أسرار تنحية الجعفري عن رئاسة الحكومة

أسرار تنحية الجعفري عن رئاسة الحكومة
غزة-دنيا الوطن

أسرار تنحية رئيس الوزراء العراقي السابق إبراهيم الجعفري، والضغوط التي تعرض لها داخليًا والخدعة الإيرانية له، وأسباب موقف الرئيس العراقي جلال طالباني ضده وتمترس جيش المهدي التابع لرجل الدين مقتدى الصدر ومسلحي منظمة بدر التابع للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية لمواجهات دامية كشفها لـ "إيلاف" مستشاره السياسي الدكتور سليم الحسني اليوم. وأضاف الحسني أن من أسباب تنحي الجعفري ضغوط المرجعية الشيعية في النجف والخدعة الإيرانية بتأييده ضد مرشح المجلس الأعلى الذي أوهم رئيسه السيد عبد العزيز الحكيم الأميركيين بأن إيران تضغط للتراجع عن معارضته الجعفري ورفض حزب الفضيلة الإسلامية التصويت لصالح الجعفري إثر رفضه لطلبات منحه وزارتين ومنصبًا رئاسيًا.

وفي التفاصيل التي سينشرها الحسني في خمس حلقات إبتداء من يوم غد الأربعاء على موقع الملف والذي يتولى رئاسة تحريره ... فإنه بعد أن تم فوز الجعفري بالترشح لتولي رئاسة الحكومة العراقية في شباط (فبراير) عام 2006 باعتباره الناطق الرسمي لحزب الدعوة الإسلامية أحد مكونات الإئتلاف الشيعي الموحد الفائز في الإنتخابات العامة التي جرت قبل ذلك بستة أسابيع ظهرت مواقف عدة ضد هذا الترشح قادتها أطراف عدة داخل الإئتلاف وخارجه ومن إيران أيضًا... إضافة إلى الأخطاء التي إرتكبها ممثله داخل الإئتلاف فالح الفياض.

موقف مضاد لزعيم المجلس الأعلى عبد العزيز الحكيم


فبالنسبة إلى الإئتلاف الشيعي، فإن زعيمه الحكيم ظل يعمل ضد تولي الجعفري لرئاسة الحكومة بعد خسارة مرشحه للمنصب عضو قيادة المجلس الأعلى عادل عبد المهدي نائب رئيس الجمهورية الحالي، في الإنتخابات التي جرت على مرشح الإئتلاف للمنصب، وفاز فيها الجعفري بـ 64 صوتًا مقابل 63 صوتًا . فقد إستمر الحكيم يناور لكسب قوى وتشكيلات داخلية ضد الجعفري منها تحالفه غير المكتوب مع الرئيس العراقي جلال طالباني الذي كان يعارض الترشيح أيضًا نتيجة موقف الجعفري من رئاسته للعراق حيث كان يدعو إلى أن تتولى هذا المنصب شخصية عربية وليس الطالباني الكردي .

وقبل يوم واحد من بدء التصويت داخل الإتئلاف لإختيار واحد من مرشحين : الجعفري أو عبد المهدي، طلب الحكيم من الجعفري أن ينسحب من المنافسة وقال له: "من الأفضل أن تسحب ترشيحك لأن الأرقام التي لدينا ليست في صالحك ولن تفوز بالإنتخابات وهذه من شأنها أن تخدش مصداقيتك..." لكن الجعفري رفض ذلك ورد قائلاً إن من طبيعة العملية الديمقراطية أن يكون هناك فائز وخاسر ولا بد أن نعمق هذه الآلية في ممارستنا داخل الإئتلاف. كما استطاع الحكيم أن يوهم الأميركيين بأن إيران تضغط عليه للتراجع عن معارضته للجعفري ليوحي لهم بأن طهران تؤيد تولي الجعفري رئاسة الحكومة مجددًا... حيث إستطاع فعلاً أن يخدع السفير الأميركي في بغداد بذلك.

مرجعية السيستاني تغير مواقفها

أما بالنسبة إلى المرجعية الشيعية بقيادة آية الله السيد علي السيستاني، فإنها كانت مؤيدة في البداية لتولي الجعفري رئاسة الحكومة مجددًا... لكنها غيرت موقفها إلى الحياد بين الأطراف المختلفة... وأخيرًا تحول هذا الموقف أيضًا وأوصلت رسائل عبر وسطاء بأنها تفضل أن يتنحى الجعفري ويتخلى عن الترشح للمنصب معللة ذلك برغبتها في بقاء الإئتلاف الشيعي موحدًا... لكنه لم يعرف بعد فيما إذا كانت المرجعية، قد تعرضت لضغوطات خارجية لإتخاذ هذا الموقف.

