إستراتيجية أردنية جديدة :اتصالات مع طهران وجاهزية لاستعادة العلاقة مع حماس وعلاقات مع حزب الله

عمان ـدنيا الوطن- شاكر الجوهري
الأردن عاكف على إعادة تقييم سياساته الداخلية والخارجية في ضوء التطورات الإقليمية المتتابعة ممثلة في انتصار حزب الله، وحركة "حماس" على خصومهم المنحازين لأميركا ومخططاتها، وتفاقم اوضاعه الإقتصادية والمعيشية، واتضاح كذب كل الوعود الأميركية بتحقيق تسوية معقولة للقضية الفلسطينية، والإخفاق الكبير الذي مني به محور "دول الإعتدال العربي".
ما كان يسرب من معلومات شحيحة حول هذا الأمر، بات الآن موضع تسريب شبه علني من جهات صنع القرار في عمان..ذلك أنها ليست مجرد صدفة أن تنشر الصحف الأردنية اربعة مقالات في يوم واحد تتحدث كلها عن المراجعة وإعادة التقييم..!
لكن بنود التسريبات الأولى، التي انفردنا بنشرها في حينه، على عتبات قمة دمشق العربية، تدعم الآن بمزيد من التفاصيل.
تقول المعلومات إن خلية سياسية ـ أمنية تعكف حاليا على صياغة استراتيجية اردنية جديدة على عدة محاور تناقش اقتراحات على الصعيدين المحلي والإقليمي.
خطوط الإستراتيجية الجديدة
محليا، تدرس لجنة الإستراتيجية الجديدة:
1. عقُد مؤتمر شعبي بمشاركة جميع الأطراف يعيد التأكيد على التزام كل القوى بالثوابت الدستورية ويحّدد خطوط اللعبة السياسية الداخلية، من خلال اقراره لميثاق وطني جديد يحل محل الميثاق الوطني لعام 1991 الذي لم تحترمه الحكومات الأردنية طوال السنوات الماضية.
2. إعادة النظر بقوانين العمل السياسي، وفي مقدمتها قانون الإنتخاب وتوسيع قاعدة المشاركة السياسية في صناعة القرار، واعتماد نظام متقدم للإنتخابات النيابية، ودور أوسع للأحزاب السياسية.
3. اجراء انتخابات نيابية مبكرة قبل نهاية العام المقبل.
4. إعادة الصلاحيات للسلطة التنفيذية (الحكومة) وفقا لمنطوق الدستور، بعد أن سلبت منها لصالح جهات نافذة أخرى خلال السنوات الماضية.
5. إعادة النظر بالسياسة المتشددة تجاه الإسلاميين، والإنفتاح على الحركة الإسلامية، ما دامت مستعدة للإلتزام بالثوابت الدستورية.
6. إعادة الإعتبار لقيم المشاركة لتعزيز الجبهة الداخلية، ومواجهة التداعيات الإجتماعية الخطيرة للأزمة الإقتصادية، ودعم حرية وسائل الإعلام، وعدم التعرض لها أو مضايقتها ما دامت تتصدى لمعالجة القضايا العامة وتلتزم بالقوانين وبروح الرسالة الملكية الأخيرة لرئيس الوزراء بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة.
أما اقليميا ودوليا، فتناقش اللجنة:
1. وقف الإنحياز الكامل للسياسات الأميركية، دون الإنتقال للمحور الآخر، وبما يحافظ على الدعم الإقتصادي الأميركي والسعودي، وقد يستجلب أيضا دعما ايرانيا.
2. ضرورة تعزيز العلاقات مع سوريا. وفي هذا السياق سبق للأردن أن أبدى حرصا على عدم اغضاب سوريا بسبب خفض مستوى تمثيله في قمة دمشق إلى مستوى ممثله لدى جامعة الدول العربية، وذلك جراء الضغوط التي تعرض لها من قبل دول أخرى.
