هدى الرشيد.. أول مذيعة سعودية تعمل خارج العالم العربي

هدى الرشيد.. أول مذيعة سعودية تعمل خارج العالم العربي
غزة-دنيا الوطن

تعتبر الإذاعية السعودية، هدى الرشيد، هي أول إذاعية سعودية تعمل خارج الوطن العربي، حيث بدأ صوتها، من خلف ديسك قراءة نشرة الأخبار في إذاعة الـ «بي بي سي»، يَعْبُرُ البحار قادماً من العاصمة البريطانية لندن، إلى الصحاري العربية من المحيط إلى الخليج.. لكن إلى أي مدى كان يمكنها حجب مشاعرها عن مستمعيها وهي تذيع لهم الأخبار السارة والأخبار المفجعة، وكيف تعاملت، على مدى نحو 33 عاماً مع أحداث وصراعات في الشرق الأوسط والعالم، من موت زعماء إلى هزيمة دول وانتصار أخرى.. وهل تسبَّبَ كونها عربية، بل سعودية، في مشاكل لها لإقدامها على العمل في دولة أجنبية؛ مذيعة.. التفاصيل في هذا الحوار الذي أجرته معها «الشرق الأوسط» أثناء زيارتها أخيراً للعاصمة المصرية القاهرة.. > كيف كان شعورك وأنت تذيعين خبر وفاة ملك بلادك، الملك فيصل بن عبد العزيز عام 1975، خاصة أن حادث مقتله كان عقب وجودك في الإذاعة البريطانية بسنة واحدة تقريباً؟ ـ لم استطع ان أقرأ النشرة.. الإنجليز في هيئة الإذاعة البريطانية كانوا متفهمين لذلك.. نعم؛ كان ذلك بعد أقل من سنة من عملي في الـ «بي بي سي».. الخبر كان صدمة..الإنجليز في الإذاعة كانوا في حالة ذهول وحزن.. مدير الإذاعة جاء وعزَّاني.. لم استطع ان أقرأ النشرة في البداية، لكن بعد ذلك توليت إذاعة الفقرات، كنت أنعِّيه، يرحمه الله، كأني من إذاعة عربية سعودية، لا من الـ «بي بي سي»؛ والإنجليز تفهموا موقفي.. واحدة تُنعِّي ملكها.. كنت أقول على الهواء: مات مليكنا.. واستمرت تغطية حادث موت الملك فيصل في العديد من النشرات وكذلك متابعة عملية الدفن والتحقيقات والتأثير الإقليمي والدولي للحدث..

> هل موقف مسؤولي الإذاعة البريطانية من مشاعرك تجاه الملك الراحل عزَّز موقعك بالانتماء للمكان وعدم الشعور بتعصبه ضدك، مثلاً؟

ـ من البداية أنا لم أشعر أبداً بأن هناك تعصبا في المكان ضدي.. بالعكس، كان شعوري دائماً هو أنني في مدرسة وأتعلم.. يعني في فترة عملي بإذاعة جدة كنت أقدم برنامجا سياسيا عنوانه «القول والعمل».. كان هذا الشيء الوحيد الذي أشترك فيه مع مدير الإذاعة حينذاك، عبد الرحمن يغمور.. كان عملي محدودا والمجالات المتاحة للمرأة محدودة، لكن في الـ «بي بي سي» كنت موظفة.. هم علموني الدقة والقسوة في العقاب لكن بشكل مهذب يدفعني للبكاء وحدي.. لا تسامح في الخطأ أو في التأخير عن موعد العمل أو أي شيء.. يربونك على الوحدة ويعلمونك كيف تكون دقيقاً.. مثلاً مرة من المرات اخطأت وذكرت اسما آخر بدلاً من اسم فقرة «عالم الظهيرة»، وبعد انتهاء النشرة اعتذرت، لكن كان خطابهم معي قاسيا.. كنت أدخل الحمام وأبكي.. مرة أخرى تأخرت 5 دقائق.. تلقيت لوماً شديداً لكن بأدب.. ليست شتيمة، لكن تدرك من اللهجة ونبرة الصوت أن ما قمت به غير مقبول على الإطلاق.. كان هذا في السنة الأولى، وبعد ذلك اعترفوا بي، وصاروا «مبسوطين»..

