مرافق الرئيس صدام حسين: مزرعة قيس النامق كانت مقره السري

مرافق الرئيس صدام حسين: مزرعة قيس النامق كانت مقره السري
غزة-دنيا الوطن
يستكمل سعد حميد، مرافق الرئيس صدام حسين، وهو من القلائل الذين بقوا مع الرئيس بعد سقوط بغداد، الرواية التي يخص بها القدس العربي ، ويطوي المرافق حميد سلسلة ذكرياته الأخيرة التي سبقت أسر الرئيس العراقي من قبل القوات الامريكية يوم 13/12/2003، محددا كيفية الوصول إلي المخبأ الانتقالي للرئيس الراحل.
يقول حميد: بعد عودتنا من بيجي بفترة، وأتذكر أنها في شهر رمضان وكنا صياما، طلب عدد من القادة الميدانيين (الذين يقودون عددا من الفصائل المسلحة في عدة مناطق من محافظة الانبار) لقاء الرئيس صدام في أي مكان، الأمر الذي جعل الوضع الأمني للرئيس الراحل علي المحك... عقد الاجتماع واستمر يومين كاملين.
تناول الاجتماع معظم الحملات العسكرية التي شنتها الفصائل المسلحة ضد قوات الاحتلال، كما تمت تسمية احد عشر قائدا جديدا بعد اكتمال نصابهم.. كان الرئيس سعيدا خلال الاجتماع وفرح بما نتج عنه، الا انني كنت خائفا من هذا الاجتماع الذي عقد بالقرب من منطقة الدور، وفي مزرعة استأجرها محمد المسلط من احد اقرباء النائب عزت ابراهيم.. وكانت تبعد عن المقر الذي كان يعتبر المكان السري الذي لا يعلمه الا نحن ـ مرافقيه ـ وهو مزرعة قيس النامق، الذي كان في مرحلة ما في فريق حماية الرئيس.
يقول سعد: طلب الرئيس من المسلط جلب ورقة وقلم، وقام بكتابة الخطاب الذي يعتبر ما قبل الاخير (قبل اسره) والذي أذيع، بينما بقي الخطاب الاخير بعيدا عن أنظار الصحافة والإعلام بعد إلقاء القبض علي محمد المسلط في بغداد. وجاء في الرسالة:
كل عام وأنتم بخير، ومبارك رمضانكم والعيد الذي يليه، ومقبول صيامكم إن شاء الله، وشهداؤنا في الجنة، وأموات العلوج وأعداؤنا الآخرون في النار، اللهم اجعل شهر رمضان مقدمة النصر وأساسه، مثلما كان عهد من هو عز ومنقذ الإيمان من طلائع العرب والمسلمين المؤمنين في بدر الكبري.
أيها الإخوة والأبناء:
قلنا قبل العدوان الأمريكي الصهيوني البريطاني، ومن تحالف معهم ضد العراق، إن الحلف الشرير، يستطيع أن يؤذي العراق، يقتل، يدمر، ينهب، وفي نفس الوقت يفضح حقيقة امريكا والصهيونية وشعاراتهما التي خدعوا بها من انخدع أو رضخ في العالم لزمن ليس بقصير. قلنا هذا، وقلنا معه بإيمان راسخ وثبات من عرفتموه مجاهدا في صفوفكم منذ عشرات السنين، بأن الأشرار لن يستطيعوا أن يحتلوا العراق ويستعمروه، وقد قالوا هم ما سمعتموه منهم آنذاك، وتصوروه وصوروا الأمر لغيرهم أيضاً بأنهم ذهبوا في نزهة لاحتلال العراق وتدمير ما أسموه أسلحة الدمار الشامل الذي انصبت نيتهم علي ذلك القول كغطاء أولي لجريمتهم الكبري، بعد الجريمة التي ارتكبوها في زرع الصهيونية داخل الوطن العربي.
فماذا يقولون الآن؟ وما هي الحقيقة؟ إنهم يقولون وتتعالي الأصوات في العالم بنفس الذي قلناه لهم قبل العدوان، بأن العراق خال من الأسلحة التي يدعون، وسيكون العراق عصياً أيضاً علي نواياهم الشريرة، لاستعماره واستقرار جيوشهم ونفوذهم فيه ان شاء الله.
