دراما الجاسوسية التي استهلكت مصرياً هل تزدهر سورياً؟!

دراما الجاسوسية التي استهلكت مصرياً هل تزدهر سورياً؟!
محمد منصور
ذكرتني إعادة عرض المسلسل المصري الشهير (رأفت الهجان) علي قناة أبو ظبي حالياً، بموجة دراما الجاسوسية التي نشطت في الدراما والسينما المصرية في ثمانينيات وتسعينيات القرن العشرين، والتي برع في كتابة ملفاتها الدرامية الروائي صالح مرسي، مبدع مسلسل (رأفت الهجان) الذي أخرجه الراحل يحيي العلمي وأنتجه التلفزيون المصري عام 1989.
ففي هذا المسلسل الذي صار من كلاسيكيات الدراما العربية، نحن أمام اختراق من نوع خاص ومثير للإعجاب، لأسطورة جهاز الاستخبارات الإسرائيلي (الموساد) الذي لا يخرق من خلال سيرة العميل السري (313) رفعت علي سليمان الجمال الشهير بـ (رأفت الهجان) الذي أقام منذ عام 1956 لمدة سبعة عشر عاما في إسرائيل بتكليف من المخابرات المصرية وتمكن من إقامة مصالح تجارية واسعة وناجحة في تل أبيب وأصبح شخصية بارزة في المجتمع الإسرائيلي... الأمر الذي مكنه من التجسس علي مراكز القرار، وإمداد جهاز المخابرات المصري بمعلومات مهمة تحت ستار شركته السياحية التي أسسها داخل إسرائيل... حيث زود بلاده بمعلومات خطيرة، منها موعد حرب حزيران (يونيو) 1967 وكان له دور فعال في الإعداد لحرب تشرين الاول (أكتوبر) 1973 بعد أن زود مصر بتفاصيل عن خط بارليف.
وقد أثار نشر رواية صالح مرسي عن رأفت الهجان مسلسلة في مجلة (المصور) المصرية مطلع العام 1986 ثم تحويلها إلي مسلسل تلفزيوني اكتسح نجاحه الشارع العربي، ردود فعل إسرائيلية حاولت أن تسخر من هذه المعلومات حين صرح مسؤولون في الموساد إن هذه المعلومات التي أعلنت عنها المخابرات المصرية ما هي إلا نسج خيال ورواية بالغة التعقيد، وإن علي المصريين أن يفخروا بنجاحهم في خلق هذه الرواية .. لكن الصحافة الإسرائيلية تابعت التقصي والتحقيق فيما بعد، حيث قام الصحافيان الإسرائيليان (إيتان هابر) و(يوسي ملمن) بإصدار كتاب بعنوان الجواسيس قالوا فيه ان العديد من التفاصيل التي نشرت في مصر عن شخصية الهجان صحيحة ودقيقة لكن ما ينقصها هو الحديث عن الجانب الآخر في شخصيته، ألا وهو خدمته لإسرائيل!
المخابرات المصرية، فتحت ملفاتها وسجلاتها أمام كتاب وصناع الدراما... فقبل (رأفت الهجان) كتب صالح مرسي أيضاً سيرة الجاسوس المصري جمعة الشوان في مسلسل أنتج في الثمانينيات ولعب بطولته عادل إمام ومعالي زايد تحت عنوان (دموع في عيون وقحة) وبعد (رأفت الهجان) استمرت المخابرات المصرية في فتح ملفاتها فكان مسلسل (الحفار) عام 1996 ثم مسلسلات (السقوط في بئر السبع) و(وادي فير ان) و(الثعلب) وربما كان آخرها (العميل 1001) الذي لعب بطولته مصطفي شعبان، وأخرجته شيرين عادل... إلا أن جميع تلك المسلسلات لم تحقق النجاح الذي حققه العملان الأولان.
