المخابرات وأيام الولدنة

المخابرات وأيام الولدنة
المخابرات وأيام الولدنة
بقلم:خليل سليم
بثت فضائية art "الحكايات" مسلسلاً سورياً جديداً متميزاً يضم نخبة من النجوم السوريين مثل دريد لحام وخالد تاجا وباسم ياخور وسلمى المصري ومن تأليف الكاتب السوري حكم البابا .
ومن خلال متابعتنا لحلقات هذا المسلسل المتميز نري أنه سابقة فنية خرجت عن المألوف في المسلسلات السورية والعربية بتناوله بالنقد اللاذع جهاز المخابرات ويتمحور العمل الدرامي كله حول أداء جهاز المخابرات بأسلوب كوميدي لاذع جداً لدرجة التجني .
فالفنان الكبير دريد لحام كان من الرواد الأوائل في توجيه بعض الانتقادات في أعماله الفنية لأجهزة المخابرات العربية أو المخابرات السورية ولكنها كانت تندرج ضمن ما يمكن أن نسميه بالمداعبة اللطيفة أما في هذا العمل فقد قفز قفزة نوعية مثيرة للدهشة بأن حقق حلمه بمسلسل كامل الحلقات يتمحور حول انتقاد لاذع جداً لجهاز المخابرات السوري وقد أدى الفنان دريد لحام دور مسئول المخابرات أو مسئول في المخابرات ومساعده الفنان باسم ياخور في دور ضابط مسئول فرع في المخابرات حيث كان دريد لحام المسئول الهادئ الذي يتبع الأساليب الحديثة في ترويع المواطنين بدون عنف أو تعذيب بينما ينتمي باسم ياخور حسب دوره في المسلسل إلي مدرسة " الحرس القديم" الذي يطلق النار عمال على بطال ويستفز بسهولة ويرد علي الاستفزاز بعنف شديد .
لعب باسم ياخور دور ضابط أمن جاهل متخلف يأتي أحد الفنانين إلي مكتبه كي يحصل علي حسن السير والسلوك فيطلب الضابط من الفنان أن يغني موالاً فيفعل وإذا بالضابط ينتشي طرباً فيطلق النار في الغرفة ابتهاجاً . ويضع في غرفته كيساً من الرمل يتدرب عليه في الملاكمة إضافة إلي الرشوة الواضحة بين هذا الضابط ومسئوله دريد لحام فمن أجل أن يحصل الضابط على ترقية يهدى مسئوله فيلا في حي راق فيحصل علي الترقية بسهولة .
قصة المسلسل تتحدث عن مواطن " الفنان خالد تاجا" الذي يكتشف انه مصاب بمرض خبيث فيقترح علي نجله " رزوق" أن يفعل الأشياء التي حرم منها في طفولته وشبابه ومن هنا تبدأ القصة فيذهب إلي الملاهي مع نجله ثم إلي أماكن لهو والي مدرسة البنات كي يعاكس لأنه لم يفعل ذلك في شبابه وعندما يذهب إلي احدي الحانات يستمع لهموم السكارى والتي تنصب حول منع سفر لهذا المواطن وطرد من الوظيفة بسبب تقرير من المخابرات والي آخره فيبدأ الاحتكاك بين " أبو رزوق" ونجله مع جهاز المخابرات وتبدأ أولي الجولات بأن قام الضابط " باسم ياخور" بحرق ألسنة "أبو رزوق ونجله" حيث أن رزوق يرافق والده في كل المغامرات في المسلسل .
وبعد تجاوز حرق اللسان يقترح " أبو رزوق " علي نجله أن ينفذ حلماً راوده في طفولته وهو تحرير فلسطين فينتفض نجله رزوق مذعوراً ويقول له :" لقد طاوعتك في معاكسة الفتيات والمراجيح والحانات والاصطدام مع المخابرات ولكن موضوع تحرير فلسطين لم أشارك به هذا موضوع كبير ولا قبل لنا به والدول العربية كافة عجزت عنه ".
وفي النهاية يستطيع "أبو رزوق "أن يقنع نجله بمشاركته فيحمل كل منهما سيفاً ويتوجهان إلي الجبهة علي حمارين وهناك يلقي القبض عليهما من جندي عربي في الحراسة علي الحدود فيتصل بالضبط باسم ياخور ويعلمه بإلقاء القبض عليهما عندما يعلم الضابط من هما يأمر الجندي بالهاتف أن يطلق النار عليهما ويقتلهما فيقول الجندي:" سيدس لا يوجد معي سلاح ولا يوجد معنا في نقطة الحراسة أي سلاح فيرد الضابط: احمل حجراً واضربه برأسهما اقتلهما .
فتأتي تعليمات عليا من المسئول دريد لحام للضابط بأن يتم تكريم البطلين ويتم استضافتهما علي شاشة التلفزيون مع أكداس من الأسلحة أمامها في البرنامج وأمام أعين المشاهدين وطلب منهما أن يتحدثا عن بطولاتهما في مواجهة الأعداء علي الجبهة فيحتج أبو رزوق ويقول : كل الحكاية أنني ذهبت بسيف ولم أواجه الأعداء واعتقلني جندي عربي .
