شاهد على انحرافات الأجهزة الأمنية الفلسطينية بغزة

شاهد على انحرافات الأجهزة الأمنية الفلسطينية
بقلم:خليل سليم*
بعد انهيار الأجهزة الأمن الفلسطينية على النحو الذي انهارت عليه وهى فضيحة ما بعدها فضيحة, اى ما بعد الكفر ذنب وبالتالي لم يعد هنالك مجال للتستر أو لتجميل العيوب, بل أن تطهير هذه الأجهزة من الرواسب والفساد والمعوقات أصبح ضرورة ملحة للنهوض بها, وبما أن الرأي العام الفلسطيني والعربي والعالمي قد شهد فضيحة انهيار الأجهزة على شاشات التلفزيون, فلم يعد هنالك مجال للتستر.
وللانهيار أسباب و مقدمات ولا يأتي الانهيار فجأة, بل هنالك عوامل يجب دراستها وهي تراكمية, ولم تكن وليدة الساعة, ومن هنا نسوق بعض الأمثلة بعجالة في حالات مشابهة.
بعد كارثة هزيمة حزيران 1967 ثم تحميل قيادة الجيش المصري والمخابرات المسئولية, فقرر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر تشكيل لجنة تحقيق في منتهى الجدية لتطهير الجيش والمخابرات من الفساد, وباشرت اللجنة عملها في مبنى مجلس قيادة الثورة برئاسة "حسين الشافعي" نائب رئيس الجمهورية واستدعت العشرات من كبار ضباط الجيش والمخابرات وفتحت كل الملفات من الفساد والإهمال والاستهتار بقدرات العدو الاسرائيلى وانشغال المخابرات المصرية في تلك الفترة بتصوير الأفلام الإباحية وتم استدعاء من صور ومن تم تصويره حتى من بعض الفنانات المعروفات ولا داعي لذكر أسمائهن ومن يريد الاطلاع أكثر عليه الرجوع إلى محاضر التحقيق في سرايا مجلس قيادة الثورة .
ولم يتم التستر على هذه الكارثة والممارسات التي أدت إلى الهزيمة فنشرت الصحف المصرية تفاصيل انتقادات لا حصر لها لتلك المرحلة التي أدت إلى الهزيمة, وصدرت كتب ومذكرات عديدة فضحت الممارسات الشاذة في الجيش وأجهزة الأمن, ومن هنا كان التصحيح والتطهير وفى فترة وجيزة وقياسية تم إعادة بناء الجيش المصري والأجهزة الأمنية فتحقق الانتصار في حرب أكتوبر المجيدة, وقبل ذلك في حرب الاستنزاف.
ويروى الفريق محمد فوزي وزير الدفاع المصري في مذكراته أسباب هزيمة حرب حزيران 67 فيقول:" تم خلال حرب حزيران 67 استدعاء الاحتياط في الجيش المصري وجاء الجنود إلى ثكناتهم الذين لم يتلقوا اى تدريب منذ العدوان الثلاثي عام 56 ولاحظنا على أن القادمين يحملون معهم حقيبة بها ملابس مدنية فسئل الجنود عن سبب حملهم لملابس مدنية وهم يتوجهون إلى الجبهة فقالوا نعرف أن الجيش الاسرائيلى لا يستهدف المدنيين فإذا خسرنا الحرب نغير ملابسنا العسكرية بالمدنية ونفر هاربين" ويروى حسين الشافعي نائب رئيس الجمهورية قصة أخرى ذات مغزى عندما اتصلت القيادة العسكرية السوفيتية وعلى نحو عاجل بقيادة الجيش المصري وطلبوا وفدا رفيع المستوى لزيارة موسكو وبشكل سرى بخصوص معلومات لدى السوفيت حول إعداد إسرائيل لعدوان على مصر.
ويضيف حسين الشافعي بمرارة أن الوفد العسكري المصري سافر عشية حرب حزيران 67 إلى موسكو وبشكل سرى ومتكتم وعاجل وفوجئ القادة العسكريين السوفييت في مطار موسكو أن الوفد المصري يحمل معه "كراتين" وحقائب مملوءة بالهدايا لأركان السفارة المصرية في موسكو كانوا قد اتصلوا بهم يطلبوا هدايا ومأكولات مصرية, وتساءل القادة السوفييت, هل الظروف لديكم تسمح الآن لحمل هدايا وخلافه؟.