وقد تم التعبير عن ذلك من خلال اتصال هاتفي أجراه الملك عبد الله الثاني مع الرئيس بشار الأسد، ورسالة نقلها الدكتور باسم عوض الله، رئيس الديوان الملكي من الملك للرئيس السوري في اليوم الأول لجلسات القمة، تؤكد حرص الأردن على علاقاته مع دمشق، وتأكيد أن تخلف الملك غير متصل بسياسات معارضة لسوريا.
3. بدء اتصالات سرية اردنية ـ ايرانية في ذات الإتجاه، تسعى لتحسين العلاقات بين البلدين، والنأي بالأردن عن السياسات الإقليمية والدولية المناوئة لإيران.
4. التفكير في ضرورة استعادة العلاقات مع حركة "حماس" الفلسطينية.
5. التفكير بضرورة وقف انحياز الأردن ضد حزب الله في لبنان.
أسباب التوجهات الأردنية الجديدة
هذه التوجهات الجديدة في السياسة الأردنية تنبع من جملة عوامل:
أولا: انعدام الثقة بالولايات المتحدة الأميركية ووعودها بشأن حل نهائي للقضية الفلسطينية قبل نهاية العام الحالي. وكذلك انعدام الثقة بالمقايضة التي طرحتها واشنطن على حلفائها من العرب وملخصها "حل فلسطيني مقابل وقفة جماعية عربية مع واشنطن بمواجهة ايران".
لقد اكتشف الأردن، ليس فقط كذب هذه المقايضة واصحابها، لكنه اكتشف أيضا أن حقيقة اللعبة هي الوقوف إلى جانب اسرائيل ضد المصالح الإستراتيجية للأردن نفسه..!
ثانيا: انعدام الثقة بصدق النوايا الأميركية حيال وجود الكيان الأردني، واعتقاد اردني يتجاوز المخاوف إلى تشكيل قناعات، بأن فشل العملية السياسية فلسطينيا يعني بالضرورة أن اميركا وإسرائيل ستشرعان في استحضار حلول بديلة للقضية الفلسطينية داخل الأردن.
ثالثا: ترجيح اردني لوصول رئيس حمساوي للسلطة الفلسطينية نهاية ولاية محمود عباس في كانون ثاني/يناير المقبل.
رابعا: إثبات حزب الله نفسه لاعبا سياسيا رئيسا في لبنان، عقب الإنتصار العسكري الباهر الذي حققه على قوى الموالاة خلال بضع ساعات.
خامسا: العلاقة الجدلية بين التهديدين الداخلي والخارجي، ما دام الداخل الأردني ظل يرفض السياسات الخارجية لحكوماته طوال الفترة السابقة، وما دام النظام بات في حاجة ماسة للداخل الأردني لمواجهة المؤامرة الأميركية التي تستهدف وجود الكيان الأردني لصالح حل فلسطيني في الأردن، وعلى حساب الأردن، بدلا من حل فلسطيني في الأراضي الفلسطينية المحتلة سنة 1967.
الأردن الرسمي بات يعتقد بأن الحديث الأميركي الآن عن "الخيار الأردني" ليس سوى مدخل لحديث وإجراءات لاحقة على طريق تكريس مؤامرة "الوطن البديل"..!
سادسا: ضعف الجبهة الداخلية الأردنية، على نحو يجعلها سهلة الإختراق، وهذا الضعف ناجم عن ثلاثة عوامل رئيسة:
1. صراع وتنافس الحرس القديم والحرس الجديد، الذي اندلع مع تولي الملك عبد الله الثاني صلاحياته الدستورية سنة 1999.
2. بذور الإقليمة التي تبذر داخل المجتمع الأردني بين اردنيين من أصول شرق اردنية واردنيين من أصول غرب اردنية (فلسطينية).
3. تفاقم الأزمة الإقتصادية والمعيشية التي تفتك بقوت الأردنيين من شتى الأصول والمنابت.
سابعا: الإنتصارات والتقدم الذي يحرزه معسكر المقاومة والممانعة. فبعد الحسم العسكري لحركة "حماس" في قطاع غزة، وتوقع فوز رئيس حمساوي للسلطة الفلسطينية مطلع العام المقبل، جاء الإنتصار الذي حققه حزب الله في لبنان على حكومة فؤاد السنيورة. وبذا، فقد غدا مجرد غباء مواصلة سياسة الإنحياز للأطراف والمعسكر الإقليمي المهزوم، مواصلة معاداة المعسكر الذي يراكم انتصارات.
