العنوسة سبب زواج سعوديات من أجانب وأجنبيات يطمعن في سعوديين

غزة-دنيا الوطن
عكست الأرقام الرسمية التي أعلنتها جهات سعودية حكومية لأول مرة ظاهرة اجتماعية جديدة على المجتمع السعودي وهي مشكلة العنوسة وهي الظاهرة الاجتماعية الثانية بعد ظاهرة الطلاق التي تثير قلق المجتمع... إذ ثبت أن نسبة حالات الطلاق وكذلك الفتيات غير المتزوجات، على الرغم من بلوغهن سن الزواج تعد الأعلى عالميًا. وقد امتدت ظاهرة (( العنوسة )) لتشمل حوالى ثلث عدد الفتيات السعوديات وذلك وفقًا لإحصائية لوزارة التخطيط... وجاء فيها أن عدد الفتيات اللاتي لم يتزوجن وتجاوزن سن الزواج اجتماعيًا ( 30 عامًا ) بلغ حتى نهاية 1999 حوالى مليون و 529 الفًا و 418 فتاة.
وجاء في تقرير كتبته رحمة ذياب في جريدة الحياة اللندنية ... لم تخف منى عاطف، سورية الجنسية، ما وجدته من «صعوبة في التأقلم، وفي العيش في السعودية»، على حد وصفها. وكان أهل منى، قرروا تزويجها من أول رجل سعودي يتقدم إليها، منذ أن بلغت 18 سنة. ومع قدوم مولودها الأول بعد مضي زهاء سنة، قررت منى الانفصال، وبدأت معركة شرسة مع زوجها، «الذي لم يهنأ لي العيش معه لحظة واحدة، على رغم ظروفه المادية الجيدة»، على حد تعبيرها. وفي خضم معركة، تحول في ثناياها طفلهما «ضحية»، لم تتوان «السورية» عن تقديم الكثير من التنازلات، وتقول: «تنازلت عن الطفل، الأمر الذي كان بمثابة خنجر غُرس في قلبي. عمر طفلي تسع سنوات، ولكنني لم أره منذ انفصالي عن أبيه». منى تدخل في تفاصيل حياتها التي انتهت بالطلاق «طواعية، وليس كرهاً»، وتوضح: «تنافر، تضاد، وتلاسن، كان ذلك أبرز فصول السنة الأولى من الزواج، لذا بدأت أفكر ملياً في الانفصال بعد الولادة، وتسليم المولود إلى والده، الذي كان يعتقد أن الطفل سيرغمني على العيش معه، وتحمّل الحياة التي بدت مليئة بالغيوم».
تحاول أن تسترجع ذاكرتها لتتخيل صورة طفلها: «كان صغيرًا جدًا، واعتقد أن والده ذهب به إلى القصيم (300 كيلومتر شمال الرياض)، حيث تقطن عائلته، إلا أن صورته محفورة في قلبي، وأنا على أمل اللقاء به يوماً».
السعوديون المتزوجون من أجنبيات
تنجم مشكلات كثيرة عن عدم التكيف والانسجام، ربما لا تكون لأسباب اجتماعية. حكاية أسماء بغاجاتي، الأردنية الأصل، والتي تزوجت منذ أربع سنوات، ولم تحصل على الجنسية السعودية بعد، تعتبر نموذجًا في هذا المجال. ودعت عائلتها إلى أمل «الالتقاء بهم يومًا»، إلا أن الظروف وقفت حائلاً أمام ذلك، ولم تجد منفذًا لرؤية والدتها التي هاجمها المرض آنذاك. وتقول: «تزوجت وفي مخيلتي السعادة التي لم أذق طعمها يومًا، منذ مرض والدتي ووفاتها. لم أتمكن من زيارتها. ومن هنا كانت المآسي والأحزان، وبقيت في السعودية، وتوفيت والدتي من دون أن أراها».
من يرى أسماء يعتقد أنها، سعودية الأصل والمنشأ، فهي تجيد اللهجة المحلية، وتتشبث بالعادات والتقاليد، وترتدي عباءة الرأس، والنقاب وكفوف الأيدي: «هذه عادات مجتمعي الجديد، ولا بد من اتباعها، على الرغم من صعوبة التأقلم معها. فالمجتمع السعودي يختلف كثيرًا في عاداته وتقاليده عن المجتمعات الأخرى».
حكايات تتوالى في بيوت السعوديين المتزوجين من أجنبيات، فإحداهن كانت تحلم منذ طفولتها، أن تكون لديها «خادمة»، فهي عاشت وحيدة بين أربعة ذكور، وكانت تتولى شؤون المنزل، من التنظيف والطبخ، فحلمت بأن تتزوج رجلاً «ثريًا» يجلب لها خادمة، ويريحها من تلك «الأشغال الشاقة». وتقول: «ليته لم يكن حلمًا، وليتني بقيت أخدم أخوتي، فأنا أشعر اليوم أنني في دوامة البحث عن حريتي». تتأفف وتكفكف دموعها بعدما بات كابوسًا يؤرقها، لأن زواجها غير ناجح اطلاقًا.
وفي المقابل، فإن «الانهيار» سيكون أسرع من المتوقع، مخلفًا وراءه ضحايا لا ذنب لهم. هذا حال لسان مجموعة من السعوديات اللاتي تزوجن من أجانب. وتبقى المشكلة الأكبر - في نظرهن - هي مصير الأطفال في حال الطلاق، أو وفاة أحد الزوجين. وربما تتفاقم المسألة، وبخاصة مع الانفتاح الذي يصيب المجتمعات، والاختلاط بين الشعوب، فضلاً عن ارتفاع نسبة العنوسة وغلاء المهور في السعودية، كلها تساهم في الزواج من أجنبي.