وروى السادات أن"شمس بدران" سافر إلى موسكو قبل حرب 67 واجتمع مع القادة العسكريين السوفييت وركز السوفييت في اجتماعهم بقلق على أن أمريكا زودت إسرائيل بطائرات نفاثة من طراز فانتوم وسأل السوفييت شمس بدران الزائر كيف ستواجهون هذه الطائرات؟ فقال بدران لدينا طائرات من نوع كذا وكذا فضحك القادة السوفييت وأصبحوا لاحقاً يتندرون بإجابة بدران لان الطائرات التي ذكرها والتي كانت بحوزة سلاح الجو المصري تعادل سرعتها طائرة "البويينج " المدنية, وهم يتحدثون عن قلق بالغ من طائرات نفاثة تفوق سرعتها سرعة الصوت.
ومن مفارقات الهزيمة هناك قصة ذات مغزى أيضاً أن وزير خارجية اليمن الديمقراطية سافر إلى موسكو بعد حرب 67 طالباً شراء طيارتين حربيتين من نوع" ميج" وبعد الاتفاق على تفاصيل بيع الطائرتين إلى اليمن الديمقراطي عرض القادة السوفييت على الوزير اليمنى البيان المشترك الذي سيصدر عن الاجتماع وبه فقرة تشير إلى انسحاب إسرائيل إلى حدود الرابع من حزيران 67فانتفض الوزير اليمنى غاضباً رافضاً وبلا هوادة أن يتضمن البيان المشترك انسحاب اسرائيلى إلى حدود الرابع من حزيران وقال:" موقفنا أن فلسطين من النهر إلى البحر ولا تنازل عن اى شبر من أرض فلسطين" وحاول القادة السوفييت إقناعه بان الموقف الدولي الآن يتفق على انسحاب اسرائيلى لحدود الرابع من حزيران وأن إبادة إسرائيل خرجت كلياً من القاموس ومع هذا أصر الوزير اليمنى على أن موقفهم لا يقبل بوجود أي يهودي على أرض فلسطين, وبعد نقاش طويل خرج القادة السوفييت عن طورهم وقال احدهم للوزير اليمنى:" هل ستبيد دولة إسرائيل بطائرتين (ميج)؟
وكانت إجابة الوزير والتي أصبحت نكتة يتندر بها القادة السوفييت أيضاً:" وما علاقاتنا نحن بإبادة دولة إسرائيل, وهل نحن من سيحارب؟ إنها مصر التي ستحارب؟"
أسباب الانهيار والهزيمة متشابهة وان اختلفت الظروف وطبيعة المعركة مع الأجهزة الأمنية الفلسطينية لم يكن انهيارها لسوء تقدير في الموقف فقط بل هنالك أسباب وعوامل متراكمة منذ سنوات وبالتالي فان معالجة الأمور في حدود مسؤولية القادة الميدانيين والذين جرى الحديث عنهم وعددهم نحو ستين ضابط لن يحل المسألة ولن يكون رداً شافياً على هزيمة وانهيار أجهزة الأمن.
ولأول مرة منذ إقامة السلطة الوطنية يتم تشكيل لجنة تحقيق بهذه الجدية التي عرفناها الآن, فتقرير لجنة التحقيق برئاسة الأخ الطيب عبد الرحيم والذي تسلمه الرئيس أبو مازن رفع توصيات حسب ما أعلن لوسائل الإعلام أنها تطالب بعملية إصلاح جذرية أي تطهير شامل لأجهزة الأمن وإعادة بنائها على أسس مهنية ونأمل أن تواصل اللجنة الموقرة مهامها بدعم توجيه من الرئيس أبو مازن بوضع النقاط على الحروف في كافة أجهزة الأمن وان لا يكون هناك أحد فوق المساءلة بدءاً برئيس الجهاز وانتهاءاً بأصغر حارس, وكل من ثبت تورطه في فساد أو إهمال أو تقصير يحاسب وكل من أحسن وتفانى في خدمة الوطن ينال الثواب.
للأسف اعتاد بعض رؤساء أجهزة الأمن في السابق على التعامل مع ملفات فساد بعض الضباط بطريقة شاذة أوصلتنا إلى ما وصلنا إليه, فكان بعض رؤساء أجهزة الأمن يفرح عندما يرد تقرير عن ضابط ما يقوم بفساد أو إهمال أو تقصير فيطوى التقرير فرحاً مسروراً لأنه وصل لغايته فهذا الضابط في نظره أصبح في الجيب, خير من يعتمد عليه في خدمات شخصية تدر الأموال على رئيس الجهاز ولاحقاً تتحول الخدمات الشخصية إلى ترقيات وامتيازات لهذا الضابط ويتقلد مسؤوليات وأما من رفع التقرير بحق ذلك الضابط يتحول إلى منبوذ ومحروم من بركات رئيس الجهاز إلى يوم الدين, وبالتالي تم إبعاد المخلص والمهني وتهميشه ليحمل صفة "ضابط ذليل".
