منيب المصري: ملك الضفة الغربية

منيب المصري: ملك الضفة الغربية
غزة-دنيا الوطن
نشرت صحيفة الإندبندنت التقرير التالي:" إنه أغنى رجل في فلسطين، والذي شاد قصرا على غرار قصور عصر النهضة الأوروبية خلال فترة الانتفاضة الفلسطينية الثانية. والآن، يريد السيد منيب المصري أن يؤمن قيام دولة مستقلة لشعبه.

لا يوجد كثير من الناس ممن يستطيعون بناء نسخة من "لا روتوندا"، رائعة أنطونية بالاديو المعمارية في عز النهضة الأوروبية في القرن السادس عشر، على قمة جبل يطل على مدينة نابلس المعدمة والمتعبة التي تعصف بها المشكلات في الضفة الغربية. بل إن هناك عدداً أقل بكثير ممن قد يرغبون إنجاز مثل هذا البناء خلال فترة الانتفاضة الثانية، عندما كان المسلحون الفلسطينيون يتبادلون إطلاق النار يومياً مع القوات الإسرائيلية المتمترسة داخل الدروع على بعد 15 دقيقة بالسيارة أسفل التلة إلى حي القصبة في المدينة، وفي الدروب الملتوية لمخيم بلاطة للاجئين الفلسطينيين.


قصر منيب المصري

لكن منيب المصري، البالغ من العمر 74 عاماً، يتمتع بالثقة بالنفس -كما وبالمال- بحيث لا يساوره القلق إزاء ما قد يفعله الكثير من الناس أو يحجمون عن فعله. وهو لا يقرر فحسب استئجار 500 عامل محلي لبناء بيت فاخر يأسر الألباب على أطراف مدينته الحبيبة نابلس ليعود إليه عودة تشكل تتويجاً لعقود من الترحال والسفر كرجل أعمال؛ بل إنه جعل البيت ذا القبة أعلى طابقا من البالاديان الأصلي في فيسينزا "لان لدي عائلة كبيرة"، كما يقول.

ثم ملأه بمجموعته المدهشة، إن لم تكن المنتقاة بشكل يفوق العقل، من الكنوز الفنية التي جمعها طيلة حياته: ثمة تمثال هرقل الذي يعود للقرن السادس عشر، والذي وضعه في ردهة المدخل؛ والبيت الأخضر الذي يشبه حدائق كيو، والذي كان قد شيد لنابليون الثالث ليقدمه هدية لواحدة من محظياته الكثيرات؛ وساقية لويس الرابع عشر على شكل حورية راقصة؛ ولوحة بيكاسو الغرائبية لامرأة -على نمط أسلوب غويا-، ورسم جانبي آسر لوجه موديغلاني؛ والسرير ذو القوائم الأربعة على النمط الصيني من معرض برايتون؛ والأدراج التي لا تقدر بثمن، والمصنوعة من خشب الكرز؛ وصدف السلحفاة وصدف المحر؛ والعرش المحفور المزخرف ذو المسند، وذراعاه المصنوعان من الحرير الأخضر المحبوك، مع النجوم الفضية التي تعود إلى عهد الخديوي إسماعيل، ملك مصر في القرن التاسع عشر وجد الملك فاروق، آخر ملك مصري.

يسأل السيد منيب زواره الذين يدعوهم إلى الجلوس عليه: "هل يجعلك هذا تشعر بالسعادة؟". وكما لو أن ذلك لم يكن كافياً، فقد تم العثور خلال تشييد بيت السيد المصري على بقايا غنية تعود لكنيسة بيزنطية من القرن الرابع، والتي أصبحت الآن متحف السيد المصري الأثري الخاص. ويستطيع السيد المصري، صاحب شبكة العلاقات القوية وصاحب النفوذ الذي رافق توني بلير في جولة حول نابلس في وقت سابق من هذه السنة، وتناول طعام الغداء مع الرئيس نيكولاس ساركوزي في بيت لحم في زيارته الأخيرة، يستطيع المصري العيش في أي مكان بطبيعة: في نيويورك أو لندن أو جنيف. وهو يقر بأنه "ربما" يكون أغنى فلسطيني متواجه على تراب وطنه، "على الرغم من وجود الكثيرين ممن هم أكثر ثراء خارجه". أما اختياره العودة إلى الوطن ليعش في نابلس، فإن ذلك ينم عن نزعة رمزية لديه، والتي تعكس المشاعر الوطنية القوية التي تتملكه.

هذا الثري الذي يمتلك الملايين، والمحب للإنسانية، والصديق المقرب طوال أربعين سنة من الراحل ياسر عرفات (والذي رفض عرضه ثلاث مرات لتولي منصب رئاسة الوزراء في السلطة الفلسطينية)، ومعارض العنف، يقول الآن إن عمله يتركز باستمرار على رؤية دولة فلسطينية قبل أن تحضره الوفاة. ويتندر السيد المصري من حالة قلبه الأقل من أن تكون على خير ما يرام، فيقول: "لدي ثماني شبكات (في القلب)، وليس هناك متسع لتركيب شبكة تاسعة". ويضيف: "قبل أن أرحل، أريد أن أرى فلسطين مستقلة تعيش جنباً إلى جنب مع إسرائيل. وقد عملت من أجل السلام مع إسرائيل طيلة السنوات الخمس والأربعين الماضية، وأعتقد بأن الإسرائيليين يفوتون فرصة كبيرة.. وهم لا يدركون حقاً أن عليهم العيش معنا -مجموعتان من الناس تعيشان على نفس الأرض".

