فيلدا سمور لدينا الوطن: أحب أن أدعى ممثلة مسرحية

دمشق – دنيا الوطن – محمد أنور المصري
فنانة سورية تشربت عذابات الوجد والوله لعاشق أحبته وأخلصت له منذ الصغر، بل منذ أن وعت، التصقت به كما العلامة الفارقة في الوجه، أخذتها هموم الحياة والتزامات العمل الفني بشتى ألوانه وأنماطه، لكنها لم تخرج عن مسامات حبه، إنه المسرح الذي تجد نفسها ملكة فوق خشبته، تلوذ به كما يلوذ الطفل بحضن أمه لم تشب عن طوق رهبته، على الرغم من تقادم الخبرة وتنوع المعرفة واحتراف الأداء الدرامي الآخر، لكنها بين الحين والآخر تخرج عن صمت عبودية الفن وتقول رأيها في ما آل إليه حال أدواته، مسرحياً وتلفازياً وسينمائياً، وها هي اليوم تستعيد عافية الصحوة لما تحب عبر دنيا الوطن التي تكن لأسرة تحريرها كل المودة والاعتزاز، فكان معها الحوار الآتي:
+ كيف ترى الفنانة فيلدا سمور الحركة المسرحية في سورية وهي ممثلة مسرحية في المقام الأول وبامتياز؟
++ أشكرك.. لأنني أحب أن أُدعى ممثلة مسرحية وبامتياز، ثم إن المسرح كان وما يزال وسيبقى، قد تكون الحركة المسرحية غير معافاة تماماً في مرحلة ما، لكن ما يجعلنا متفائلين هو أن ثمة حركة مسرحية ومبادرات يقودها العديد من الشباب، فقد قدَّموا عروضاً مبشرة بالخير، ضمن فعاليات المهرجان المسرحي الأخير مثلاً، وتميزت بفنيات وإمكانات جميلة، لكن تلك الحركة لم تبلغ مستوى "الظاهرة" حتى الآن، فالصعوبات والمعوقات التي تعترض العمل المسرحي كثيرة، فليس بالمستطاع مثلاً استقطاب الممثلين والفنيين للعمل معك لمجرد حبهم فقط بالعمل المسرحي دون أن يكون هناك مردود مادّي.
+ قبل شهور كان مهرجان دمشق المسرحي وهو ظاهرة مسرحية عربية بارزة كيف تقيِّمينه من حيث التنظيم والعروض؟
++ لقد شاهدت عروضاً مسرحية (شبابية) رائعة ذات طاقات إبداعية واعدة، فالمسرحيون الشباب يعملون حباً بالمسرح وبحماس دون انتظار لمردود مادّي. أقدّر جهودهم وأقبل وجوههم وأوجّه لحبهم وإخلاصهم للمسرح ولإحساسهم بروعته. أما في ما يتعلّق بتقييمي للمهرجان فإن تنظيم العروض فيه للأسف كان دون المستوى، فلا دقّة في المواعيد، تذهبين لحضور عرض في السادسة فتفاجَئين بأنه بدأ في الخامسة.
+ ما أهمية المهرجانات المسرحية المحلية في سورية إذ أصبح تقريباً لكل محافظة مهرجانها المسرحي؟
++ لهذه المهرجانات أهمية كبيرة بالرغم من محليتها الضيقة، وأتمنى خروجها من نطاقها المحلي إلى العربي والدولي باستقدام فرق مسرحية عربية وعالمية، فهذه المهرجانات تفتح الآفاق للفرق المسرحية للتعلّم من تجارب بعضها البعض، لكونها الوسيلة الوحيدة للتطور لعدم توفر الأكاديميات وإمكانية مشاهدة العروض العالمية.
ففي مثل هذه المهرجانات يتم تبادل الخبرات والتجارب، أتمنى استمرارها لما فيها من فائدة تعود على الحركة المسرحية في بلدنا.
+ أين ترى فيلدا سمور نفسها في المسرح أم التلفزيون أم السينما؟
++ إنني أعشق المسرح بالرغم من أنني أنقطع عنه أحياناً لأسباب لا تتعلق بي، بل بالقائمين على إدارة دفّة العمل المسرحي وعدم تنظيمهم له بالشكل المطلوب.