في هذا المناخ السيئ استأسد الفاسدون وجمعوا الثروات والامتيازات بلا حسيب أو رقيب, بل أنهم تمادوا في غيبهم وضلالهم حتى رأينا ضابطاً برتبة نقيب يتجول بغزة بسيارة فارهة من الجهاز وتسير خلفه سيارة جيمس لحمايته وهى مخصصة لرؤساء الأجهزة, والسؤال ما هي الخدمات التي أسداها هذا النقيب العبقري لرئيس الجهاز حتى يمنحه سيارة جيمس مخصصة لرؤساء الأجهزة يتجول في موكب عظيم وكأنه مونتغمري.
وهل أتاكم حديث النقيب صاحبة الهيكلية؟ وكيف يستثنى رئيس الجهاز كل الرتب الرفيعة والخبرات العالية في جهازه ليوكل مهمة إعداد هيكلية الجهاز لنقيب آفاق يحترف الكذب والنفاق والوسوسة في أذن رئيس الجهاز. والنكتة أن هذا النقيب "وهو غير صاحب سيارة الجيمس والمواكب" حالة أخرى هيئ له بهذه المهمة انه أصبح بمستوى رئيس الجهاز فاعد هيكلية لجهاز يحكمه ضابط برتبة نقيب اى أردا تفصيل الجهاز على مقاسه الشخصي فبدأ بحملة عجيبة بإبعاد الضباط الذين تزيد رتبتهم عن نقيب أي من رائد فما فوق وبأساليبه الجهنمية عين رائد مساعداً لنقيب أي حشر الرتب الأعلى كمساعدين لما هم برتبة نقيب فما دون .
مهزلة غير مسبوقة ولكنها وقائع سبقت انهيار الأجهزة, أما من كانوا في رتب أعلى فأحاطت بهم المؤامرات والدسائس من كل جانب كما يحيط السوار بالمعصم على يد النقيب.
أما سمسرة النثريات فتلك قصة لا تقل ايلاماً وتأثيراً على معنويات الضباط فعندما يأتي ضابط لمدير إدارة ويطلب حصته من النثريات المخصصة لكل ضابط وهى من "200 إلى 500 شيكل" فيقول له مديره الإدارة لا يوجد لديه ما أعطيك لان إصلاح سيارتي يكلف شهرياً خمسة ألاف شيكل برغم أن سيارته اشتراها له الجهاز بعشرين ألف دولار حديثة "بورقتها" أي لا تحتاج سوى البنزين, ويخرج الضابط من عنده حزيناً منكسراً يرفع الشكوى لمن هوى أعلى من مدير إدارته ولا يجد من يسمعه.
أما مدراء الإدارات فتلك من عجائب الفساد فبعض مدراء الإدارات حول إدارته غالى دكان لمصالحه الشخصية وفرض على بعض الضباط العاملين بإدارته التفرغ لمشاريعه الشخصية فهذا الضابط مفروز من قبله ليداوم في محل تجارى يملكه وهذا الضابط مفروز ليداوم في محل آخر وآخر في مكان آخر بدون ذكر التفاصيل والأسماء.
ولا نريد أن نذكر تفاصيل أكثر لأننا أردنا أن نذكر إشارات ورؤوس أقلام فقط ونترك التفاصيل وتحديداً الأسماء والمسئوليات للجنة التحقيق الموقرة التي نثق بنزاهتها وصدق توجه الأخ الطيب عبد الرحيم في تطهير هذه الأجهزة.
أما الهاربين في رام الله سواء بعد أحداث غزة وانهيار الأجهزة أو ما قبل ذلك ممن تسابقوا إلى مغادرة قطاع غزة قبل أن تقع الواقعة, فنجد أحد الضباط الهاربين في رام الله ينشغل الآن بقضية تهم المصلحة العليا لشعبنا وهى افتتاح بوتيك في رام الله يستثمر فيه أمواله بعد أن أشبعنا مراجل وبطولات وهمية.
