معلومات استخبارية عن ملاجىء تحت الارض أقامها نصر الله في جنوب لبنان بعيدا عن أي مكان سكن

معلومات استخبارية عن ملاجىء تحت الارض أقامها نصر الله في جنوب لبنان بعيدا عن أي مكان سكن
معلومات استخبارية عن محميات طبيعية تحت الارض أقامها نصر الله في جنوب لبنان بعيدا عن أي مكان سكن بقيت داخل صناديق في اسرائيل



المعلومات الاستخبارية عن المحميات الطبيعية ، أي الملاجيء تحت الارض التي أقامها نصر الله في جنوب لبنان بعيدا عن أي مكان سكن، بقيت داخل صناديق. كُتب علي كل صندوق أي الملفات يشتمل عليها. حظيت كل محمية بملف يخصها. كانت التفصيلات كثيرة، وإن لم تكن كاملة أو حديثة تماما، بيد أنها بقيت مخزونة في مكاتب قسم الاستخبارات في قيادة الشمال.

حرصت شعبة الاستخبارات في هيئة القيادة العامة (أمان) علي ألا تنشر المعلومات الحساسة بين المستويات الميدانية تحت مستوي القيادة. كان خوف انه اذا تسربت المعلومات وتبين لحزب الله أنها وصلت الي الجيش الاسرائيلي، فانه يبحث عن مصادره حتي ينجح في إحراقها .

كان الحذر شديدا جدا، الي حد أنه لم يُسلم المحللون الذين فحصوا عن الصور الجوية التي تمت في جنوب لبنان من اجل احتياجات استخبارية، نقاط التعيين الدقيقة للمحميات الطبيعية. لم يعرف قائد المدفعية في قيادة الشمال، العقيد يوسي سار، الذي طُلب اليه أن يستعمل النار لمحاولة التشويش علي اطلاق القذائف الصاروخية، لم يعلم حتي أن جزءا كبيرا من الاطلاقات يتم من داخل المحميات الطبيعية. في الحقيقة أن شعبة الاستخبارات طورت نظما حاسوبية للنشر السريع للمعلومات الحساسة ساعة الحاجة، لكن بسبب الأفضلية التي أُعطيت لسنين للقتال في المناطق لم تُرتب في الشمال. الحذر الشديد في الحفاظ علي المعلومات مخصص بالطبع للاوقات العادية فقط. لم توجد نية أن تظل المعلومات المهمة مخزونة ساعة الحرب عندما يكون الأمر ضروريا للقوات. لكن هذا بالضبط ما حدث.

وهكذا، في يوم الاربعاء التاسع عشر من تموز (يوليو)، بعد اسبوع من نشوب الحرب، وجدت قوة صغيرة من الوحدة الممتازة مغلان نفسها فجأة في قلب موقع كهذا لحزب الله، لم تعلم بتفصيلاته ومجرد وجوده. كانت القوة في احدي العمليات البرية الاولي في الحرب، في اطار سلسلة من العمليات القريبة من الحدود. كان الهدف المتواضع جدا وقف اطلاق قذائف الرجم وقذائف المدافع التي أُطلقت بلا انقطاع نحو بيوت القرية الزراعية أفيفيم وقيادة الجيش الاسرائيلي المجاورة للقرية الزراعية. تم الاطلاق من تل داخل لبنان علي مبعدة بضع مئات من الأمتار عن الحدود، واسمه جل ـ الدير كان يوجد عليه حتي الانسحاب من الشريط الأمني موقع شكيد للجيش الاسرائيلي.

أُرسلت القوة الصغيرة، ثمانية عشر جنديا فقط، لاقامة برج مراقبة يحدد مصادر اطلاق النار لحزب الله. كان بالصدفة أحد الضباط في القوة، رجل احتياط وقائد سرية في ماضيه، إبناً للواء احتياط اهارون زئيفي ـ فركش الذي أنهي عمله رئيسا لـ أمان قبل الحرب بنصف سنة.

تحت غطاء الظلام قام المحاربون بجوار تل شكيد وغطوا أنفسهم بشبكات إخفاء وبأغصان. وخُصصت اربع دبابات للتغطية من بعيد. عندما طلع النهار بدأت القوة محاولة تحديد من أين يطلقون النار علي أفيفيم. في الساعة 11:40 فقط أدرك الجنود انهم موجودون داخل موقع لحزب الله فيه مواقع كثيرة، ليست أقل تغطية من مواقعهم. القنبلة اليدوية التي ألقاها الجنود علي احدي الآبار أصابت شبكة تغطية. مُطت الشبكة وأعادت القنبلة اليدوية الي القوة وعند ذلك فُتحت النار من عدة اتجاهات.

اتصل قائد مغلان، المقدم اليعيزر هاتفيا بقائد فرقة الجليل، العميد غال هيرش. إقطع كل كابل تراه في الميدان ، أمره هيرش. استعمل محاربو حزب الله الكوابل للاتصال من نقطة الي نقطة.

ساد الخوف في التل، لكن لم يوجد وقت فراغ للتفكير فيه. دار القتال بين الصخور. كان الرقيب اول يونتان هداسي والرقيب اول يوتام غلبوع أول قتيلين من الجيش الاسرائيلي في عملية برية منذ اتخاذ قرار الخروج للحرب. وأُصيب تسعة محاربين آخرين.

اخافت أصوات الانفجار الدجاج في أخمام القرية الزراعية أفيفيم. قصفت طائرات ومروحيات قتالية الوادي بين شكيد وأفيفيم للتغطية علي تخليص الجرحي. وأُمطرت الجنود الذين جروا مع الحمالات بقذائف الرجم، وكان رفاقهم النازفون عليها. ابتدأت النباتات الصيفية الجافة تشتعل، وغطي دخان كثيف ميدان القتال. في غرفة عمليات مغلان، من وراء أخمام الدجاج في القرية الزراعية، احتضنت الجنديات بعضهن بعضا وبكين.