وتقول السعودية أميرة عبد الكريم التي تعمل «وكيلة في مدرسة»، وهي متزوجة من مصري: «تزوجت سعوديًا، وأنجبت منه بنتًا وولدًا، وحدثت بيننا مشاكل أدت إلى الطلاق. بعدها بنحو سنتين، تزوجت من مدرس مصري الجنسية، وأنجبت منه ثلاثة أولاد». وتشير إلى أنها تشعر بـ»الظلم لافتقاد أولادها من زوجها المصري للجنسية السعودية، وحرمانهم من عدد من الحقوق في كثير من المجالات». وتشعر بثقل وضعهم بعد تخرجهم في الثانوية العامة، لإكمال الدراسة الجامعية، فالجامعات السعودية الحكومية لا تستقبل «الأجانب». وتضيف: «طلبت من زوجيّ شراء بيت في السعودية، على نفقتيّ الخاصة. لكنه رفض الموضوع، ولم يتقبل الفكرة مطلقًا». وتقول: «أشعر بالألم عندما يحين موعد اقتراب سفر أبنائي مع والدهم إلى مصر. ويراودني شعور بعدم رجوع أبنائي إلى السعودية مرة أخرى».
وواجهت المواطنة السعودية فاطمة عبدالعزيز مشكلة في تأخر الموافقة الرسمية على زواجها من لبناني. وتقول: «تسرعت كثيرًا، لأنني لم أفكر للحظة في أطفالي، فذهبت في إحدى السنوات إلى لبنان، لمدة تتجاوز الأربع سنوات. وتلقيت خبرًا من أهلي عن والدي. واضطررت إلى العودة. وكان ابني أحمد رضيعًا (ثمانية أشهر)، عند ذهابي إلى المطار مُنع ابني من السفر، لأنه لبناني الجنسية، ويلزمه تأشيرة لدخول الأراضي السعودية». هنا تبدأ المأساة والحيرة «بين الطفل وبين والدي الذي طلب رؤيتي قبل وفاته». فقررت في النهاية ترك الطفل عند والده، والسفر وحدها. وتشير إلى طبيعة «المجتمع السعودي وعاداته وتقاليده القبلية، وطبيعة النظرة «الخاصة» إلى الأولاد من أم سعودية وأب أجنبي، من قبل المجتمع بما فيه العائلة». وتؤكد «الخوف من أن يكون أبنائيّ غير قادرين على الانسجام والتأقلم مع عادات وتقاليد مختلفة، بين المجتمعين اللبناني والسعودي».
يقول الباحث في العلاقات الاجتماعية الدكتور نايف السليمان: «إن التزاوج بين المجتمعات لا يمكن الحكم عليه بالفشل في شكل عام، فثمة أمور وعوامل تتداخل بعضها ببعض، والزواج، له أسس ومبادئ ثابتة لا تتغير. وهناك خطأ يكمن في فكرة واعتقاد سائدين بأن الزواج من أجنبية يعني المشاكل، وعدم التناغم». ويضيف أن «مشاكل التجنيس وغيرها قد تدخل الزوجين فعلاً في مأزق، إلا أن ذلك لا يعني الانفصال، فهو أمر ليس محكومًا بشخصين، وإنما بأطراف عدة»، مشيرًا إلى مثل شعبي، ربما لا يكون صائبًا دومًا، يقول: «خذ من طين بلادك، وحط على أخدادك».
وكانت حنان الزاير من قناة العربية كتبت تقريرًا تضمن أن العنوسة تنتشر في أوساط الفتيات العربيات الوافدات للمملكة العربية السعودية واللاتي يعشن هناك كموظفات أو مرافقات لأسرهن، وتبلغ نسبة العنوسة حوالى 5.8% من مجموع الوافدات البالغ عددهن 1.7 مليون فتاة وذلك حسب آخر الإحصاءات الصادرة عن مصلحة الإحصاءات العامة السعودية.
ووفقًا لآخر إحصائيات وزارة التخطيط فإن عدد الفتيات العربيات والأجنبيات اللواتي لم يتزوجن وتجاوزن سن الزواج المحدد اجتماعيًا 30 عامًا بلغ خلال العام الماضي 39 ألف فتاة عربية وأجنبية.
"ن. س" فتاة أردنية من أصل فلسطيني تبلغ من العمر 37 عامًا، وتعمل في وظيفة مرموقة رفضت العديد من طالبي الزواج بها بحجة أنها ترغب في الزواج من شاب فلسطيني ذي مؤهل عال وفي مركز مرموق وما زالت إلى الآن تنتظره رغم اقترابها من الأربعين عامًا. أما "ع. هـ" ( 38 عامًا)، وهي فتاة سودانية تحمل مؤهل عال، فتقول إنها رفضت كل من تقدم لخطبتها عندما كانت في العشرينات من عمرها للانتهاء من دراستها الجامعية وتكرر رفضها إلى الآن معللة ذلك بإنفاقها على عائلتها بعد أن تقاعد والدها عن العمل وتعتبر أن في زواجها أنانية ونكران لمعروف ذويها.