لكن المثير في هذه المسألة، أن المخابرات السورية التي عاشت صراعاً استخباراتياً حافلا بالغموض مع إسرائيل وموسادها كذلك، لم تفتح ملفاتها حتي الآن... رغم أن الحديث عن إنتاج مسلسل عن الجاسوس الإسرائيلي الذي كشف في دمشق (إيلي كوهين) وأعدم في إحدي ساحاتها عام 1965 يتم تداوله حالياً في أوساط صناع الدراما السورية... دون أن ندري إن كان هذا المسلسل سيري النور أم لا.
وكان كوهين قد تخفي في زي رجل أعمال سوري قادم من الأرجنتين، واستطاع أن يتغلغل في مراكز النفوذ والنشاط في المجتمع السوري، وأن يحقق اختراقاً قوياً في بعض مراكز القرار... وأن ينقل معلومات عن تحركات الجيش السوري أفادت إسرائيل في حرب 1967 قبل أن يكشف أمره، ويتم القبض عليه، ثم تسجل وتبث محاكمته علي شاشة التلفزيون السوري الذي كان حديث العهد وقتذاك... وقد انتشرت في الشارع السوري حينها عبارة (اخراس ولاك داسوس) التي كان يوبخ فيها رئيس المحكمة كوهين كلما تفوه بكلمة لا تعجبه!
والواقع أن هذه الدراما التي يكتبها ضباط المخابرات، أو يلعبون فيها دور المستشار أو المشرف الدرامي بحكم الاختصاص ومعرفتهم بتفاصيل المهنة، تثير اهتمام المواطن العربي... الذي يري في هذا النشاط الصورة المشرقة الأخري لنشاط أجهزة المخابرات العربية، بعد أن التصق اسمها بالقمع الداخلي، ومراقبة نشاطات المواطنين، ووضع قيود علي تفكيرهم ومعتقداتهم وانتماءاتهم السياسية أكثر من أي شيء آخر!
تلعب دراما الجاسوسية علي أوتار الذكاء والعبقرية في لعبة التخفي... وتلعب علي أوتار الترقب والإثارة في مقاربة الخطر، وعلي أوتار الوطنية في اقتحام هذا الخطر في أكثر لحظاته توتراً وسخونة واقتراباً من الفشل أو الموت... وهذا يقدم أدوات هامة لصناعة الصراع النفسي داخل شخصية البطل، ولتفعيل الصراع الدرامي من حوله... لكنها في الوقت نفسه تضيع الخط الفاصل بين الخيال والواقع... فيفقد المشاهد الثقة في بعض أحداثها ومجرياتها، انطلاقاً من معرفته بشراسة وخطورة وحذر العدو المستهدف.
وبعد أن فقدت هذه الدراما بريقها سينمائياً علي يد نجمة الجماهير (نادية الجندي) التي لم تقصر في استثمار كل معطيات ومزايا هذه الدراما لصالح فبركة الصورة المثيرة التي تحب أن تظهر بها كنجمة سينمائية انتقلت من لعب أدوار الجنس والإثارة إلي حقل البطولات الوطنية في أفلام من قبيل (مهمة في تل أبيب) وسواها... وبعد أن تراجع وهج هذه الدراما تلفزيونياً بعد (رأفت الهجان) بسبب استسهال الأشقاء المصريين لعناصر الجودة الفنية في إنتاج هذه المسلسلات، واحترام أدق تفاصيل صناعتها الفنية... لا أدري إن كان الواقع العربي اليوم قد ساهم في إضعاف أثر هذه الدراما أيضاً.... الواقع الذي تدنت فيه سمعة أجهزة المخابرات العربية إلي الحضيض، بعد أن غدت أداة للقمع ومصادرة الحريات وحماية الأنظمة الحاكمة، أكثر من اهتمامها بحماية الأوطان واختراق جبهة العدو استخباراتياً!
