تصفيق حار لغيفارا في مهرجان كان

تصفيق حار لغيفارا في مهرجان كان
غزة-دنيا الوطن
تابع جمهور مهرجان كان السينمائي وقائع فيلم "تشي غيفارا" الذي عرض في إطار المسابقة الرسمية والذي تناول حياة الثائر الشهير منذ انخراطه في التمرد الثوري إلى جانب كاسترو في كوبا وحتى لحظة مقتله، بل إعدامه في غابات بوليفيا على يد العسكر. الفيلم الذي استغرق أربع ساعات و28 دقيقة سيعرض تجاريا على جزأين، لكنه في المهرجان عرض بالكامل وتخللت العرض استراحة قصيرة قدم فيها لكل مشاهد سندويش وزجاجة ماء وقطعة شوكولا. الفيلم من إخراج ستيفين سودربيرغ الذي حقق شهرة منذ فيلمه الروائي الأول "جنس أكاذيب وفيديو" ونال السعفة الذهبية للمهرجان قبل سنوات، نفس المخرج قدم عددا من الأفلام المهمة بعدها، منها فيلم عن حياة الأديب التشيكي الشهير كافكا، وقد يكون فيلم غيفارا امتدادا لبحثه السينمائي عن تجارب إنسانية استثنائية لشخصيات حياتية مؤثرة.

كتب سيناريو الفيلم بيتر بوشمان محاولا تقديم صورة تقريبية نزيهة عن حيات غيفارا مستندا إلى كتابه "الثورة الكوبية" وإلى شهادات بعض أصدقائه وعدد من المختصين. والفيلم من هذه الناحية لا يسوق للثورات العسكرية الانقلابية بل يقدم صورة لغيفارا كمثقف حالم مثالي كان يصبو إلى العدالة والحرية بفعل الثورة قبل أن ينتهي وحيدا أمام أعدائه.

رغبة المخرج في تقديم صورة شديدة الشبه بغيفارا على مستوى المواصفات الجسدية والعادات بدت أحيانا مغرقة في المبالغة، مثل تصويره يدخن السيجار الكوبي في كل لقطة حتى عندما يكون متخفيا في الأدغال وكأنه نقل معه وهو مطارد صناديق من السيجار الكوبي الفاخر الذي لم كن متوفرا حتى في هافانا سوى للأثرياء جدا. كما يظهر الفيلم ثرثرة وحوارات مطولة بين غيفارا وكاسترو ورفاقهما وهو أمر قد يبدو غريبا في خضم حرب عصابات تفترض الانضباط والسرية كما حدث في فيتنام أو في الجزائر. ولا تبدو العلاقة الإنسانية واضحة بين غيفارا وكاسترو كما لا يقدم إجابة شافية عن دوافع غيفارا للتخلي عن السلطة في كوبا لكاسترو الذي يشير إلى أن غيفارا أراد فضاء أوسع للصراع وإنجاز الحرية.

الجزء الثاني من الفيلم ينتقل إلى تجربة حياتية جديدة في بوليفيا التي وصلها التشي متنكرا بهيئة رجل أصلع حليق الذقن وقد غير شكل فكه وأسنانه. في بوليفيا يعود لينطلق من نقطة الصفر محاولا تجنيد الثوار وتوفير السلاح ومساعدة الفقراء ومواجهة العسكر حين يظهرون في الأدغال. وتوضح الأحداث أن غيفارا لم يكن دمويا، فحين استسلم فريق من العسكريين لرفاقه في إحدى المعارك، جعل العسكريين ينتزعون أحذيتهم وبعض ملابسهم العسكرية ثم أطلق سراحهم تاركا لهم حرية العودة.

هذه التجربة البوليفية عاش دامت 341 يوما وبدت خلالها معركة غيفارا عبثية غير متكافئة في مناطق جبلية قليلة السكان، كما بدا غريبا وحيدا في هذه البلاد التي لم تحتضنه بل إن المخبرين فيها كشفوا موقعه بينما كانت الدسائس تفرق رفاقه, معركته الأخيرة أردته جريحا وظل وحيدا حتى إلقاء القبض عليه وقتله.

لا شك أن ملامح البطل كانت أكثر وضوحا في بوليفيا منها في كوبا حيث ظهرت شجاعته وقوته في الجبال أو حتى وهو مسجون مغلول اليدين، كما بدت مثاليته الضائعة حين وقف عسكري بوليفي أمامه وسأله عن ا لشيوعية وعن كوبا وعن عدم الإيمان بالمسيح، فرد بهدوء وبساطة مقنعة مما دفع هذا العسكري ليعرض عليه "سحبة" من سيجارته وهو ما أسعده وجعله يتحدث عن عائلته وعن زوجته وأطفاله الخمسة الذين لم نسمع عنهم من قبل.