ارتفاع نسبة العنوسة
أما فدوى (فلسطينية) التي تبلغ من العمر 50 سنة، فقالت إنها مرت بمشروع خطبة فاشل عندما كانت في الثانية والعشرين من عمرها بسبب رفض عائلة ذلك الشاب الاقتران بها مما دعاها إلى تأجيل فكرة الزواج، خاصة بعد وفاة والديها وتكفلها برعاية إخوتها حتى انهوا دراستهم وتزوجوا جميعًا، وقد رفضت مؤخرًا الزواج من مسن عمره 69 عامًا، وذلك قبل عقد القرآن بساعة معللة ذلك أن الوقت مضى على الزواج. وقد أرجعت الأخصائية الاجتماعية بدرية حمد الصعيب ارتفاع نسبة العنوسة بين الوافدات في السعودية إلى رغبة أسرهم، وخاصة القريبة عادتهن وتقاليدهن من شبه الجزيرة العربية ـ في تزويجهن من شباب خليجي وسعودي بشكل خاص، وكذلك اختلاف المستوى الثقافي والاجتماعي بين الفتاة والشاب نظرًا لإنخفاض المستوى التعليمي لعدد من الشباب الوافدين، وأيضًا رغبة بعض الأسر الاستفادة من عائد الفتاة المادي إذا كانت تعمل، مما يؤدي إلى رفض زواجها في سن مبكرة، كما أن للظروف المعيشية والأمنية في بعض البلاد التي تنتمي إليها بعض الأسر تعيق سفر الفتاة إلى بلدها فتتقلص فرصة تعرفها على شاب وبالتالي الزواج منه، وأيضًا حمل بعضهن وثائق سفر للاجئين (الفلسطينيين) مما يقلل فرصة تنقلهن مع أزواجهن إلى بلد الزوج أو أي بلد أخر، إضافة إلى عوامل أخرى تتعلق بالشباب ورفضه للزواج وتحمل المسؤولية وتكاليف الزواج وأيضا رغبته في الزواج من فتاة عن طريق عائلته خارج السعودية بحكم إقامتهم في الخارج.
وتؤكد الصعيب في هذا السياق على أن العانس هي التي لم يتقدم لخطبتها أحد بصرف النظر عن السن (السن المحددة اجتماعيا للزواج في السعودية 30عامًا)، مشيرة إلى أن هناك عائلات بعض الفتيات يقمن حفلات لتزويج فتياتهن اللاتي يخشين من عنوستهن يدعون من خلالها بعض الأسر التي لديها شباب في سن الزواج إضافة إلى أن بعض الفتيات يقمن بالاشتراك في مواقع للزواج على الإنترنت بهدف الحصول على الزوج المناسب مع تزويد تلك المواقع بصورهن ومعلومات عن حالتهن الاجتماعية أو اللجوء إلى الخاطبات.
أما "محمد.ن" الذي يعمل بمهنة خاطب فاعتبر أن أغلب الوافدات اللائي يتجاوزن سن 30عامًا ولم يسبق لهن الزواج يلجأن للخاطبة أو الخاطب بحثًا عن زوج دون اعتبار "ما إذا كان الزوج متزوجًا أو عازبًا سواء أكان زواجًا مسيارًا أو سريًا"، موضحا بأنه من خلال مهنته كخاطب لا يجد صعوبة في إيجاد العريس المناسب.
ومن جانبها أبدت الخاطبة أم عبد العزيز استغرابها من الشروط التي تضعها بعض الفتيات المقبلات على الزواج في شريك حياتهن، معتبرة أن ذلك ساهم في تخطي هؤلاء الفتيات سن الزواج وحملهن لفظ عانس "مما يجبرهن على التنازل عن كل الشروط عندما يتقدم بهن العمر". وذكرت في هذا الصدد حالة فتاة يمنية تعمل في أحد المستشفيات وتجاوز سنها 40 عامًا، حيث أحضرت لها عريسًا من جنسيتها عندما كانت في العشرينات من عمرها ورفضته بحجة رغبتها في الزواج من شاب خليجي وغير متزوج، لكنها الآن تطلب مني زوجًا من دون النظر إلى عمره أو حالته الاجتماعية أو جنسيته.
وبينت الخاطبة أم عيسى أن زواج "العانسات" عادة ما يتم من أزواج عندهم زوجة أخرى أو رجل كبير في السن حيث تقل فرص زواجهن ممن هم في سنهن، أن الشباب يفضلون الاقتران بفتيات أصغر منهم عمرًا لاعتبارات عدة.
من جهة أخرى بين د. فلاح العتيبي استشاري الطب النفسي لآثار النفسية لتأخر الفتيات عن الزواج والمتمثلة في فقد الثقة بالنفس، حيث تبدأ الفتاة بطرح استفسارات على نفسها عن تأخرها في الزواج، وهل هي راجعة إلى شكلها أم سوء الحظ وبالتالي إحساسها باهتزاز الذات الذي ينعكس على شخصيتها ومن ثم النظرة السوداوية للحياة والميل للعزلة والانطواء والنفور من المجتمع، ففي كثير من الأحيان تؤدي العنوسة إلى الشعور بالارتباك وعدم الراحة في التعامل مع الآخرين، خاصة في المناسبات الاجتماعية، كما تصاب الفتاة بالقلق النفسي فكلما زاد عمرها دون زواج تبدأ في الشعور بالقلق والخوف من المجهول وما يأتي به الغد وتتقاذفها أسئلة لا تجد الإجابة عليها إضافة إلى الاكتئاب، حيث أن كثيرًا من الفتيات اللاتي لم يحالفهن الحظ في الزواج يعانين من الاكتئاب، إذ بعد مرحلة القلق تبدأ مرحلة الاكتئاب والاستسلام للواقع ويسيطر عليها إحساس بأنه ليس هناك أمل في المستقبل ولن يساعدها أحد.
