات رجل بامتياز، وأقصد هنا المعنى الجندري لكلمة رجل، الرجل الذي يعطى حسب العرف الشرقي التقليدي الأولوية في حق التعليم والسفر والمغامرة وخوض التجارب واحراز النجاح...باختصار رجل طليق في فضاء الحرية بعيداً عن القيود الاجتماعية التي هي من نصيب المرأة دون الرجل. ومع بعض الفروقات النسبية بين هذا المجتمع أوذاك، فان الكثير من النساء لا يحظين بفرصة الوصول الى ما وصل اليه عبد الباري عطوان وغيره من الناجحين البارزين في مجالاتهم لأن الظروف لا تتوافر لهن أصلاً لخوض المعركة أو التنافس مع الانداد، وهو ما يعني أن خسارة كبيرة يتكبدها العالم جراء اصراره هذا على مواصلة حبس طاقات النساء في أقفاص التقاليد والأعراف البالية.
لا نتوقع من عبد الباري عطوان أن يعتذر عن تجربة حياته التي خاضها بهوية ذكورية غير متوازنة جندرياً، ويكفي أنه كان على درجة من الذكاء الجندري والانساني بحيث وجدناه في أكثر من موضع يعرب عن امتنانه وشكره للعديد من النساء اللواتي قدمن له الدعم في مسيرته مهنيةً كانت أم خاصة أو يقر بذلك صراحةً أو تلميحاً.
بقي أن نقول ان كل مذكرات مهما اقتربت من الكمال فلن تصله، ذلك أن لا أحد يملك مفاتيح الحقيقة كلها، بل ان أحداً لا يملك أن يرى الحقيقة كلها معظم الاوقات عن وعي أو لا وعي، ولكن محاولات ادراكها تبقى محل تثمين وتقدير بالطبع.
نصيحة أقدمها لكل من يرغب في قراءة تلك المذكرات، أن لا يفعل ذلك في رحلات الذهاب والاياب في القطار، مثلما فعلت أنا، فلن يعدم من يفعل ذلك مسافراً آخر يرصد تعابير تفاعله مع ما يقرأ، فيقطع عليه لحظات اندماجه ليسأل بفضول عن الكتاب وصاحبه وما يحويه. سبب آخر أهم هو أن الكتاب بالتأكيد أكثر من أن تحتمله رحلات الذهاب والاياب في القطار، اذ فيه بوح غير قليل... بوح شجاع.
*صحافية فلسطينية مقيمة في لندن
ما الذي يغري شخصا ما بكتابة مذكراته ونشرها في كتابٍ يكون عرضة لأن تطاله أيدي معاصريه، من أعداء أو أصدقاء، بالنقد أو التعليق، بعدم الرضا أو عدم الموافقة؟ وأي حسابات أو صفقات يبرمها الشخص مع نفسه، عندما يتخذ قراراً كهذا؟ هل يختار مثلاً أن يكتب من خلال مرآةٍ مقعرة أم محدبة أم مستوية، وهل يفلح بالفعل في تحقيق مبتغاه على النحو الذي يريد؟ تراودني هذه الأسئلة كلما سمعت عن صدور مذكراتٍ شخصية لأحد ما، أو كلما وقعت يدي أو ناظري على بعض هذه المذكرات. وأحسب أنني قد حصلت على بعض الاجابة خلال الشهور التي تلت نهاية "العهد البليري" قبل نحو عام ونصف العام عندما انبرى عدد من السياسيين الذين عايشوا ذلك العهد الذي امتد نحو عشر سنوات ينشرون مذكراتهم ويدلون بكل ما لم يمكنهم الادلاء به من قبل. كان بين هؤلاء أليستر كامبل المستشار والصديق المقرب لتوني بلير، ووزير داخلية ذلك الأخير ونائبه جون بريسكوت وحتى زوجة بلير شيري، بل وبلير نفسه الذي كان أول من بادر الى ذلك ولو بطريقةٍ مخالفة للمعهود، فقد قام بافراغ بعض ما في جعبته في جلسات اعتراف متلفزة مع الـ بي بي سي. تلك المذكرات كانت على ما يبدو وكأنها مأخوذة بهم التسجيل لحقبةٍ سياسية اختلفت فيها الآراء والتقييمات وان كان هناك نوع من الاتفاق على تاريخيتها، أما أصحابها فكانوا حريصين على أن يدلوا بدلوهم مهما كان الثمن الذي وصل أحياناً الى حد اراقة كرامات الآخرين وتوجيه النقد اللاذع اليهم.