في تلك اللحظات خطرت فكرة في قيادة فرقة الجليل: أدركوا فجأة هناك ان الانذارات التي لا تنقطع التي تم الحصول عليها في الفترة قبل الحرب من لينكولن ، الجهاز الذي خُصص لتحديد مواقع سقوط قذائف الرجم علي حسب دوي الانفجار، شهدت في الحقيقة علي عمليات الحفر داخل تل شكيد. أصر لينكولن علي أن يُبلغ لاشهر عن القذائف التي لم توجد، وفي مرحلة ما كفوا عن البحث عن آثار اطلاق النار. تبين في ظهيرة التاسع عشر من تموز (يوليو) 2006 فقط أن الانفجارات التي عرفها لينكولن كانت أصوات الحفر في المحمية الطبيعية جل ـ الدير.

المحمية، التي تبينت تفصيلاتها في المادة الاستخبارية المخزونة في القيادة، كان يسيطر عليها نحو عشرين فردا من حزب الله، أكثرهم محاربون مشاة ذوو كفاءة عالية من القوة الخاصة للمنظمة، يمر جنودها بتدريبات في ايران. يبدو أن خمسة منهم قُتلوا في المعركة.

في تل شكيد بدأ الجيش الاسرائيلي القتال البري في لبنان بداية سيئة. لقد فعل ذلك علي نحو متردد، دون إظهار تصميم وبغير تظاهر بمضاءلة اطلاق الصواريخ نحو الشمال ولو قليلا. تخلي الجيش الاسرائيلي عن امتياز كِبره كجيش يعد مئات آلاف المحاربين وواجه منظمة عددها علي حسب التقديرات من ثلاثة آلاف حتي اربعة آلاف شخص في جنوب لبنان. بدل أن يُغرق المنطقة بقوات عظيمة مع استغلال التفوق الجوي التام أو الاكتفاء بأهداف محدودة يمكن احرازها بعملية من الجو فقط، زحف الجيش الاسرائيلي الي أهداف غير مهمة كان لحزب الله فيها امتياز واضح، لأنه يعرف المنطقة معرفة أفضل ويوجد في مواقع محمية.

سلك الجيش الاسرائيلي سلوكا يخالف أكثر مباديء القتال أساسية: تركيز الجهد في قطاع ما، والحفاظ علي توالي القتال واستمراره، ونقل ساحة المعارك الي ارض العدو وتقصير أمد الحرب قدر المستطاع للتخفيف من معاناة الجبهة الداخلية. كانت هذه المباديء سائدة في ايام وزير الدفاع الاول دافيد بن غوريون، الذي سن أسس الجيش الاسرائيلي، وبقيت سائدة عشرات السنين بعد موته. وهي تُدرس في دورات القيادة التعليمية الأقل شأنا لكنها أُهملت في هذه الحرب علي عِلم.

يجب تغيير القرص

في اليوم الذي دفعت فيه وحدة مغلان دما عن العملية في شكيد، لم يدرك الجمهور والقيادة بشكل كامل معني حقيقة أن الجيش الاسرائيلي موجود في قتال شديد لعدو ذي خبرة وتدريب، مزود بوسائل متقدمة. أنشأ الاعلام الاحساس بأن كل قتيل يشهد بالتقصير. في هيئة القيادة العامة صعب عليهم أن يفهموا كيف تورطت عملية برية سهلة نسبيا للسيطرة علي منطقة بقرب أفيفيم. ولم يفهم وزير الدفاع عمير بيرتس ايضا لماذا يُقتل الجنود، وخاب أمل رئيس الحكومة ايهود اولمرت.

رغم ذلك، في نقاش في المجلس الوزاري السياسي ـ الأمني المصغر، أُجري في ذلك اليوم، عُرضت صورة متفائلة. بعد الجلسة فقط تبين للوزراء النتائج الشديدة للمعركة في شكيد. اتصل وزير المواصلات شاؤول موفاز، الذي اضطر أن يترك حقيبة الأمن قبل ذلك ببضعة أشهر، برئيس الفريق في ديوان رئيس الحكومة، يورام توربوفيتش، وطلب الحديث الي اولمرت. رجع اولمرت اليه عند منتصف الليل تقريبا.

قُل لي، ما هذه العملية؟ ، تحرش وزير المواصلات. دافع رئيس الحكومة عن نفسه قائلا: أجزت لهم أن يدخلوا 1.5 كيلومتر فقط .

موفاز: في 1.5 كيلومتر يوجد مئات من أفراد حزب الله .

اولمرت: لا استطيع أن أُراقب هذه العملية. سأتحدث الي رئيس الاركان الذي سيفحص مرة ثانية عن عمليات كهذه .

في الحقيقة أن رئيس الاركان دان حلوتس طُلب اليه أن يُقدم تفسيرات، لكن العميد غال هيرش قائد الفرقة 91 هو الذي كان موجودا في هذا الوضع الأعوج. كان الضابط القصير القامة ما زال لم يثُب اليه رشده من اختطاف جنود الاحتياط ومن الأحداث الشديدة التي صاحبت ذلك. وكان قد شعر انهم في الأعلي في القيادة غير راضين عنه بقدر كبير. وأنهم وضعوا عليه علامة. الحقيقة أن الأمر كان كذلك. كانت العملية في شكيد يمكن أن تنتهي من غير أن يعلم حزب الله بها وبغير طلقة واحدة. لكن التورط فجر كل شيء.

سبقتها نقاشات بين قائد الفرقة 91 وبين قائد المنطقة الشمالية أودي أدام. كان توجهاهما مختلفين. في اليوم الثاني للقتال علق هيرش وراء ظهره في غرفة العمليات بخط يدوي: حرب . وقد دفع الي تنفيذ اجراءات برية علي ارض لبنان والي تجنيد رجال الاحتياط في الفرقة. دعونا نعبر الحدود، دعونا علي الأقل ننفذ عملية جلسات صحيحة (خطة لقيادة الشمال للسيطرة علي مناطق وراء الحدود لمنع اطلاق نار مباشر علي البلدات ولكي تصبح قاعدة لهجوم واسع وقت الحاجة) ، طلب هيرش من القيادة. واشتكي من أنهم يُقيدون يديه وشعر بأن قائد منطقة الشمال لا يدرك أنه نشأ وضع جديد وأنه يجب تغيير القرص.