ويشير الدكتور العتيبي إلى أن العنوسة تؤدي إلى الانفعال الزائد وعدم القدرة على التحمل والغضب الدائم والدخول في جدل ونقاش ومشاجرات حادة مع أفراد الأسرة بسبب شعور الفتاة بأنهم السبب في تأخرها عن الزواج وبالتالي تميل للعدوانية والعناد وعدم الاكتراث بالآخرين.
الضوابط الشرعية
وحسب صحيفة الوطن السعودية طالب اختصاصيون اجتماعيون بوجود آليات وفق الضوابط الشرعية لتعرف الشباب على الفتيات بغرض الزواج، مشيرين إلى أن آليات المعرفة بالزوجة المناسبة في ظل التوسع العمراني أصبحت معدومة، كما طالبوا بإحياء عادة خطبة الوالد لابنته، وبحثه عن الزوج المناسب لابنته لتسهيل الزواج والقضاء على العنوسة.
ويقول أستاذ علم الاجتماع بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الدكتور عبد الله اليوسف"يجب أن نحدد أولاً مفهوم العنوسة، لكي نناقش القضية بشكل جيد، فليس هناك سن محددة للعنوسة، لكن ثقافة المجتمع والرأي الذي يتفق عليه المجتمع هو المحدد لذلك"، وأشار إلى أنه كان سن 16 سنة أو 17 في فترة من الفترات هو المفضل لزواج الفتيات، إلا أن الناس اليوم لا تعتبر مثل هذه السن مناسبة، حيث تعد الفتاة صغيرة جدًا، فالمجتمعات تتغير، لذلك لا بد أن تتغير الرؤية للعنوسة ومفهومها.
وأضاف "الآن تعتبر السن المناسبة لزواج الفتاة ما بين سن الخامسة والعشرين وسن الثلاثين، وإذا تجاوزت سن الثلاثين نستطيع أن نقول إنها دخلت في مرحلة العنوسة، وإذا صحت المعلومة أو الإحصائية التي تشير إلى وجود مليوني عانس فهو رقم كبير ومخيف ومقلق ومؤشر على وجود إشكالية إما في قنوات الزواج أو إمكانيات الزواج أو حتى في نظرة الفتاة للزواج وقبولها له".
وبين الدكتور اليوسف أنه يجب أن نتساءل.. ما قنواتنا في الزواج ؟ هل نحن مع التغير السريع في شتى نواحي الحياة، حتى نستطيع أن نسهل الزواج للشباب؟ الأمر الآخر في القضية هو أن الفتاة أو الشاب قد تكون نظرتهما للزواج مغلفة بمبالغة في الرومانسية، نظرة مثالية من أحد الطرفين وقد تعيق الزواج.
وعن دور البطالة بين الشباب في مشكلة العنوسة قال أستاذ علم الاجتماع "البطالة من العوامل المساهمة في تفشي العنوسة، فإذا شاعت البطالة في المجتمع، فهي تنعكس على إمكانيات الشباب للزواج، أيضًا المبالغة في تكاليف الزواج كالحفلات والمستلزمات الكمالية التي تجعل الشاب يفكر أكثر من مرة قبل أن يقدم على الزواج، وأضاف أن كثرة الطلاق قد تجعل بعض الفتيات يتخوفن من هذه التجربة، حتى أصبح الزواج لدى بعضهن لا يمثل الاستقرار، وبالتالي يفضلن عدم الزواج.
واستبعد اليوسف أن يكون لعمل المرأة دور في تفشي العنوسة، وقال "أعتقد أن عمل المرأة ووجود دخل مادي ليس سببًا لعزوفها عن الزواج، ولكن قد يسرق الوقت الفتاة بحيث تنشغل بتحقيق بعض طموحاتها أو بالبحث عن زوج معين في نظرتها المثالية، وتتسرب منها الأيام، ثم تقل فرصها في الزواج".
يقول اليوسف "آليات المعرفة بالزوجة المناسبة من قبل الرجل في ظل التوسع العمراني أصبحت معدومة، صحيح هناك مؤسسات برزت أخيرا لتساعد على ذلك، ولكن إذا لم تكن الفتاة من محيط الشاب، فقد لا يعلم عنها في ظل التوسع الحضري، لذلك نحتاج إلى آليات في ضوء التقاليد والشريعة الإسلامية لمعرفة الشباب على الفتيات المناسبات في ظروفهم عن طريق مؤسسات متخصصة".
وتطرق اليوسف إلى دور تعدد الزوجات في القضاء على العنوسة وقال إن تعدد الزوجات أيضا من الحلول التي يمكن أن تقلص نسبة العنوسة، لذلك يجب أن تنظر الفتاة للموضوع بعقلانية، وألا توقف نصيبها بحثًا عن زوج غير متزوج، وتكون مستعدة للتنازل لكي تكون أسرة حتى لو مع زوج معدد.
وقال اليوسف إن العنوسة بحاجة إلى دراسة حتى تعرف أسبابها، ومن ثم توضع لها الحلول المناسبة، وناشد الجامعات السعودية والمراكز البحثية بدراسة هذه الظاهرة وتمنى أن يبادر أحد مراكز البحوث الوطنية في إحدى الجامعات لتبني هذه الظاهرة ويجعلها ضمن البحوث الوطنية، كبحث وطني مدعوم وبالتالي يدرس بشكل كبير.