بعض آخر من الاجابة تقدمه مذكرات الشهيرات والشهيرين أو نجوم المجتمع الذين يسارعون الى نشر مذكراتهم أو بالأدق "مشاهداتهم" وكأنها واجب انساني يجب أن ينجز أولاً بأول وليس أدل على هؤلاء من عارضة الأزياء الشهيرة (جوردان) التي أصدرت ثلاثة كتب مذكرات عن حياتها وهي لم تبلغ الثلاثين بعد، ناهيك من أن ليس في حياتها ما يستحق ارهاق الآخرين بمعرفته من خلال كتب، فهي ضيفة مقيمة على صفحات الجرائد والمجلات خاصةً الاسبوعية منها. هي وأمثالها لا يتكلفون بالطبع عناء كتابة ما يرغبون في اشاعته عن أنفسهم بأنفسهم، بل غالباً ما يوكلون المهمة الى آخرين يتولون أمرها كله حتى يدفعونها الى الأسواق في أبهى حلةٍ، فتستقطب القراء والمعجبين وجيوبهم رغم ما فيها من "جوف" و"اجرام بيئي".
مذكرات الاعلامي عبد الباري عطوان التي نشرها مؤخراً بالانجليزية تحت عنوان "وطن من كلمات: من مخيم اللاجئين الى الصفحة الأولى" والتي جاءت في 285 صفحة من القطع المتوسط عن دار نشر الساقي في لندن لا يمكن فهمها على النحو الذي تأتي به مذكرات السياسيين هنا ولا بالطبع "نجوم المجتمع"، كما أنه لا يسهل تحديد موقعها بين هذين النقيضين. وحتى عند الأخذ بالاعتبار النموذج العربي الشائع في كتابة المذكرات فان ادراج مذكرات عبد الباري عطوان ضمن هذا النموذج أمر غير منصف أيضاً. ولعل فيما صرح به كاتبها بعض ما يعين على تحديد تصنيفها حيث قال في أحد محافل تقديمها أنها موجهة "اليهم" (الغربيون أو غير العرب) كي يقفوا على حقيقة "الانساني" في الشعب الفلسطيني فهو شعب كبقية شعوب الارض، يبكي ويضحك ويبتسم ويغني و....مثل كل الشعوب، وذلك رغم خصوصية قضيته وتفرد همومه ومآسيه. وهي وفقاً للكاتب أيضاً موجهة الى جيل جديد من الفلسطينيين، ولد وعاش في الخارج ولم تسنح له الفرصة للارتباط اليومي الوثيق بأرض الآباء والأجداد فكاد أن يفقد ذلك الخيط الذي يصله بجذوره وأصوله.
منذ الصفحات الأولى للكتاب يتجلى هذان الهدفان بوضوح حيث يعرض الكاتب لذكريات طفولته وصباه وهي مرحلة من حياته وان كانت بائسة الا أنها لا تخلو من شقاوة و"سعادة"الأطفال والصبيان. كما يستعيد عطوان من خلال فصول الكتاب العشرة ذكرياتٍ أخرى مرت به منذ كان صبياً صغيراً في مخيم دير البلح للاجئين ثم في مخيم رفح الذي انتقل اليه وعائلته تكييفاً لأوضاعهم الاجتماعية كأسرةٍ فقدت الأب عندما كان هو ما يزال في السادسة عشرة من عمره.