أدام، من جهته، خاف جدا مبادرات هيرش. بعد التورط في شكيد وُجد في القيادة الشمالية شعور بأن هيرش يستخف مرة اخري بالمستويات فوقه، كما حدث أكثر من مرة في الماضي. زعموا في القيادة أنه وعد بعملية هادئة وقاد الي معركة صعبة. كان الضغط علي هيرش عظيما. بدا كئيبا، لكن مزاجه النفسي أصبح أكثر هجومية مما كان قبل المعركة علي التل وراء الحدود.

فكر هيرش في الهدف القادم: السيطرة علي قرية مارون الراس، التي تقع علي جبل ارتفاعه 917 مترا فوق سطح البحر ويسيطر علي تل شكيد وعلي منطقة أفيفيم. قبل التورط في شكيد نجح هيرش في اقناع القيادة بالحاجة الي السيطرة علي مارون الراس. وُلدت هذه الخطة نتيجة أمر عسكري وجهته هيئة القيادة العامة الي قيادة المنطقة الشمالية في السابع عشر من تموز (يوليو)، في اليوم الذي خطب فيه ايهود اولمرت في الكنيست خطبته الي هنا . طُلب الي القيادة أن تنفذ اجراءين يدخلان ارض لبنان في كل ليلة. في ليل المعركة علي شكيد خرج محاربو لواء المظليين بقيادة العقيد حاغي موردخاي الي منطقة قرية عيتا الشعب، قرب مكان اختطاف ريغف وغولد فاسر، أما كتيبة الاستطلاع الدرزية المسماة حيرف فأُرسلت الي قرية مروحين، ولم تلق هناك مقاومة ذات شأن.

هذه مهمة انتحارية

سقط الأمر العسكري باحتلال مارون الراس من القيادة علي الفرقة 91 في يوم الاربعاء في الساعة السابعة والنصف صباحا، قبل اربع ساعات من المواجهة في شكيد. في اثناء النهار فُرض علي فرقة هيرش مهمة اخري: أن يُرسل محاربو وحدة أغوز لاحتلال المحمية الطبيعية التي أُقيمت عند سفح قرية يارون، غربي أفيفيم، تجاه القرية الزراعية دوفاف. من هناك ايضا أُطلقت نار متوالية علي اسرائيل. بادر الي هذه العملية خاصة فرقة المظليين المنتخبة عمود هايش التي يقودها العميد إيال أيزنبيرغ بتنسيق مع القيادة. لكن في اللحظة الأخيرة تقريبا تقرر نقلها لتكون من مسؤولية فرقة هيرش، بعد أن اشتكي هذا علي مسامع أدام من أنه لا يمكن أن تتم عملية علي مبعدة عدة عشرات من الأمتار عن الجدار وألا تكون لفرقتي .

هيرش، الذي جري ذهابا وإيابا في المنطقة الواسعة التي تحت مسؤوليته (بعد اربعة ايام من طلب نائب رئيس الاركان اللواء موشيه كابلنسكي من أدام أن يقسم المنطقة بين الفرقة 91 وبين الفرقة 262، وما زال الأمر لم يتم)، دخل عمق العملية في محمية يارون قبل وقت قصير من خروج القوة في طريقها. كان العقيد داني كاس، قائد لواء الاحتياط المنتخب 551، الذي كان محاربوه لم يُجندوا بعد، كان يفترض أن يقود العملية من قبل مفرزة عمود هإيش . تحمل المسؤولية عن وحدة أغوز النظامية وأمر قادتها بتخطيط العملية.

كان العميد إيرز تسوكرمان، وهو قائد فرقة احتياط مدرعة في قيادة الشمال، ضابطا آخر وجد نفسه مشاركا في الخطة لاحتلال محمية يارون. تسوكرمان، وهو قصير القامة وخشن، نشأ في الكوماندو البحري. كان القائد الاول لوحدة أغوز التي أُقيمت في 1995، وقائدا للوحدة البحرية 13، وقائدا للواء غولاني زمن الانفصال. في اعماله السابقة قاد تسوكرمان عددا لا يُحصي من اعمال الغزو في جنوب لبنان وعرف كل سبيل في المنطقة تقريبا.

كان تسوكرمان خائب الأمل لأن فرقته لم تُطرح في المعركة. حاول أن يُدفع الي القتال، لكنهم في قيادة القيادة الشمالية رأوه ملحاحا لا شفاء له. ومع أسفه انضم الي قائد منطقة الشمال السابق عميرام لفين والي العميد موشيه تامير، الذي حل محله في قيادة أغوز. حاولوا أن يفكروا معا في خطط لقيادة الشمال، لكنهم لم ينجحوا في تسويق أفكارهم وتلاشت المبادرة.

في يوم الاربعاء في الظهر، بعد أن خلص محاربو مغلان أنفسهم من شرك المحمية الطبيعية في موقع شكيد، اتصل تسوكرمان بقائد الوحدة المقدم اليعيزر. أنا فخور بكم ، قال له بالهاتف المحمول المشفر للجيش الاسرائيلي. شعر اليعيزر بأن التعزيز غير المتوقع أعطاه قوة لـ 12 ساعة اخري من القتال. بعد ذلك بوقت قصير تلقي تسوكرمان ايضا مكالمة هاتفية مفاجئة. كان علي الخط ضابط في الوحدة. هو وإيرز يعرف بعضهما بعضا جيدا من الايام التي كان فيها تسوكرمان قائدا لـ أغوز وللواء غولاني.