ولكي أكون صادقة أقول إنني أحب الأُطر الفنية الأخرى أيضاً، كالتلفزيون والسينما والإذاعة، بمعنى آخر أحب عملي جداً، فمنذ وعيت لم أعشق سوى هذه المهنة، فأنا أجد نفسي في العمل الجيد الذي أستمتع فيه بأدائي، لكنني بصراحة أجد نفسي ملكة على خشبة المسرح.
+ أنت مقلّة في التلفزيون، ولم نعد نراك منذ فترة في المسرح أيضاً. ما الأسباب؟
++ قد تكون الأسباب متعلقة بالفوضى التي تعمّ وضعنا الفني الذي لست راضية عنه، فهناك خطأ يدعوني إلى إظهار عتبي. فالدراما السورية تطورت، وتوجهت بقوة نحو الأمام عربياً وعالمياً، وهذا صحيح في ما يتعلق بمجموعة من جيل الشباب المبدعين الذين نحبهم لأنهم أثبتوا جدارتهم بأعمالهم، أما الفوضى التي أشرت إليها فهي تسيء إلى جيلنا، ولاسيما جيل السيدات، لشعورنا بالظلم فالعمل الفني باتت حركته ضمن تشكيلة (قبلية) لا فنية.. للأسف. فأكثر القائمين على تنفيذ الأعمال الفنية يتميزون بمزاجية الاختيار، فلا يعملون إلا مع مجموعة يرتاحون إليها، فيستبعدون التي لا تلائم مزاجيتهم ولا ينسجمون معها، قد يصح مثل هذا المنطق في حال كونهم يخططون للقيام برحلة جماعية. وقد يكون ارتياح عناصر مجموعة فنية لبعضها البعض وارداً، لكن في النهاية هناك عمل فني يستوجب تنظيماً منطقياً، فهناك فنانون وفنانات لهم تجارب متميزة لها أهميتها من العدل منحهم فرصتهم دون أن تستبعدهم تلك المزاجيات. أتحدث عن جيلنا فأقول إن عدده قليل جداً قياساً بالكم المنفَّذ من الأعمال الدرامية، فبأي منطق تُمنح واحدة من جيلنا سبع فرص في سنة واحدة في حين تُحجب عن ثلاث أو أربع أية فرصة؟ ما المنطق الذي يتحكم في هذه المزاجية الانتقائية؟ وأين المعايير النقدية والفنية؟ سؤالك هذا يعنيني كثيراً لأنه يلامس همّي اليومي الذي أقضي وقتي تحت ثقله، فالعمل الفني بالنسبة إلينا ليس مجرد هواية نمارسها للترفيه عن أنفسنا أو وملء أوقات فراغنا، وتهميش الفنان بعد ثلاثين سنة من العمل الفني المتواصل يقصم الظهر ويقتل الروح، فتهميش الفنان وهو ما يزال في أوج عطائه وتألقه يجعله يصاب بخيبة أمل كبيرة. صحيح أن عملي الفني يحقق لي المتعة والسعادة من خلال أدائي له لكنه في الوقت نفسه يحقق لي مورداً مالياً، فهو مهنتي، وأن أُهمَّش وأنا في أوج عطائي يعني قتلي نفسياً ومادياً إرضاءً لأمزجة شركات الإنتاج وبعض المخرجين وموزعي الأدوار (من تحت الطاولة)، ولأنني فنانة أحترم عملي ومواعيدي، ولأنني صادقة وطيبة وأتعامل مع الآخرين بكل شفافية ورقيّ فإن جزائي هو حرماني من أية فرصة كغيري من اللواتي يبقين بلا عمل.
+ ما أهم المحطات المسرحية في حياتك، وأهم المخرجين المسرحيين الذين عملت معهم؟
++ إن أهمها مرحلة المسرح الجامعي وهي مرحلة تأسيس بالنسبة لي ولجيلنا. فنحن لم ندرس في المعهد العالي لكونه تأسس في الفترة التي كنا ننتمي فيها للمسرح الجامعي كطلاب. كانت مرحلة تدريبية وصعبة لأننا كنا دون مورد مالي ونعمل دون أجر كفرقة هواة. وكان اتحاد الطلبة يستقدم مخرجين ممن درسوا الإخراج في مختلف أنحاء العالم كانوا (مدرسة بكل معنى الكلمة)، فقد بذلوا كل جهدهم لتدريبنا وتثقيفنا نظرياً وعملياً، فكانت كل مسرحية ورشة عمل قاسية نتقيد فيها بنظام صارم، ننفذ فيها كل التفاصيل التي يتطلبها العمل بكل دقة كالتدرُّب على الأداء والحركة والإلقاء والعمل على مخارج الحروف وتقمص الشخصيات وغير ذلك ودون تهاون من المخرج، حتى إننا كنا نؤدي (بروفة) المسرحية لمدة أربعة أشهر متواصلة، ولم نكن نصعد إلى خشبة المسرح إلا بعد إتقان أدوارنا بشكل صحيح. لقد أفادتني تجربة المسرح الجامعي فائدة كبيرة لأنطلق نحو الاحتراف. ولا أستطيع هنا نسيان ذكر المخرج المبدع المرحوم فواز الساجر الذي كان له الدور الأكبر والمؤثر في تأسيسي وتأسيس فرقة المسرح الجامعي كذلك، وقد دام تأثّري ذلك لسنوات طويلة.
