لنا زريق.. الصوت الفائز

لنا زريق.. الصوت الفائز
يافا-تفانين-دنيا الوطن

**في حوارٍ ما بعد فوزها بجائزة "مسرحيد"، تعتقد الفنانة لنا زريق أنها لن تشترك في مسابقة مسرحيد مستقبلاً: "سأفتح المجال لغيري، ربما سأكون ضيفة"**تستعيد زريق أيام المراجعات على مسرحيدية "الصوت الإنساني" والصراع اللانهائي بين حقيقتها وحقيقة الشخصية المؤداة؛ عن السرعة في إعداد النص والدخول إلى "مسرحيد" في "اللحظة الأخيرة"، كاشفة، القليل، عن حقيقتها هي**تستعد زريق حاليًا لتأدية دور جديد في "الحقل الأخير" لمهرجان عكا للمسرح الآخر**لنا زريق، تجعل من "الصوت الإنساني" صوتَ المهرجان**بالنسبة لزريق، لم يكن "مسرحيد" واردًا لهذا العام على الأقل، كان قرار المشاركة متأخرًا نسبيًا وبداية المراجعات على هذا العمل بطبيعة الحال بدأت متأخرة أيضًا**"أنا في حقيقتي لست مثلها بل ربما شخصيتي أقوى منها ولكنها أقوى مني في الحب، وهذا كان في البداية دافعًا لنقاشٍ داخلي بين حقيقتي وبين الشخصية. هذا النقاش جعلني اتعرف عليها افضل و بالتالي التقرب منها."**"جزء كبير من المسرحيديات العربية يعتمد على السردي أو الحكواتي شبه الخالي من الفعل مما يبقي الجمهور في بعدٍ موازٍ لا يلتقي مع الأحداث فلا يتأثر به"**



*اختتم مهرجان مسرحيد السادس دورته لهذا العام، وفازت الممثلة لنا زريق بالجائزة الكبرى، بعدما أدّت مسرحيدية "الصوت الإنساني". كانت التجربة بالنسبة لها هامَّة جدًا بمضمونها: المشاركة الأولى في المهرجان، المسرحيدية الأولى أيضًا، والمسابقة الرسمية الاولى التي تخوضها.

مع أنَّها كانت الاولى، إلا أنَّ مسرحيدية "الصوت الانساني" وبعيدًا عما خطّته لجنة التحكيم، كانت المسرحية التي استقبطت أكثر جمهورًا حتى العرض الأخير. ونالت ردود فعل ممتازة، ما جعل بعض المهتمين المسرحيين يعتقدون بأنَّها "الافضل" قبل إعلان النتائج.

بالنسبة لزريق، لم يكن "مسرحيد" واردًا لهذا العام على الأقل، كان قرار المشاركة متأخرًا نسبيًا وبداية المراجعات على هذا العمل بطبيعة الحال بدأت متأخرة أيضًا. كل شيءٍ صار بسرعة: المراجعات، ترجمة وإعداد النص، دراسة الشخصية، وكان الفوز بأفضل عمل مسرحي سريعًا هو أيضًا.

تقول زريق: "عندما قرَّرنا أصلا العمل على هذه المسرحية، لم يكن النص مطروحًا لمسرحيد. لكننا تأخرنا، وشاءت الظروف أن ننهي العمل على النص في وقت التسجيل لمسرحيد."

اليوم، على بعد أربعة أو خمسة أيام من نهاية المهرجان، تعتقد زريق بأنَّ "الحياة أوسع من مسرحيد"، تطمح لخوض تجربة "أكبر" وتقول: كانت تجربة جيدة، والمسرحية فازت. لا أعتقد أني سأشارك مستقبلاً في مسابقة مسرحيد، سافتح المجال لغيري. ممكن أن أشارك كضيفة".

* هل توقعت الفوز؟

- "لم يشغلني السؤال قبل المهرجان بسبب تأخرنا في بدء المراجعات. كان كل همّي أن نخرج بعملٍ محترم يليق بالجمهور وبالمستوى الفني المتوقع مني ومن المخرج منير بكري. كنت سأبذل نفس الجهد في حال كانت هناك مسابقة أم لا، لكن بنفس الوقت، حفزتني روح المنافسة على العمل أكثر خلال المهرجان. هذا طبيعي، لأنَّ روح التنافس موجودة في كل إنسان يريد النجاح. وفي اليومين الاخيرين للمهرجان، بدأت أسمع أصداء ترشيح مسرحيتي للفوز من قِبل الجمهور، ما زاد من مسؤوليتي ودفعني لأجتهد أكثر كي أكون عند حسن ظنهم وتوقعاتهم.

**عن الحقيقة!

استطاعت زريق من خلال مسرحيدية"الصوت الإنساني"، للفرنسي جان كوكتو وإخراج منير بكري، وانتاج مسرح "السرايا" يافا، تجسيد ذاتٍ دراميةًٍ لا تقع في فخ "الابتذال" او تجريد الحدث من حقيقته. استطاعت استحضار الحقيقة من نص كوكتو، ما زاد المسرحيدية" زخمًا إلى حد الشعور بأنَّ كل واحد منّا، قد يمر في تجربة كتلك التي مرّت بها الشخصية الرئيسية في "الصوت الانساني."