*ايلاف
عكست الأرقام الرسمية التي أعلنتها جهات سعودية حكومية لأول مرة ظاهرة اجتماعية جديدة على المجتمع السعودي وهي مشكلة العنوسة وهي الظاهرة الاجتماعية الثانية بعد ظاهرة الطلاق التي تثير قلق المجتمع... إذ ثبت أن نسبة حالات الطلاق وكذلك الفتيات غير المتزوجات، على الرغم من بلوغهن سن الزواج تعد الأعلى عالميًا. وقد امتدت ظاهرة (( العنوسة )) لتشمل حوالى ثلث عدد الفتيات السعوديات وذلك وفقًا لإحصائية لوزارة التخطيط... وجاء فيها أن عدد الفتيات اللاتي لم يتزوجن وتجاوزن سن الزواج اجتماعيًا ( 30 عامًا ) بلغ حتى نهاية 1999 حوالى مليون و 529 الفًا و 418 فتاة.
وجاء في تقرير كتبته رحمة ذياب في جريدة الحياة اللندنية ... لم تخف منى عاطف، سورية الجنسية، ما وجدته من «صعوبة في التأقلم، وفي العيش في السعودية»، على حد وصفها. وكان أهل منى، قرروا تزويجها من أول رجل سعودي يتقدم إليها، منذ أن بلغت 18 سنة. ومع قدوم مولودها الأول بعد مضي زهاء سنة، قررت منى الانفصال، وبدأت معركة شرسة مع زوجها، «الذي لم يهنأ لي العيش معه لحظة واحدة، على رغم ظروفه المادية الجيدة»، على حد تعبيرها. وفي خضم معركة، تحول في ثناياها طفلهما «ضحية»، لم تتوان «السورية» عن تقديم الكثير من التنازلات، وتقول: «تنازلت عن الطفل، الأمر الذي كان بمثابة خنجر غُرس في قلبي. عمر طفلي تسع سنوات، ولكنني لم أره منذ انفصالي عن أبيه». منى تدخل في تفاصيل حياتها التي انتهت بالطلاق «طواعية، وليس كرهاً»، وتوضح: «تنافر، تضاد، وتلاسن، كان ذلك أبرز فصول السنة الأولى من الزواج، لذا بدأت أفكر ملياً في الانفصال بعد الولادة، وتسليم المولود إلى والده، الذي كان يعتقد أن الطفل سيرغمني على العيش معه، وتحمّل الحياة التي بدت مليئة بالغيوم».
تحاول أن تسترجع ذاكرتها لتتخيل صورة طفلها: «كان صغيرًا جدًا، واعتقد أن والده ذهب به إلى القصيم (300 كيلومتر شمال الرياض)، حيث تقطن عائلته، إلا أن صورته محفورة في قلبي، وأنا على أمل اللقاء به يوماً».
السعوديون المتزوجون من أجنبيات
تنجم مشكلات كثيرة عن عدم التكيف والانسجام، ربما لا تكون لأسباب اجتماعية. حكاية أسماء بغاجاتي، الأردنية الأصل، والتي تزوجت منذ أربع سنوات، ولم تحصل على الجنسية السعودية بعد، تعتبر نموذجًا في هذا المجال. ودعت عائلتها إلى أمل «الالتقاء بهم يومًا»، إلا أن الظروف وقفت حائلاً أمام ذلك، ولم تجد منفذًا لرؤية والدتها التي هاجمها المرض آنذاك. وتقول: «تزوجت وفي مخيلتي السعادة التي لم أذق طعمها يومًا، منذ مرض والدتي ووفاتها. لم أتمكن من زيارتها. ومن هنا كانت المآسي والأحزان، وبقيت في السعودية، وتوفيت والدتي من دون أن أراها».
من يرى أسماء يعتقد أنها، سعودية الأصل والمنشأ، فهي تجيد اللهجة المحلية، وتتشبث بالعادات والتقاليد، وترتدي عباءة الرأس، والنقاب وكفوف الأيدي: «هذه عادات مجتمعي الجديد، ولا بد من اتباعها، على الرغم من صعوبة التأقلم معها. فالمجتمع السعودي يختلف كثيرًا في عاداته وتقاليده عن المجتمعات الأخرى».
حكايات تتوالى في بيوت السعوديين المتزوجين من أجنبيات، فإحداهن كانت تحلم منذ طفولتها، أن تكون لديها «خادمة»، فهي عاشت وحيدة بين أربعة ذكور، وكانت تتولى شؤون المنزل، من التنظيف والطبخ، فحلمت بأن تتزوج رجلاً «ثريًا» يجلب لها خادمة، ويريحها من تلك «الأشغال الشاقة». وتقول: «ليته لم يكن حلمًا، وليتني بقيت أخدم أخوتي، فأنا أشعر اليوم أنني في دوامة البحث عن حريتي». تتأفف وتكفكف دموعها بعدما بات كابوسًا يؤرقها، لأن زواجها غير ناجح اطلاقًا.
وفي المقابل، فإن «الانهيار» سيكون أسرع من المتوقع، مخلفًا وراءه ضحايا لا ذنب لهم. هذا حال لسان مجموعة من السعوديات اللاتي تزوجن من أجانب. وتبقى المشكلة الأكبر - في نظرهن - هي مصير الأطفال في حال الطلاق، أو وفاة أحد الزوجين. وربما تتفاقم المسألة، وبخاصة مع الانفتاح الذي يصيب المجتمعات، والاختلاط بين الشعوب، فضلاً عن ارتفاع نسبة العنوسة وغلاء المهور في السعودية، كلها تساهم في الزواج من أجنبي.