لقد وضع الأشرار أنفسهم وحالهم إذن في المأزق الذي أراد الله ان يضعهم فيه لأمر يراه سبحانه ولا نراه، أو سول لهم شيطانهم هذا. ولذلك راح كذاب الولايات المتحدة الامريكية، وكذاب بريطانيا يتناوبان الأدوار والجولات في العالم لاستجداء الأموال والجنود والمواقف، فمنهم من يستجدي علي استحياء، وخوفا من الخوف أو طمعاً بما يطمع. يستجير بمئات من الجنود، أو بضع مئات من ملايين الدولارات، تلاحقهم لعنة الله والناس، ومنهم من يعتذر عن تقديم أي شيء، ولأولئك الآخرين منهم تقديرنا وتقدير شعبنا لهم، وما دري الخائبون أنهم يعرفون بأن في العراق العظيم الذي أعزه الله بالجهاد والمقاومة الباسلة بعد الايمان، إنما تبع أرضه ونيرانه مئات الألوف من الجنود من غير أن يستقر لهم الحال علي وفق ما يخططون أو يأملون.
جاءوا ليعترفوا بهذه الحقيقة، وحقيقة أن العملاء الذين جاءوا بهم ليس لهم وزن الحد الأدني وتأثيره عند شعب العراق العظيم الأمين الوفي، بل ولا يستطيع أحد منهم حتي أن يتمشي في شوارع بغداد أو في أي مدينة عراقية، فراحوا يتداركون خيبتهم ويطوف مندوبوهم علي أقطار عربية، باحثين عما أسموه نصيحة حول العراق، ونقول لهم ولغيرهم، رغم أن العراق جزء من أمته ويلعب عندما تتهيأ له الأسباب دور الطليعة أو جزء حي من الطليعة فيها، فإن للعراق إذا جاز التعبير خلطة كيميائية خاصة به لا يحل مفاتيحها ورموزها إلا من هو من أبنائه، أو المؤمنون الصالحون من أبناء أمته لو استعانوا وتشاوروا بنزاهة مع العراقيين المخلصين الأمناء، وإنه لا طريق غير أن يتصرف المعنيون من أهل العدوان والشر، أن يتصرفوا بالسياسة، بما يصلح الخطأ، بل الجريمة الكبري، النكراء، وأن يعود أبناء العراق الغيورون عليه، الذين سيٌروا شؤونه فارتقوا به إلي حيث أراد الله وفق شأن من شؤون الحياة، يعود أبناؤه المخلصون علي وفق ما يقرر الشعب بحرية كاملة، ليسيروا شؤونه من جديد، وقد جربهم الشعب علي مدي عشرات السنين، ويعرفهم ويعرف تفاصيل ما لهم وما عليهم، وأن يحصل كل هذا وجنود الاحتلال خارج العراق، وأن ينعدم أي نفوذ اجنبي غير شرعي في العراق علي وفق ما كان عليه حال العراق قبل هذا.
هذا هو الحل ولا حل غيره، فإذا وجده الطغاة صعباً عليهم، ليجربوا أشهرا أخري وزمنا آخر ليحصدوا أرواحا آخري ويدمروا وينهبوا، ولكن غير الخيبة لن يكسبوا، ومع الخيبة المزيد من أرواح تزهق من الأمريكان والبريطانيين وغيرهم.
عاش العراق حراً مستقلاً.
عاشت فلسطين حرة عربية من البحر إلي النهر.
عاشت امتنا العربية المجيدة.
والله اكبر الله اكبر .. وليخسأ الخاسئون.
أواسط شهر رمضان المبارك 1424للهجرة.
الموافق لشهر تشرين الثاني 2003 للميلاد.