ويبقي أن ننتظر مشروع المسلسل السوري عن الجاسوس الإسرائيلي (إيلي كوهين) لنري مرة أخري، كم تبدو دراما الجاسوسية قادرة علي إلهاب الشعور الوطني والقومي العربي، وعلي الاستئثار مرة أخري باهتمام المشاهد العربي وترقبه وتفاعله، ليري جانباً من خفايا صراع مرير، أسهمت في صنعه أحياناً كثيرة، رداءة الأوضاع الداخلية واضطرابها!
مظاهرة الحيوانات في غزة... أهو ظرف الاحتجاج؟!
مظاهرة الحيوانات التي نظمت أمام أحد مقرات الأمم المتحدة في غزة... والتي ظهرت فيها الحمير والجمال والمواشي وقد علقت علي ظهورها لافتات ضد الحصار الإسرائيلي، وضد تجويع الأطفال، وضد العقاب الجماعي... وقبل هذا كله ضد الصمت العربي والعالمي الذي يندي له جبين الإنسانية... هذه المظاهرة التي تأتي بعد مظاهرات عديدة سابقة للبشرمن الرجال والشبان، ثم مظاهرات للنساء... ثم مظاهرات للأطفال، تبدو أكثر من لفتة ذكية وطريفة كما يحلو لنا أن نتأملها في مرآة الصورة التلفزيونية الإخبارية!
شعرت بالخجل والعار عندما اتصل بي أحد الأصدقاء طالباً مني أن أشاهد هذه المظاهرة علي قناة الجزيرة أثناء بثها في إحدي نشرات الأخبار، وهو يستظرف الأمر!
فهل بلغت بنا بلادة الحس والشعور أن نتعامل مع هذه المعاني المؤلمة بإحساس فائق بالفكاهة؟!
وهل بلغ بنا العجز أن نقعد لنتفرج علي الحيوانات وهي تستخدم كوسيلة احتجاج... دون أن نشعر بفظاعة الحال التي وصل إليها أشقاؤنا الفلسطينيون تحت هذا الحصار الظالم؟!
حقا لا أجد ما أعبر فيه عن حالنا هذا سوي قول الشاعر أحمد مطر:
سواسية / نحن كأسنان كلاب البادية/ يصفعنا النباح في الذهاب والإياب/ يصفعنا التراب/ رؤوسنا في كل حرب بادية/ والزهو للأذناب!
مسلسل مكسيكي طويل!
بعد التأجيل السادس عشر في الحادي عشر من هذا الشهر... تحولت أزمة الرئاسة في القنوات التلفزيونية اللبنانية إلي مسلسل مكسيكي طويل، يغذي تلك المحطات بعشرات البرامج ومئات التقارير والتحليلات الإخبارية التي لو جمعت مدة بثها، لبدا مسلسل (كاسندرا) بحلقاته المائة والخمسين، مجرد فيديو كليب لا أكثر!
مسلسل الرئاسة اللبنانية، مصنوع وفق أسلوب الدراما اللبنانية القديمة التي عفا عليها الزمان، ويكاد أداء أبطاله يشبه ممثلي تلك الحقبة البائدة.... مسلسل تساهم في كتابة حلقاته قوي المعارضة والموالاة معاً، بأساليب واتجاهات متنافرة... وتلعب بعض الجهات الإقليمية دور المشرف الدرامي الذي يفسد بمقترحاته وشروطه التعجيزية كل السبل الممكنة لحل العقدة الدرامية... فيما تصبح النهاية السعيدة حلاً منبوذاً، بعد الوصول إلي نقطة اللاعودة في مسيرة لبنان التراجيدية!
أما السيد عمرو موسي أمين الجامعة العربية، فيلعب في هذا المسلسل دور المشاهد المتفائل... الذي يصر علي أن نهاية المسلسل ستأتي كما يحب، مهما اشتدت عقدة الصراع الدرامي، وطال أمده وسالت الدماء... مقتدياً بحكمة الأفلام الهندية التي يتواطأ صناعها مع مشاهديهم في بيع الوهم والنهايات السعيدة!