أما المهمات الخارجية الوهمية والتي ينفق عليها سنوياً مئات الألوف من الدولارات لدرجة أن أحدهم يسافر في مهمة يجنى من ورائها بضعة آلاف من الدولارات وهى مهمة وهمية مفبركة هدفها أن يجنى بعض الأموال, وقد فعلها عدة مرات. فنرى هذا الضابط الهمام يأتي من سفر ليعود مسافراً في مهمات أغلبيتها وهمية يعيش من ورائها حياة الأمراء. وفى الوقت نفسه نجد الضابط الذي يجلس ينتظر على باب المسئول ذليلاً يحمل في يده كتاباً يطلب فيه مساعدة بخمسمائة شيكل فيأتيه الجواب بالرفض, وفى حين يحصل صاحب المهمات الوهمية على مبالغ تتراوح ما بين 4-6 ألاف دولار في كل سفرة وخلال الشهر يسافر مرات متكررة.
في الأحداث المؤسفة التي سبقت اتفاق مكة المكرمة تم محاصرة ضابط كبير في مقر فرعى بجهاز أمنى طوال ساعات الليل وبقى يدافع عن المقر مع أربعة من رجاله فقط حتى استشهد في المقر.
ذلك الجهاز لم يكلف خاطره أن يرسل سيارة عسكرية لنجدته كما فعل مع النقيب أبو سيارة جيمس أو أن يصدر بيان نعى هذا الضابط ورجاله الذين استبسلوا في الدفاع عن المقر طوال الليل محاصرين تنهال عليهم قذائف الأربجيه ولم يصدر بيان بأربعة أسطر ينعون فيه هذا الشهيد بل تجاهله الجهاز ليبرر احد المسؤولين موقفه في تخاذله عن عدم إرسال أي قوات لنجدته قائلاً"لقد بقيت على اتصال بالجوال بالضابط حتى استشهاده الساعة السادسة صباحاً" أما مسئول آخر فبرر التخاذل في إنقاذ هذا الضابط الكبير ورجاله بقوله ´لا أريد أن أرسل أولاد الناس للموت".
فالذي برر موقفه بأنه كان على اتصال بالجوال بهذا الضابط حتى الساعة السادسة صباحاً أي كان لديه ساعات طويلة ومتسع من الوقت لإرسال قوات لإنقاذه وهل كان ما يحتاجه الضابط هو اتصالات هاتفية على الجوال من مسئول في الجهاز ليروى له حكايات قبل أن تنام أو قبل أن تستشهد, وهذا الضابط الشهيد لم يكن بحاجة لحكايات ذلك المسئول لأنه قاتل ببسالة مشهودة, ولم ينصفه جهازه حتى ببيان نعى بأربعة أسطر فأنصفه الرئيس أبو مازن بمنحه نوط القدس.
لم تكتمل فصول المرحلة الهزلية المضحكة المبكية عند هذا الحد , بل إن الهاربين في رام الله أخذوا يطالبون بامتيازات وسيارات ومناصب ويتصارعون فيما بينهم للحصول على هذه الامتيازات لتكرار سيناريو غزة ولكن رفضت طلباتهم لأنهم رهن التحقيق.
إننا بهذه الإشارات أردنا توضيح بعض جوانب الانحرافات في أجهزة الأمن الفلسطينية والتي كانت سبباً قوياً من أسباب الانهيار ونأمل أن تكون هذه المعطيات بمثابة رسالة مفتوحة إلى الرئيس القائد أبو مازن الذي بعث الأمل في نفوس كل العسكريين ولأول مرة منذ إقامة السلطة لإصلاح أجهزة الأمن وتطهيرها بعد أن حالت الظروف في السنوات السابقة للقيام بهذه الخطوة, ونحن على ثقة أن الرئيس أبو مازن رائد وقائد ثورة الإصلاحات في مجتمعنا الفلسطيني سيعطى كل ذي حق حقه وسيقوم بإصلاح الأجهزة الأمنية وتطهيرها من كل عابث لندخل إلى الدولة الفلسطينية المستقلة بمؤسسات تليق بشعبنا وتضحياته بعد أن حاول بعض العابثين تحويل السلطة إلى دولة من دول أمريكا اللاتينية ..إحدى جمهوريات الموز.
رغم مرارة ما حصل من انهيار الأجهزة على النحو المخزي الذي شاهدناه على شاشات الفضائيات فان ثقتنا بقرارات الرئيس أبو مازن لا حدود لها وعملية التطهير التي يقودها الأخ الطيب عبد الرحيم بتوجيهات من الأخ الرئيس تحظى بإجماع جماهيري شعبي فلسطيني منقطع النظير لأنها تتحقق ولأول مرة منذ أقامة السلطة بكل حزم وجدية ولا يأخذها في الحق لومة لائم.