إن الجزء الثاني يمكن أن يحمل عنوان انتصار غيفارا للحياة في الموت وكأنه قدر مكتوب عليه لم يكن له خيار فيه, وبالتأكيد نجح المخرج في تقديم صيرورة غيفارا من هيئة عامة غامضة إلى هيئته الحياتية الأكثر وضوحا والأكثر غنى في إنسانيتها, كذلك وفق لقد وفق سودربيرغ في إدارة ممثليه وخصوصا بينيسيو ديل تورو الذي أدى دور التشي والذي أثبت موهبة وكفاءة مدهشة تخوله التطلع بجدية إلى الفوز بجائزة أفضل ممثل, نشير هنا إلى أن ديل تورو الذي حلم بهذا الفيلم لعب دورا محركا في مساعدة المخرج على توفير تمويله الذي قدمته فرنسا وإسبانيا بالدرجة الأولى إذ رفضت الشركات الأمريكية المراهنة على إنتاج فيلم عن جيفارا، مع أن المخرج ليس بالتأكيد ثوريا أو شيوعيا لكنه أعجب بشخصية ومثالية الثائر الشهير الحالم بالعدالة والحرية. أما دميان بيشير الذي بدا شديد الشبه بكاسترو في هيئته الخارجية فلم يقدم دورا استثنائيا,
غالبية الجمهور والنقاد أعجبوا بفيلم غيفارا الذي قد يحقق أرباحا تجارية مهمة والذي يمكن اعتباره فيلما ناجحا، إلا أنه لا يملك مواصفات التطلع إلى جائزة السعفة الذهبية، رغم تصفيق الفرنسيين والإسبان.

أما الفيلم الثاني الذي أثار الضجة فحمل عنوان "عبادة" للمخرج الكندي اتوم اجويان وهو أرمني ولد في القاهرة ثم انتقل مع أسرته إلى كندا حيث أصبح أحد أهم مخرجيها، بل من أهم مخرجي التيارات الحديثة في السينما الغربية. وقد اشتهر له فيلم مثير بعنوان "ايكزوتيكا" كذلك فيلم "أرارات" الذي تناول مذبحة الأرمن في تركيا والذي حقق شهرة كبيرة من الناحية الفنية والتاريخية، كما حصل على جائزة التحكيم الخاصة في مهرجان كان عام 1997 عن فيم "غد أجمل".

وقد انقسم النقاد حول فيلم "عبادة" بين مصفق متحمس وجد فيه غنى ونضجا وتجديدا في لعبة السيناريو المركب بمهارة، وبين من أبدى فتورا ورآه ضعيف المستوى من حيث السيناريو والتسطيح والحبكة المفتعلة.

موضوع الفيلم يتمحور حول مراهق يدعى سيمون توفي والداه في حادث ويقوم خاله بتربيته.

في إطار عمل مدرسي في حصة اللغة الفرنسية وبتشجيع من معلمته اللبنانية الأصل يبتدع سيمون حكاية خيالية عن نفسه يدعي فيها بأن والده الشرقي الأسمر إرهابي دس قنبلة في حقيبة أمه الحامل الشقراء الغربية بينما كانت تستقل الطائرة متجهة إلى إسرائيل. أمام استهجان رفاقه يمعن سيمون في كذبته التي يسردها على رفاقه الافتراضيين على شبكة الانترنيت، فتصبح حكايته مثار منتديات النقاش حيث تسود الأحكام المسبقة والعنصرية والبروباجاندا السياسية. الجميع يبتعد عن سيمون الذي لا يعرف حقيقة حكايته سوى مدرسة اللغة الفرنسية والتي تقرر التستر على كذبته ودعمه فيها علها توفق في تغيير منطق التفكير السائد الذي لا يقبل الآخر المختلف ثم تحاول فتح عيون خال سيمون الذي يرعاه بعد أن تفشل في التأثير على مجتمع الانترنيت ولا يبق فرار من إعلان الحقيقة.

فيلم يتناول السياسة والعائلة والتربية وتعقيد العلاقات الإنسانية وتعقد العلاقات في عصر وسائل الإعلام الجديدة عصر صراع الشرق والغرب. فيلم يتداخل فيه المتخيل بالواقعي ومن خلال الكذبة تخرج حقيقة دفينة تساعد سيمون على إعادة حساباته الشخصية، فيحرق كاميرا الكمبيوتر والصور الدينية المسيحية التي كانت معه، وكأن المخرج أراد بهذه النهاية أن يجمع عباد الله في مواقفهم سواء كانوا مسيحيين أم يهود أم مسلمين. والصورة تبدو مقنعة من ناحية المنطق لكنها تبدو نظرية وتبدو مثالية وتبدو مفتعلة أيضا وهو الأمر الذي لم يعجب قسما كبيرا من المشاهدين ومنهم كاتب هذه السطور. فهو فيلم أقل جودة من أفلام ايجويان السابقة، خاصة وأن حوار الفيلم بدا ساذجا وسطحيا وأن البنية الدرامية جمعت بين الحديث الصريح المباشر والفلاش باك والصور المتخيلة وهي تبدو غير مقنعة.

التعليقات