في هذا السياق يتوقف الأردن الرسمي أمام حقيقة أن نجاح الوساطة القطرية في جمع الفرقاء اللبنانيين في الدوحة، يمثل هزيمة سياسية لمحور الإعتدال العربي بأطرافه الأربعة، الذي عمل على دعم حكومة السنيورة وتيار المستقبل، ومعاداة حزب الله.
المشهد الإقليمي هذا يصوره مسؤول اردني قائلا "إن الأطراف الفاعلة في المنطقة، وهي اميركا واسرائيل والقاعدة من جهة، وايران وسوريا و"حماس" وحزب الله من جهة أخرى، تحصل على كل ما تريد لأنها فهمت لعبة تغيير الموازين وتخطّط للوصول إلى اهدافها".
حتى نضع النقاط على الحروف، ليس مطلوبا من قبل الأردن وفقا لتصوراته الجديدة، تغييرا جذريا في دوره الإقليمي،ة وإنما "جراحة تجميلية" تُقلّل من حجم الخسائر الإستراتيجية التي ترتبت على الرهان غير المدروس على الدور الأميركي في المنطقة.
في هذا السياق بتم النظر اردنيا إلى قدوتين هما قطر وتركيا. فقطر تمتلك علاقات جيدة مع الولايات المتحدة، ومع اسرائيل كذلك، دون أن تخسر علاقاتها مع إيران وسوريا، ولا تتورط في الإستقطابات الداخلية. تلعب ادواراً متوازنة، وتحتفظ بعلاقات جيدة مع كافة الأطراف. وتركيا لها هي الأخرى علاقات حيوية واستراتيجية مع أميركا والغرب واسرائيل، لكنها لا تغلق الباب أمام علاقات استراتيجية مع إيران وسوريا.
حدود الإستعداد الأردني
للتعاون في الحل الفلسطيني
هل يعني ذلك تراجعا اردنيا عن التسوية السياسية للصراع الفلسطيني/العربي ـ الإسرائيلي..؟
بالقطع لا. ولسان حال صاحب القرار الأردني يقول "إذا أصرّت إسرائيل، ومن ورائها أميركا، على توريط الأردن في الضفة الغربية يكون القبول مشروطا بإعادة كامل أجزاء الأرض دون نقصان ذرّة تراب. بعد ذلك يتفاهم الأردن مع الفلسطينيين حول نقل السيادة والصلاحية لهم ضمن دولة ناجزة كأي بلد مجاور".
صاحب القرار الأردني يبدو شديد الإتعاظ من تجربة حرب 1948، التي خرجت القيادة الأردنية منها بجملة تهم، لا تريد ازدواج تلقيها بعد ستين عاما من جديد..!
ويذكر صاحب القرار بأنه بعد عقدين من حرب حزيران/يونيو 1967، فسخ الملك الراحل حسين عقد الشراكة بين الضفتين الغربية والشرقية، ممهدا الطريق أمام إعلان دولة فلسطينية في المنفى، حين التأم المجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر سنة 1988. ويقول "كان الهدف تثبيت الفلسطينيين في ديارهم خلف النهر. اليوم، التهديد قد يطال المملكة ونظام حكمها وينسف القضية الفلسطينية من اساسها".
الأردن إذا حاضر للعب دور في التسوية على قاعدة استعادة كامل الأراضي الفلسطينية التي احتلت سنة 1967..وهي قاعدة تصلح لاستعادة العلاقات مع "حماس"، دون خسارة العلاقات التي تربطه مع "فتح"، ما دامت سلطتها وصلت مرحلة رفع اليدين مسلمة بالفشل في تحقيق التسوية المشرفة التي تريدها..كما أن هذه القاعدة تستقطب الآن تأييدا شعبيا فلسطينيا واسعا، وتقلل من حجم المعارضة الشعبية الأردنية لاستعادة وحدة الضفتين.