*كاتب فلسطيني-رام الله
بقلم:خليل سليم*
بعد انهيار الأجهزة الأمن الفلسطينية على النحو الذي انهارت عليه وهى فضيحة ما بعدها فضيحة, اى ما بعد الكفر ذنب وبالتالي لم يعد هنالك مجال للتستر أو لتجميل العيوب, بل أن تطهير هذه الأجهزة من الرواسب والفساد والمعوقات أصبح ضرورة ملحة للنهوض بها, وبما أن الرأي العام الفلسطيني والعربي والعالمي قد شهد فضيحة انهيار الأجهزة على شاشات التلفزيون, فلم يعد هنالك مجال للتستر.
وللانهيار أسباب و مقدمات ولا يأتي الانهيار فجأة, بل هنالك عوامل يجب دراستها وهي تراكمية, ولم تكن وليدة الساعة, ومن هنا نسوق بعض الأمثلة بعجالة في حالات مشابهة.
بعد كارثة هزيمة حزيران 1967 ثم تحميل قيادة الجيش المصري والمخابرات المسئولية, فقرر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر تشكيل لجنة تحقيق في منتهى الجدية لتطهير الجيش والمخابرات من الفساد, وباشرت اللجنة عملها في مبنى مجلس قيادة الثورة برئاسة "حسين الشافعي" نائب رئيس الجمهورية واستدعت العشرات من كبار ضباط الجيش والمخابرات وفتحت كل الملفات من الفساد والإهمال والاستهتار بقدرات العدو الاسرائيلى وانشغال المخابرات المصرية في تلك الفترة بتصوير الأفلام الإباحية وتم استدعاء من صور ومن تم تصويره حتى من بعض الفنانات المعروفات ولا داعي لذكر أسمائهن ومن يريد الاطلاع أكثر عليه الرجوع إلى محاضر التحقيق في سرايا مجلس قيادة الثورة .
ولم يتم التستر على هذه الكارثة والممارسات التي أدت إلى الهزيمة فنشرت الصحف المصرية تفاصيل انتقادات لا حصر لها لتلك المرحلة التي أدت إلى الهزيمة, وصدرت كتب ومذكرات عديدة فضحت الممارسات الشاذة في الجيش وأجهزة الأمن, ومن هنا كان التصحيح والتطهير وفى فترة وجيزة وقياسية تم إعادة بناء الجيش المصري والأجهزة الأمنية فتحقق الانتصار في حرب أكتوبر المجيدة, وقبل ذلك في حرب الاستنزاف.
ويروى الفريق محمد فوزي وزير الدفاع المصري في مذكراته أسباب هزيمة حرب حزيران 67 فيقول:" تم خلال حرب حزيران 67 استدعاء الاحتياط في الجيش المصري وجاء الجنود إلى ثكناتهم الذين لم يتلقوا اى تدريب منذ العدوان الثلاثي عام 56 ولاحظنا على أن القادمين يحملون معهم حقيبة بها ملابس مدنية فسئل الجنود عن سبب حملهم لملابس مدنية وهم يتوجهون إلى الجبهة فقالوا نعرف أن الجيش الاسرائيلى لا يستهدف المدنيين فإذا خسرنا الحرب نغير ملابسنا العسكرية بالمدنية ونفر هاربين" ويروى حسين الشافعي نائب رئيس الجمهورية قصة أخرى ذات مغزى عندما اتصلت القيادة العسكرية السوفيتية وعلى نحو عاجل بقيادة الجيش المصري وطلبوا وفدا رفيع المستوى لزيارة موسكو وبشكل سرى بخصوص معلومات لدى السوفيت حول إعداد إسرائيل لعدوان على مصر.
ويضيف حسين الشافعي بمرارة أن الوفد العسكري المصري سافر عشية حرب حزيران 67 إلى موسكو وبشكل سرى ومتكتم وعاجل وفوجئ القادة العسكريين السوفييت في مطار موسكو أن الوفد المصري يحمل معه "كراتين" وحقائب مملوءة بالهدايا لأركان السفارة المصرية في موسكو كانوا قد اتصلوا بهم يطلبوا هدايا ومأكولات مصرية, وتساءل القادة السوفييت, هل الظروف لديكم تسمح الآن لحمل هدايا وخلافه؟.