وتمتد الذكريات الى أيام أخرى مبكرة في حياة الكاتب شاباً صغيراً في عمان يضطر الى العمل البدني المرهق الذي لا يتناسب مع تحصيله العلمي، ولكنه يقبل به على أمل توفير مبلغ مالي يمكنه من استكمال تعليمه الثانوي والتأهل للآخر الجامعي. ومن عمان الى القاهرة حيث ينخرط في تحصيله العلمي المدرسي ثم الجامعي، قبل أن يضطر الى مغادرتها فور تخرجه على نحوٍ غير متوقع لأسبابٍ أمنية ذات علاقة بنشاطه الطلابي المعارض. من ليبيا تبدأ الرحلة المهنية للكاتب الذي يقوده البحث عن حرية التعبير الى الخروج منها بعد فترة عمل غير طويلة متوجهاً الى السعودية حيث فرصة عمل أفضل ومساحة حرية على ضيقها أفضل. لندن هي المحطة المكانية الاخيرة التي تستقر عليها المسيرة الصحافية للكاتب الذي تنقل بين عدة وظائف قبل أن يستقر به الحال كرئيس تحرير لصحيفة "القدس العربي". ويفرد الكاتب فصولاً خاصة لابرز المحطات في حياته المهنية وتلك الخاصة، فيخصص الفصل السادس مثلاً للحديث عن "صدمة الحضارة" التي مر بها لدى انتقاله للعيش في لندن، وفي الفصل السابع يتحدث الكاتب باسهاب عن لندن وأجواء الحياة فيها بالنسبة للعرب خلال سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي على وجه الخصوص. أما أسامة بن لادن فاستحق هو الآخر فصلاً في الكتاب، ولا غرابة في ذلك وقد أفاد الكاتب من لقائه به قبل أحداث 11 سبتمبر، وكان اللقاء بالنسبة اليه بمثابة نقلة مهنية أسهمت في تقديمه للجمهور الغربي بكثافةٍ أكبر مما أتيح له من قبل، وقد نشر كتابا حول أسامة بن لادن وتنظيمه القاعدة وحمل عنوان "التاريخ السري للقاعدة" الذي تمت ترجمته الى لغات عدة بينها العربية. في الفصل التاسع كان هناك حديث خاص وغير مألوف عن ياسر عرفات ومنظمة التحرير الفلسطينية، يكشف فيه الكاتب جانبا غير شائع من شخصية عرفات. ويختتم الكاتب بفصل عن رحلة عودته الى مسقط رأسه حينما أتيحت له الفرصة لذلك بعد توقيع اتفاق أوسلو وهي رحلة لا تخلو من مشاهد مؤثرة رغم أنها لا تعدم المواقف الطريفة أيضاَ.
بين هذه وتلك من محطات العيش والعمل يعمد الكاتب الى الكشف عن مواقف مصيرية أو شخصيات استوقفته أو أخرى أثرت فيه. ويضم الكتاب باقة من أسماء كبيرة وأخرى غير معروفة من خلال مواقف يعرض لها الكاتب بانتقائية تدل على حسٍ صحافي مرهف يركز على الأغرب والاكثر اثارة وتأثيراً، وبما يكشف عن قدرة عالية على "القص اللذيذ" الذي تتوارى خلفه موهبة قصصية ومقدرة أدبية رفيعة متلفعة بثوبٍ صحافي، وهو أمر اكتشفه مبكراً سبيعي عثمان، المحرر في صحيفة "المدينة"، حيث كان الكاتب يعمل تحت اشرافه في بداية حياته الصحافية. وقد ارتأى عثمان في عبد الباري عطوان موهبة أدبية وأعرب عن أسفه عندما علم بهجره عالم الأدب الى غير رجعة بعد أن جرفه تيار العمل الصحافي الجاد بكثافته اليومية المتلاحقة.
نقرأ في الكتاب أيضاً أن علاقة الكاتب بالكلمة بدأت في وقتٍ مبكر من حياته خلال سنوات الدراسة الأولى حيث دفعه حماسه وحبه للقائد العروبي الكبير جمال عبد الناصر الى كتابة رسالة اليه يعبر فيها عن اعجابه وتقديره له. كان الوقع جميلاً عليه عندما وصلته بالبريد حزمة من الصور والمطبوعات أرسلها اليه على ما يبدو المكتب الاعلامي للقائد مرفقاً برسالة ممهورة بتوقيعه. يروي الكاتب الواقعة تحت عنوان: "قوة الكلمات المكتوبة"، ذلك أن الرسالة التي أرسلها جمال عبد الناصر للتلميذ عبد الباري عطوان فعلت فعلها في كل من علم بالنبأ حتى لقد تحول الصبي الى بطل في مخيمه بين ليلةٍ وضحاها، بل لربما كان لها يد طولى فيما آل اليه مصير ذلك التلميذ.
الملاحظ أيضاً أنه يتكرس في فصول الكتاب العشرة منهج خاص في سرد وعرض الأحداث يعتمد على شخوص أخرى غير الكاتب نفسه، حتى يكاد يختلط على المرء أحياناً ما اذا المقام حديث عن الذات أم الآخرين، ولا يعيد الأمور الى نصابها سوى أن السرد في مجمله يؤدي الغرض المبتغى منه ويسهم في رسم الصورة للشخصية محل الحديث. ان كان لهذا النهج من هدف فهو أنه يصب في خدمة التخفيف من وطأة "الأنا" التي من المفترض أن تكون في بؤرة الضوء في كتابٍ من هذا القبيل. يفعل الكاتب ذلك تواضعاً أو ذكاءً، وأيّاً كان الدافع فان الغرض يتأتى على نحوٍ أقل ما ينطبق عليه من أوصاف أنه ناجح و سلس. تتبدى شخصية عبد الباري عطوان، من خلال هذا النهج، واضحة المعالم بسيطة الوصف ولكن ضاربة في عمق الدلالات.