+ ما أبرز أدوارك في الدراما التلفزيونية التي وجدتِ فيها نفسك والمخرجين الذين ارتحتِ في العمل معهم؟
++ هناك أعمال تركت في ذاكرتي أثراً خاصاً، منها مسلسل (أزواج) الذي أديت فيه دور الزوجة اللطيفة الأنيقة. ومن المخرجين الذين أرتاح للعمل معهم المخرج نجدة أنزور الذي له طريقته الخاصة في الإبداع والتألق، وقد عملت معه في مسلسل (العوسج). وكذلك أرتاح للعمل مع المخرج علاء الدين كوكش وقد عملت معه في الجزء الثاني من مسلسل (أبو كامل)، ومؤخراً عملت في مسلسل (لا مزيد من الدموع) حيث أديت دور المرأة السليطة.
+ أصبح للدراما السورية حضور جيد في القنوات العربية وخاصة التاريخية. كيف تقيِّمين هذه الحالة؟
++ الدراما السورية متميزة وذات انتشار واسع فهناك أعمال جميلة جداً من حيث النص والإخراج ومجموعة الممثلين، وحين أشاهد عملاً من تلك الأعمال تغمرني السعادة، وإنْ لم أكن مشاركة فيه، فهو يعنيني بشكل أو بآخر لأن من أخرجوه إلى النور هم أصدقاؤنا وأولادنا الذين أفتخر بهم. لكن هناك، في الوقت نفسه أعمال دون المستوى المطلوب، وأتمنى أن تكون كل الأعمال متميزة لتبقى صورة الدراما السورية ناصعة تعكس قدرات مبدعينا الحقيقية، أما المسلسلات التاريخية فأحبها وأستمتع بمشاهدتها أو العمل فيها على أن تتسم بمصداقية الرؤية التاريخية، فمسلسل (الزير سالم) مثلاً حقق نجاحاً شعبياً واسعاً لأنه يعالج سيرة ارتبطت بوجدان الناس كقصة اعتادوا على سماعها وحكايتها عبر السنين.
إن المشكلة التي يعانيها بعض الأعمال التاريخية تتمثل في اختراع أحداث تاريخية افتراضية لا تستند إلى مرجعية تاريخية موثقة، وبالتالي فهناك أعمال تستخف عقول الكثير من المشاهدين وثقافتهم فيشعرون بكونها كذبة، لذا ينفرون من مشاهدتها.
+ لقد كنت عضواً في أكثر من لجنة تحكيم في عدد من المهرجانات المسرحية. برأيك هل لجان التحكيم منصفة وعادلة في النتائج والجوائز؟
++ الحقيقة أن لجان التحكيم موضوعية إلى حدٍّ كبير، فإن كانت هناك مراعاة من نوع ما وبحدود ضيقة جداً فإنها لغاية إيجابية ونبيلة وليست لغرض آخر، فربما تكون لتشجيع شخص ذي طاقة إبداعية يستحق التشجيع كحافز على تفجير تلك الطاقة.
+ ما الأدوار التي تودين أداءها على المسرح ولم تقدميها حتى الآن؟
++ إن كل الأدوار التي أديتها حتى الآن لم تحقق إلا القليل مما طمحت إليه مسرحياً، فإن طموحي أكبر مما قدمته بكثير. أما الأدوار التي أودّ أداءها فلا تنحصر في شخصيات معينة، فأنا أحب لعب دور أية شخصية فيها تألق وتحدٍّ، وتحفّزني على مزيد من العطاء والإبداع وإثبات قدراتي، فما يزال طموحي كبيراً.