قال الضابط لايرز: هل أنت في الشمال؟ أنا بحاجة الي أن تأتي . وجاء إيرز. انحني قادة أغوز فوق خرائط في مرآب في غابة برعام، بقرب أفيفيم. أصبحت الطاولات الخشبية للكيرن كييمت مقاعد لغرفة العمليات الحربية. كان هناك الضابط الذي اتصل بايرز، وقائد أغوز ايضا المقدم موردخاي كهانا وضباط آخرون. لم يبدُ عليهم انهم فوجئوا بزيارة قائد الوحدة وقائد اللواء سابقا.

في الساعة الرابعة بعد الظهر كان الجو ما يزال حارا، لكن الاشجار القديمة أظلتهم. شحبت وجوه ضباط أغوز الذين انحنوا فوق الخرائط كلما تعمقوا في تفصيلات خطة السيطرة المخطط لها علي المحمية الطبيعية. فقد عرفوا جيدا أن الخبرة الأساسية لأغوز بالحرب في لبنان ضعفت ضعفا شديدا في السنين التي عملت فيها الوحدة، كالجيش الاسرائيلي كله، في محاربة الارهاب الفلسطيني في المناطق. أثبتت المعركة في شكيد مبلغ كون احتلال مواقع حزب الله مهمة خطرة، وإن كانوا في هذه المرحلة ما زالوا يعتقدون أن المحمية الطبيعية هي في الأكثر كهف أو ملجأ ارضي. الآن ايضا، بعد تورط مغلان، بقيت المعلومات المفصلة عن المحميات الطبيعية مخزونة في صناديق القيادة. ما زالت القوات لم تعلم بأن كل واحدة من المحميات هي نظام ملاجيء ارضية من الاسمنت وفيها أبواب فولاذية، وسلالم، ومنافذ طوارئ ومنافذ هرب وشبكة وسائل تضمن اتصالا متواصلا، بعضها محوسب.

الي جانب تحدي احتلال المحمية الطبيعية أقلق قادة أغوز الخوف من أن تنكشف القوات في الطريق، لأن مسار الوصول الي قرية يارون مر في منطقة منخفضة من ناحية طوبوغرافية. أوضح تحليل المنطقة أن المحاربين في الهدف نفسه سيكونون مكشوفين لاطلاق النار عليهم من الخلف. قال المقدم كهانا: هذه مهمة انتحارية .

كان العميد تسوكرمان قلقا. جيئوني بدرع ، طلب. أنا صاعد الي الفرقة من اجل التنظيم لأدخل مع القوات في الميدان. من ذا يعلم كم من الوقت سنكون في الداخل . كان يبدو قائد الفرقة كمن وجد هدفه في الحرب آخر الأمر.

لم يعتمد الضباط في أغوز البتة علي غال هيرش، القائد الذي رأوا أنه أرسلهم الي المهمة. ورغم انه شارك في عمليات كثيرة في لبنان كقائد لوحدة شلداغ وفي طائفة من المناصب التي شغلها في لواء المظليين، شعروا بأنه لا يعيش مثلهم الميدان في لبنان، وكانوا يرون أن من نشأ في أغوز فقط يعرف حقا كل تل وكل نقب معرفة حميمة. بدل إشراك غال في الضائقة التي كانوا فيها ومشاورته فيما يتعلق بصعوبة احتلال محمية يارون، فضل القادة الاتصال بتسوكرمان وبالعميد موشيه تامير، الذي انتظر في ذلك الوقت تعيينه قائدا لفرقة غزة، لاستماع رأييهما. استمرت الهواتف المحمولة تُرن. بعد أن ترك تسوكرمان غابة برعام تلقي مكالمة هاتفية اخري، من حاغي بيلغ، القائد الثالث لأغوز، الذي حل لحينه محل موشيه تامير. ترك بيلغ الجيش الاسرائيلي بعد انتهاء عمله في أغوز وعُين قائدا للوحدة الشرطية الخاصة لمحاربة الارهاب. حاول الآن ايضا أن يندمج في الجهد القتالي. حدد الضابطان، تسوكرمان وبيلغ، اللذان تجولا في الشمال بلا عمل محدد، موعدا للجلوس علي فنجان قهوة. في اللقاء تحدث تسوكرمان لبيلغ عن المهمة الانتحارية المعدة لأغوز. قررا أن يخطوا خطوات لاحباط العملية المخطط لها.

اقترح بيلغ قائلا تحدث الي كابلان . فنائب رئيس الاركان اللواء موشيه كابلنسكي (كابلان) ينتمي مثلهما الي ما يُسمي الكتلة العسكرية الحاكمة من (خريجي) غولاني في الجيش الاسرائيلي. قبل تسوكرمان النصيحة. توجه الي كابلنسكي واقترح هذا: قُل لكهانا (قائد أغوز) انه اذا كان يري أن المهمة اشكالية، فليقل انه لا يستطيع تنفيذها. أنت تعلم حال قادة الكتائب، أجاب تسوكرمان، فهم ينفذون الأوامر العسكرية دائما. وقرر أن كهانا لن يرفض أبدا.

ورغم ذلك ساعد هذا الاجراء. نُقلت رسالة أنه يجب وقف العملية في يارون من هيئة القيادة العامة الي قائد المنطقة أودي أدام. فحص هو نفسه عن خطة احتلال يارون وألغاها. عندما حصل هيرش علي إعلام بأن العملية في يارون ملغاة اعتقد بسذاجة أن الحديث عن قرار ينبع من تقلب القيادة. فقد ضباط أغوز، من جهتهم الثقة بتقدير هيرش، وبلغت اشاعات الي فرقة الجليل أن أفراد غولاني يكيدون له. وتم الحديث عن أنهم مشتاقون الي درجة الموت الي استبدال موشيه تامير بهيرش، وهو الذي يلقبونه دوبرمان ، لكي ينقض أمامهم علي حزب الله (مع سكين بين أسنانه).