وروى السادات أن"شمس بدران" سافر إلى موسكو قبل حرب 67 واجتمع مع القادة العسكريين السوفييت وركز السوفييت في اجتماعهم بقلق على أن أمريكا زودت إسرائيل بطائرات نفاثة من طراز فانتوم وسأل السوفييت شمس بدران الزائر كيف ستواجهون هذه الطائرات؟ فقال بدران لدينا طائرات من نوع كذا وكذا فضحك القادة السوفييت وأصبحوا لاحقاً يتندرون بإجابة بدران لان الطائرات التي ذكرها والتي كانت بحوزة سلاح الجو المصري تعادل سرعتها طائرة "البويينج " المدنية, وهم يتحدثون عن قلق بالغ من طائرات نفاثة تفوق سرعتها سرعة الصوت.
ومن مفارقات الهزيمة هناك قصة ذات مغزى أيضاً أن وزير خارجية اليمن الديمقراطية سافر إلى موسكو بعد حرب 67 طالباً شراء طيارتين حربيتين من نوع" ميج" وبعد الاتفاق على تفاصيل بيع الطائرتين إلى اليمن الديمقراطي عرض القادة السوفييت على الوزير اليمنى البيان المشترك الذي سيصدر عن الاجتماع وبه فقرة تشير إلى انسحاب إسرائيل إلى حدود الرابع من حزيران 67فانتفض الوزير اليمنى غاضباً رافضاً وبلا هوادة أن يتضمن البيان المشترك انسحاب اسرائيلى إلى حدود الرابع من حزيران وقال:" موقفنا أن فلسطين من النهر إلى البحر ولا تنازل عن اى شبر من أرض فلسطين" وحاول القادة السوفييت إقناعه بان الموقف الدولي الآن يتفق على انسحاب اسرائيلى لحدود الرابع من حزيران وأن إبادة إسرائيل خرجت كلياً من القاموس ومع هذا أصر الوزير اليمنى على أن موقفهم لا يقبل بوجود أي يهودي على أرض فلسطين, وبعد نقاش طويل خرج القادة السوفييت عن طورهم وقال احدهم للوزير اليمنى:" هل ستبيد دولة إسرائيل بطائرتين (ميج)؟
وكانت إجابة الوزير والتي أصبحت نكتة يتندر بها القادة السوفييت أيضاً:" وما علاقاتنا نحن بإبادة دولة إسرائيل, وهل نحن من سيحارب؟ إنها مصر التي ستحارب؟"
أسباب الانهيار والهزيمة متشابهة وان اختلفت الظروف وطبيعة المعركة مع الأجهزة الأمنية الفلسطينية لم يكن انهيارها لسوء تقدير في الموقف فقط بل هنالك أسباب وعوامل متراكمة منذ سنوات وبالتالي فان معالجة الأمور في حدود مسؤولية القادة الميدانيين والذين جرى الحديث عنهم وعددهم نحو ستين ضابط لن يحل المسألة ولن يكون رداً شافياً على هزيمة وانهيار أجهزة الأمن.
ولأول مرة منذ إقامة السلطة الوطنية يتم تشكيل لجنة تحقيق بهذه الجدية التي عرفناها الآن, فتقرير لجنة التحقيق برئاسة الأخ الطيب عبد الرحيم والذي تسلمه الرئيس أبو مازن رفع توصيات حسب ما أعلن لوسائل الإعلام أنها تطالب بعملية إصلاح جذرية أي تطهير شامل لأجهزة الأمن وإعادة بنائها على أسس مهنية ونأمل أن تواصل اللجنة الموقرة مهامها بدعم توجيه من الرئيس أبو مازن بوضع النقاط على الحروف في كافة أجهزة الأمن وان لا يكون هناك أحد فوق المساءلة بدءاً برئيس الجهاز وانتهاءاً بأصغر حارس, وكل من ثبت تورطه في فساد أو إهمال أو تقصير يحاسب وكل من أحسن وتفانى في خدمة الوطن ينال الثواب.
للأسف اعتاد بعض رؤساء أجهزة الأمن في السابق على التعامل مع ملفات فساد بعض الضباط بطريقة شاذة أوصلتنا إلى ما وصلنا إليه, فكان بعض رؤساء أجهزة الأمن يفرح عندما يرد تقرير عن ضابط ما يقوم بفساد أو إهمال أو تقصير فيطوى التقرير فرحاً مسروراً لأنه وصل لغايته فهذا الضابط في نظره أصبح في الجيب, خير من يعتمد عليه في خدمات شخصية تدر الأموال على رئيس الجهاز ولاحقاً تتحول الخدمات الشخصية إلى ترقيات وامتيازات لهذا الضابط ويتقلد مسؤوليات وأما من رفع التقرير بحق ذلك الضابط يتحول إلى منبوذ ومحروم من بركات رئيس الجهاز إلى يوم الدين, وبالتالي تم إبعاد المخلص والمهني وتهميشه ليحمل صفة "ضابط ذليل".