نحن متأخرون قليلاً عن اجتماعنا في الساعة 7.30 صباحاً، لأن "بيت فلسطين"، كما أسمى السيد المصري الذي يستيقظ مبكراً بيته ذا الموقع السوريالي، يقع داخل المنطقة "أَلِفْ" التي تسيطر عليها السلطة الفلسطينية، والتي تحظر الحكومة الإسرائيلية على المدنيين الإسرائيليين دخولها. كما أن نقطة تفتيش الجيش الإسرائيلي عند مدخل المنطقة كانت ما تزال مغلقة عندما وصلنا إليه. لكن الأمر جدير بالانتظار.

على أحد طرفي طاولة الطعام الهائلة، كان ثمة إفطار فلسطيني يسيل له اللعاب معد لنا: خبز مخبوز في البيت، وشاي بالنعناع، ولبنة، وبيض مسلوق، وخوخ وخيار وبندورة مع النعناع وزيت الزيتون الصافي. ويعلن السيد المصري بافتخار أن كل شيء على المائدة يأتي من عزبته ذات السبعين فداناً، باستثناء الموز، والعسل الأصلي الذي جيء به من اليمن.

كان السيد المصري قد غادر وطنه وهو في السابعة عشرة من عمره، شاباً واسع العينين ينحدر من واحدة من أكثر عائلات نابلس عراقة، قاصداً الدراسة في جامعة تكساس. وعاد إلى الشرق الأوسط في عام 1956 (تظهر صور له في حينه أنه كان يتسم بأكثر من شبه عابر بإيرول فلين)، يحمل شهادة الماجستير في العلوم، في تخصص الحكم والجيولوجيا، وسيارة شيفروليه جديدة زرقاء وبيضاء، وزوجة أميركية شقراء وطفل. وكان يعمل رئيساً إقليمياً لشركة فيليبس بتروليوم ذات الملكية الأميركية، لكنه كان قد أسس أصلا ما كانت لتصبح أهم شركة لديه.. مجموعة الهندسة والتطوير - إدغو.

يشرح السيد المصري لنا اليوم، فيقول: "كان عرفات هو بطلي"، مضيفاً إنه لأكثر من 40 سنة "نمنا معاً وضحكنا معاً وتمازحنا معاً وبكينا معاً. وقد كان بطلي حتى عندما كان يعبس". أما رفض السيد المصري عدة مرات تولي رئاسة الحكومة الفلسطينية، فقد استند في جزء منه إلى تجربته التي لم تعش طويلاً كوزير في أول حكومة فلسطينية شكلتها السلطة الفلسطينية مباشرة بعد اتفاقيات أوسلو.

وقال السيد المصري: "قلت: أبو عمار.. أنا أحبك جداً. وأريد أن أكون صديقك مدى العمر. لكن من الصعب جداً العمل معك". لقد كان بطلي، لكنه لم يكن يعرف أي شيء عن الإدارة. ولم يمكنني العمل على ذلك النحو. ولم أستطع أن أتسامح مع المزايا التي كان عرفات يسبغها على الناس – 50.000 من هذا و20.000 من ذلك. عليك أن تمتلك نظاماً، وعليك أن تكون لديك إجراءات. لكن السيد المصري كان إلى جانب عرفات، مشجعاً مسار الاعتدال في اللحظات الحرجة، مثل تلك التي حلت عام 1988 عندما أعلن رئيس منظمة التحرير الفلسطينية أخيراً الاعتراف بإسرائيل. ولم تكن لديه أدنى شكوك بأنه من دونه "لما كنا هنا". وكان ابن نابلس قد رفض في مستهل عقد التسعينيات من القرن الماضي الاقتراح الذي عرضه رئيس الوزراء الإسرائيلي الراحل إسحق رابين من أنه سيكون مناسباً أكثر ليكون رئيساً من عرفات. "قلت له: لا يستطيع أحد أن يكون أهلا لهذا غير عرفات".

وبعد عشرين سنة من ذلك، يصور السيد المصري نشاطاته التجارية هنا، ومغامرته في عالم السياسة –"منتدى فلسطين" الذي تشكل مؤخراً، ومواجهة الكفاح الصعب من أجل تمثيل "الأغلبية الصامتة" من خارج فتح وحماس- على أنها تحقق لذلك الحلم. أما الشركة التي أسسها - باديكو - (شركة فلسطين للتطوير والاستثمار) بـ"هدفها الرئيس المعلن... تطوير البنية التحتية لفلسطين"، فتمتلك بالإضافة للكثير غيرها حصة نسبتها 30% من شركة الاتصالات السلكية واللاسلكية والهاتف الخلوي الفلسطيني العاملة في غزة والضفة الغربية.