+ كيف ترين دور مديرية المسارح والمسرح القومي في تنشيط الحركية المسرحية؟
++ إنني أنتمي للمسرح القومي رسمياً وفنياً، لكن هناك مشكلة أساءت لنشاط هذا المسرح في السنوات الأخيرة وهي تعددّ الإدارات القائمة على تسيير أموره وتغييرها بسرعة، وهذا ما سبب حالة من عدم الاستقرار ووضعاً قلقاً فلا يمكن تحقيق حالة مسرحية مستقرة في ظل وضع إداري غير مستقر.
أما حالياً فأنا متفائلة بالقائمين على إدارة الشأن المسرحي، وأذكر منهم وبكل محبة مدير المسرح القومي الحالي الفنان نضال سيجري، ومدير مديرية المسارح الدكتور عجاج سليم، وتفاؤلي نابع من إيماني بقدرتهما مع الآخرين، على تحمل المسؤولية الصعبة الملقاة على عاتقهما لتجاوز المصاعب والنهوض من جديد بالنشاط المسرحي وتطويره والوصول به إلى ما يلبي رغبة المهتمين بالمسرح والعاملين في حقله.
+ ما تقييمك للمسرح العربي عامة ؟
++ من خلال متابعتي للعديد من المهرجانات عربية ودولية أستطيع القول إن المسرح العربي كان ذا مستوى جيد ومقبول. فهناك مثلاً المسرح المصري المعروف بعراقته، والمسرح التونسي الأهم عربياً لتطوره، ففي تونس فرق مسرحية كبيرة، وكل فرقة أهم من الأخرى ولديهم ممثلون مذهلون، فليس ثمة مسرحية تونسية إلا وتلمس فيها تألقاً إبداعياً متميزاً. ومن أشهر الفرق المسرحية التونسية: فرقة (محمد إدريس) وفرقة (رجاء بن عمار) وغيرهما.
أما الجدير بالذكر هنا هو تراجع المستويات الثقافية والفكرية والفنية، والحالة المسرحية ضمناً، في المنطقة العربية عامة، والسبب يعود إلى الأوضاع الصعبة التي تمر بها المنطقة اجتماعياً وسياسياً واقتصادياً وأمنياً بتأثير من التدخلات الأجنبية وإثارة الحروب والفتن الداخلية التي من شأنها جعل إنساننا العربي يعيش حالة من اليأس والإحباط والشعور بالهزيمة وهو يرى بالصوت والصورة، وبكثير من القلق والحزن، الجرائم التي ترتكب بحق إخوتنا وأبنائنا، فكيف يعمل مبدعونا ومثقفونا في مثل هذا المناخ القاتم؟ وكيف يتقدم المسرح ويتطور وسط هذه الأوضاع المأساوية؟ أما في ما يتعلق بالمسرح العراقي فإني شاهدت بعض عروضه، فالفنان العراقي ذو حس مرهف وحبه للمسرح كبير. وهناك مسرحيون عراقيون متميزون لهم مكانتهم وبصمتهم المسرحية عربياً، منهم (يوسف العاني-عزيز خيون-محمود أبو العباس-سامي قفطان-عواطف نعيم-إقبال نعيم) والمخرج المبدع (جواد الأسدي)، ولكنهم في رأيي يعملون كما لو كانوا في مرحلة الستينيات، إنهم فنانون مبدعون وفي غاية الشفافية، لذا عليهم تطوير المسرح العراقي ليواكب تطور المسرح العالمي، وأتمنى أن يحمل جيل الشباب العراقي مسؤولية تطوير الحركة المسرحية العراقية متجاوزين المصاعب التي يفرزها الوضع المأساوي في العراق الشقيق.
+ كلمة أخيرة لجريدة "للدنيا دنيا الوطن " ولجمهورك؟
++ "الدنيا" صحفية جميلة غنية بموضوعات تخاطب بها عقل القارئ وتحترمه، وهذا رأي الكثير من جمهور قرائها، فهي تتمتع بالمصداقية في ما تطرحه. إنها صحفية ناجحة يعمل في تحريرها كادر صحفي جيد وناجح، وأقدم تحياتي بكل احترام إلى أسرة تحريرها وأقول: استمروا وطوروا عملكم بقدر ما تستطيعون.
ولجمهوري المحبّ أقول: اعذروني إن ابتعدت عنكم وأنا حزينة لذلك لكوني لست صاحبة قرار الابتعاد.
