السيدة التي ملكت قلب وليد جنبلاط

السيدة التي ملكت قلب وليد جنبلاط
غزة-دنيا الوطن
إنها امرأة الكواليس بامتياز. لا تطل إلا في المناسبات الكبيرة، السعيدة منها والحزينة. نورا الشراباتي زوجة رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي اللبناني النائب وليد جنبلاط، سورية الأصل وهي ابنة وزير الدفاع السوري السابق أحمد الشراباتي. تعرف في الأوساط الاجتماعية والاعلامية اللبنانية بأنها عصية على المقابلات الصحافية. لا تحب كثيرا الدخول في الزواريب السياسية، وتعتبر أن حياتها شأن خاص لا علاقة لأحد به. دورها محض اجتماعي ثقافي. تسعى الى اتمام أعمالها بالكتمان. سيدة جميلة جذابة ورياضية معروفة بطلتها البهية وأناقتها الدائمة التي لا تتغير أو تفقد رونقها سواء كانت مرتدية «الجينز» أو اللباس الرسمي. ومما يقوله عنها عارفوها أنها تميل الى الألوان الهادئة التي تحرص على ارتدائها في معظم المناسبات. من ناحية ثانية، يُعرفُ عنها أنها كانت قبل أن يفرض تدهور الظروف الأمنية على الساسة اللبنانيين وعائلاتهم أخذ الحيطة، تشاهد وهي تقود سيارتها بنفسها على الطرقات الجبلية في الشوف، وكذلك في بيروت. السيدة نورا أم حنون لشابين من زوج سابق، والزوجة الثانية لوليد جنبلاط بعد السيدة جيرفيت (الأردنية الأصل) التي أنجبت له ولدين وبنتا. وفي هذا الاطار، يردّد في الأوساط الاجتماعية في منطقة الشوف، حيث معقل زوجها ومناصريه، أن جنبلاط قال عندما سئل عنها: «جيرفيت سيدة القصر.. ونورا حبيبة القلب». تطل نورا جنبلاط، الراقية في حديثها، الأوروبية في ملامحها، مرة كل عام للإعلان عن «مهرجانات بيت الدين الدولية» التي تولت رئاسة لجنتها الإدارية منذ عدة سنوات ونجحت في مهمتها على أكمل وجه، اذ استطاعت أن تستقطب للمشاركة فيها أشهر الفنانين العالميين. غير أن باعها ليس طويلاً فقط في تنظيم المهرجانات الفنية، بل سجلت نجاحاً كبيراً خلال السنوات الماضية في تنظيم النشاطات الثقافية والبيئية والوطنية، وأدارت خلال حرب يوليو (تموز) 2006 عملية توزيع المساعدات على المهجّرين في مناطق الجبل. وكانت تحضر بنفسها للإشراف على توضيب الحصص التموينية. كذلك برزت ناشطة مهمة ولها دور أساسي في تحركات تجمع «قوى 14 آذار» السياسي حيث كانت تتقدم الوفود الآتية من مناطق الشوف، وتشارك في أدق التفاصيل، من التخطيط الى تنفيذ الديكور ودعم المشاركين ودفعهم للمضي قدماً في تحركاتهم. ولذا قال عنها الكاتب اللبناني يحيى جابر: «رافعة الحديد للبوديوم، ورافعة المعنويات... امرأة في ورشة ليلاً ونهاراً». وأضاف: «تعلمنا من نورا جنبلاط فن التواضع الثوري، فن الخفاء والاختفاء.. هي المهندسة للأناقة والجمال الثوري».