إن انعدام الاطراء الي حد العداء في القيادة العسكرية تجاوز كثيرا حدود القيادة الشمالية. وجه ضباط مظليون كبار ايضا في تلك الايام نقدا لاذعا الي عمل قائد الفرقة 91 . إن جزءا من الاقوال التي صدرت عن الضباط عن هيرش وجدت طريقها الي الاعلام. كانت الحملة عليه تعبيرا متطرفا عن أن الصداقة، والرفقة العميقة في كل ظرف التي قدسها جيل البالماخ، قد اختفت من قيادة الجيش الاسرائيلي، فقد نشأت العداوة بدل الصداقة الحقيقية، كما قال حلوتس في خطبة استقالته.

الأسري أُطلقوا في الحال

لكن رغم التشاحن، كان يجب الاستمرار في القتال. سُلمت قيادة العملية البرية المهمة الاولي، احتلال مارون الراس، الي قائد اللواء 300، اللواء الغربي علي حدود لبنان، العقيد حين لفني. كانت غرفة العمليات الحربية قائمة في أحد الكيبوتسات، قرب الجدار الحدودي.

بدأت العملية في مارون الراس في الليلة بين الاربعاء والخميس، بين 19 ـ 20 تموز (يوليو). سيطر محاربو كتيبة استطلاع المظليين، بقيادة المقدم نمرود ألوني علي الجزء الشمالي من القرية. رغم أن اسم مارون الراس يشهد بأن المكان كان في الماضي متصلا بالمسيحيين الموارنة في لبنان، فان الحديث اليوم عن قرية شيعية فيها عدد قليل من السكان المسيحيين. قامت القرية الصغيرة، وعددها نحو من ثلاثة آلاف ساكن في الحصيلة العامة، في مركز معارك الجيش الاسرائيلي في ايام حرب التحرير، واحتُلت ايضا في عملية الليطاني في 1978 وفي حرب لبنان الاولي. أبرز مبني في القرية هو المسجد بالطبع. كان النظام القتالي الذي أقامه حزب الله قبل ذلك محصورا في قلب القرية، في جزئها الأعلي. وكان هناك ايضا موقع استخباري مغطي عمل في التنصت علي قوات الجيش الاسرائيلي. المدرسة المحلية، التي كانت مغلقة أصلا في شهور الصيف، لعبت دورها كموقع قتالي في اوقات الطواريء. احتشد نحو من 25 مقاتلا من حزب الله هناك، 25 فقط. وكان بضعة عشرات آخرون منتشرين في مناطق اخري في القرية.

بدأت المعركة علي نحو ناجح. وجه قائد الكتيبة نمرود نار الصواريخ التي أُطلقت من الجو ومن البر نحو 34 هدفا في القرية. بدأ حزب الله ينقل جرحاه بذعر نحو بلدة اللواء المجاورة بنت جبيل. وبدأت تصل أنباء عن أن قائد قواتهم في مارون الراس قُتل. في مقابلة ذلك انقطع آخر الأمر اطلاق نار حزب الله علي منطقة أفيفيم. حقق محققون مع أسري من الوحدة 504 من أمان مع أحد السكان المحليين اعتُقل وهو يتجول. قاد الجنود الي مبني كانت فيه محطة تنصت لحزب الله، موصولة بهوائي مدني في ظاهر الأمر.

كانت المعدات التي تم الكشف عنها داخلها مفاجئة بنوعيتها. كان مصدرها ايران، ولم تكن لتُخجل حتي وحدة التنصت 8200 في الجيش الاسرائيلي. تبين أن حزب الله من هذا المكان العالي تنصت علي الجيش الاسرائيلي 24 ساعة في اليوم، لا علي شبكات الاتصال وهواتف الوحدات في الحدود الشمالية، بل علي القوات التي عملت في المناطق ايضا. فالأقوال التي قيلت علي مبعدة مئات الكيلومترات التقطت هناك وسُجلت. كانت في حوزة أفراد الاستخبارات في حزب الله ملفات مفصلة عن المنطقة وعن قادة الجيش الاسرائيلي. خُصص ملف سميك علي نحو خاص لغال هيرش، الذي تمت مراقبته مراقبة لصيقة.

كانت تجارب الانتفاضة ما تزال تكوي رؤوس القادة. أرادوا في الجيش الاسرائيلي ان يروا في مارون الراس صورة نصر بارزة، مثل صورة مئات الفلسطينيين يرفعون أيديهم خاضعين ويُسلمون سلاحهم في قلب طولكرم في اثناء عملية السور الواقي في نيسان (ابريل) 2002 . بل إن الشرطة العسكرية تلقت أمرا بأن تُعد اعدادا سريعا موقع سجن في معسكر فيلون بقرب روش بينا لاستيعاب مئات من أفراد حزب الله الأوائل الذين سيقعون في الأسر، هناك.

عندما طلع صباح جديد علي مارون الراس، في يوم الخميس، تحدث هيرش بالهاتف الي قائد الكتيبة نمرود، وقال له هذا إن جنوده عدوا 13 جثة للمخربين. أسرع هيرش الي ابلاغ رئيس الاركان بذلك بفخر غير خفي: تدور المعركة علي نحو ممتاز! توجد 13 جثة! . كانت هذه بشري ممتازة لحلوتس. لقد أراد أن يعرض علي الجمهور وعلي المستوي السياسي الجيش الاسرائيلي في أفضل حالاته.

اتصل رئيس الاركان باللواء أدام وحثه علي أن ينقل صور أسري وقتلي من حزب الله. اتصل قائد المنطقة بالمقدم نمرود لطلب صور. كان عدد من المحاربين مزودين بآلات تصوير رقمية، في اطار اجراء يسمي توثيقا عملياتيا . لم يتحمس قائد الكتيبة للفكرة: أيها القائد، نحن غير مستعدين لتعريض الجنود للخطر من اجل جلب صور جثث . اذا كان الحديث عن تعريض جنود للخطر من اجل التصوير، فلا حاجة اذا. أنت علي حق ، أجابه أدام. لم يُسهم فشل مهمة الإتيان بصور قتلي في العلاقات المتعكرة بين أدام وحلوتس. ولا في صورة هيرش ايضا. وقد شكوا في الكرياه في تل ابيب في أن تكون عُدت في الميدان 13 جثة واعتقدوا أن أدام تبجح فقط. وغضبوا ايضا لانه لم يُعتقل في مارون الراس أسري ما عدا مارة عارضين أُطلقوا فورا.