وتقول السعودية أميرة عبد الكريم التي تعمل «وكيلة في مدرسة»، وهي متزوجة من مصري: «تزوجت سعوديًا، وأنجبت منه بنتًا وولدًا، وحدثت بيننا مشاكل أدت إلى الطلاق. بعدها بنحو سنتين، تزوجت من مدرس مصري الجنسية، وأنجبت منه ثلاثة أولاد». وتشير إلى أنها تشعر بـ»الظلم لافتقاد أولادها من زوجها المصري للجنسية السعودية، وحرمانهم من عدد من الحقوق في كثير من المجالات». وتشعر بثقل وضعهم بعد تخرجهم في الثانوية العامة، لإكمال الدراسة الجامعية، فالجامعات السعودية الحكومية لا تستقبل «الأجانب». وتضيف: «طلبت من زوجيّ شراء بيت في السعودية، على نفقتيّ الخاصة. لكنه رفض الموضوع، ولم يتقبل الفكرة مطلقًا». وتقول: «أشعر بالألم عندما يحين موعد اقتراب سفر أبنائي مع والدهم إلى مصر. ويراودني شعور بعدم رجوع أبنائي إلى السعودية مرة أخرى».
وواجهت المواطنة السعودية فاطمة عبدالعزيز مشكلة في تأخر الموافقة الرسمية على زواجها من لبناني. وتقول: «تسرعت كثيرًا، لأنني لم أفكر للحظة في أطفالي، فذهبت في إحدى السنوات إلى لبنان، لمدة تتجاوز الأربع سنوات. وتلقيت خبرًا من أهلي عن والدي. واضطررت إلى العودة. وكان ابني أحمد رضيعًا (ثمانية أشهر)، عند ذهابي إلى المطار مُنع ابني من السفر، لأنه لبناني الجنسية، ويلزمه تأشيرة لدخول الأراضي السعودية». هنا تبدأ المأساة والحيرة «بين الطفل وبين والدي الذي طلب رؤيتي قبل وفاته». فقررت في النهاية ترك الطفل عند والده، والسفر وحدها. وتشير إلى طبيعة «المجتمع السعودي وعاداته وتقاليده القبلية، وطبيعة النظرة «الخاصة» إلى الأولاد من أم سعودية وأب أجنبي، من قبل المجتمع بما فيه العائلة». وتؤكد «الخوف من أن يكون أبنائيّ غير قادرين على الانسجام والتأقلم مع عادات وتقاليد مختلفة، بين المجتمعين اللبناني والسعودي».
يقول الباحث في العلاقات الاجتماعية الدكتور نايف السليمان: «إن التزاوج بين المجتمعات لا يمكن الحكم عليه بالفشل في شكل عام، فثمة أمور وعوامل تتداخل بعضها ببعض، والزواج، له أسس ومبادئ ثابتة لا تتغير. وهناك خطأ يكمن في فكرة واعتقاد سائدين بأن الزواج من أجنبية يعني المشاكل، وعدم التناغم». ويضيف أن «مشاكل التجنيس وغيرها قد تدخل الزوجين فعلاً في مأزق، إلا أن ذلك لا يعني الانفصال، فهو أمر ليس محكومًا بشخصين، وإنما بأطراف عدة»، مشيرًا إلى مثل شعبي، ربما لا يكون صائبًا دومًا، يقول: «خذ من طين بلادك، وحط على أخدادك».
وكانت حنان الزاير من قناة العربية كتبت تقريرًا تضمن أن العنوسة تنتشر في أوساط الفتيات العربيات الوافدات للمملكة العربية السعودية واللاتي يعشن هناك كموظفات أو مرافقات لأسرهن، وتبلغ نسبة العنوسة حوالى 5.8% من مجموع الوافدات البالغ عددهن 1.7 مليون فتاة وذلك حسب آخر الإحصاءات الصادرة عن مصلحة الإحصاءات العامة السعودية.
ووفقًا لآخر إحصائيات وزارة التخطيط فإن عدد الفتيات العربيات والأجنبيات اللواتي لم يتزوجن وتجاوزن سن الزواج المحدد اجتماعيًا 30 عامًا بلغ خلال العام الماضي 39 ألف فتاة عربية وأجنبية.
"ن. س" فتاة أردنية من أصل فلسطيني تبلغ من العمر 37 عامًا، وتعمل في وظيفة مرموقة رفضت العديد من طالبي الزواج بها بحجة أنها ترغب في الزواج من شاب فلسطيني ذي مؤهل عال وفي مركز مرموق وما زالت إلى الآن تنتظره رغم اقترابها من الأربعين عامًا. أما "ع. هـ" ( 38 عامًا)، وهي فتاة سودانية تحمل مؤهل عال، فتقول إنها رفضت كل من تقدم لخطبتها عندما كانت في العشرينات من عمرها للانتهاء من دراستها الجامعية وتكرر رفضها إلى الآن معللة ذلك بإنفاقها على عائلتها بعد أن تقاعد والدها عن العمل وتعتبر أن في زواجها أنانية ونكران لمعروف ذويها.