وقوف نورا جنبلاط الى جانب زوجها المعروف بمعارضته الشرسة للدولة السورية ورئيسها بشار الأسد، عرّضها لضغوط متعددة من دولتها الأم، وخصوصاً في السنوات الأخيرة، مما جعل الحكومة السورية تتّخذ بحقها قراراً يقضي بالحجز الاحتياطي على ممتلكاتها التي تتضمّن بيتاً كبيراً في دمشق ورثته عن والدها ويقدّر ثمنه بمئات آلاف الدولارات. كذلك أسهم كونها سوريّة في ازدياد شراسة حملات الإشاعات المنظمة والمكثفة التي تطلقها مواقع مجهولة الأصل على شبكة الإنترنت على زوجها. وفي هذا الاطار، نقل عنها الصحافي البريطاني، روبرت فيسك، أنها أعلنت خلال عشاء جمعهما في حضور نواب من فريق الموالاة اللبناني الموضوعين في دائرة خطر الاغتيال، أنها كتبت وصيتها. وعندما سألها عن السبب أجابته «ربما أكون مع وليد».

وعلى الرغم من ان نورا جنبلاط لا تشارك كثيراً في النشاطات الاجتماعية التي تقام في منطقتها، وتحرص على إرسال مَنْ ينوب عنها للقيام بالواجب إلا أنها تعرف بثقافتها وحسن استقبالها للضيف، حتى أن فيسك قال عنها انها «أفضل مضيفة في العالم». وفي هذا الإطار تتصرف السيدة نورا تماماً بالطريقة المرتقبة من السيدة التي أسندت لها الظروف دور زوجة «زعيم البيت الجنبلاطي» ـ أصل اسم جنبلاط هو «جان بولاد» أي صاحب «القلب الفولاذي»، الذي صار منذ القرن الـ18 الزعيم السياسي والإقطاعي الأول للنصف الجنوبي من جبل لبنان وما يقابله عبر سلسلة جبال لبنان، في ما يعرف اليوم بالبقاع الغربي، وكان قبلاً يعرف بـ«الشوف البياضي». فهذه الزعامة كانت في الواقع أكبر من أي إقطاع تقليدي عرفه لبنان بحدوده الحالية لأنها ارتبطت أيضاً بدورين ديني وشعبي، وكان المؤسس للزعامة الشيخ علي رباح جنبلاط (توفي عام 1776)، الذي ورث نصيباً كبيراً من أراضي إقطاعه عبر مصاهرته للشيخ قبلان القاضي، آخر إقطاعيي التنوخيين في الشوف وجزين، والذي توفي عام 1712 بلا عقب من الذكور. وبمرور الزمن ترسّخت هذه الزعامة أكثر، ومع تشييد الشيخ بشير جنبلاط (توفي عام 1825)، حفيد الشيخ علي، «قصر المختارة» صار هذا القصر مركز القرار السياسي، إلى جانب كونه مقرا للمرجعية الشعبية التي تجاوزت الطوائف والمذاهب الدينية، فبجانب مسجد القصر الشهير، بنى الزعماء الجنبلاطيون لجمهورهم ومناصريهم الكنائس والدور والمطاحن ورعوا أمورهم، وتابعوا شكاواهم، مما أطال عمر قاعدة الولاء لهم. ومما يروى عن السيدة نظيرة جنبلاط، جدة وليد جنبلاط لأبيه، التي كانت إحدى أعظم الشخصيات اللبنانية نفوذاً في النصف الأول من القرن العشرين، انها في الوقت الذي كانت تتابع فيه الشؤون السياسية العليا للبلاد مع الزعماء السياسيين والدينيين والدبلوماسيين الأجانب، كانت تتابع بدقة أخبار كل قرية وكل عائلة في منطقة نفوذها حتى إذا جاءها من يزورها من تلك القرية أو العائلة تتمكن من التحدث معه أو معها ـ إذا كانت امرأة ـ في أدق التفاصيل. كما كانت توفد من قبلها سيدات للقيام بواجبات التعازي والتهاني في عموم المنطقة. كذلك كانت أبواب القصر، قبل الاحتياطات الأمنية التي فرضتها الظروف خلال السنوات القليلة المنصرمة مشرعة في وجه أي زائر.

التعليقات