[email protected]
فنانة سورية تشربت عذابات الوجد والوله لعاشق أحبته وأخلصت له منذ الصغر، بل منذ أن وعت، التصقت به كما العلامة الفارقة في الوجه، أخذتها هموم الحياة والتزامات العمل الفني بشتى ألوانه وأنماطه، لكنها لم تخرج عن مسامات حبه، إنه المسرح الذي تجد نفسها ملكة فوق خشبته، تلوذ به كما يلوذ الطفل بحضن أمه لم تشب عن طوق رهبته، على الرغم من تقادم الخبرة وتنوع المعرفة واحتراف الأداء الدرامي الآخر، لكنها بين الحين والآخر تخرج عن صمت عبودية الفن وتقول رأيها في ما آل إليه حال أدواته، مسرحياً وتلفازياً وسينمائياً، وها هي اليوم تستعيد عافية الصحوة لما تحب عبر دنيا الوطن التي تكن لأسرة تحريرها كل المودة والاعتزاز، فكان معها الحوار الآتي:
+ كيف ترى الفنانة فيلدا سمور الحركة المسرحية في سورية وهي ممثلة مسرحية في المقام الأول وبامتياز؟
++ أشكرك.. لأنني أحب أن أُدعى ممثلة مسرحية وبامتياز، ثم إن المسرح كان وما يزال وسيبقى، قد تكون الحركة المسرحية غير معافاة تماماً في مرحلة ما، لكن ما يجعلنا متفائلين هو أن ثمة حركة مسرحية ومبادرات يقودها العديد من الشباب، فقد قدَّموا عروضاً مبشرة بالخير، ضمن فعاليات المهرجان المسرحي الأخير مثلاً، وتميزت بفنيات وإمكانات جميلة، لكن تلك الحركة لم تبلغ مستوى "الظاهرة" حتى الآن، فالصعوبات والمعوقات التي تعترض العمل المسرحي كثيرة، فليس بالمستطاع مثلاً استقطاب الممثلين والفنيين للعمل معك لمجرد حبهم فقط بالعمل المسرحي دون أن يكون هناك مردود مادّي.
+ قبل شهور كان مهرجان دمشق المسرحي وهو ظاهرة مسرحية عربية بارزة كيف تقيِّمينه من حيث التنظيم والعروض؟
++ لقد شاهدت عروضاً مسرحية (شبابية) رائعة ذات طاقات إبداعية واعدة، فالمسرحيون الشباب يعملون حباً بالمسرح وبحماس دون انتظار لمردود مادّي. أقدّر جهودهم وأقبل وجوههم وأوجّه لحبهم وإخلاصهم للمسرح ولإحساسهم بروعته. أما في ما يتعلّق بتقييمي للمهرجان فإن تنظيم العروض فيه للأسف كان دون المستوى، فلا دقّة في المواعيد، تذهبين لحضور عرض في السادسة فتفاجَئين بأنه بدأ في الخامسة.
+ ما أهمية المهرجانات المسرحية المحلية في سورية إذ أصبح تقريباً لكل محافظة مهرجانها المسرحي؟
++ لهذه المهرجانات أهمية كبيرة بالرغم من محليتها الضيقة، وأتمنى خروجها من نطاقها المحلي إلى العربي والدولي باستقدام فرق مسرحية عربية وعالمية، فهذه المهرجانات تفتح الآفاق للفرق المسرحية للتعلّم من تجارب بعضها البعض، لكونها الوسيلة الوحيدة للتطور لعدم توفر الأكاديميات وإمكانية مشاهدة العروض العالمية.
ففي مثل هذه المهرجانات يتم تبادل الخبرات والتجارب، أتمنى استمرارها لما فيها من فائدة تعود على الحركة المسرحية في بلدنا.
+ أين ترى فيلدا سمور نفسها في المسرح أم التلفزيون أم السينما؟
++ إنني أعشق المسرح بالرغم من أنني أنقطع عنه أحياناً لأسباب لا تتعلق بي، بل بالقائمين على إدارة دفّة العمل المسرحي وعدم تنظيمهم له بالشكل المطلوب.
ولكي أكون صادقة أقول إنني أحب الأُطر الفنية الأخرى أيضاً، كالتلفزيون والسينما والإذاعة، بمعنى آخر أحب عملي جداً، فمنذ وعيت لم أعشق سوى هذه المهنة، فأنا أجد نفسي في العمل الجيد الذي أستمتع فيه بأدائي، لكنني بصراحة أجد نفسي ملكة على خشبة المسرح.