المراهنة على الجبهة الداخلية
ولكن، هل يمكن أن تلقى الإستراتيجية الأردنية الجديدة النجاح المطلوب..؟
وبعبارة أخرى، هل تستطيع القيادة الأردنية الدفاع عن استراتيجيتها الجديدة بمواجهة الولايات المتحدة واسرائيل، وبقايا محور "الإعتدال العربي"..؟!
ابتداء الأردن مضطر للجوء لهذه الإستراتيجية من قبيل الدفاع عن وجوده، وهو لا خيارات بديلة لديه.
ولهذا، نرى النظام يقرر في لحظة مفصلية العودة إلى الشعب من خلال العودة إلى الديمقراطية، مع ما يفرضه ذلك من انتخابات برلمانية جديدة على قاعدة اصلاحات سياسية حقيقية وجوهرية تسبقها..يشجعه على ذلك سوابق تاريخية مثل الإلتفاف الشعبي العارم حول القيادة خلال العدوان الثلاثيني على العراق سنة 1990/1991 ، الذي رفضت القيادة الأردنية أن تشارك فيه، وذلك بمواجهة ذات التحالف المرشح لأن يواجهه الأردن بسبب من استراتيجيته الجديدة..وكذلك الإلتفاف الشعبي العارم حول شعار مواجهة الإرهاب حين فجر الإرهابيون فنادق عمان.
هذا في الزمن الحاضر، وفي سنوات سابقة هناك تجارب أخرى من طراز الإلتفاف حول القيادة تأييدا لمصر بمواجهة العدوان الثلاثي سنة 1956، وطرد الجنرال كلوب والضباط الإنجليز الذين كانوا يسيطرون على القرار في الجيش الأردني سنة 1957.
باختصار، لقد تعلم النظام أن الشعب جاهز دوما للإلتفاف حوله حين يقرر مجابهة أعداء الأمة، ويرفع شعاراتها..وأن تأييد الشعب فقط هو الكفيل بحمايته من العاديات.
لكن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، إذ هناك في الأردن، من يطالب بأن تتلاافق المراجعة الداخلية العميقة مع محاسبة صارمة للنهج السياسي الذي أوصل الأردن إلى حافة الخطر.
الأردن عاكف على إعادة تقييم سياساته الداخلية والخارجية في ضوء التطورات الإقليمية المتتابعة ممثلة في انتصار حزب الله، وحركة "حماس" على خصومهم المنحازين لأميركا ومخططاتها، وتفاقم اوضاعه الإقتصادية والمعيشية، واتضاح كذب كل الوعود الأميركية بتحقيق تسوية معقولة للقضية الفلسطينية، والإخفاق الكبير الذي مني به محور "دول الإعتدال العربي".
ما كان يسرب من معلومات شحيحة حول هذا الأمر، بات الآن موضع تسريب شبه علني من جهات صنع القرار في عمان..ذلك أنها ليست مجرد صدفة أن تنشر الصحف الأردنية اربعة مقالات في يوم واحد تتحدث كلها عن المراجعة وإعادة التقييم..!
لكن بنود التسريبات الأولى، التي انفردنا بنشرها في حينه، على عتبات قمة دمشق العربية، تدعم الآن بمزيد من التفاصيل.
تقول المعلومات إن خلية سياسية ـ أمنية تعكف حاليا على صياغة استراتيجية اردنية جديدة على عدة محاور تناقش اقتراحات على الصعيدين المحلي والإقليمي.
خطوط الإستراتيجية الجديدة
محليا، تدرس لجنة الإستراتيجية الجديدة:
1. عقُد مؤتمر شعبي بمشاركة جميع الأطراف يعيد التأكيد على التزام كل القوى بالثوابت الدستورية ويحّدد خطوط اللعبة السياسية الداخلية، من خلال اقراره لميثاق وطني جديد يحل محل الميثاق الوطني لعام 1991 الذي لم تحترمه الحكومات الأردنية طوال السنوات الماضية.
2. إعادة النظر بقوانين العمل السياسي، وفي مقدمتها قانون الإنتخاب وتوسيع قاعدة المشاركة السياسية في صناعة القرار، واعتماد نظام متقدم للإنتخابات النيابية، ودور أوسع للأحزاب السياسية.