قصة "الصوت الإنساني" تدور حول امرأة تكسر فضاء مسرحٍ صغير بحضورها المشحون. تحاول خلق فضائها في غير متّسعٍ. هي الحقيقة، لكنها عاجزة عن ترجمة ذاتها. في قلبها عشقٌ لحبيبٍ لا يظهر منه على المسرح إلا مدى حبها له، تراها تتنقل على خشبة المسرح مشحونة بالشوق والعواطف، لكنَّها تخفي هذا الفيض، وتفصح في حديثها الهاتفي الأخير المتخيّل منه والحقيقي مع حبيبها عن كل ما لا تريده. تخاف منه وعليه الى حد الهذيان، تلوم نفسها بكل حدثٍ كان أم لم يكن، كي يكون حبيبها المجهول على الطرف الثاني من الخط راضيًا عنها، وفي حال تخيلت أنه ليس راضيًا، تلوم نفسها أكثر، على الأقل هكذا اعتقدت، أن راحة الحبيب تأتي من لوم الذات.

لعل أبرز الصراعات الداخلية على المسرح يكمن في وعيها الى أن ضعفها نابعٌ من لومها لذاتها وفي ذات الوقت كانت تعلم أيضًا أن حبها لحبيبها الذي لا يظهر على المسرح يقويه أكثر. في إحدى المشاهد تقول له: "أنا بحبك... عشان هيك انت قوي". وفي كل هذا، كان الحبيب المجهول يجسد اللامبالاة القاتلة.

زريق تحب الشخصية التي أدَّتها الى حد العشق، لكنها تنوّه الى أنها، وبطبيعتها، بعيدة عن أن تكون مثل الشخصية: "أنا في حقيقتي لست مثلها بل ربما شخصيتي أقوى منها ولكنها أقوى مني في الحب، وهذا كان في البداية دافعًا لنقاشٍ داخلي بين حقيقتي وبين الشخصية. هذا النقاش جعلني اتعرف عليها افضل و بالتالي التقرب منها."

**وما هي حقيقتك؟

- "أنا إنسانة أقدر الحب الى أقصى درجات، لكني بنفس الوقت لا أقبل أن ألغي نفسي ولا أقبل بهذا القسط الضئيل من الحب والاهتمام الذي يكنه حبيبها لها. لدي شروطي. أما شخصية المسرحية تحب من دون حدود ومن دون شروطٍ."



**ماذا أحببت بالشخصية اذا؟

- "هذه المرأة تتقن الحب. تدرك بأنَّ الحب مثل طفل صغير يحتاج الى العناية والصيانة الدائمتين. تفهم بأنّ الحب فن بحد ذاته. كان الخوض في مثل هذه الشخصية هو مغامرةُ مع نفسي أولاً وتحدٍ خلق العلاقة بيني وبين الشخصية فأحببتها. كنت معتادة في السابق على تمثيل ادوار نسائية قوية وبطولية مثل جان دارك وغيرها لكنني انكشفت من خلال الصوت الانساني على اتجاه آخر يختلف".

**وأين تكمن القوة في هذه المرأة؟

-"في قدرتها الرهيبة على التحمّل. صحيح انها تحب الى أبعد الحدود لكنها بنفس الوقت تصبر، وكان الصبر في حالتها أملاً"

**"الوسيم اللامبالي"

"الصوت الانساني" التي عرضت في مسرحيد، هي مزيج بين مسرحيتي "الوسيم اللامبالي"، التي كتبها جان كوكتو، للمغنية الفرنسية العملاقة ايديت بياف، وبين "الصوت الانساني" لنفس الكاتب. "الوسيم اللامبالي"، والتي ترجمتها زريق، تحكي عن تجربة مرت بها اديت بياف، فكتبها كوكتو لبياف، وأدتها بياف بنفسها. وجد مخرج المسرحية، منير بكري وزريق من خلال قراءة النصين، انه قد يكون كوكتو تكلم أو قصد نفس الامراة في النصين. تقول زريق: "رأينا من وجهة نظرنا ان "الصوت الانساني" عبارة عن نتيجة الاحداث التي حصلت في "الوسيم اللامبالي". أعدينا النص وجمعنا الماضي من "الوسيم اللامبالي" مع حاضر "الصوت الانساني"

**وماذا بالنسبة للمسرحيدية كلّها؟ اين خصوصيتها؟

- هذه المسرحيدية لديها متطلبات خاصة هي "الفعل" وترجمته اليونانية "دراما" على المسرح، وليست مجرد سردٍ روائي جاف. الشخصية لا تروي رواية، بل تقوم وتفعل وتتطور خلال العرض الى حد التأزم ومن ثمة الى النهاية التراجيدية. هذا النوع من المسرحيدية نادر عندنا، لأن جزءًا كبيرًا من المسرحيديةت العربية تعتمد على المونو السردي أو الحكواتي شبه الخالي من الفعل مما يبقي الجمهور في بعدٍ موازٍ لا يلتقي مع الأحداث فلا يتأثر بها ويظل متفرجًا دون أن يبالي لأنه لم يوضع في زاوية تتطلب منه أن يكون شريكًا في الدراما. أما في مسرحية كوكتو فالفعل الدرامي يحدث هنا والآن، وفي حال اتقانه، يستقطب تعاطف الجمهور، ويتطور في أحاسيسه مع الشخصية لأن شيئًا ما يحصل أمامهم يجبرهم على اتخاذ موقف ما.

