بسبب فستانها...مادونا متهمة بإهانة الأردن

بسبب فستانها...مادونا متهمة بإهانة الأردن
غزة-دنيا الوطن

عندما انطلقت فكرة إنتاج برنامج لبناني أردني مشترك يبثّ في شهر رمضان، سارع الزميل طوني خليفة إلى الطلب من محطّة NTV الوافد إليها حديثاً تصوير البرنامج في استديوهات عمان، إذ كان يدرك حساسيّة الوضع اللبناني قبيل أيّام من الاستحقاق الرّئاسي، حيث لا شيء يبشّر بالأمل.

وكانت عمان ملاذ فريق العمل اللبناني الذي لجأ إليها خوفاً من تداعيات الأوضاع غير المستقرّة في بيروت، خصوصاً أنّ البرنامج قائم على ضيوف عرب قد يمتنع بعضهم عن الحضور إلى بيروت في مثل هذه الظّروف، ولم يكن غريباً على العاصمة الأردنيّة أن تفتح ذراعيها للفن اللبناني، فقد سبق لها أن احتضنت أهم الأعمال الدراميّة اللبنانيّة وحالت دون توقّف عجلة إنتاجها في سنوات الحرب اللبنانيّة.

غير أنّ التعصّب حال دون النظر إلى التعاون اللبناني الأردني المشترك من زاوية إيجابيّة، وليس الأمر بجديد إذ اعتدنا على تصريحات عنصريّة كلّما هلّت بوادر تعاون عربي في أكثر من مجال فنّي، حيث حفلت الصّحافة أخيراً بتصريحات حادّة للفنّان المصري حسين فهمي، الذي تهجّم بعنف على الممثلين السوريين، مطلقاً بحقّهم أبشع النعوت لأنّهم "تجرّأوا" على خوض غمار الدراما المصريّة، وبالمقابل رأى المخرج السّوري نجدة أنزور أنّ التعاون العربي في مجال الدراما لا يعدو كونه تمييعاً للهويّة الدراميّة، السوريّة منها على وجه الخصوص، واضعاً إياه في خانة الحرب التي تشنّ على سوريا.

وما أن انطلق برنامج "الفرصة" الذي يشارك في تقديمه الإعلامي اللبناني طوني خليفة والمذيعة الأردنيّة أسيل الخريشا، حتى تعالت بعض الأصوات في بيروت مستنكرة إقحام مذيعة أردنيّة في برنامج لبناني، أصوات شبيهة في المقلب الآخر استنكرت ومن الأردن استقطاب إعلامي لبناني لبرنامج أردني، في وقت تحفل فيه الأردن بمواهب تحتاج إلى فرصة.

ولم يقف الاستنكار عند هذا الحد، بل ذهبت بعض الصحف الأردنيّة، إلى كيل الانتقادات القاسية للبرنامج، انتقادات لم تنطلق من فكرة البرنامج أو مضمونه أو اداء الزميلين طوني وأسيل، بل ذهبت إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير، إلى المكان الذي ينطلق منه أي صحافي يعيش نظرية المؤامرة، ليصبح التعاون اللبناني الأردني محاولة لبنانيّة لإلغاء المواهب الأردنيّة.

فقد وصف زميل أردني البرنامج بالاستعراضي الغنائي "المخصص لمغني بيروت وشارع المعاملتين في جونيه"، موجّهاً اللوم إلى القائمين عليه، كونهم تناسوا أنّ ثمّة فن أردني وفنانون أردنيون "هم بمرتبة متقدمة عن غيرهم"، مستنكراً عدم استضافتهم وتجاهلهم في البرنامج الذي لم يمض على انطلاقه عشرة أيّام حتى استضاف ثلاثة فنانين أردنيين هم نبيل صوالحة، روحي الصفدي ونادرة عمران، مقابل استضافة أربع نجمات لبنانيات هم هيفاء وهبي، مريم نور، نضال الأحمدية ومادونا، وممثلتان مصريتان هما شيرين ونجوى فؤاد، وفنّان سوري هو رشيد عسّاف، على أن تحل الفنّانة المصريّة لبلبة ضيفة في حلقة الليلة.

وإذاعرفنا الخلفيّة التي ينطلق منها بعض الزملاء لكيل الاتهامات بصورة عشوائيّة، أمكننا وضع اتهاماتهم في خانة الأحكام المسبقة، إذ اعتبر البعض أن تلفزيون NTV منبر معاد للأردن "ملكاً، حكومةً وشعباً" وأنّه يتعمّد من خلال هذا البرنامج إهانة الأردنيين، وتحديداً عندما سمح للفنّانة مادونا بارتداء الزي الأردني في الحلقة التي حلّت فيها ضيفة، بعد أن تأخرت عن موعدها أربع وعشرين ساعة بسبب الظروف النفسيّة التي كانت تعاني منها بعيد اغتيال النّائب الشّهيد أنطوان غانم.

أن ترتدي مادونا زياً أردنياً على شاشة NTV فهي إهانة بحق الأردن، وشعبه وجيشه وتراثه، تهمة ساقتها إحدى الصحف الأردنيّة من دون أن تشرح لنا كيف يهان جيش عريق وبلد ذو تاريخ وحضارة، لمجرّد أنّ الفنّانة الفلانيّة ارتدت زيّه الوطني، وهي حتماً لن ترتديه إلا حباً بالبلد ومجاملة للشعب الذي استضافها. ولم ينته الاتهام عند هذا الحد، بل أصبح طوني خليفة "اللبناني الذي لا يعرف الممنوع والمسموح في الأردن" مشاركاً في هذه "الجريمة"، وذهب الانتقاد إلى حد اتهام خليفة وفريق عمله بالتعامل الفوقي مع الأردنيين، وبتحويل برنامجه إلى محطّة لإهانتهم. كيف؟ لم يشرح لنا الزميل، بل دفعنا رغماً عنّا إلى القراءة بين السطور لنستشف ولو قليلاً من المنطق فنعطيه ولو القليل من العذر، لكن أي منطق!

مقالات كثيرة كتبت تستنكر التعاون الأردني اللبناني، ذهب بعضها إلى القول إنّ التعاون غير جائز بسبب الفروقات بين عمان "عاصمة الثقافة العربيّة" وبيروت "باريس العرب"، مع ما تتضمّنه باريسهم من معان تجرّد بيروت من أي مضمون فكري أو ثقافي. هل لا تزال فعلاً باريس العرب والنار تحاصرها من كل الجهات؟

البعض أيضاً استنكر التعاون من مبدأ أنّ فريق العمل لبناني بالكامل، والأردنيون مهمّشون، فهل علم هؤلاء أنّ شركة الإنتاج لبنانيّة وأنّ قرار التصوير في الأردن صدر بسبب الأوضاع الأمنيّة غير المستقرّة فحسب؟

للأسف لا يزال التعصّب يطاردنا ويحاصرنا بأفكار مسبقة واتهامات جاهزة، ليضعك أمام قناعة أنّ العرب الذين باعدت السياسة فيما بينهم، خاضعون لهذا الابتعاد قانعون به، رافضون لأي تقارب ولو من أبوابه الضيّقة. فهل أصبح على المعنيين مراجعة حساباتهم قبل تنفيذ أي عمل فنّي مشترك، كي لا يتّهموا بمحاولة الإلغاء والسيطرة، أو من جهة مقابلة بالتبعيّة والدّونيّة؟ وكيف نطلب من الآخرين أن يتقبّلوننا ونحن نرفض تقبّل بعضنا، فنغلق أبوابنا ونتقوقع خلفها ثم نتساءل لماذا ينبذنا الآخرون؟

التعليقات