مذيعة العربية هديل وهدان: مراسلو فلسطين مرضى... نفسياً

مذيعة العربية هديل وهدان: مراسلو فلسطين مرضى... نفسياً
غزة-دنيا الوطن

لا تزال مراسلة قناة «العربية» في الأراضي الفلسطينية هديل وهدان، تتذكر ذلك اليوم الذي اضطرت فيه للسير فوق أنقاض أحد أحياء مخيم جنين للاجئين، لتنجو بحياتها من رصاص إسرائيلي قاتل، وآخر فلسطيني مقاوم... «دارت الدنيا فيها للحظات»... حياتها أضحت «على كف عفريت»، وأصوات أبناء شعبها تخرج من تحت ركام منازلهم تأوهاً أو استغاثة، بينما كانت رائحة الموت تفوح من المكان.

كان ذلك قبل خمس سنوات، لكن ذاكرة هديل لا تزال تختزن تلك الصور المؤلمة، وغيرها الكثير، كمشاهد جثث عائلة أبو كويك التي خرجت أشلاء يصعب جمعها، في مشهد كانت عيون مراسلة «العربية» أول من رصدها.

تجربة وهدان مع «العربية»، وعلى رغم أنها تجربتها الفضائية الأولى حافلة بحكايات وذكريات كثيرة... تقول: «بينما كنت لا أزال على مقاعد الدراسة في قسم الصحافة في جامعة بيرزيت، عملت مع إذاعة «بي بي سي»، ثم مع وكالة «أسوشييتد برس»، وعند تأسيس قناة «العربية»، اختارني الدكتور نبيل الخطيب، أستاذي في الجامعة، ومدير مكتب «العربية» في الأراضي الفلسطينية سابقاً، للعمل كمراسلة للقناة الجديدة، آنذاك»... وتضيف: «العربية، تجربتي الأولى في عالم الفضائيات، ولم يكن الانتقال من الصحافة المكتوبة الى الصحافة المرئية سهلاً على الإطلاق».

البدايات

تعود وهدان بذاكرتها إلى اليوم الأول الذي أطلت فيه على ملايين العرب، عبر «العربية»، وتقول: «كان البث مباشراً، وكانت المهمة صعبة للغاية... قوات الاحتلال تقتحم رام الله وتحاصر الرئيس الراحل ياسر عرفات في مبنى «المقاطعة»، وكان عليّ رصد ما يحدث عند الثالثة فجراً... هاتفتني الإدارة في دبي عند منتصف الليل، لأتهيأ للخروج «ع الهوا» بعد ساعة، إلا أنني «بقيت على أعصابي ثلاث ساعات»... كانت تجربة «رهيبـة»، فليس سهلاً عليّ الإجابة على أسئلة الغيـــر، في وقت اعتدت فيه طرح الأسئلة، كما كان من الصعب إجمال الكثير من التفاصيل في أقل من دقيقة... قالـــوا لي إن صـــوتي كان «يرتجف» قليلاً، والحقيقـــة أن كل جسدي كــان يرجف، الى درجة أنني شعرت بأن قدميَّ تكادان لا تحملانني... ولكن مــــع مرور الـــوقــت، وبعد ست سنوات تقريباً علــــى عملي مــــع «العربية»، بات الأمر اعتيادياً».

ترى وهدان، أن المشاهد الصعبة التي مرت أمامها، وأمام زملائها في المهنة، تجعلها تقول، وبكل صراحة، وصرامة، إن العاملين في حقل الفضائيات في فلسطين، «باتوا في حاجة إلى أطباء نفسيين»، مضيفة: «كثيرة ما انهرت من فجاعة ما أشاهد، وكثيراً ما لازمتني رائحة الدم لأيام، على رغم كل محاولات إزالتها... أشعر اليوم بنوع من التبلد، لدرجة أنني بت أشاهد ما يحدث، وأتابع إعداد تقريري، ما يتنافى مع الطبيعة البشرية، وأي أساسيات أخلاقية وإنسانية، وهو خطير من الناحية النفسية، فكل ذلك ينعكس على طبيعة تعاطيّ مع المشاكل التي تواجهني، بت متطرفة في الكثير من الأحيان، إما باتجاه اللامبالاة، أو باتجاه العنف.. «نحن مرضى نفسيون، وفي حاجة إلى علاج»!

