الاختلاط ظاهرة اجتماعية ايجابية

الاختلاط ظاهرة اجتماعية ايجابية
الاختلاط ظاهرة اجتماعية ايجابية

بقلم الكاتب والباحث /احمد محمود القاسم

كان الاختلاط في الماضي بين الجنسين يعتبر من الكبائر، التي لا تغتفر، وحدوثه بين الجنسين رجس من عمل الشيطان، لذلك كان كل شيء يخطط له، آخذين بعين الاعتبار، استبعاد الانثى عن الذكر، وكأن بلقائهما ستحدث الطامة الكبرى، في كافة الظروف والمواقع، فكان لا يسمح بلقاء الجنسين الا ما ندر، وكانت توضع كافة المحاذير والعواقب الوخيمة من جراء الاختلاط. قد يكون هذا مقبولا في الماضي السحيق، في عصر الانغلاق والتقوقع والانعزال، اما في عصرنا الحالي، عصر العولمة والانفتاح والاقمار الاصطناعية والأنتر.نت والبيليفونات وتقدم الاتصالات السريع، فان ظاهرة الاختلاط، لم تعد سوى تحصيل حاصل، شئنا ام ابينا، فالتقدم يسير بخطوات سريعة الى الامام، والحياة تسير معه مهما وضعنا امامها من العراقيل او الصعاب والمعوقات، ومن يتخلف عن السير في ركب الحياة، فإنها تلفظه جانبا، ويتأخر عن الركب، ولن يجد احدا لينتشله، فيتعفن مكانه ويموت. بعض من الدول العربية والإسلامية، ما زالت تعيش بعقلية الماضي، منذ عشرات السنين، بقوانين عفي عليها الزمن، ولم تعد صالحة لزماننا ولا للازمان القادمة، ولا تختلف عن ازمنة العصور الوسطى، فتحاول جاهدة منع الاختلاط بين الجنسين، بالرغم من ان الاقمار الاصطناعية تنقل كل شيء، في كل مكان، وكل زمان، إلى كل إنسان بدون تحفظ، حتى اصبحت الممنوعات بين الرجل والمرأة اكثر انتشارا، من المباحات في كل مكان وكل زمان، وتحاول عرقلة خروج المرأة من القمقم الذي تعيش فيه، فيحرم عليها مثلا قيادة السيارة او الخروج لوحدها الا بمحرم، حتى وصل إلى حد، أن احد الشيوخ أفتى بعدم جواز جلوس المرأة على الأنترنت، إلا بوجود محرم، وكذلك انتقدت كثيرا للبسها البنطلونات أو الجينز وغيرها من المحرمات التي لا اساس لها من الصحة او الاهمية، فالاختلاط، بين كلا الجنسين، لا مفر منه، ويصعب منعه، ففي الاسواق العامة والجامعات ووسائل النقل والمطاعم والمتنزهات، وعلى شواطئ البحار يتم الاختلاط يوميا، واذا ما تم منعه في احد الأمكنة، يتم ظهوره في امكنة اخرى، وبلاد اخرى، بكل سهولة ويسر، بعيدا عن اعين السلطات المسؤولة، وبشكل كبير، فما الفائدة من منعه بالظاهر، طالما انه موجود على ارض الواقع، بالباطن، تحت شعار " واذا بليتم فاستتروا " والا فاننا نكون كالنعامة التي تضع رأسها بالرمل، وتدعي بأنة لا احد يراها، فاذا ما كانت رغبة الناس مع الاختلاط، فما هو الداعي لمنعه بين الناس، وتكميم الأفواه، افليس الأجدى، تعليم الناس وتثقيفهم وتقوية شخصياتهم، ووضع القوانين الصارمة التي تحفظ حقوقهم، ومكتسباتهم وتمنع استغلالهم والاستبداد بهم، بدلا من منع الاختلاط بينهم مثلا، او تكميم افواههم، وتشديد القيود عليهم.

لقد ادى زيادة الوعي بين ابناء الشعب الفلسطيني بشكل عام، وبين النساء الفلسطينيات بشكل خاص، الى ظهور المرأة الفلسطينية، في الكثير من مواقع العمل، الاقتصادية والاجتماعية، والزراعية، والتعليمية، والاعلامية، والسياسية والعسكرية " ولو بشكل جزئي ومحدود قياسا بباقي القطاعات “. ويعود هذا ايضا الى ادراك المرأة بأهمية دورها بالمجتمع، وبان هذا الدور هو حق طبيعي لها، عليها ان تنتزعه انتزاعا من الرجل، كما انه حق لها، يكفله المجتمع المتقدم والمتمدن، فالمجتمع بدون مشاركة المرأة فيه بكافة جوانبه يعتبر مجتمع اعرج، ولا يستقيم وضعه، الا بمشاركة المرأة فيه، على قدم وساق مع الرجل، مكملة لدوره، وليست منافسة له.