> إلى أي مدى تستطيعين السيطرة على صوتك دون أن تظهر فيه نبرة تنم عن الحزن أو السعادة تجاه خبر ما؟ ـ أولاً هذا ممنوع منعاً باتاً.. وكثيراً ما أسيطر على صوتي، لكن حين أقرأ خبراً عن ما يتعرض له الفلسطينيون أشعر، ويشعر المستمعون، أن نبرة صوتي فيها بكاء.. الناس كانوا يرسلون كأنهم «مبسوطين» لأن صوتي كان كأنه يبكي.. رؤسائي كانوا مدركين أن هذا إحساس تلقائي لانه في مثل هذه الأحداث لا أملك السيطرة عليه. > كان هناك حدث مهم آخر في منتصف السبعينات أيضاً، وهو قرار أمريكا الانسحاب من حربها في فيتنام.. كيف كان وقع تناولكم الخبر؟ ـ القرار كان مفاجأة.. القوات الأمريكية ستغادر.. مديري ورؤسائي في العمل كانوا أوعى بالحدث، وكانوا جاهزين للتعامل معه.. جاءني الخبر وقرأته على الهواء وأنا غير مصدقة.. كنت سعيدة، لأنني شعرت أن شعباً ضعيفاً انتصر بإرادته..

> هناك حدث مهم ليس لدى العالم العربي فقط بل العالم أجمع تقريباُ، ألا وهو زيارة الرئيس المصري محمد أنور السادات للقدس عام 1977.. هل نعتبر هذا هو الحدث الثالث المهم الذي تتعاملين معه من الأستوديو منذ عملك بالـ «بي بي سي»؟

ـ أتذكر هذا اليوم جيداً.. أتذكر الجدل الذي دار بين العاملين معنا من الفلسطينيين والمصريين.. السادات أعلن يوم 19 نوفمبر (تشرين الثاني)، منذ 30 سنة، أمام البرلمان المصري، أنه مستعد للذهاب إلى إسرائيل.. الجو تكهرب في الإذاعة.. الكل في حالة ذهول.. كانت هناك أغلبية من الفلسطينيين والمصريين.. حتى المصريون كان أغلبهم في حالة ذهول.. الأغلب كان ضد زيارة السادات.. لكننا جميعاً أخفينا مشاعرنا، وتعاملنا مع الحدث بالحياد.. غطينا التطورات التي أحدثتها الزيارة في العالم العربي وردود الفعل وتحدثنا مع كل الأطراف.. الدول العربية كانت محتجة.. نقلنا خطاب السادات في القدس والتعليقات لمن هم ضده ومن هم معه.. > متى يتقرر في الـ «بي بي سي» إذاعة الخبر على الفور أو تأخير إذاعته.. يعني أحياناً لا نلاحظ ما يمكن أن نطلق عليه «السبق الإذاعي» في بعض الأحيان.. ما سبب ذلك، وكيف يتم ترتيب الأولويات للأخبار؟ ـ مثلاً في يوم حادث المنصة واغتيال الرئيس السادات ظللنا نراقب الوضع فقط.. مصادر كانت تقول لنا إنه توفي ومصادر تقول لا.. إلى أن أخذنا خبر إعلان وفاته رسمياً، بعد أن أعلن عنه في مصر مساء ذلك اليوم، رغم أن الواقعة كانت ظهراً.. الـ «بي بي سي» لا تذيع شيئاً إلا إذا كانت واثقة من صحته.. المصداقية قبل السبق الإعلامي.. أذكر هنا واقعة مهمة: كانت هناك إذاعات تبث خبراً عن مقتل اثنين في أحداث بلبنان، لكن الـ «بي بي سي» انتظرت إلى أن يوافيها مراسلوها بالحقيقة، وبعد أن نشرت الإذاعات الخبر فوجئ الجميع بأنه لم يكن حقيقياً.. أما بالنسبة لترتيب الأولويات في الأخبار، فإن الحدث هو الذي يفرض نفسه.. الأزمة اللبنانية الحالية، على سبيل المثال، لا تشكل أولوية.. الأولوية تكون في حالة وجود شيء مهم جداً.. لو وقعت اغتيالات مثلاً.. وترتيب خبر عن خطبة لحسن نصر الله، يكون في الدرجة الثانية أو الثالثة، لكن حين يقول كلاماً مهماً، سواء هو أو غيره، يكون المهم في كلامه في مقدمة نشرة الأخبار.