في هذا المناخ السيئ استأسد الفاسدون وجمعوا الثروات والامتيازات بلا حسيب أو رقيب, بل أنهم تمادوا في غيبهم وضلالهم حتى رأينا ضابطاً برتبة نقيب يتجول بغزة بسيارة فارهة من الجهاز وتسير خلفه سيارة جيمس لحمايته وهى مخصصة لرؤساء الأجهزة, والسؤال ما هي الخدمات التي أسداها هذا النقيب العبقري لرئيس الجهاز حتى يمنحه سيارة جيمس مخصصة لرؤساء الأجهزة يتجول في موكب عظيم وكأنه مونتغمري.
وهل أتاكم حديث النقيب صاحبة الهيكلية؟ وكيف يستثنى رئيس الجهاز كل الرتب الرفيعة والخبرات العالية في جهازه ليوكل مهمة إعداد هيكلية الجهاز لنقيب آفاق يحترف الكذب والنفاق والوسوسة في أذن رئيس الجهاز. والنكتة أن هذا النقيب "وهو غير صاحب سيارة الجيمس والمواكب" حالة أخرى هيئ له بهذه المهمة انه أصبح بمستوى رئيس الجهاز فاعد هيكلية لجهاز يحكمه ضابط برتبة نقيب اى أردا تفصيل الجهاز على مقاسه الشخصي فبدأ بحملة عجيبة بإبعاد الضباط الذين تزيد رتبتهم عن نقيب أي من رائد فما فوق وبأساليبه الجهنمية عين رائد مساعداً لنقيب أي حشر الرتب الأعلى كمساعدين لما هم برتبة نقيب فما دون .
مهزلة غير مسبوقة ولكنها وقائع سبقت انهيار الأجهزة, أما من كانوا في رتب أعلى فأحاطت بهم المؤامرات والدسائس من كل جانب كما يحيط السوار بالمعصم على يد النقيب.
أما سمسرة النثريات فتلك قصة لا تقل ايلاماً وتأثيراً على معنويات الضباط فعندما يأتي ضابط لمدير إدارة ويطلب حصته من النثريات المخصصة لكل ضابط وهى من "200 إلى 500 شيكل" فيقول له مديره الإدارة لا يوجد لديه ما أعطيك لان إصلاح سيارتي يكلف شهرياً خمسة ألاف شيكل برغم أن سيارته اشتراها له الجهاز بعشرين ألف دولار حديثة "بورقتها" أي لا تحتاج سوى البنزين, ويخرج الضابط من عنده حزيناً منكسراً يرفع الشكوى لمن هوى أعلى من مدير إدارته ولا يجد من يسمعه.
أما مدراء الإدارات فتلك من عجائب الفساد فبعض مدراء الإدارات حول إدارته غالى دكان لمصالحه الشخصية وفرض على بعض الضباط العاملين بإدارته التفرغ لمشاريعه الشخصية فهذا الضابط مفروز من قبله ليداوم في محل تجارى يملكه وهذا الضابط مفروز ليداوم في محل آخر وآخر في مكان آخر بدون ذكر التفاصيل والأسماء.
ولا نريد أن نذكر تفاصيل أكثر لأننا أردنا أن نذكر إشارات ورؤوس أقلام فقط ونترك التفاصيل وتحديداً الأسماء والمسئوليات للجنة التحقيق الموقرة التي نثق بنزاهتها وصدق توجه الأخ الطيب عبد الرحيم في تطهير هذه الأجهزة.
أما الهاربين في رام الله سواء بعد أحداث غزة وانهيار الأجهزة أو ما قبل ذلك ممن تسابقوا إلى مغادرة قطاع غزة قبل أن تقع الواقعة, فنجد أحد الضباط الهاربين في رام الله ينشغل الآن بقضية تهم المصلحة العليا لشعبنا وهى افتتاح بوتيك في رام الله يستثمر فيه أمواله بعد أن أشبعنا مراجل وبطولات وهمية.