3. اجراء انتخابات نيابية مبكرة قبل نهاية العام المقبل.
4. إعادة الصلاحيات للسلطة التنفيذية (الحكومة) وفقا لمنطوق الدستور، بعد أن سلبت منها لصالح جهات نافذة أخرى خلال السنوات الماضية.
5. إعادة النظر بالسياسة المتشددة تجاه الإسلاميين، والإنفتاح على الحركة الإسلامية، ما دامت مستعدة للإلتزام بالثوابت الدستورية.
6. إعادة الإعتبار لقيم المشاركة لتعزيز الجبهة الداخلية، ومواجهة التداعيات الإجتماعية الخطيرة للأزمة الإقتصادية، ودعم حرية وسائل الإعلام، وعدم التعرض لها أو مضايقتها ما دامت تتصدى لمعالجة القضايا العامة وتلتزم بالقوانين وبروح الرسالة الملكية الأخيرة لرئيس الوزراء بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة.
أما اقليميا ودوليا، فتناقش اللجنة:
1. وقف الإنحياز الكامل للسياسات الأميركية، دون الإنتقال للمحور الآخر، وبما يحافظ على الدعم الإقتصادي الأميركي والسعودي، وقد يستجلب أيضا دعما ايرانيا.
2. ضرورة تعزيز العلاقات مع سوريا. وفي هذا السياق سبق للأردن أن أبدى حرصا على عدم اغضاب سوريا بسبب خفض مستوى تمثيله في قمة دمشق إلى مستوى ممثله لدى جامعة الدول العربية، وذلك جراء الضغوط التي تعرض لها من قبل دول أخرى.
وقد تم التعبير عن ذلك من خلال اتصال هاتفي أجراه الملك عبد الله الثاني مع الرئيس بشار الأسد، ورسالة نقلها الدكتور باسم عوض الله، رئيس الديوان الملكي من الملك للرئيس السوري في اليوم الأول لجلسات القمة، تؤكد حرص الأردن على علاقاته مع دمشق، وتأكيد أن تخلف الملك غير متصل بسياسات معارضة لسوريا.
3. بدء اتصالات سرية اردنية ـ ايرانية في ذات الإتجاه، تسعى لتحسين العلاقات بين البلدين، والنأي بالأردن عن السياسات الإقليمية والدولية المناوئة لإيران.
4. التفكير في ضرورة استعادة العلاقات مع حركة "حماس" الفلسطينية.
5. التفكير بضرورة وقف انحياز الأردن ضد حزب الله في لبنان.
أسباب التوجهات الأردنية الجديدة
هذه التوجهات الجديدة في السياسة الأردنية تنبع من جملة عوامل:
أولا: انعدام الثقة بالولايات المتحدة الأميركية ووعودها بشأن حل نهائي للقضية الفلسطينية قبل نهاية العام الحالي. وكذلك انعدام الثقة بالمقايضة التي طرحتها واشنطن على حلفائها من العرب وملخصها "حل فلسطيني مقابل وقفة جماعية عربية مع واشنطن بمواجهة ايران".
لقد اكتشف الأردن، ليس فقط كذب هذه المقايضة واصحابها، لكنه اكتشف أيضا أن حقيقة اللعبة هي الوقوف إلى جانب اسرائيل ضد المصالح الإستراتيجية للأردن نفسه..!
ثانيا: انعدام الثقة بصدق النوايا الأميركية حيال وجود الكيان الأردني، واعتقاد اردني يتجاوز المخاوف إلى تشكيل قناعات، بأن فشل العملية السياسية فلسطينيا يعني بالضرورة أن اميركا وإسرائيل ستشرعان في استحضار حلول بديلة للقضية الفلسطينية داخل الأردن.
ثالثا: ترجيح اردني لوصول رئيس حمساوي للسلطة الفلسطينية نهاية ولاية محمود عباس في كانون ثاني/يناير المقبل.
رابعا: إثبات حزب الله نفسه لاعبا سياسيا رئيسا في لبنان، عقب الإنتصار العسكري الباهر الذي حققه على قوى الموالاة خلال بضع ساعات.