لقد اثبتت المرأة وجودها وبشكل مميز، في الكثير من القطاعات الخدماتية والانتاجية، كقطاع التعليم، والمصارف والبنوك، والصحة العامة، والتخطيط والبيئة، والشركات والمصانع، والقطاع الزراعي، والصناعي، والسياحة، ومكاتب خدمات الطيران، والفنادق والمستشفيات العامة، والخاصة، والعيادات، وفي الجامعات، وحصلت على اعلى الشهادات الجامعية التعليمية، كشهادات البكالوريوس والماجستير والدكتوراه، في كافة مجالات العلم والمعرفة، والعمل، خاصة اذا ما اعطيت الفرصة لها، لتحقيق ذاتها والاخذ بيدها، مشجعين لها ومساعدين، وليس كمنافسين لها، كما انه لا يستطيع احد نكران دورها النضالي طيلة سني الاحتلال الاسرائيلي، فقدمت ابنائها شهداء للدفاع عن شعبها، وارضها كما قامت هي بعمليات استشهادية عظيمة ضد جنود الاحتلال الصهيوني، شهد لها العدو قبل الصديق، وبذلك رفعت من مكانتها وعزتها وعنفوانها، ولم يكن الاختلاط عائقا امام عملها وتحقيق طموحاتها، بل على العكس من ذلك، ساعد كثيرا في شحذ هممها، والانتصار على التحدي وتحقيق الانجازات والنجاحات.

نحن لسنا بصدد تعداد الاعمال التي تقوم بها المرأة، أو التي يمكنها القيام بها في المجتمع ونجحت بها كثيرا، وغطت فيها جانبا مهما فيه، ما نود قوله والتأكيد عليه، هو ظهور المرأة بالمجتمع، في كل مكان فيه، في المجتمع الفلسطيني، كشيء طبيعي، فلم يعد ظهور ووجود المرأة في المواقع العامة شيء مستغرب أو مستهجن، لكن المستغرب والمستهجن هو استهجان بعض الرجال والشباب لظهورها، وتبوأها للكثير من المواقع القيادية، والوظيفية والعلمية والسياسية، وكأن هذه المواقع كانت مفصلة ومعدة مسبقا للرجل، كي يملؤها وحده، وجئن جنس النساء والفتيات بالاستيلاء عليها، وهذا غير صحيح، وهو المستهجن.

ان ظهور النساء والفتيات، جنبا الى جنب الى جانب الرجال والشباب، سواء بالمواقع العامة او الخاصة، لظاهرة صحية، يجب تشجيعها، حيث تتيح الفرصة لشبابنا ولشاباتنا للتعارف والتآلف والتواصل فيما بينهم، من اجل قيام علاقة موضوعية، تؤدي بهم في النهاية الى قيام علاقة تزاوج شرعي، مبنية على التفاهم، والثقة المتبادلة، والتعاون من اجل مستقبل مشترك.

يجب على الجهات المسؤولة تشجيع المرأة على القيام بدورها الانتاجي في المجتمع، وتسهيل مهمة انخراطها بالعملية الانتاجية بجانب الرجل، خاصة في مواقع العمل التي تتقنها، فلم يعد هناك اعمال خاصة بالرجال واعمال خاصة بالنساء.

على اثر التقدم العلمي والتكنولوجي الذي غطى مناحي الحياة المختلفة، وظهور الكمبيوتر وانتشاره بشكل واسع في شتى مناحي الحياة، لم يعد العمل بكافة اشكاله والوانه، يحتاج لعضلات الرجل، بقدر ما هو بحاجة الى العقل والفكر المستنير، والخبرات والتجارب، والابداع الخلاق والذكاء، وهذا كله يتساوى فيه الرجال والنساء، وليس لأحد تفوق على الآخر في هذا المجال.

ان تقدم تكنولوجيا الاتصالات المرئية والمسموعة والمكتوبة، ساهم كثيرا بلقاء الشابات والشباب، والتعارف فيما بينهم على شبكات الانترنيت، في كافة دول العالم، واصبح منع اللقاء فيما بينهم، كمن يحجز ضوء الشمس بالغربال، ليس بالضرورة ان تكون كل هذه الاتصالات واللقاءات فيما بينهم، مسيئة او ضارة بهم، بل على العكس من ذلك، فهي خلقت فيما بينهم روح التعارف البناء، والثقة المتبادلة، وعمقت بينهم روح التعاون وتبادل المعرفة والمعلومات، لخدمة اهداف المجتمع بالتطور والتقدم والتمدن، والعمل المنتج وتعميق اواصر الصداقة بين الشعوب، لما فيه خدمة الانسانية، والاستغلال الامثل لموارد الطبيعة، والمحافظة على البيئة والتنوع الحيوي، والمحافظة على كرامة الانسان وحقه بالعيش الكريم، بحرية وعدالة ومساواة.

التعليقات