أما المهمات الخارجية الوهمية والتي ينفق عليها سنوياً مئات الألوف من الدولارات لدرجة أن أحدهم يسافر في مهمة يجنى من ورائها بضعة آلاف من الدولارات وهى مهمة وهمية مفبركة هدفها أن يجنى بعض الأموال, وقد فعلها عدة مرات. فنرى هذا الضابط الهمام يأتي من سفر ليعود مسافراً في مهمات أغلبيتها وهمية يعيش من ورائها حياة الأمراء. وفى الوقت نفسه نجد الضابط الذي يجلس ينتظر على باب المسئول ذليلاً يحمل في يده كتاباً يطلب فيه مساعدة بخمسمائة شيكل فيأتيه الجواب بالرفض, وفى حين يحصل صاحب المهمات الوهمية على مبالغ تتراوح ما بين 4-6 ألاف دولار في كل سفرة وخلال الشهر يسافر مرات متكررة.
في الأحداث المؤسفة التي سبقت اتفاق مكة المكرمة تم محاصرة ضابط كبير في مقر فرعى بجهاز أمنى طوال ساعات الليل وبقى يدافع عن المقر مع أربعة من رجاله فقط حتى استشهد في المقر.
ذلك الجهاز لم يكلف خاطره أن يرسل سيارة عسكرية لنجدته كما فعل مع النقيب أبو سيارة جيمس أو أن يصدر بيان نعى هذا الضابط ورجاله الذين استبسلوا في الدفاع عن المقر طوال الليل محاصرين تنهال عليهم قذائف الأربجيه ولم يصدر بيان بأربعة أسطر ينعون فيه هذا الشهيد بل تجاهله الجهاز ليبرر احد المسؤولين موقفه في تخاذله عن عدم إرسال أي قوات لنجدته قائلاً"لقد بقيت على اتصال بالجوال بالضابط حتى استشهاده الساعة السادسة صباحاً" أما مسئول آخر فبرر التخاذل في إنقاذ هذا الضابط الكبير ورجاله بقوله ´لا أريد أن أرسل أولاد الناس للموت".
فالذي برر موقفه بأنه كان على اتصال بالجوال بهذا الضابط حتى الساعة السادسة صباحاً أي كان لديه ساعات طويلة ومتسع من الوقت لإرسال قوات لإنقاذه وهل كان ما يحتاجه الضابط هو اتصالات هاتفية على الجوال من مسئول في الجهاز ليروى له حكايات قبل أن تنام أو قبل أن تستشهد, وهذا الضابط الشهيد لم يكن بحاجة لحكايات ذلك المسئول لأنه قاتل ببسالة مشهودة, ولم ينصفه جهازه حتى ببيان نعى بأربعة أسطر فأنصفه الرئيس أبو مازن بمنحه نوط القدس.
لم تكتمل فصول المرحلة الهزلية المضحكة المبكية عند هذا الحد , بل إن الهاربين في رام الله أخذوا يطالبون بامتيازات وسيارات ومناصب ويتصارعون فيما بينهم للحصول على هذه الامتيازات لتكرار سيناريو غزة ولكن رفضت طلباتهم لأنهم رهن التحقيق.
إننا بهذه الإشارات أردنا توضيح بعض جوانب الانحرافات في أجهزة الأمن الفلسطينية والتي كانت سبباً قوياً من أسباب الانهيار ونأمل أن تكون هذه المعطيات بمثابة رسالة مفتوحة إلى الرئيس القائد أبو مازن الذي بعث الأمل في نفوس كل العسكريين ولأول مرة منذ إقامة السلطة لإصلاح أجهزة الأمن وتطهيرها بعد أن حالت الظروف في السنوات السابقة للقيام بهذه الخطوة, ونحن على ثقة أن الرئيس أبو مازن رائد وقائد ثورة الإصلاحات في مجتمعنا الفلسطيني سيعطى كل ذي حق حقه وسيقوم بإصلاح الأجهزة الأمنية وتطهيرها من كل عابث لندخل إلى الدولة الفلسطينية المستقلة بمؤسسات تليق بشعبنا وتضحياته بعد أن حاول بعض العابثين تحويل السلطة إلى دولة من دول أمريكا اللاتينية ..إحدى جمهوريات الموز.
رغم مرارة ما حصل من انهيار الأجهزة على النحو المخزي الذي شاهدناه على شاشات الفضائيات فان ثقتنا بقرارات الرئيس أبو مازن لا حدود لها وعملية التطهير التي يقودها الأخ الطيب عبد الرحيم بتوجيهات من الأخ الرئيس تحظى بإجماع جماهيري شعبي فلسطيني منقطع النظير لأنها تتحقق ولأول مرة منذ أقامة السلطة بكل حزم وجدية ولا يأخذها في الحق لومة لائم.
*كاتب فلسطيني-رام الله
التعليقات