قلة مقابل كثرة

آنذاك بدأت الأمور تتعقد. قلة مقابل كثرة، لكن أفراد حزب الله الأحسن تدريبا وتجهيزا من المخربين الفلسطينيين في المناطق، رفضوا الاستسلام في مارون الراس. أُصيبت دبابتان للجيش الاسرائيلي بصواريخ أُطلقت عليهما في قلب القرية. كان ذلك كما يبدو السبب في شعور قائد اللواء حين لفني بالضيق وطلب تعزيز قوات. قرر غال هيرش، الذي كان في قيادة الفرقة في بيرانيت، أن يُرسل الي الميدان وحدة أغوز. بعد ذلك زعم هيرش أن التعزيز كان يرمي من جهته الي استغلال النجاح ومن اجل تعميق الانجاز . بيد أن قادة أغوز وجنودها لم يفهموا حقا أنهم ماضون في مهمة استغلال النجاح . بل العكس.

تلقي قائد الوحدة المقدم موردخاي كهانا رسالة: أسرع الي قيادة اللواء 300، يوجد تورط في مارون الراس . عندما وصل غرفة العمليات الحربية تقدم مباشرة الي قائد اللواء لفني. القوة متورطة. يجب علينا أن نحاول مساعدتها ، قال لفني. انهم موجودون في نقطة في الجزء الشمالي من القرية. أُدخل واحسم المعركة . واحتج كهانا بقوله هل أدخل في وضح النهار؟ . اجل. في أسرع وقت ممكن. لا مناص. يجب علينا تخليصهم. لن يكون ذلك ذا صلة في الليل . أجاب قائد اللواء.

كانت الساعة العاشرة صباحا. لم يزن كهانا، وهو أحد القادة الشجعان في الجيش الاسرائيلي، يضع علي رأسه قبعة دينية صغيرة غير مرئية تقريبا وهو إبن أخ قائد حركة كاخ الذي قُتل الحاخام مئير كهانا، لم يزن امكانية رفض الأمر العسكري. فقد كان حزينا جدا لانه قبل ذلك بيوم لم يبادر الي الخروج في مهمة احتلال المحمية الطبيعية في يارون.

في الساعة الواحدة ظهرا كان محاربو أغوز تحت قيادته مُركزين في ساحة الكنيس القديم في برعام. في اليوم الثامن من الحرب كانت الوحدة الأكثر خبرة في الجيش الاسرائيلي بالقتال في لبنان، وإن لم تكن مدربة بقدر كاف ايضا، توشك أن تُطرح لاول مرة في المعركة. ثلاث سرايا. حقائب علي الظهر، واجهزة اتصال، وحمالات جرحي، واسلحة. ثم توجيه أخير من القائد وخروج في الطريق. سيرا علي الأقدام. بعد ساعتين ونصف كانوا موجودين داخل وطيس المعركة.

شاهد مراقبو حزب الله في المنطقة دخول أغوز مارون الراس في ظهيرة اليوم. البُعد بين المباني داخل القرية كبير. لا توجد أرصفة أو نباتات. لم يكد قائد أغوز كهانا وقائد المظليين ألوني يتبادلان كلمة، رغم أنهما عملا علي مبعدة بضع مئات من الأمتار بعضهما عن بعض.

في قرب الساعة الثالثة والنصف بعد الظهر بدأت المعركة الشديدة. قُتل محارب السرية ب من أغوز في لقاء لمخرب في مدخل بيت في القرية. لاحظت قوة السرية ج، التي تولي قيادتها الرائد بنيامين هيلمان، حركة سيارة مريبة سافرت الي الشمال نحو بنت جبيل لنقل الجرحي. فتح الجنود النار عليها ويبدو انهم أصابوها، لكنهم استوعبوا فجأة أنهم موجودون علي منحدر مُعرضين لنار من مدي بعيد من حزب الله. بعد مرور بضع ثوان أُطلق عليهم صاروخ ساغر مضاد للدبابات. سرعة الصاروخ قليلة، يمكن أن يُري مقتربا، تاركا وراءه مسارا دقيقا من النار، لكن لا يوجد وقت كاف للهرب منه. كانت الاصابة قاتلة. قُتل بنيامين هيلمان، وقُتل معه اثنان من جنوده. استمر الهجوم. اختفي فجأة الرقيب أول يهونتان فولسيوك، الذي حاول الوصول الي الجرحي. العدد الكبير من المصابين وبخاصة الجندي المفقود سبب الجنون. غمرت هاتف غال هيرش مكالمات من القيادة. نُقلت أوامر انسحاب مذعورة الي القوات في الميدان لكنها ألغيت فورا. منذ تلك اللحظة أصبحت المهمة الرئيسية تخليص المصابين وتحديد موقع الجندي المفقود.

هبط الظلام. طلب كهانا تجميد الوضع. لم يكن مستعدا لأن يترك بغير المحارب المفقود. كان الخوف الكبير من أن يكون يهونتان قد قُتل وأن تقع جثته في يد حزب الله. زحف محاربون مع تعريض انفسهم لخطر كبير نحو بيوت انهارت لاصابة صواريخ مضادة للدبابات إياها للبحث عن رفيقهم. منحت قنابل مضيئة أُطلقت من قذائف نورا خافتا لكنه ضروري. شعر قائد المنطقة أدام بأن العملية قد خابت. وصل الي غرفة العمليات الحربية ورأي قائد اللواء لفني يجلس فاغر العينين موحيا بالذعر، من غير أن تكون أمامه خرائط مكبرة للقرية أو مخططات معركة.