يقول المصري إنه، حتى في ظل القيود الإسرائيلية الصارمة -التي يبدي معارضته الشديدة لها- والتي تترك آثاراً سلبية على الاقتصاد الفلسطيني، فإنه يبقى من المهم خلق أكبر عدد ممكن من الوظائف لمنع خروج الفلسطينيين من البلاد بسبب الضغط الاقتصادي. ويقول: "أعتقد بعمق بأننا نستطيع الصمود على أرضنا من خلال تحقيق الازدهار. إننا لا نهاجر. خلال الانتفاضة الأولى كان دخل الفرد 1.800 دولار. والآن أصبح ما دون 1000 دولار. وإذا وفقت في خلق نوع من الازدهار هنا، فإن الناس سيمكثون ويقاومون الاحتلال". ويقول إنه لا يعني العنف بإشارته إلى المقاومة.

رغم الانتقادات التي كثيراً ما توجه إليه، فقد استطاع أن يدير شبكة من الأعمال الاحتكارية هنا، كما يصر على القول. ويضيف: "لقد جئنا إلى هنا ومعنا 170 مليون دولار، وكنا 30 أو 40. والآن أصبح لدينا حوالي 30.000 من حملة الأسهم. إننا لم نمس بأي عمل تقليدي". ويقول إن منتقديه هم "موضع الترحيب إذا أرادوا إقامة أي شركة يريدون. لقد كان هناك احتكار لأنه لم يكن هناك من يأتي إلى هنا ويتمتع بالسمعة".

لأنه رجل يستطيع أن يقابل عباس، الذي دعمه بقوة كرئيس للوزراء وكرئيس، وكذلك خالد مشعل، زعيم حماس المنفي، في أي وقت يشاء، فقد ناضل السيد المصري لتجنب وقوع المزيد من الشقاق في الصف الفلسطيني.

وقبل إجراء الانتخابات البلدية في نابلس في عام 2005 -التي حققت فيها حماس فوزاً ساحقاً- كان قد اقترح على الفصائل تخصيص عدد من المقاعد التي تحصل فيها حماس على أقلية. ويقول إن حماس وافقت على الاقتراح، لكن فتح، ولسوء الطالع بالنسبة لآماله في جعل نابلس أنموذجا للإجماع، لم توافق.

وعلى نحو مشابه، وبعد أن فازت حماس بالانتخابات التشريعية في عام 2006 بشكل فاجأها هي نفسها، "أرسلنا رسائل إلى خالد مشعل وإسماعيل هنية تقول: من فضلكم، لا تشكلوا حكومة. إبقوا في المجلس التشريعي (البرلمان) بما أنكم لا تريدون الاعتراف بإسرائيل".

أما الآن، فيحث "منتدى فلسطين" الذي يديره بقوة على إجراء مصالحة بين فتح وحماس مرة أخرى. وقد رحب السيد المصري باتفاق وقف إطلاق النار في غزة، لكنه يقول إن الصفقة مع حماس لا يمكن أن يتم تركها في فراغ خطير. إنه يرغب أولا في رؤية اتفاق جديد بين حماس وفتح، والذي يعتقد بأن من شأنه أن يعزز في نهاية المطاف، لا أن يضعف من موقف السيد عباس كشريك مفاوض مع إسرائيل. ويقول ثانياً إن على إسرائيل المباشرة في تقديم تنازلات سريعة للسيد عباس -بما في ذلك إقامة هدنة في الضفة الغربية، ورفع "أربع أو خمس نقاط تفتيش رئيسية، وإحراز تقدم فعلي في المفاوضات الحالية بين إسرائيل والسيد عباس حول الدولة الفلسطينية في المستقبل".

وفي الغضون، يخشى المصري من أن يكون البديل عن ذلك هو "المزيد من التشدد والأمور الأكثر رعباً". وسيكون بالنسبة لإسرائيل خسارة حل الدولتين الذي يضمن لها مستقبلها. ويقول: "إنهم لا يعطون السيد عباس أي شيء. وأعتقد بأن لديهم في محمود عباس ورئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض أفضل المسؤولين للتوصل إلى تسوية سلمية".

ويضيف السيد المصري: "لقد قبلنا 23% من الأرض (فلسطين الانتداب) ولم أفكر مطلقاً بأننا سنقبل بذلك، لكن عرفات كان هو الذي جعلنا نقبل به. وأنا أؤمن بعمق بجدوى المباحثات مع الإسرائيليين، لكن الإسرائيليين يريدون أن يحصلوا على كعكتهم ويأكلوها كلها. وهم لا يملكون الجرأة ليقولوا: دعونا نتقاسم القدس، وسنستطيع معاً أن نكون أنموذجاً. ثمة مساحة كافية للجميع. ولدي من العمر 74 عاماً، وأنا لا أريد أن يكون حالي مثل حال عرفات؛ أن أموت دون أن أرى ذلك يتحقق".

التعليقات