+ أنت مقلّة في التلفزيون، ولم نعد نراك منذ فترة في المسرح أيضاً. ما الأسباب؟
++ قد تكون الأسباب متعلقة بالفوضى التي تعمّ وضعنا الفني الذي لست راضية عنه، فهناك خطأ يدعوني إلى إظهار عتبي. فالدراما السورية تطورت، وتوجهت بقوة نحو الأمام عربياً وعالمياً، وهذا صحيح في ما يتعلق بمجموعة من جيل الشباب المبدعين الذين نحبهم لأنهم أثبتوا جدارتهم بأعمالهم، أما الفوضى التي أشرت إليها فهي تسيء إلى جيلنا، ولاسيما جيل السيدات، لشعورنا بالظلم فالعمل الفني باتت حركته ضمن تشكيلة (قبلية) لا فنية.. للأسف. فأكثر القائمين على تنفيذ الأعمال الفنية يتميزون بمزاجية الاختيار، فلا يعملون إلا مع مجموعة يرتاحون إليها، فيستبعدون التي لا تلائم مزاجيتهم ولا ينسجمون معها، قد يصح مثل هذا المنطق في حال كونهم يخططون للقيام برحلة جماعية. وقد يكون ارتياح عناصر مجموعة فنية لبعضها البعض وارداً، لكن في النهاية هناك عمل فني يستوجب تنظيماً منطقياً، فهناك فنانون وفنانات لهم تجارب متميزة لها أهميتها من العدل منحهم فرصتهم دون أن تستبعدهم تلك المزاجيات. أتحدث عن جيلنا فأقول إن عدده قليل جداً قياساً بالكم المنفَّذ من الأعمال الدرامية، فبأي منطق تُمنح واحدة من جيلنا سبع فرص في سنة واحدة في حين تُحجب عن ثلاث أو أربع أية فرصة؟ ما المنطق الذي يتحكم في هذه المزاجية الانتقائية؟ وأين المعايير النقدية والفنية؟ سؤالك هذا يعنيني كثيراً لأنه يلامس همّي اليومي الذي أقضي وقتي تحت ثقله، فالعمل الفني بالنسبة إلينا ليس مجرد هواية نمارسها للترفيه عن أنفسنا أو وملء أوقات فراغنا، وتهميش الفنان بعد ثلاثين سنة من العمل الفني المتواصل يقصم الظهر ويقتل الروح، فتهميش الفنان وهو ما يزال في أوج عطائه وتألقه يجعله يصاب بخيبة أمل كبيرة. صحيح أن عملي الفني يحقق لي المتعة والسعادة من خلال أدائي له لكنه في الوقت نفسه يحقق لي مورداً مالياً، فهو مهنتي، وأن أُهمَّش وأنا في أوج عطائي يعني قتلي نفسياً ومادياً إرضاءً لأمزجة شركات الإنتاج وبعض المخرجين وموزعي الأدوار (من تحت الطاولة)، ولأنني فنانة أحترم عملي ومواعيدي، ولأنني صادقة وطيبة وأتعامل مع الآخرين بكل شفافية ورقيّ فإن جزائي هو حرماني من أية فرصة كغيري من اللواتي يبقين بلا عمل.
+ ما أهم المحطات المسرحية في حياتك، وأهم المخرجين المسرحيين الذين عملت معهم؟
++ إن أهمها مرحلة المسرح الجامعي وهي مرحلة تأسيس بالنسبة لي ولجيلنا. فنحن لم ندرس في المعهد العالي لكونه تأسس في الفترة التي كنا ننتمي فيها للمسرح الجامعي كطلاب. كانت مرحلة تدريبية وصعبة لأننا كنا دون مورد مالي ونعمل دون أجر كفرقة هواة. وكان اتحاد الطلبة يستقدم مخرجين ممن درسوا الإخراج في مختلف أنحاء العالم كانوا (مدرسة بكل معنى الكلمة)، فقد بذلوا كل جهدهم لتدريبنا وتثقيفنا نظرياً وعملياً، فكانت كل مسرحية ورشة عمل قاسية نتقيد فيها بنظام صارم، ننفذ فيها كل التفاصيل التي يتطلبها العمل بكل دقة كالتدرُّب على الأداء والحركة والإلقاء والعمل على مخارج الحروف وتقمص الشخصيات وغير ذلك ودون تهاون من المخرج، حتى إننا كنا نؤدي (بروفة) المسرحية لمدة أربعة أشهر متواصلة، ولم نكن نصعد إلى خشبة المسرح إلا بعد إتقان أدوارنا بشكل صحيح. لقد أفادتني تجربة المسرح الجامعي فائدة كبيرة لأنطلق نحو الاحتراف. ولا أستطيع هنا نسيان ذكر المخرج المبدع المرحوم فواز الساجر الذي كان له الدور الأكبر والمؤثر في تأسيسي وتأسيس فرقة المسرح الجامعي كذلك، وقد دام تأثّري ذلك لسنوات طويلة.
