صراع على شخصية محمد علي باشا

صراع على شخصية محمد علي باشا
غزة-دنيا الوطن

يبدو أن الدراما ستتفوق على التاريخ وتعيد الاعتبار - دون قصد - لأسرة محمد على باشا والذي يعرف بباني مصر الحديثة بعد أن وضع أسس وقواعد للدولة مازالت راسخة حتى وقتنا الحالى ، وهو ما قد بدا من قبل جهات الإنتاج وصناع الدراما المصرية علي على أثر النجاح الساحق الذي حققه مسلسل الملك فاروق في رمضان الماضى ، والذي فتح الشهية لتيارات فكرية وسياسية حالية ترى أن ثورة يوليو سلبت الكثير من ممتلكات الأسرة العلوية واستولت عليها بدوافع وحسابات السياسة مستغلة الظرف التاريخي الذي كانت تمر به البلاد في النصف الثاني من القرن العشرين عندما تم تسليط الضوء على مساؤىتلك الحقبة - فقط دون غيرها - في ظل ثورة يوليو وتحت شعارات : تحقيق العدالة الاجتماعية والحرية عبر لغة حماسية حتى يعلم الشعب أن الثورة إنما جاءت لتخلصهم من ظلم واستبداد أسرة محمد علي.

هل التاريخ اليوم يراجع نفسه حقا ؟ أوأن نشوى ماجرى في درما فاروق فتحت بابا مواربا بشكل مؤقت لرصد حالة العداء مع تلك الحقبة وسرعان ماتتلاشى ؟ أم هناك من يسعى سعيا حثيثا لرد الاعتبار في محاولة للي عنق الحقيقة ؟ أسئلة كثيرة أصبحت مطروحة الآن في صحف مصرومجلاتها وبرامجها التليفزيونية صنعت حالة من الجدل والنقاس العلني في ظل الفضاء المفتوح على الحرية بلا حدود ، بعد أن خرج مسلسل الملك فاروق إلى النور في تحفة درامية أسرت كثيرين من الشاب والكبار في مصر من الذين لم يعصروا ملك مصر الشاب الذي اتهم بالرعونة والمجون بينما جسده السوري تيم حسن دراميا في صورة رومانسية حالمة داعبت خيال الكبار وخطفت قلوب المراهقين من أبناء مصر في ظل التراجع السياسي والاقتصادي ، الأمر الذي جعل ثلاث جهات انتاجية تتصارع حاليا على تقديم ثلاثة أعمال درامية تروي سيرة محمد علي باشا مؤسس مصر الحديثة الأول وهى عبارة عن شريط سينمائي تقوم بإنتاجه شركة جودنيوز، تأليف د. لميس جابر وبطولة يحيى الفخراني وإخراج حاتم علي وديكور وملابس أنسي أبوسيف ، والثاني مسلسل درامي من تأليف الكاتب الكبير أبوالعلا السلاموني وإنتاج مدينة الإنتاج الإعلامي، والثالث عرض مسرحي يعرض حاليا على مسارح الدولة بعنوان ( رجل القلعة).

عن هذا التوجه تقول الدكتورة لميس جابر مؤلفة فيلم محمد علي لـ ( إيلاف) ويعلو وجهها ابتسامة عريضة يبدو أن المسئولين عن الإنتاج فتحت شهيتهم على مصراعيها بعد النجاح الكبير الذي حققه مسلسل الملك فاروق الذي قمت بتأليفه ، وبعيدا عن هذا وذاك فإن حياة محمد علي باشا ثرية وتستحق أكثر من عمل درامي ولكل عمل جمهوره وبالتأكيد سيختلف الفيلم عن المسلسل حيث أن الفيلم يحتاج إلى تكثيف وتركيز في الأحداث ولا تزيد مدة عرضه عن ساعتين في حين تتعدى مدة عرض المسلسل 20 ساعة ، ورغم هذا الثراء في شخصية مؤسس مصر وصانع نهضتها فلا أحب الغوص في مناطق جافة من التاريخ لذا آثرت التركيز في فيلمي علي الجانب الإنساني في حياة محمد علي الذي آراه الأكثر بروزا من أية جوانب أخري تتعلق بالسياسة ووضع أسس الدولة والحكم ، وعبر قراءاتي المتعددة عشقت هذا الرجل لأنه شخص ساحروعبقري ولديه إنتماء وحب جارف لمصر ، يكفي أنه عندما ذهب إلى موطنه الأصلي ( كولة ) في زيارة أقام فيها سبيلا وكتابا لحفظ القرآن يتبع الأوقاف المصرية في القاهرة ، وهو نفس مافعله بعد ذلك في السعودية واهتمامه البالغ بالبيت الحرام في مكة المكرمة ، أيضا لفت نظري في شخصيته التي تبدو غامضة حرصه الكبير على تعليم أولاده فكرة الاعتماد على النفس .