ارتفاع نسبة العنوسة
أما فدوى (فلسطينية) التي تبلغ من العمر 50 سنة، فقالت إنها مرت بمشروع خطبة فاشل عندما كانت في الثانية والعشرين من عمرها بسبب رفض عائلة ذلك الشاب الاقتران بها مما دعاها إلى تأجيل فكرة الزواج، خاصة بعد وفاة والديها وتكفلها برعاية إخوتها حتى انهوا دراستهم وتزوجوا جميعًا، وقد رفضت مؤخرًا الزواج من مسن عمره 69 عامًا، وذلك قبل عقد القرآن بساعة معللة ذلك أن الوقت مضى على الزواج. وقد أرجعت الأخصائية الاجتماعية بدرية حمد الصعيب ارتفاع نسبة العنوسة بين الوافدات في السعودية إلى رغبة أسرهم، وخاصة القريبة عادتهن وتقاليدهن من شبه الجزيرة العربية ـ في تزويجهن من شباب خليجي وسعودي بشكل خاص، وكذلك اختلاف المستوى الثقافي والاجتماعي بين الفتاة والشاب نظرًا لإنخفاض المستوى التعليمي لعدد من الشباب الوافدين، وأيضًا رغبة بعض الأسر الاستفادة من عائد الفتاة المادي إذا كانت تعمل، مما يؤدي إلى رفض زواجها في سن مبكرة، كما أن للظروف المعيشية والأمنية في بعض البلاد التي تنتمي إليها بعض الأسر تعيق سفر الفتاة إلى بلدها فتتقلص فرصة تعرفها على شاب وبالتالي الزواج منه، وأيضًا حمل بعضهن وثائق سفر للاجئين (الفلسطينيين) مما يقلل فرصة تنقلهن مع أزواجهن إلى بلد الزوج أو أي بلد أخر، إضافة إلى عوامل أخرى تتعلق بالشباب ورفضه للزواج وتحمل المسؤولية وتكاليف الزواج وأيضا رغبته في الزواج من فتاة عن طريق عائلته خارج السعودية بحكم إقامتهم في الخارج.
وتؤكد الصعيب في هذا السياق على أن العانس هي التي لم يتقدم لخطبتها أحد بصرف النظر عن السن (السن المحددة اجتماعيا للزواج في السعودية 30عامًا)، مشيرة إلى أن هناك عائلات بعض الفتيات يقمن حفلات لتزويج فتياتهن اللاتي يخشين من عنوستهن يدعون من خلالها بعض الأسر التي لديها شباب في سن الزواج إضافة إلى أن بعض الفتيات يقمن بالاشتراك في مواقع للزواج على الإنترنت بهدف الحصول على الزوج المناسب مع تزويد تلك المواقع بصورهن ومعلومات عن حالتهن الاجتماعية أو اللجوء إلى الخاطبات.
أما "محمد.ن" الذي يعمل بمهنة خاطب فاعتبر أن أغلب الوافدات اللائي يتجاوزن سن 30عامًا ولم يسبق لهن الزواج يلجأن للخاطبة أو الخاطب بحثًا عن زوج دون اعتبار "ما إذا كان الزوج متزوجًا أو عازبًا سواء أكان زواجًا مسيارًا أو سريًا"، موضحا بأنه من خلال مهنته كخاطب لا يجد صعوبة في إيجاد العريس المناسب.
ومن جانبها أبدت الخاطبة أم عبد العزيز استغرابها من الشروط التي تضعها بعض الفتيات المقبلات على الزواج في شريك حياتهن، معتبرة أن ذلك ساهم في تخطي هؤلاء الفتيات سن الزواج وحملهن لفظ عانس "مما يجبرهن على التنازل عن كل الشروط عندما يتقدم بهن العمر". وذكرت في هذا الصدد حالة فتاة يمنية تعمل في أحد المستشفيات وتجاوز سنها 40 عامًا، حيث أحضرت لها عريسًا من جنسيتها عندما كانت في العشرينات من عمرها ورفضته بحجة رغبتها في الزواج من شاب خليجي وغير متزوج، لكنها الآن تطلب مني زوجًا من دون النظر إلى عمره أو حالته الاجتماعية أو جنسيته.
وبينت الخاطبة أم عيسى أن زواج "العانسات" عادة ما يتم من أزواج عندهم زوجة أخرى أو رجل كبير في السن حيث تقل فرص زواجهن ممن هم في سنهن، أن الشباب يفضلون الاقتران بفتيات أصغر منهم عمرًا لاعتبارات عدة.
من جهة أخرى بين د. فلاح العتيبي استشاري الطب النفسي لآثار النفسية لتأخر الفتيات عن الزواج والمتمثلة في فقد الثقة بالنفس، حيث تبدأ الفتاة بطرح استفسارات على نفسها عن تأخرها في الزواج، وهل هي راجعة إلى شكلها أم سوء الحظ وبالتالي إحساسها باهتزاز الذات الذي ينعكس على شخصيتها ومن ثم النظرة السوداوية للحياة والميل للعزلة والانطواء والنفور من المجتمع، ففي كثير من الأحيان تؤدي العنوسة إلى الشعور بالارتباك وعدم الراحة في التعامل مع الآخرين، خاصة في المناسبات الاجتماعية، كما تصاب الفتاة بالقلق النفسي فكلما زاد عمرها دون زواج تبدأ في الشعور بالقلق والخوف من المجهول وما يأتي به الغد وتتقاذفها أسئلة لا تجد الإجابة عليها إضافة إلى الاكتئاب، حيث أن كثيرًا من الفتيات اللاتي لم يحالفهن الحظ في الزواج يعانين من الاكتئاب، إذ بعد مرحلة القلق تبدأ مرحلة الاكتئاب والاستسلام للواقع ويسيطر عليها إحساس بأنه ليس هناك أمل في المستقبل ولن يساعدها أحد.