ناقد فني من سورية
[email protected]
*القدس العربي
محمد منصور
ذكرتني إعادة عرض المسلسل المصري الشهير (رأفت الهجان) علي قناة أبو ظبي حالياً، بموجة دراما الجاسوسية التي نشطت في الدراما والسينما المصرية في ثمانينيات وتسعينيات القرن العشرين، والتي برع في كتابة ملفاتها الدرامية الروائي صالح مرسي، مبدع مسلسل (رأفت الهجان) الذي أخرجه الراحل يحيي العلمي وأنتجه التلفزيون المصري عام 1989.
ففي هذا المسلسل الذي صار من كلاسيكيات الدراما العربية، نحن أمام اختراق من نوع خاص ومثير للإعجاب، لأسطورة جهاز الاستخبارات الإسرائيلي (الموساد) الذي لا يخرق من خلال سيرة العميل السري (313) رفعت علي سليمان الجمال الشهير بـ (رأفت الهجان) الذي أقام منذ عام 1956 لمدة سبعة عشر عاما في إسرائيل بتكليف من المخابرات المصرية وتمكن من إقامة مصالح تجارية واسعة وناجحة في تل أبيب وأصبح شخصية بارزة في المجتمع الإسرائيلي... الأمر الذي مكنه من التجسس علي مراكز القرار، وإمداد جهاز المخابرات المصري بمعلومات مهمة تحت ستار شركته السياحية التي أسسها داخل إسرائيل... حيث زود بلاده بمعلومات خطيرة، منها موعد حرب حزيران (يونيو) 1967 وكان له دور فعال في الإعداد لحرب تشرين الاول (أكتوبر) 1973 بعد أن زود مصر بتفاصيل عن خط بارليف.
وقد أثار نشر رواية صالح مرسي عن رأفت الهجان مسلسلة في مجلة (المصور) المصرية مطلع العام 1986 ثم تحويلها إلي مسلسل تلفزيوني اكتسح نجاحه الشارع العربي، ردود فعل إسرائيلية حاولت أن تسخر من هذه المعلومات حين صرح مسؤولون في الموساد إن هذه المعلومات التي أعلنت عنها المخابرات المصرية ما هي إلا نسج خيال ورواية بالغة التعقيد، وإن علي المصريين أن يفخروا بنجاحهم في خلق هذه الرواية .. لكن الصحافة الإسرائيلية تابعت التقصي والتحقيق فيما بعد، حيث قام الصحافيان الإسرائيليان (إيتان هابر) و(يوسي ملمن) بإصدار كتاب بعنوان الجواسيس قالوا فيه ان العديد من التفاصيل التي نشرت في مصر عن شخصية الهجان صحيحة ودقيقة لكن ما ينقصها هو الحديث عن الجانب الآخر في شخصيته، ألا وهو خدمته لإسرائيل!
المخابرات المصرية، فتحت ملفاتها وسجلاتها أمام كتاب وصناع الدراما... فقبل (رأفت الهجان) كتب صالح مرسي أيضاً سيرة الجاسوس المصري جمعة الشوان في مسلسل أنتج في الثمانينيات ولعب بطولته عادل إمام ومعالي زايد تحت عنوان (دموع في عيون وقحة) وبعد (رأفت الهجان) استمرت المخابرات المصرية في فتح ملفاتها فكان مسلسل (الحفار) عام 1996 ثم مسلسلات (السقوط في بئر السبع) و(وادي فير ان) و(الثعلب) وربما كان آخرها (العميل 1001) الذي لعب بطولته مصطفي شعبان، وأخرجته شيرين عادل... إلا أن جميع تلك المسلسلات لم تحقق النجاح الذي حققه العملان الأولان.