+ ما أبرز أدوارك في الدراما التلفزيونية التي وجدتِ فيها نفسك والمخرجين الذين ارتحتِ في العمل معهم؟
++ هناك أعمال تركت في ذاكرتي أثراً خاصاً، منها مسلسل (أزواج) الذي أديت فيه دور الزوجة اللطيفة الأنيقة. ومن المخرجين الذين أرتاح للعمل معهم المخرج نجدة أنزور الذي له طريقته الخاصة في الإبداع والتألق، وقد عملت معه في مسلسل (العوسج). وكذلك أرتاح للعمل مع المخرج علاء الدين كوكش وقد عملت معه في الجزء الثاني من مسلسل (أبو كامل)، ومؤخراً عملت في مسلسل (لا مزيد من الدموع) حيث أديت دور المرأة السليطة.
+ أصبح للدراما السورية حضور جيد في القنوات العربية وخاصة التاريخية. كيف تقيِّمين هذه الحالة؟
++ الدراما السورية متميزة وذات انتشار واسع فهناك أعمال جميلة جداً من حيث النص والإخراج ومجموعة الممثلين، وحين أشاهد عملاً من تلك الأعمال تغمرني السعادة، وإنْ لم أكن مشاركة فيه، فهو يعنيني بشكل أو بآخر لأن من أخرجوه إلى النور هم أصدقاؤنا وأولادنا الذين أفتخر بهم. لكن هناك، في الوقت نفسه أعمال دون المستوى المطلوب، وأتمنى أن تكون كل الأعمال متميزة لتبقى صورة الدراما السورية ناصعة تعكس قدرات مبدعينا الحقيقية، أما المسلسلات التاريخية فأحبها وأستمتع بمشاهدتها أو العمل فيها على أن تتسم بمصداقية الرؤية التاريخية، فمسلسل (الزير سالم) مثلاً حقق نجاحاً شعبياً واسعاً لأنه يعالج سيرة ارتبطت بوجدان الناس كقصة اعتادوا على سماعها وحكايتها عبر السنين.
إن المشكلة التي يعانيها بعض الأعمال التاريخية تتمثل في اختراع أحداث تاريخية افتراضية لا تستند إلى مرجعية تاريخية موثقة، وبالتالي فهناك أعمال تستخف عقول الكثير من المشاهدين وثقافتهم فيشعرون بكونها كذبة، لذا ينفرون من مشاهدتها.
+ لقد كنت عضواً في أكثر من لجنة تحكيم في عدد من المهرجانات المسرحية. برأيك هل لجان التحكيم منصفة وعادلة في النتائج والجوائز؟
++ الحقيقة أن لجان التحكيم موضوعية إلى حدٍّ كبير، فإن كانت هناك مراعاة من نوع ما وبحدود ضيقة جداً فإنها لغاية إيجابية ونبيلة وليست لغرض آخر، فربما تكون لتشجيع شخص ذي طاقة إبداعية يستحق التشجيع كحافز على تفجير تلك الطاقة.
+ ما الأدوار التي تودين أداءها على المسرح ولم تقدميها حتى الآن؟
++ إن كل الأدوار التي أديتها حتى الآن لم تحقق إلا القليل مما طمحت إليه مسرحياً، فإن طموحي أكبر مما قدمته بكثير. أما الأدوار التي أودّ أداءها فلا تنحصر في شخصيات معينة، فأنا أحب لعب دور أية شخصية فيها تألق وتحدٍّ، وتحفّزني على مزيد من العطاء والإبداع وإثبات قدراتي، فما يزال طموحي كبيراً.