وتفجر لميس مفاجأة بقولها لقد تم عرض بطولة المسلسل الذي كتبه السلاموني على زوجي الفنان يحيى الفخراني منذ سنوات طويلة لكنه رفض تجسيده لأن القائمين عليه كانوا يريدون عرض المسلسل على جزئين وخشى – يحيي - من عدم التزام الشركة المنتجه بتكملة الجزئين ، وبالتالي لا تصل رسالته كاملة ، خاصة وأن كثير من المنتجين في مصر يهربون من تقديم الأعمال التاريخية لأنها من وجهة نظرهم لا تحقق نسبة مشاهدة عالية وغير جاذبة للإعلانات ، وتوقف المشروع عند هذا الحد إلى أن فؤجئت كغيري بعودة المشروع إلى الحياة مرة أخرى منذ أيام وأتمنى أن يخرج للنور بأسرع وقت ممن ولا يتعرض الأستاذ أبو العلا السلاموني للمعاناة مع جهات الإنتاج كما عانيت في مسلسل الملك فاروق خاصة وأنه ظل لعشر سنوات يبحث عن شركة انتاج مثلى تماما.

من جانبه نفى الكاتب أبوالعلا السلاموني أن يكون النجاح الكبير الذي حققه الملك فاروق كان دافعه الأساسي وراء تقديم مسلسل محمد علي مؤكدا : لقد إنتهيت من كتابة هذا العمل منذ حوالى عشر سنوات فعلا وكان من المقرر أن يقوم بإخراجه المخرج الراحل حسام الدين مصطفى ، لكن مدينة الإنتاج الإعلامي لم تتحمس وقتها للمسلسل خوفا من إرتفاع ميزانيات الأعمال التاريخية ، وأشار السلاموني إلى أن أحداث المسلسل تبدأ منذ لحظة قدوم محمد علي عام 1801 إلى مصر ضمن قوات الجيش العثماني وحتى عام 1841 حين تحقق استقلال مصر والسودان بصدور فرمان من الباب العالي رضوخا لإرادة الشعب المصري الذي قررعزل الوالي العثماني خورشيد باشا وتعيين محمد علي حاكما عليه ، والمسلسل في مجمله يرصد صفحة مشرقة من تاريخ مصر وهي فترة خروجها من ظلمات الحكم العثماني واستقلالها ، ثم حكم محمد علي وتحقيق نهضة حضارية كبيرة أهم سماتها الاستقلال وتحقيق إصلاح إقتصادي وشق الترع وبناء الجسور والقناطر الخيرية وإرسال بعثات تعليمية إلى فرنسا .

وأوضح السلاموني أن المسلسل لا يتبنى وجهة نظر مدافعة عن محمد علي بشكل كامل بقدرما يقدم سردا تاريخيا لأحداث تلك الفترة بموضوعية بكل سلبياتها ، وأهمها استبداده وقضاؤه على مجلس العلماء الذي رشحه للحكم حيث شرد ونفى معظمهم لدرجة أنه نفى نقيب الأشراف عمر مكرم ، وفوق كل ذلك فإن المسلسل يرصد أهم 40 عاما فى تاريخ مصر خلال 22 ساعة إنتاجية هي مدة المسلسل ، وهي مهمة شاقة خاصة أن تلك الفترة مليئة بالمعارك والحروب ، حاول محمد علي من خلالها توسيع رقعة حكمه حيث ضم كثير من المناطق العربية تحت نفوذه وسيطرته كالجزيرة العربية واليمن وسوريا ولبنان والشام وفلسطين وصولا لتركيا لكن الجيوش الأوروبية تحالفت مع الباب العالي ضده وحاصرته إلى حدود مصر مرة ثانية .

التعليقات