لكن المثير في هذه المسألة، أن المخابرات السورية التي عاشت صراعاً استخباراتياً حافلا بالغموض مع إسرائيل وموسادها كذلك، لم تفتح ملفاتها حتي الآن... رغم أن الحديث عن إنتاج مسلسل عن الجاسوس الإسرائيلي الذي كشف في دمشق (إيلي كوهين) وأعدم في إحدي ساحاتها عام 1965 يتم تداوله حالياً في أوساط صناع الدراما السورية... دون أن ندري إن كان هذا المسلسل سيري النور أم لا.
وكان كوهين قد تخفي في زي رجل أعمال سوري قادم من الأرجنتين، واستطاع أن يتغلغل في مراكز النفوذ والنشاط في المجتمع السوري، وأن يحقق اختراقاً قوياً في بعض مراكز القرار... وأن ينقل معلومات عن تحركات الجيش السوري أفادت إسرائيل في حرب 1967 قبل أن يكشف أمره، ويتم القبض عليه، ثم تسجل وتبث محاكمته علي شاشة التلفزيون السوري الذي كان حديث العهد وقتذاك... وقد انتشرت في الشارع السوري حينها عبارة (اخراس ولاك داسوس) التي كان يوبخ فيها رئيس المحكمة كوهين كلما تفوه بكلمة لا تعجبه!
والواقع أن هذه الدراما التي يكتبها ضباط المخابرات، أو يلعبون فيها دور المستشار أو المشرف الدرامي بحكم الاختصاص ومعرفتهم بتفاصيل المهنة، تثير اهتمام المواطن العربي... الذي يري في هذا النشاط الصورة المشرقة الأخري لنشاط أجهزة المخابرات العربية، بعد أن التصق اسمها بالقمع الداخلي، ومراقبة نشاطات المواطنين، ووضع قيود علي تفكيرهم ومعتقداتهم وانتماءاتهم السياسية أكثر من أي شيء آخر!
تلعب دراما الجاسوسية علي أوتار الذكاء والعبقرية في لعبة التخفي... وتلعب علي أوتار الترقب والإثارة في مقاربة الخطر، وعلي أوتار الوطنية في اقتحام هذا الخطر في أكثر لحظاته توتراً وسخونة واقتراباً من الفشل أو الموت... وهذا يقدم أدوات هامة لصناعة الصراع النفسي داخل شخصية البطل، ولتفعيل الصراع الدرامي من حوله... لكنها في الوقت نفسه تضيع الخط الفاصل بين الخيال والواقع... فيفقد المشاهد الثقة في بعض أحداثها ومجرياتها، انطلاقاً من معرفته بشراسة وخطورة وحذر العدو المستهدف.
وبعد أن فقدت هذه الدراما بريقها سينمائياً علي يد نجمة الجماهير (نادية الجندي) التي لم تقصر في استثمار كل معطيات ومزايا هذه الدراما لصالح فبركة الصورة المثيرة التي تحب أن تظهر بها كنجمة سينمائية انتقلت من لعب أدوار الجنس والإثارة إلي حقل البطولات الوطنية في أفلام من قبيل (مهمة في تل أبيب) وسواها... وبعد أن تراجع وهج هذه الدراما تلفزيونياً بعد (رأفت الهجان) بسبب استسهال الأشقاء المصريين لعناصر الجودة الفنية في إنتاج هذه المسلسلات، واحترام أدق تفاصيل صناعتها الفنية... لا أدري إن كان الواقع العربي اليوم قد ساهم في إضعاف أثر هذه الدراما أيضاً.... الواقع الذي تدنت فيه سمعة أجهزة المخابرات العربية إلي الحضيض، بعد أن غدت أداة للقمع ومصادرة الحريات وحماية الأنظمة الحاكمة، أكثر من اهتمامها بحماية الأوطان واختراق جبهة العدو استخباراتياً!