في الخلف في خط النار قنابل مضيئة، سقطت فوق مارون الراس علي نحو لا ينقطع. لماذا تطلقون قذائف رجم؟ ، سأل اللواء بحيرة. لسنا نحن بل حزب الله ، أجابه أناس غرفة العمليات من غير معرفة صورة الوضع الحقيقية. اذا كان هذا حزب الله فاقتلوهم ، قال أدام. اتصل مذعورا بقائد الفرقة هيرش. لا تقلق، كل شيء تحت السيطرة ، قال هيرش، الذي لم يعلم من أين يتحدث القائد. تعال الي غرفة العمليات في الحال ، سمع من الجانب الآخر من الخط.

سأُخرج لك القوات من مارون الراس ، قال أدام عندما وصل هيرش. بغير مقدمات لا حاجة اليها. كانت تلك لحظة الحسم في العلاقات بين القائدين الكبيرين. رواسب اجتمعت في اثناء ايام توالت فيها الاخفاقات أوشكت أن تثور.

أودي، أودي، أودي ، تلفظ هيرش باسم قائد المنطقة. ابتعد كلاهما مهتاجين عن خيمة غرفة العمليات ووقفا وراء حاوية معدنية ضخمة يستعملها مزارعو الكيبوتس. لم يرفع هيرش وأدام صوتيهما لتعبهما وألمهما. كُف عن الحديث إلي عن كل جريح وكل قتيل ، قال هيرش. ستنتهي الحرب مع 250 قتيلا و1500 جريح، وستكون طويلة. يجب التصرف كما في الحرب ، أضاف. أوكي، سيوجد قتلي، لكن لا داعي الي التبرع بهم الآن اذا كان يمكن الانتظار ، أجابه قائد المنطقة.

حلوتس يفقد الصبر

لم يكن الضغط علي أدام من الأعلي أقل ثقلا مما هو علي هيرش. في اثناء المحادثة بقرب الحاوية رن الهاتف المحمول المشفر. كان رئيس الاركان علي الخط. عندما تحدث اليه أدام لم يعرف أن مكبر الصوت في جهاز الهاتف في الكرياه في تل ابيب يعمل. لم يكن حلوتس المستمع الوحيد. فقد أحاطت به جماعة من الضباط من هيئة القيادة العامة. طُلب الي أدام أن يُبلغ عن اجراءاته القادمة. هناك امكانية أن نحتل بنت جبيل وعيترون من اجل اعطاء رد أوسع، وهناك امكانية أن نُكمل فقط احتلال مارون الراس ، قال أدام لحلوتس. أعطني وقتا أقرر. أنا أعالج هذا . بعد أن قُطعت المكالمة سخر نائب رئيس الاركان كابلنسكي من أدام وقال انه يقترح احتلال جنوب لبنان كله .

في نهاية المكالمة مع أدام بقي هيرش في غرفة العمليات الحربية وجعل حين لفني ينام، ببساطة كما تسمعون. كان قائد اللواء مرهقا تماما، بعد ثمانية ايام متتالية بلا نوم تقريبا. قاده هيرش نحو سيارة جيب هامر مع تدريع فولاذي وقفت وراء غرفة العمليات. إسمع، أنا علي ما يرام ، حاول لفني أن يعارض بصوت واهن. لكن قائد الفرقة ألح. يجب عليك أن تنام ، قال واحتضن لفني بحرارة. غطاه بكيس نوم وأصدر أمرا برجل اتصاله الخاص قائلا: لا يهم من يتصل، لا تُمكّن أي أحد من ايقاظ حين .

بعد ذلك عاد الي غرفة العمليات الحربية، وأرسل ايضا ضابط استخبارات اللواء لينام وقال للضباط الذين بقوا: عندنا بعض مهمات ننفذها، لكن قبل كل شيء يجب أن نجد الجندي المفقود .

بعد مضي ساعتين تكلم أدام مرة اخري الي رئيس الاركان بالهاتف. قررت أن آخذ الي مارون الراس اللواء 35 (المظليين). أقمت في غرفة العمليات الحربية قائد الفرقة هيرش ، أبلغ. في هذه المرحلة فقد حلوتس صبره.

ما الذي دهاك حتي أتيت بقائد اللواء 35 وبقائد الفرقة ايضا؟ لماذا يوجد مستويا قيادة؟ ، وجه رئيس الاركان القول بغضب الي قائد المنطقة.

أنت لا تفهم ، أجاب أدام. أتيت بقائد الفرقة لينظم الأمر هنا، لانه سيتولي قيادة المعركة شخصيا. هذا وضع تدخل قائد، لا مستوي قيادة آخر .

عندما استيقظ لفني من نومه لم تكن القوات المحاربة في مارون الراس تحت قيادته. أمر القائد أدام بنقل قيادة القتال في المعركة الي قائد لواء المظليين العقيد حاغي مردخاي. تلقي موردخاي النبأ عندما كان مع جنوده علي تل عند ضواحي عيتا الشعب وكان يخطط كيف يستولي علي قلب القرية. اضطره تغيير المهمة الي أن يطوي قوات اللواء عن منطقة القرية بعد يومين من الاستعدادات، من غير أن يحدث أي غزو ومن غير أن تُهاجَم أهداف حزب الله بالصواريخ كما تم التخطيط.

رغم أن القوات لم تبلغ قلب قصبة عيتا الشعب، أُصيب أحد محاربي المظليين اصابة شديدة في تبادل اطلاق نار مع حزب الله. كان تخليص الجريح مصحوبا بلحظات طويلة من التوتر. استدعي قائد اللواء مردخاي بشبكة الاتصال مساعدة سلاح الجو. بسبب الوضع الشديد للجريح، تم الحصول لاول مرة منذ بدء الحرب علي إذن بادخال مروحية تخليص داخل ارض لبنان. حلقت مروحية بلاك هوك مصحوبة بمروحية مقاتلة من طراز كوبرا، أمطرت نارا لا تنقطع في محاولة لابعاد أفراد حزب الله عن منطقة الهبوط المحددة. لكن تبين أن قطعة الارض التي كان الجريح ملقي بقربها أضيق من أن تُمكّن البلاك هوك من الهبوط.