وفي العودة إلي مخاوف المرافق حميد من الاجتماع المتعجل... يقول حميد: بعد ان كلفني الرئيس صدام بتزويد الفصائل المسلحة بالسلاح بعد ارسال المسلط إلي بغداد لبث الرسالة، علمت وأنا متواجد في مدينة بلد عند إحدي نقاط التمويل بأن احد ابرز القادة، ويدعي فرحان الزبن (ضابط في الحرس الجمهوري) قد وقع في قبضة الامريكان وبأنه اعتقل إثر وشاية، وتم التحقيق معه وابتزوه بالنيل من زوجته امام أنظاره إن لم يعترف بلقائه مع الرئيس صدام.... وبعد ذلك اتضح ان زبن اخبرهم بأنه التقي الرئيس في مزرعة بالقرب من الدور، نافيا تحديد مكانه بالضبط.. يضيف حميد: كنت متسابقا مع الزمن من أجل الوصول إلي الرئيس وإخباره بالأمر.. وصلت إلي المزرعة والتقيت الرئيس وأخبرته بما حدث، فضحك وقال لي: هل أنت خائف؟ فقلت له: عليك سيدي. فقال: صدام مو خايف، انت ليش خايف؟.... رفض الرئيس تغيير المكان حتي عودة المسلط من أجل ترتيب أوراقه من جديد.. كانت الأيام من جديد مليئة بالمخاطر، كان خوفي علي الرئيس سبب قراره بإبعادي عنه قبل أسره بقليل.. عاد المسلط وأخبره بأن هناك إمكانية للرحيل إلي بغداد في أحد المنازل السرية في الكرادة التي لم يسكن بها أحد.. رفضت الفكرة كما رفضها الرئيس وكل منا له سببه: أما سبب الرئيس فكان صعوبة عقد اجتماعات مع قادة الفصائل أو الاشتراك في المعارك، وأما سببي فكان عدم تصديقي أن يكون منزل فاخر قد خرج عن سيطرة المنظمات والمليشيات التي دخلت العراق بعد الاحتلال.
علم المسلط بأمر اعتقال القائد مطلك الزبن واعترافه، فطلب من الرئيس ان يستقر في تكريت وأكون أنا في الوسط، رفض الرئيس الأمر وأصر علي تسريحي لفترة شهر والعودة إلي عملي من اجل أن آخذ راحة كما يعتقد، اتخذ الرئيس موقفا مني ربما لأنني كنت حريصا عليه جدا، لأنني خريج كلية الأمن القومي ولديّ حدسي الأمني العالي، والمسلط خريج كلية العسكرية وهي تعتمد علي المد والجزر في التعامل مع الصعوبات.. كان الفرق بيني وبينه كبيرا... كان الرئيس مقتنعا بكلام المسلط ومعه النامق الذي وفر منزله لقضاء فترات طويلة في متابعة الأحداث... كانت لي محاذير من هذا الإجراء وبلغتها للرئيس.
يضيف حميد: وكجندي، تجب عليه طاعة أوامر الرئيس حملت أغراضي مودعا له، إلي حيث أسكن بالقرب من تكريت، كان بانتظاري كمين نصبه لي أحد الفارين من الحكم العراقي إلي حركة احمد الجلبي مع قوات أمريكية، ولولا حفظ الله وحدسي الأمني لوقعت في قبضتهم.. حيث سألت أحد الشبان عن الأوضاع فراح يسرد لي قصة عن أوضاع المنطقة التي لم أزرها منذ الاحتلال.. كنت مشوشا بعد سماعي للكلام فقررت الذهاب إلي منزل خالي الذي يقطن بعيدا عن منزل أهلي.. كنت أتوقع أن تكون هناك أشياء أكثر غرابة.
وفعلا ما ان رآني خالي حتي قال لي: (أهلا بعواد ابن اخوي) وراح يجرني من يدي بقوة ويسحبني داخل المنزل، وقال: (ما الذي جلبك إلي هنا؟ أنت مطلوب.. حيا أو ميتا).. كنت أتوقع الأسوأ... علمت بأن اشقائي الاربعة تم اعتقالهم بحثا عني.. كانت الروايات تنسج عني.. كان البعض يتوقع مقتلي والبعض الآخر راح يصفني بقائد جماعة القاعدة، والبعض الآخر يقول سافرت إلي السعودية من أجل الدعم المالي وبعض الخرافات...
علي عجل ذهبت إلي منزل صديق كان معي في سرب الحماية... كان حذرا في استقبالي وقال لي: إحذر نحن مراقبون.. فعلمت بأنه يشير علي بعدم البقاء.. رحلت بعدها الي منزل شقيقتي بالقرب من سامراء.. استقبلتني بالزغاريد.. كان هم يعتصر في داخلي: ماذا لو طلبني الرئيس ولم يجدني؟.. بقيت أتقلب كالسمكة التي أخرجوها من الماء، يعصرني الألم.. كانت صورة الرئيس لا تفارقني.. مرت خمسة أيام ثم عزمت علي أن أرحل إلي الدور حيث سأجد الرئيس وأخبره بالذي حدث... كانت الضربات موجعة. وصلت تكريت عند الغروب، قلت في داخلي: فلأذهب إلي أحد اصدقائي (الذي كان في جهاز الاستخبارات).. جلسنا ففوجئت به يخبرني عن أمور في غاية السرية عن الرئيس.. كان المسلط والنامق يخبران أهلهما في تكريت والدور بحسن نية، وكان اسمي مختفيا خلال الكلام.. ومثل لي ذلك صدمة كبيرة، فأصررت علي أن أرجع إلي الرئيس وأخبره بضرورة تغيير الأماكن وحتي الحراس... كان اليوم هو الخامس من شهر كانون الأول (يناير)، وصلت المزعة ظهر اليوم التالي، فلم أجد أحدا.. ذهبت إلي منزل قيس النامق.. فلم أجد أحدا.