ويبقي أن ننتظر مشروع المسلسل السوري عن الجاسوس الإسرائيلي (إيلي كوهين) لنري مرة أخري، كم تبدو دراما الجاسوسية قادرة علي إلهاب الشعور الوطني والقومي العربي، وعلي الاستئثار مرة أخري باهتمام المشاهد العربي وترقبه وتفاعله، ليري جانباً من خفايا صراع مرير، أسهمت في صنعه أحياناً كثيرة، رداءة الأوضاع الداخلية واضطرابها!
مظاهرة الحيوانات في غزة... أهو ظرف الاحتجاج؟!
مظاهرة الحيوانات التي نظمت أمام أحد مقرات الأمم المتحدة في غزة... والتي ظهرت فيها الحمير والجمال والمواشي وقد علقت علي ظهورها لافتات ضد الحصار الإسرائيلي، وضد تجويع الأطفال، وضد العقاب الجماعي... وقبل هذا كله ضد الصمت العربي والعالمي الذي يندي له جبين الإنسانية... هذه المظاهرة التي تأتي بعد مظاهرات عديدة سابقة للبشرمن الرجال والشبان، ثم مظاهرات للنساء... ثم مظاهرات للأطفال، تبدو أكثر من لفتة ذكية وطريفة كما يحلو لنا أن نتأملها في مرآة الصورة التلفزيونية الإخبارية!
شعرت بالخجل والعار عندما اتصل بي أحد الأصدقاء طالباً مني أن أشاهد هذه المظاهرة علي قناة الجزيرة أثناء بثها في إحدي نشرات الأخبار، وهو يستظرف الأمر!
فهل بلغت بنا بلادة الحس والشعور أن نتعامل مع هذه المعاني المؤلمة بإحساس فائق بالفكاهة؟!
وهل بلغ بنا العجز أن نقعد لنتفرج علي الحيوانات وهي تستخدم كوسيلة احتجاج... دون أن نشعر بفظاعة الحال التي وصل إليها أشقاؤنا الفلسطينيون تحت هذا الحصار الظالم؟!
حقا لا أجد ما أعبر فيه عن حالنا هذا سوي قول الشاعر أحمد مطر:
سواسية / نحن كأسنان كلاب البادية/ يصفعنا النباح في الذهاب والإياب/ يصفعنا التراب/ رؤوسنا في كل حرب بادية/ والزهو للأذناب!
مسلسل مكسيكي طويل!
بعد التأجيل السادس عشر في الحادي عشر من هذا الشهر... تحولت أزمة الرئاسة في القنوات التلفزيونية اللبنانية إلي مسلسل مكسيكي طويل، يغذي تلك المحطات بعشرات البرامج ومئات التقارير والتحليلات الإخبارية التي لو جمعت مدة بثها، لبدا مسلسل (كاسندرا) بحلقاته المائة والخمسين، مجرد فيديو كليب لا أكثر!
مسلسل الرئاسة اللبنانية، مصنوع وفق أسلوب الدراما اللبنانية القديمة التي عفا عليها الزمان، ويكاد أداء أبطاله يشبه ممثلي تلك الحقبة البائدة.... مسلسل تساهم في كتابة حلقاته قوي المعارضة والموالاة معاً، بأساليب واتجاهات متنافرة... وتلعب بعض الجهات الإقليمية دور المشرف الدرامي الذي يفسد بمقترحاته وشروطه التعجيزية كل السبل الممكنة لحل العقدة الدرامية... فيما تصبح النهاية السعيدة حلاً منبوذاً، بعد الوصول إلي نقطة اللاعودة في مسيرة لبنان التراجيدية!
أما السيد عمرو موسي أمين الجامعة العربية، فيلعب في هذا المسلسل دور المشاهد المتفائل... الذي يصر علي أن نهاية المسلسل ستأتي كما يحب، مهما اشتدت عقدة الصراع الدرامي، وطال أمده وسالت الدماء... مقتدياً بحكمة الأفلام الهندية التي يتواطأ صناعها مع مشاهديهم في بيع الوهم والنهايات السعيدة!
ناقد فني من سورية
[email protected]
*القدس العربي
التعليقات