شيء آخر لابد أن يستوقف القارئ لتلك المذكرات ألا وهو المستوى العالي من المكاشفة والمصارحة اللتين يلتزم بهما الكاتب على نحوٍ ملحوظ وحتى غير متوقع في مراتٍ عدة سيما فيما تعلق بالجانب الخاص. وبشكلٍ عام يؤتي هذا النهج أكله في سبر أغوار الرحلة الطويلة التي بدأت من مخيم للاجئين وانتهت بالصفحة الاولى.
روح الفكاهة أيضاً تتجلى بشكلٍ ملحوظ في سرد الوقائع والاحداث بما في ذلك بعضها الذي لا يخلو من مرارة، وهو أمر يصعب توقعه من عطوان، الذي عهده الجمهور العربي متحدثاً غاضباً وحانقاً على أنظمة الحكم العربي أو الهيمنة الامريكية أو الاحتلال الاسرائيلي، حتى أنه بقدر ما يبدو عطوان عصبياً متشدداً في طروحاته وتحليلاته السياسية بقدر ما يتجلى في كتاب مذكراته رقيقاً وشفيقاً في تناوله للانساني والخاص في حياته. وحتى عندما تعلق الامر بوقائع كان أطرافها سياسيون ورؤساء دول مثل ياسر عرفات أو الرئيس اليمني علي عبد الله صالح، بدا عطوان حريصا على السرد الفكاهي الهادف، ويدل ذلك على اصرار الكاتب على تحقيق ما رمى اليه من وراء كتابه: رسم صورة لشعب يضحك ويبتسم ويتوافر على روح الدعابة رغم أنه يقبض على جمر الحجارة معظم الوقت.
يترافق التكاشف والانفتاح مع درجة عالية من التسامح أيضاً يلمسها القارئ سريعاً خلال تصفحه للكتاب ويتيقن منها مع نهايته. ويحسب لتلك المذكرات أيضاً أنها ذهبت مذهباً مطلوباً في هذا الوقت من حيث تأصيل المفاهيم السياسية واعادة ترجمتها واخراجها من شرنقة الاستخدام السياسي الاحترافي (ان صح التعبير) الى المعاني اليومية المعاشة في تجربة انسانية صرفة، فاللجوء أو اللاجئ كمصطلح سياسي، ورغم أنه متواجد بشكلٍ يومي وينبض بالحياة في المؤتمرات والندوات وأروقة الامم المتحدة ووسائل الاعلام المختلفة الا أنه "تيّبس" ولم يعد له ذات الوقع الذي كان له قبل سنوات، أقول ذلك على ضوء السياق السياسي المرير الذي تعيشه القضية الفلسطينية حالياً وما تلقي به من ظلال ثقيلة ومعرقلة لمسيرة اللاجئين وحقهم في العودة.
مذكرات عطوان مثل حي على اللجوء بكل أبعاده ومعانيه الانسانية حيث اللجوء يعني الفقر الجوع التشرد والمنافي والخوف والقلق والحرمان وفقدان الهوية وتشوش الانتماء وغير ذلك من معانٍ ليس فيها الا المرارة. تلك المعاني التي كدنا نفقد الاحساس بها تحت وطأة معايشتها يومياً حتى بتنا نظنها "عادية"، لا نستشعرها "غير عادية" حتى ننظر اليها مكتوبة في هيئة مذكرات من قبيل مذكرات عطوان. وفي كل ما يأتي على ذكره، لا يغفل عبد الباري أهمية الاثراء النظري والبحثي لما يسرده من وقائع وأحداث فتراه لا يترك شاردة أو واردة الا ويرفقها بسيلٍ وفير من المعلومات التي تضعها في سياقها الجماعي الذي يضم تحت مظلته الكثيرين أو يلقي الضوء على حقائق وأحداث.