ومن داخل الإئتلاف فإن حزب الفضيلة الإسلامية بقيادة مرشده الروحي آية الله الشيخ محمد اليعقوبي قد طلب من الجعفري منحه وزارتي النفط والسياحة ومنصب رئاسي مقابل أن يعطي أصوات أعضائه الـ12 لصالحه في إنتخابات الترشيح... لكن الجعفري رفض هذا العرض بشدة قائلاً: "لن أدخل في أي صفقة من هذا القبيل".

موقف إيراني مخادع...

قامت إيران بدور مخادع في تولي الجعفري لرئاسة الحكومة العراقية... وأبلغت ممثله إلى طهران فالح الفياض بأنها تدعم الجعفري بقوة وأنها ستضغط على الحكيم لسحب معارضته له. ويبدو أن هذا كان عبارة عن عملية "تخدير" يكون فيها الجعفري متأكدًا من الفوز بالمنصب، بينما هي تدعم مرشحًا آخر هو عبد المهدي. وقد إقتنع الفياض بهذه "الخدعة الإيرانية" برغم تحذيرات من مستشارين آخرين للجعفري بأن الأمر لا يعدو كونه "لعبة سياسية".

أخطاء ممثل الجعفري

إرتكب فالح الفياض ممثل الجعفري في مفاوضات الترشيح أخطاءً كثيرة لسوء تقديراته لمجريات الأمور، الأمر الذي أثر على موقف الجعفري وأضعفه كثيرًا. فلم يكن الفياض يعرف بشكل صحيح حقيقة مواقف أطراف الإئتلاف الشيعي من الجعفري. وقبل يوم من التصويت على ترشيح عبد المهدي أو الجعفري أبلغ الفياض قيادة حزب الدعوة أن هناك 76 عضوًا سيصوتون للجعفري لكنه ظهر عند التصويت أن عددهم لم يتعدَ 64 صوتًا. كما أن الفياض كان منذ الإعلان عن فوز الإئتلاف في الإنتخابات وتقدم الجعفري بالترشح لرئاسة الحكومة يعتقد أن موقف الجعفري ضعيف وأنه سيخسر المعركة، وذلك أثر كثيرًا على تصرفاته. ومن أخطاء الفياض الأخرى إنفراده بالمفاوضات وعزله لمستشاري الجعفري عن مجرياتها أو الإستماع لنصائحهم.

خطر صدام بين مسلحي جيش المهدي وقوات بدر

في بعض فترات الأزمة حول ترشح الجعفري، كادت الأمور أن تفجر الشارع الشيعي وتتحول إلى فتنة مسلحة بين مؤيدي الجعفري من عناصر حزب الدعوى وجيش المهدي التابع لرجل الدين الشاب مقتدى الصدر من جهة وبين مؤيدي المجلس الأعلى من جهة أخرى .

وقد بدأت مدينة الصدر في بغداد معقل مقتدى الصدر تشهد إستعدادات مسلحة للقيام بعمل عسكري، فيما لو تمت تنحية الجعفري بالقوة قابلتها إستعدادات من منظمة بدر التابعة للمجلس الأعلى. وكان الوسط الشيعي محتقنًا ومرعوبًا من تفجر صراع مسلح يبدأ من مدينة الصدر وينتقل إلى النجف وكربلاء ومنها إلى بقية مدن الجنوب الشيعية.

الجعفري يدعو إلى اجتماع طارئ... ويتنحى

وإزاء شعوره بالخطر الذي يهدد وحدة الإئتلاف والدم الذي يمكن أن يسيل نتيجة الخلافات على ترشحه، فقد دعا الجعفري أواسط نيسان (أبريل) 2006 إلى اجتماع عاجل لقيادة حزب الدعوة إستمر ساعات طويلة لبحث الأمر... وتقرر خلاله دعوة ممثلين عن التيار الصدري الذي صوت أعضاؤه لصالح الجعفري، إلى الإجتماع فتقررت إعادة الترشيح إلى قيادة الإئتلاف وليس التنحي عنه... ثم فهمت الرسالة على انها تعني التنحية... ثم حصلت أحداث متسارعة... جعلت من التنحي أمرًا واقعًا قبل به الجعفري أخيرًا. لكن الجعفري أشترط لإعلان قبوله التنحي عن الترشيح رسميًا اختيار نوري المالكي القيادي في حزب الدعوة لتولي رئاسة الحكومة الجديدة والتي شكلها فعلاً في العشرين من أيار (مايو) عام 2006 .

التعليقات