خامسا: العلاقة الجدلية بين التهديدين الداخلي والخارجي، ما دام الداخل الأردني ظل يرفض السياسات الخارجية لحكوماته طوال الفترة السابقة، وما دام النظام بات في حاجة ماسة للداخل الأردني لمواجهة المؤامرة الأميركية التي تستهدف وجود الكيان الأردني لصالح حل فلسطيني في الأردن، وعلى حساب الأردن، بدلا من حل فلسطيني في الأراضي الفلسطينية المحتلة سنة 1967.
الأردن الرسمي بات يعتقد بأن الحديث الأميركي الآن عن "الخيار الأردني" ليس سوى مدخل لحديث وإجراءات لاحقة على طريق تكريس مؤامرة "الوطن البديل"..!
سادسا: ضعف الجبهة الداخلية الأردنية، على نحو يجعلها سهلة الإختراق، وهذا الضعف ناجم عن ثلاثة عوامل رئيسة:
1. صراع وتنافس الحرس القديم والحرس الجديد، الذي اندلع مع تولي الملك عبد الله الثاني صلاحياته الدستورية سنة 1999.
2. بذور الإقليمة التي تبذر داخل المجتمع الأردني بين اردنيين من أصول شرق اردنية واردنيين من أصول غرب اردنية (فلسطينية).
3. تفاقم الأزمة الإقتصادية والمعيشية التي تفتك بقوت الأردنيين من شتى الأصول والمنابت.
سابعا: الإنتصارات والتقدم الذي يحرزه معسكر المقاومة والممانعة. فبعد الحسم العسكري لحركة "حماس" في قطاع غزة، وتوقع فوز رئيس حمساوي للسلطة الفلسطينية مطلع العام المقبل، جاء الإنتصار الذي حققه حزب الله في لبنان على حكومة فؤاد السنيورة. وبذا، فقد غدا مجرد غباء مواصلة سياسة الإنحياز للأطراف والمعسكر الإقليمي المهزوم، مواصلة معاداة المعسكر الذي يراكم انتصارات.
في هذا السياق يتوقف الأردن الرسمي أمام حقيقة أن نجاح الوساطة القطرية في جمع الفرقاء اللبنانيين في الدوحة، يمثل هزيمة سياسية لمحور الإعتدال العربي بأطرافه الأربعة، الذي عمل على دعم حكومة السنيورة وتيار المستقبل، ومعاداة حزب الله.
المشهد الإقليمي هذا يصوره مسؤول اردني قائلا "إن الأطراف الفاعلة في المنطقة، وهي اميركا واسرائيل والقاعدة من جهة، وايران وسوريا و"حماس" وحزب الله من جهة أخرى، تحصل على كل ما تريد لأنها فهمت لعبة تغيير الموازين وتخطّط للوصول إلى اهدافها".
حتى نضع النقاط على الحروف، ليس مطلوبا من قبل الأردن وفقا لتصوراته الجديدة، تغييرا جذريا في دوره الإقليمي،ة وإنما "جراحة تجميلية" تُقلّل من حجم الخسائر الإستراتيجية التي ترتبت على الرهان غير المدروس على الدور الأميركي في المنطقة.
في هذا السياق بتم النظر اردنيا إلى قدوتين هما قطر وتركيا. فقطر تمتلك علاقات جيدة مع الولايات المتحدة، ومع اسرائيل كذلك، دون أن تخسر علاقاتها مع إيران وسوريا، ولا تتورط في الإستقطابات الداخلية. تلعب ادواراً متوازنة، وتحتفظ بعلاقات جيدة مع كافة الأطراف. وتركيا لها هي الأخرى علاقات حيوية واستراتيجية مع أميركا والغرب واسرائيل، لكنها لا تغلق الباب أمام علاقات استراتيجية مع إيران وسوريا.