طبعاً وحسب المسلسل كرم أبو رزوق علي سرد بطولات لم تحصل أساساً كيف قتل من الأعداء بهذه الأسلحة التي تظهر أمام المشاهدين وبعد جولات من التكريم والأمسيات الشعرية واستضافتهما كبطلين في ندوات مختلفة تأتي تعليمات من دريد لحام إلي الضابط بان الوضع الدولي قد تغير ولا بد من التخلص منهما بإيداعهما في مستشفي للأمراض العقلية .
وتستمر أحلام أبو رزوق فيفكر بتحقيق حلم بأن يترشح لانتخابات لتولي منصب رفيع جداً فتلاحقه المخابرات بأسلوب مبتكر من المسئول " دريد لحام" بأن يجعلوا الناس تقاطع أبو رزوق ولا تتحدث معه مطلقاً حتى أصيب بحالة من الهستيريا لدرجة أنه خلع ملابسه في الشارع كي يستفز الناس ليتحدثوا معه أو يستنكروا فعلته فلم يفعلوا .
لقد خرج هذا المسلسل عن المألوف في الأعمال الفنية العربية في تناول أداء جاهز المخابرات وعادة تفرض بعض الدول العربية علي أي عمل فني يتناول جهاز الأمن أو الشرطة أن لا يتم تصوير رجل الأمن أو الشرطة في الأعمال الفنية بوضع مهين أو بإطار سخرية فنجد في كثير من الأعمال الفنية العربية رجل الأمن يظهر بوقار وهيبة ويتحدث عن حفظ الأمن وتوفير الأمان للمواطنين عندما يتطلب العمل الفني وجود مشهد ما من هذا النوع باستثناء مصر حيث لاحظنا في أعمال مسرحية عديدة وجود الشرطي أو ضابط الشرطة بقالب ساخر وأحياناً مهين وتناولت أعمال فنية مصرية بانتقادات لاذعة أداء جهاز المخابرات في عهد صلاح نصر مثل فيلم " إحنا بتوع الأتوبيس" وأفلام أخري عديدة ولا سيما فيلم
" زوجة رجل مهم".
والغريب أن حكم البابا مؤلف المسلسل سبق وأن رفع ضده دعوة قضائية في سوريا من قبل كاتب سياسي سوري معروف لأنه البابا انتقده بمقال وانتقد الخطاب السياسي للمتحدثين السوريين علي الفضائيات والأغرب أن تجيز المخابرات السورية هذا العمل الذي لا يحمل انتقادات لاذعة جداً لجهاز المخابرات فقط بل يعطي صورة سوداوية قاتمة عن أداء جهاز المخابرات .
ورغم أهمية هذا العمل الفني ولكنه لم يكن متوازناً فقد تناول السلبيات فقط دون غيرها بسخرية شديدة وانتقادات لاذعة ولم يظهر ايجابية واحدة في عمل جهاز المخابرات .
قد لا يكون القصد من هذا العمل هو المخابرات السورية تحديداً السلبيات مشتركة بين أجهزة المخابرات العربية كما أن الايجابيات مشتركة أيضاً ولكن المسلسل فقد التوازن تماماً وأظهر ضباط المخابرات في المسلسل وأمامهم علي المكتب العلم السوري وكل الأحداث تتحدث عن سوريا أي لم يدخل المسلسل في العموميات كما هو حال الأعمال السابقة لدريد لحام .
مهم انتقاد أي مؤسسة في الدولة ولكن غاب عن الكاتب حكم البابا مسألة مهمة أن المشاهد العربي تمني منذ وقت طويل مسلسلاً سورياً يتحدث عن الحرب السرية بين المخابرات السورية والموساد الإسرائيلي مثل الروائع التي قدمتها الشاشة المصرية في " رأفت الهجان "و" دموع في عيون وقحة" والي آخره من الأعمال الفنية العظيمة التي رفعت معنويات المواطن العربي في هذا الواقع المرير.
ونتمنى علي الكاتب حكم البابا مسلسلاً سوريا يتحدث عن الحرب السرية بين المخابرات السورية والموساد التي سبقت حرب تشرين / أكتوبر 73 ومن خلال متابعتنا لما نشر هنا أو هناك حول تلك المرحلة حيث أن حرب أكتوبر لم تكن نصراً عسكرياً فقط بل كانت نصراً استخبارياً سبق معارك الجيوش .
وكما ذكرنا في سياق مقالنا أن انتقاد أداء أجهزة الأمن أمر مهم لتصحيح الأخطاء ولكن للأسف وجدنا في المسلسل " أيام الولدنة" انعدام التوازن واقتصار كل الأحداث علي انتقادات وسخرية لاذعة دون إظهار أي وجه ايجابي لأداء جهاز المخابرات سواء السوري أو العربي .
ونكرر التمني علي الكاتب حكم البابا أن يضع أمام المشاهد العربي مسلسلاً قوياً ورائعاً يتناول فيه الحرب السرية بين المخابرات السورية والموساد التي سبقت حرب 73 ولا سيما أن المكتبة الفنية المصرية غطت الجانب المصري في هذا المجال بينما بقي الجانب السوري مجهولاً لدى المشاهد العربي .
*كاتب فلسطيني-رام الله

التعليقات