أما بالنسبة لموضوعها فهي تطرح الصوت الانساني الذي يعاني في ظلام هذه الحياة من الحب أولاً وأخيرًا، بعيدًا كل البعد عن معمعان السياسة والشعارات المتفلسفة. هنا نسمع صوتًا إنسانيًا صافيًا.

**هل تعتبرين اليوم أن "الصوت الانساني" بطاقة تعريف لك؟

- هي تجربة لها وزنها الكبير وخصوصيتها، كونها مسرحيدية أولى. لكنَّها، ومع مكانتها الخاصة، لا تعرّف عن بقية أعمالي. فبطاقة تعريفي هي جميع أعمالي.

**القدس، حيفا، لندن، حيفا

وُلدت لنا زريق في مدينة القدس، يعود أصلها الى قرية عيلبون الجليلية. في جيل الرابعة بدأت تعلم الرقص في معاهد مهنية. تستعيد التجربة بقولها: "بدأت التعلم على البيانو والرقص في نفس الوقت. كنت أهرب من الدروس الموسيقية النظرية، واذهب الى الرقص من دون علم والدتي، الى حين اكتشفت الامر".

انهت زريق اللقب الأول في التمثيل المسرحي واللغة الانجليزية في جامعة حيفا بامتياز فائق. وقررت مواصلة تعليمها في مجال الفنون المسرحية. سافرت الى لندن، ودرست اللقب الثاني في موضوع "علم الحركة في التمثيل". وعادت مع نهاية العام الماضي.

**مشغولة!

لنا زريق مشغولة حاليًا ضمن عمل مسرحي جديد من انتاج مسرح الجوال في سخنين تحت عنوان "الحقل الاخير". سيشارك العمل ضمن المسابقة الرسمية لمهرجان عكا للمسرح الآخر.

المسرحية من تأليف الممثل نهد بشير واخراج هشام سليمان ومخرجة يونانية ضيفة كمستشارة فنية. المسرحية من تمثيل محمود ابو جازي ولنا زريق، ونضال بدارنة ونهد بشير. وهي المسرحية العربية المتنافسة الوحيدة.

لا تفصح زريق كثيرًا عن المسرحية الجديدة لكنها تقول عن دورها: "أمثل دور امرأة، زوجها ضابط محتل، لكنَّها تجد الحب والدفء في رجل من الشعب الواقع تحت الاحتلال"

**أعمالها باختصار!

"ذاكرة أخرى" مسرح اللاز، "شكرًا... عرض كوميدي ساخر"؛ "القصة وما فيها" مسرح الميدان؛ فيلم "شجرة الليمون" لعيران ريكليس؛ "مندلي" مسرح الجوّال؛ "بابل" مسرح عكا؛ شاركت في عدة مسرحيات أطفال لمسرح جبينة؛ "صبرا" مسرح النقاب؛ "مرايا" مسرح المغار- المرايا؛ "إرتجال" الفرقة الشابة للمسرح البلدي حيفا؛ غنائية "قطر الندى" لفرقة يعاد؛ شاركت في أفلام قصيرة أخرى وضيفة في مسلسل تلفزيوني للأطفال، كما أنها لعبت أدوارًا رئيسية أخرى عديدة خلال دراستها للمسرح.

صممَّت الحركة في لندن ضمن مشروع مشترك ما بين دار الاوبيرا الوطني البريطاني والجامعة التي التحقت بها، في عرض أوبيرا "أورفيوس". وصممت كذلك الحركة لفرقة الرقص الشعبي الفلسطينية "الحرية" في لندن ورقصت معهم. وفي البلاد، صممت الحركة في مسرحية "الملك المغرور" لمسرح السرايا اليافاوي، و"ذاكرة أخرى" لمسرح اللاز، وحاليًا في "سرحان والماسورة" مع أطفال كوكب يخرجها محمود أبو جازي. أقامت وتقدم ورشًا لعمل في موضوع الحركة للممثلين.

***

الصوت الانساني

تأليف: جان كوكتو.

اعداد: منير بكري ولنا زريق.

اخراج: منير بكري.

تمثيل: لنا زريق.

موسيقى: ريمون حداد.

تصميم ديكور: سليم شحادة.

انتاج: مسرح السرايا- يافا.

التعليقات