+ كيف ترين دور مديرية المسارح والمسرح القومي في تنشيط الحركية المسرحية؟
++ إنني أنتمي للمسرح القومي رسمياً وفنياً، لكن هناك مشكلة أساءت لنشاط هذا المسرح في السنوات الأخيرة وهي تعددّ الإدارات القائمة على تسيير أموره وتغييرها بسرعة، وهذا ما سبب حالة من عدم الاستقرار ووضعاً قلقاً فلا يمكن تحقيق حالة مسرحية مستقرة في ظل وضع إداري غير مستقر.
أما حالياً فأنا متفائلة بالقائمين على إدارة الشأن المسرحي، وأذكر منهم وبكل محبة مدير المسرح القومي الحالي الفنان نضال سيجري، ومدير مديرية المسارح الدكتور عجاج سليم، وتفاؤلي نابع من إيماني بقدرتهما مع الآخرين، على تحمل المسؤولية الصعبة الملقاة على عاتقهما لتجاوز المصاعب والنهوض من جديد بالنشاط المسرحي وتطويره والوصول به إلى ما يلبي رغبة المهتمين بالمسرح والعاملين في حقله.
+ ما تقييمك للمسرح العربي عامة ؟
++ من خلال متابعتي للعديد من المهرجانات عربية ودولية أستطيع القول إن المسرح العربي كان ذا مستوى جيد ومقبول. فهناك مثلاً المسرح المصري المعروف بعراقته، والمسرح التونسي الأهم عربياً لتطوره، ففي تونس فرق مسرحية كبيرة، وكل فرقة أهم من الأخرى ولديهم ممثلون مذهلون، فليس ثمة مسرحية تونسية إلا وتلمس فيها تألقاً إبداعياً متميزاً. ومن أشهر الفرق المسرحية التونسية: فرقة (محمد إدريس) وفرقة (رجاء بن عمار) وغيرهما.
أما الجدير بالذكر هنا هو تراجع المستويات الثقافية والفكرية والفنية، والحالة المسرحية ضمناً، في المنطقة العربية عامة، والسبب يعود إلى الأوضاع الصعبة التي تمر بها المنطقة اجتماعياً وسياسياً واقتصادياً وأمنياً بتأثير من التدخلات الأجنبية وإثارة الحروب والفتن الداخلية التي من شأنها جعل إنساننا العربي يعيش حالة من اليأس والإحباط والشعور بالهزيمة وهو يرى بالصوت والصورة، وبكثير من القلق والحزن، الجرائم التي ترتكب بحق إخوتنا وأبنائنا، فكيف يعمل مبدعونا ومثقفونا في مثل هذا المناخ القاتم؟ وكيف يتقدم المسرح ويتطور وسط هذه الأوضاع المأساوية؟ أما في ما يتعلق بالمسرح العراقي فإني شاهدت بعض عروضه، فالفنان العراقي ذو حس مرهف وحبه للمسرح كبير. وهناك مسرحيون عراقيون متميزون لهم مكانتهم وبصمتهم المسرحية عربياً، منهم (يوسف العاني-عزيز خيون-محمود أبو العباس-سامي قفطان-عواطف نعيم-إقبال نعيم) والمخرج المبدع (جواد الأسدي)، ولكنهم في رأيي يعملون كما لو كانوا في مرحلة الستينيات، إنهم فنانون مبدعون وفي غاية الشفافية، لذا عليهم تطوير المسرح العراقي ليواكب تطور المسرح العالمي، وأتمنى أن يحمل جيل الشباب العراقي مسؤولية تطوير الحركة المسرحية العراقية متجاوزين المصاعب التي يفرزها الوضع المأساوي في العراق الشقيق.
+ كلمة أخيرة لجريدة "للدنيا دنيا الوطن " ولجمهورك؟
++ "الدنيا" صحفية جميلة غنية بموضوعات تخاطب بها عقل القارئ وتحترمه، وهذا رأي الكثير من جمهور قرائها، فهي تتمتع بالمصداقية في ما تطرحه. إنها صحفية ناجحة يعمل في تحريرها كادر صحفي جيد وناجح، وأقدم تحياتي بكل احترام إلى أسرة تحريرها وأقول: استمروا وطوروا عملكم بقدر ما تستطيعون.
ولجمهوري المحبّ أقول: اعذروني إن ابتعدت عنكم وأنا حزينة لذلك لكوني لست صاحبة قرار الابتعاد.
[email protected]
التعليقات