ويشير الدكتور العتيبي إلى أن العنوسة تؤدي إلى الانفعال الزائد وعدم القدرة على التحمل والغضب الدائم والدخول في جدل ونقاش ومشاجرات حادة مع أفراد الأسرة بسبب شعور الفتاة بأنهم السبب في تأخرها عن الزواج وبالتالي تميل للعدوانية والعناد وعدم الاكتراث بالآخرين.
الضوابط الشرعية
وحسب صحيفة الوطن السعودية طالب اختصاصيون اجتماعيون بوجود آليات وفق الضوابط الشرعية لتعرف الشباب على الفتيات بغرض الزواج، مشيرين إلى أن آليات المعرفة بالزوجة المناسبة في ظل التوسع العمراني أصبحت معدومة، كما طالبوا بإحياء عادة خطبة الوالد لابنته، وبحثه عن الزوج المناسب لابنته لتسهيل الزواج والقضاء على العنوسة.
ويقول أستاذ علم الاجتماع بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الدكتور عبد الله اليوسف"يجب أن نحدد أولاً مفهوم العنوسة، لكي نناقش القضية بشكل جيد، فليس هناك سن محددة للعنوسة، لكن ثقافة المجتمع والرأي الذي يتفق عليه المجتمع هو المحدد لذلك"، وأشار إلى أنه كان سن 16 سنة أو 17 في فترة من الفترات هو المفضل لزواج الفتيات، إلا أن الناس اليوم لا تعتبر مثل هذه السن مناسبة، حيث تعد الفتاة صغيرة جدًا، فالمجتمعات تتغير، لذلك لا بد أن تتغير الرؤية للعنوسة ومفهومها.
وأضاف "الآن تعتبر السن المناسبة لزواج الفتاة ما بين سن الخامسة والعشرين وسن الثلاثين، وإذا تجاوزت سن الثلاثين نستطيع أن نقول إنها دخلت في مرحلة العنوسة، وإذا صحت المعلومة أو الإحصائية التي تشير إلى وجود مليوني عانس فهو رقم كبير ومخيف ومقلق ومؤشر على وجود إشكالية إما في قنوات الزواج أو إمكانيات الزواج أو حتى في نظرة الفتاة للزواج وقبولها له".
وبين الدكتور اليوسف أنه يجب أن نتساءل.. ما قنواتنا في الزواج ؟ هل نحن مع التغير السريع في شتى نواحي الحياة، حتى نستطيع أن نسهل الزواج للشباب؟ الأمر الآخر في القضية هو أن الفتاة أو الشاب قد تكون نظرتهما للزواج مغلفة بمبالغة في الرومانسية، نظرة مثالية من أحد الطرفين وقد تعيق الزواج.
وعن دور البطالة بين الشباب في مشكلة العنوسة قال أستاذ علم الاجتماع "البطالة من العوامل المساهمة في تفشي العنوسة، فإذا شاعت البطالة في المجتمع، فهي تنعكس على إمكانيات الشباب للزواج، أيضًا المبالغة في تكاليف الزواج كالحفلات والمستلزمات الكمالية التي تجعل الشاب يفكر أكثر من مرة قبل أن يقدم على الزواج، وأضاف أن كثرة الطلاق قد تجعل بعض الفتيات يتخوفن من هذه التجربة، حتى أصبح الزواج لدى بعضهن لا يمثل الاستقرار، وبالتالي يفضلن عدم الزواج.
واستبعد اليوسف أن يكون لعمل المرأة دور في تفشي العنوسة، وقال "أعتقد أن عمل المرأة ووجود دخل مادي ليس سببًا لعزوفها عن الزواج، ولكن قد يسرق الوقت الفتاة بحيث تنشغل بتحقيق بعض طموحاتها أو بالبحث عن زوج معين في نظرتها المثالية، وتتسرب منها الأيام، ثم تقل فرصها في الزواج".
يقول اليوسف "آليات المعرفة بالزوجة المناسبة من قبل الرجل في ظل التوسع العمراني أصبحت معدومة، صحيح هناك مؤسسات برزت أخيرا لتساعد على ذلك، ولكن إذا لم تكن الفتاة من محيط الشاب، فقد لا يعلم عنها في ظل التوسع الحضري، لذلك نحتاج إلى آليات في ضوء التقاليد والشريعة الإسلامية لمعرفة الشباب على الفتيات المناسبات في ظروفهم عن طريق مؤسسات متخصصة".
وتطرق اليوسف إلى دور تعدد الزوجات في القضاء على العنوسة وقال إن تعدد الزوجات أيضا من الحلول التي يمكن أن تقلص نسبة العنوسة، لذلك يجب أن تنظر الفتاة للموضوع بعقلانية، وألا توقف نصيبها بحثًا عن زوج غير متزوج، وتكون مستعدة للتنازل لكي تكون أسرة حتى لو مع زوج معدد.
وقال اليوسف إن العنوسة بحاجة إلى دراسة حتى تعرف أسبابها، ومن ثم توضع لها الحلول المناسبة، وناشد الجامعات السعودية والمراكز البحثية بدراسة هذه الظاهرة وتمنى أن يبادر أحد مراكز البحوث الوطنية في إحدى الجامعات لتبني هذه الظاهرة ويجعلها ضمن البحوث الوطنية، كبحث وطني مدعوم وبالتالي يدرس بشكل كبير.
*ايلاف
التعليقات