> هل أنت أول صوت سعودي يذهب للعمل في إذاعة بالخارج؟

ـ كان أول صوت.. لم يكن هناك قبلي لا رجل ولا امرأة.. أذكر في البداية في ذلك الوقت أنه جاء للـ «بي بي سي»، صوت رجل واحد، للمذيع السعودي علي البعداني، وما تحمل ورجع.. كان «البعداني» جارنا في السكن بالسعودية، وكان يعمل في الإذاعة السعودية، وساعدني في التجربة الصوتية، وشغَّلني في الإذاعة السعودية، قبل أن انتقل للـ «بي بي سي».

> ما قصة انتقالك من السعودية للندن مباشرة.. يعني ماذا كنتِ تعملين في السعودية قبل انتقالك للندن؟

ـ في ذلك الوقت كنت اشتغلُ في الإذاعة السعودية كمتعاونة لمدة سنتين.. وفي آخر السنة الثانية جاءتني فكرة أن آخذ «كورس لغة» في بريطانيا في الصيف.. وبالمصادفة كانت المشرفة على «برنامج الكورس» زوجة المذيع المعروف، منير شمة.. وبما أنني أعمل بإذاعة جدة، قلت لها ليت زوجك ينظم لي زيارة لاستوديوهات الـ «بي بي سي»، وحضور تسجيل البرامج والأخبار.. وهو ما حدث، حيث فوجئت بأنهم، في الـ «بي بي سي»، جاءوا لي بعرض وظيفة، فقلت لهم، إذ كنت على وشك الانتهاء من «كورس اللغة»، والعودة بعد يومين إلى السعودية، ففوجئت مرة أخرى بأنهم يقولون لي: «ما يهم.. تعملي اختبار الوظيفة في القنصلية البريطانية بجدة.. نحن محتاجون لمذيعين، ويا حبذا لو كان صوتا نسائيا».

> ماذا كان موقف أسرتك من هذه الوظيفة، في ذلك البلد البعيد؟

ـ أنا طبعاً، حين وافقت على ملء بياناتي في عريضة الوظيفة، لم أكن قد استشرت أخي ولا أبي، ولا أحدا.. لكن كنت خائفة من أبي الذي كان يعمل في دمشق، وقلت لأخي: أنا عندي فكرة أروح الـ «بي بي سي».. قال: «إذا أبوك ما عنده مانع أنا ما عندي مانع..»، وهو ما قاله لي أبي أيضاً.. كنا في الصيف حين أخبرتني القنصلية البريطانية بجدة بأنني نجحت وعليه كنت في الـ «بي بي سي»، يوم 10 سبتمبر عام 1974.

> ماذا عن الحياة الخاصة؟

ـ قليلة.. ثم أنا لست اجتماعية كثيراً.. أحب الناس لكن ممكن أعيش مع نفسي.. وأول شيء سأقوم به بعد أن أترك الـ «بي بي سي» هو أن أعيش حياتي وأتعلم البيانو..

التعليقات