قرر الطيار، بقرار سريع، تنفيذ التخليص بغير هبوط علي الارض. غرس ذيل المروحية في شجيرة وأُدخلت حمالة الجرحي الي المروحية وعليها الجريح، وهو يحلق علي ارتفاع متر عن سطح الارض. بعد ذلك بجزء من الثانية ارتفعت البلاك هوك متجهة الي المستشفي في اسرائيل. في ذلك الليل كله، في وحدة الطيران التي تستعمل طائرات بلا طيار في مركز البلاد، دأب طيار احتياط ورجل من وحدة تحديد مواقع المفقودين، الرائد حين علي عشرات الصور الجوية التي أُرسلت من مارون الراس، محاولا أن يحدد موقع الجندي يهونتان فولسيوك. أُرسل الجنود للفحص عن علامات تثير الريبة ظهرت في الصور. بعد 18 ساعة من الجهد المتوالي تبينت في الصورة بقعة ربما كانت تبدو مثل قدم جندي تظهر من بين أنقاض سور انهار في القرية. أُرسل الجنود الي نقطة تعرّفها حين، وحفروا بأيديهم بين طوب السور المنهدم، ووجدوا هناك ذاهلين جثة يهونتان. تبين أنه أصيب بصاروخ عندما جري لتخليص جرحي قرب السور، وانهار السور عليه.

في ليل السبت فقط، عندما أُعيدت جثة يهونتان الي اسرائيل، انتهي كابوس أغوز. لم يُسهم المحاربون كثيرا في الجهد القتالي العام في مارون الراس لكنهم عادوا مذهولين. وافق قائد الوحدة علي الانسحاب فقط بعد أن حصل من قائد لواء المظليين علي مهمة أن يحتل لمدة عدة ساعات منطقة في القرية كي لا يشعر جنوده بأنهم حاربوا عبثا.

تعالوا لا نشغل أنفسنا باعتبارات من ذا أدخلنا ، قال المقدم كهانا لجنوده بعد ذلك، عندما نزعوا سلاحهم داخل اسرائيل. تلقينا مهمة، أمرا عسكريا. فعلنا أفضل ما كنا نستطيع فعله .

تبديل الخيول في النزول

جعلت المعركة في مارون الراس النقد الذي وجه الي كبار قيادة الشمال، من الكرياه في تل ابيب يبلغ ذروته. عاد نائب رئيس الاركان كابلنسكي وقال لحلوتس: لا يمكن أن يستمر الوضع علي هذا الحال. طلب حلوتس أن يعلم ما هو نظام العلاقات بين قائد المنطقة وقائد الفرقة 91 . اتصل باللواء إيال بن رؤوفين، نائب قائد منطقة الشمال في الحرب، الذي كان في ذلك اليوم في قيادة الفرقة 91 ليساعد غال هيرش.

صحيح، يوجد توتر بين أودي وغال ، صدق بن رؤوفين الأمر علي مسامع رئيس الاركان. لكن لا تقلق. أنا هنا. سيكون الأمر علي ما يرام .

رغم ذلك فقد حلوتس صبره. قرر أن يعمل خلافا لتصوره، الذي يقول انه يجب منح القادة التعزيز في كل وضع تقريبا. وخلافا كذلك لاحدي القواعد الأقدم، التي كانت مستعملة منذ ايام الرومان، وهي فعل كل شيء من اجل الامتناع عن عزل القادة في منتصف الحرب من اجل عدم المس بالروح المعنوية وعدم جعل قادة آخرين يشغلون انفسهم بالبقاء الشخصي بدل ادارة المعركة. في غد ذلك صباحا أعلن حلوتس بالهاتف الي قائد منطقة الشمال: قررت عزل غال هيرش .

صعب علي أدام أن يدافع عن هيرش من أعماق قلبه، بعد أن اشتكي هو نفسه من وجود مشكلات معه وانه غير منضبط. طلب الي إيال بن رؤوفين، الذي كان قد عاد الي قيادة المنطقة، أن ينزل اليه الي الوكر وهناك بشره بقرار رئيس الاركان.

غضب بن رؤوفين. لا توافق علي العزل علي أي حال من الاحوال ، قال لأدام. فقد اعتقد أنه برغم جميع النقد الموجه الي هيرش، فانه من القادة الجيدين في الجيش الاسرائيلي. لا يمكن أن يُقيلوا غال، ليس هذا محقا ، أضاف بن رؤوفين. من احباط عزل هيرش. لم يمض حلوتس الي النهاية. لم يكن من المفترض أن يعلم هيرش بهذا الحدث من وراء ظهره، لولا رسالة هاتفية تلقاها من ابنته البِكر أوري. أبي، انتبه ، كتبت الفتاة وتحدثت عن رموز تلقتها من الاعلام تقول إن منزلة أبيها مختلة. اتصل هيرش باللواء بن رؤوفين لاستيضاح هل اشاعة نية عزله صحيحة. وُجد شيء كهذا ، أجاب بن رؤوفين من غير أن يسخو بالتفصيلات. دع ذلك، هذا وراءنا. المهم الآن استمرار القتال .

خاف قائد الفرقة ان يفقد الجبهة الخلفية الوحيدة التي بقيت له. لأول مرة اثناء الحرب طار الي بيته في مروحية. أقام مع زوجته دونا ومع بناته الثلاث اربعين دقيقة ثم قال لهن أصغين جيدا، لم أفقد صبري، ولم أفقد قدرتي علي القيادة، ولم اخطئ أخطاء كلفت حياة ناس ، وآنذاك ودع أبناء العائلة وعاد الي الشمال، وحيدا كما لم يكن قط.

عمير ربابورت

كاتب في الصحيفة

(معاريف) 29/6/2007

التعليقات