حدود الإستعداد الأردني
للتعاون في الحل الفلسطيني
هل يعني ذلك تراجعا اردنيا عن التسوية السياسية للصراع الفلسطيني/العربي ـ الإسرائيلي..؟
بالقطع لا. ولسان حال صاحب القرار الأردني يقول "إذا أصرّت إسرائيل، ومن ورائها أميركا، على توريط الأردن في الضفة الغربية يكون القبول مشروطا بإعادة كامل أجزاء الأرض دون نقصان ذرّة تراب. بعد ذلك يتفاهم الأردن مع الفلسطينيين حول نقل السيادة والصلاحية لهم ضمن دولة ناجزة كأي بلد مجاور".
صاحب القرار الأردني يبدو شديد الإتعاظ من تجربة حرب 1948، التي خرجت القيادة الأردنية منها بجملة تهم، لا تريد ازدواج تلقيها بعد ستين عاما من جديد..!
ويذكر صاحب القرار بأنه بعد عقدين من حرب حزيران/يونيو 1967، فسخ الملك الراحل حسين عقد الشراكة بين الضفتين الغربية والشرقية، ممهدا الطريق أمام إعلان دولة فلسطينية في المنفى، حين التأم المجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر سنة 1988. ويقول "كان الهدف تثبيت الفلسطينيين في ديارهم خلف النهر. اليوم، التهديد قد يطال المملكة ونظام حكمها وينسف القضية الفلسطينية من اساسها".
الأردن إذا حاضر للعب دور في التسوية على قاعدة استعادة كامل الأراضي الفلسطينية التي احتلت سنة 1967..وهي قاعدة تصلح لاستعادة العلاقات مع "حماس"، دون خسارة العلاقات التي تربطه مع "فتح"، ما دامت سلطتها وصلت مرحلة رفع اليدين مسلمة بالفشل في تحقيق التسوية المشرفة التي تريدها..كما أن هذه القاعدة تستقطب الآن تأييدا شعبيا فلسطينيا واسعا، وتقلل من حجم المعارضة الشعبية الأردنية لاستعادة وحدة الضفتين.
المراهنة على الجبهة الداخلية
ولكن، هل يمكن أن تلقى الإستراتيجية الأردنية الجديدة النجاح المطلوب..؟
وبعبارة أخرى، هل تستطيع القيادة الأردنية الدفاع عن استراتيجيتها الجديدة بمواجهة الولايات المتحدة واسرائيل، وبقايا محور "الإعتدال العربي"..؟!
ابتداء الأردن مضطر للجوء لهذه الإستراتيجية من قبيل الدفاع عن وجوده، وهو لا خيارات بديلة لديه.
ولهذا، نرى النظام يقرر في لحظة مفصلية العودة إلى الشعب من خلال العودة إلى الديمقراطية، مع ما يفرضه ذلك من انتخابات برلمانية جديدة على قاعدة اصلاحات سياسية حقيقية وجوهرية تسبقها..يشجعه على ذلك سوابق تاريخية مثل الإلتفاف الشعبي العارم حول القيادة خلال العدوان الثلاثيني على العراق سنة 1990/1991 ، الذي رفضت القيادة الأردنية أن تشارك فيه، وذلك بمواجهة ذات التحالف المرشح لأن يواجهه الأردن بسبب من استراتيجيته الجديدة..وكذلك الإلتفاف الشعبي العارم حول شعار مواجهة الإرهاب حين فجر الإرهابيون فنادق عمان.
هذا في الزمن الحاضر، وفي سنوات سابقة هناك تجارب أخرى من طراز الإلتفاف حول القيادة تأييدا لمصر بمواجهة العدوان الثلاثي سنة 1956، وطرد الجنرال كلوب والضباط الإنجليز الذين كانوا يسيطرون على القرار في الجيش الأردني سنة 1957.
باختصار، لقد تعلم النظام أن الشعب جاهز دوما للإلتفاف حوله حين يقرر مجابهة أعداء الأمة، ويرفع شعاراتها..وأن تأييد الشعب فقط هو الكفيل بحمايته من العاديات.
لكن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، إذ هناك في الأردن، من يطالب بأن تتلاافق المراجعة الداخلية العميقة مع محاسبة صارمة للنهج السياسي الذي أوصل الأردن إلى حافة الخطر.
التعليقات