وتوافق على الحضور الطاغي للصحافيات الفلسطينيات في الفضائيات العربية، ولها تفسيرها في هذا الخصوص، والذي تعود فيه إلى أيام الانتفاضة الأولى، حيث إنها لعبت دوراً كبيراً في تلك المرحلة، سواء كربة بيت أو كامرأة عاملة، خصوصاً مع استشهاد واعتقال وإصابة آلاف الشبان، وتقول: «في تلك الفترة كنت لا أزال طفلة صغيرة، لكنني أتذكر جيداً كيف أن تطورات الأحداث، ولدت لديّ فضولاً كان يجعلني أتلقف الأخبار من هنا وهناك. وأعتقد بأنني، ومنذ ذلك الوقت، شعرت بأهمية الإعلام، وربما هذا ينطبق على الكثيرات من الزميلات اللواتي أثبتن أنفسهن في عالم الفضائيات، خلال فترة قياسية».

وتضيف: «على أرض الواقع، يبدو تنقل المرأة من مكان إلى آخر أكثر سهولة من الرجل، وكذلك تعامل جنود الاحتلال معها عند الحواجز، كانت له خصوصية تختلف عن تعاملهم مع الرجال، وإن كانت الأمور تغيرت لاحقاً، إضافة إلى أن غالبية العاملات في هذا المجال، في فلسطين، من ذوات الاختصاص أكاديمياً، على عكس المراسلين الذكور... هذه العوامل كلها ساهمت في تميز المراسلة الأنثى في فلسطين.

وتعترف وهدان بأنها كالكثير من الإناث في فلسطين، تعاني من التقاليد المحافظة التي كثيراً ما تحد حركتها، وتقول: «خضت حرباً شعواء مع أسرتي، لمجرد إقناعهم بأن طبيعة عملي تتطلب مني أحياناً السهر إلى وقت متأخر من الليل، خارج المنزل، أو حتى المبيت في المكتب... حتى الآن، لا يزال والدي يتدخل في تفاصيل عملي، وفي «الدخلة والطلعة»... البعض قد يتخيل أنني، وزميلاتي، وصلنا إلى مستوى من المعرفة، والخبرة، والاطلاع، يؤهلنا لتخطي هذه الصعوبات وتجاوزها، لكن الوضع غير ذلك».

استقطاب فضائي

منذ نجاح حركة حماس في الانتخابات التشريعية الفلسطينية، في كانون الثاني (يناير) 2006، وتشكيلها للحكومة، بات التصنيف الشعبي الفلسطيني ينظر الى «العربية» على أنها قناة تميل الى «الفتحاويين»، فيما تميل «الجزيرة» لـ «حماس»، وحول ذلك تقول وهدان: «هذا تصنيف شعبي، لم ألمس أي توجه يعززه من إدارة القناة على الإطلاق... أقر بأن بعض الزملاء ساهموا في أن يكونوا جزءاً من هذا الاستقطاب بين حركتي فتح وحماس، ما جعل الحياديين، ومنهم أنا، يعانون حقيقة، فهم غير مقبولين من أي من الطرفين... «العربية» تضررت مرتين، الأولى عند تكسير مكتبها في رام الله، في ظل حكومة «فتح»، والثانية بتفجير مكتبها في غزة، في ظل حكومة حماس... نحن في «العربية» لم ننحز لأي طرف، أو على الأقل هذا ما لمسته، ولذلك دفعنا ثمن مهنيتنا، أكثر من مرة».

ولا تنكر وهدان حنينها للصحافة المكتوبة، وتقول: «صحيح أنني تركت الصحافة المكتوبة، لكنني لم أهجر الكتابة، فالكثير من القصص التلفزيونية التي أعددتها، أدون الكثير من تفاصيلها التي قد لا تظهر عبر شاشة التلفزيون في «دفتر» خاص بي، قد يشكل مرجعاً، يؤرخ لمرحلة «حاسمة» في حياتي، في حال فكرت في الابتعاد عن العالم الفضائي، ذات يوم».

التعليقات