يقول حميد: ومما أفجعني هو حديث زوجة النامق لأحد اولادها أمامي عندما كان يرغب في الخروج من المنزل، وأوصته بأن لا يبلغ أحدا بأن صدام يبيت عندهم.... وكانت توصيه حينما سمعها ثلاثة من المارين... اختراق لا مثيل له!.. رجعت إلي المزرعة وانتظرت ثلاثة ايام لكن من دون فائدة.. لا أحد، لا الرئيس، ولا النامق، ولا المسلط: الجميع قد رحلوا من دون أن أعرف. قلت في نفسي: نفد مني المال. وأدركت أنني محاط باختراق أمني. قررت الرجوع إلي منزل شقيقتي، وبعد رجوعي إلي منزل شقيقتي.. صدمت باختراق آخر حين أبلغني شقيق صهري بأنه شاهدني والرئيس قبل شهر بالقرب من منطقة الدور، وهذا الكلام منقول عن أناس في المدينة..... وهكذا أصبح بقائي هناك شبه مستحيل. اتصلت بابن عمي في منطقة الشرقاط وابلغته بحاجتي للمال، فرد علي: هل الرئيس معك؟ قلت: ماذا تقول يمعود أي رئيس منو تقصد؟ قال: الرئيس صدام، قلت له: لا علم لي. قال: ان كان معك فأخبره أن لا يأتي إلي الشرقاط لأن هناك كمينا ـ نصب له ـ مشتركا بين البيشمركة والأمريكان. قطع الخط... استلفت مالا من صديق يسكن في تكريت، كان الوضع فيها يمثل قنبلة موقوتة، فهناك الجميع متهم بإخفاء صدام.. وتذكرت بأن العوجة لا يسكنها أكثر من مئة نسمة فقط.
بعد ذلك قررت الذهاب إلي الدور مجددا، إلي قيس النامق مباشرة، وجدت النامق وأخبرني بأنه لم ير الرئيس منذ أيام وهو ليس بالمزرعة، كان شرح ما يجري لشخص مثل النامق مهمة صعبة وتحتاج إلي جهد، مكثت في أحد المنازل المجاورة حتي أراقب بنفسي ما يجري، وعند الصباح ذهبت إلي الرئيس فلم أجده، وأدركت بأن النامق كذب علي، وأنه نائم في بيته... رجعت إلي النامق وطلبت منه أن أقابل الرئيس لأمر مهم فقال لي: الرئيس سافر ولا أعلم شيئا.. أخبرته بأن الجميع في تكريت يعلم بما نقوم به، فسخر النامق مما قلته، فيما لمحت البوت الذي كان يلبسه الرئيس خلال تجواله وقلت له: هذا حذاء الرئيس. قال النامق يا سعد روح واحنا ندز عليك . اضطررت للمغادرة وقلت له: يمكنك ترك رسالة عند شقيقتي، وأنا سوف أوافيكم في أي مكان.. كان اليوم هو الرابع عشر من كانون الثاني (يناير)، كان يوما أسود في تاريخي يوم إعلان أسر الرئيس.. كان الأمر متوقعا. مرت الأيام.. وبعد عام، خلال قول المرافق المسلط لأحد المعتقلين في سجن بوكا عن كيفية حصول عملية أسر الرئيس، اتضح بأن المسلط قبض عليه في منطقة الكرادة، وكان يحمل خطابا موقعا من قبل الرئيس، وفي نفس التاريخ: الثاني عشر من كانون الثاني (يناير)، وقد اعترف خلال تحقيق قاس بمكان الرئيس في الدور، وهو الأمر الذي أدي إلي أسر الرئيس.
*القدس العربي

التعليقات