هناك جوانب عدة يمكن أن تحتسب لهذه المذكرات أيضاً، غير أن أهم ما يميز تلك المذكرات أنها الاولى من نوعها التي تتناول سيرة فلسطيني لاجئ ورحلة شتاته، وليس المقصود بذلك اغفال أو تجاهل ما كتبه سابقون لهم هذه الصفات، وبينهم عظيم مثل ادوارد سعيد مثلاً، ولكن ما يميز مذكرات عطوان عن غيرها يتأتى من حقيقة كونه ينتمي الى هوية أكثر شيوعاً، فهو لاجئ من غزة التي يشكل اللاجئون فيها 70% من عموم الشعب، كما أنه يملك تجربة مماثلة لتجارب الكثيرين من أبناء جيله أو الاجيال اللاحقة له، تجمع بينهم جميعاً الطريق الوعرة والنجاح الأخير، لم يفلح جميعهم بالطبع في أن يحرز ما أحرزه عطوان وان تربعوا على قمةٍ ما أو صفحةٍ أولى ما في حيواتهم. إن لم أخطئ التقدير فان هناك عادة فلسطينية في كتابة المذكرات ـ وان بطريقة شفهيةـ لا يخلو منها بيت فلسطيني ويكون بطلها في العادة الاب أو الابن الأكبر، وتجري فيها مراجعة أيام التشرد الأولى والفقر والجوع والحرمان وكأنها واجب مدرسي يومي يؤديه الأب مع صغاره ليعرفوا ولا ينسوا أنه قد كانت هناك أيام صعبة في حياة العائلة... وأنه سيأتي يوم لاحقاق الحق وأن الخير سينتصر دائماً والشر يولي أدباره.
تبدو مذكرات عطوان وكأنها من قبيل هذه العادة الفلسطينية الحميدة، الا أنها ليست مذكرات "ما قبل الرحيل" أو "آخر الطريق" التي اعتدنا عليها عربياً، ناهيك من كونها ليست مذكرات تصفية حسابات ولا مذكرات بيان سياسي أو مذكرات شوفينية استعراضية الطابع.
ان كان لتلك المذكرات من مأخذٍ ما يؤخذ عليها فهو أنها مذكرات رجل بامتياز، وأقصد هنا المعنى الجندري لكلمة رجل، الرجل الذي يعطى حسب العرف الشرقي التقليدي الأولوية في حق التعليم والسفر والمغامرة وخوض التجارب واحراز النجاح...باختصار رجل طليق في فضاء الحرية بعيداً عن القيود الاجتماعية التي هي من نصيب المرأة دون الرجل. ومع بعض الفروقات النسبية بين هذا المجتمع أوذاك، فان الكثير من النساء لا يحظين بفرصة الوصول الى ما وصل اليه عبد الباري عطوان وغيره من الناجحين البارزين في مجالاتهم لأن الظروف لا تتوافر لهن أصلاً لخوض المعركة أو التنافس مع الانداد، وهو ما يعني أن خسارة كبيرة يتكبدها العالم جراء اصراره هذا على مواصلة حبس طاقات النساء في أقفاص التقاليد والأعراف البالية.
لا نتوقع من عبد الباري عطوان أن يعتذر عن تجربة حياته التي خاضها بهوية ذكورية غير متوازنة جندرياً، ويكفي أنه كان على درجة من الذكاء الجندري والانساني بحيث وجدناه في أكثر من موضع يعرب عن امتنانه وشكره للعديد من النساء اللواتي قدمن له الدعم في مسيرته مهنيةً كانت أم خاصة أو يقر بذلك صراحةً أو تلميحاً.
بقي أن نقول ان كل مذكرات مهما اقتربت من الكمال فلن تصله، ذلك أن لا أحد يملك مفاتيح الحقيقة كلها، بل ان أحداً لا يملك أن يرى الحقيقة كلها معظم الاوقات عن وعي أو لا وعي، ولكن محاولات ادراكها تبقى محل تثمين وتقدير بالطبع.
نصيحة أقدمها لكل من يرغب في قراءة تلك المذكرات، أن لا يفعل ذلك في رحلات الذهاب والاياب في القطار، مثلما فعلت أنا، فلن يعدم من يفعل ذلك مسافراً آخر يرصد تعابير تفاعله مع ما يقرأ، فيقطع عليه لحظات اندماجه ليسأل بفضول عن الكتاب وصاحبه وما يحويه. سبب آخر أهم هو أن الكتاب بالتأكيد أكثر من أن تحتمله رحلات الذهاب والاياب في القطار، اذ فيه بوح غير قليل... بوح شجاع.
*صحافية فلسطينية مقيمة في لندن
التعليقات