الجمهور حائر بين الفنانين والشيوخ في لعبة التدين بعد أن تحوّل الأمر إلى مسرحية هزلية

غزة-دنيا الوطن
لم يكن بعيدًا عن المنطق أن تربط الأخبار بين اسم الفنانة حنان ترك وفضيلة مفتي الديار المصرية، فترك التي تتخبط في خطواتها الفنية منذ إعلانها الحجاب دون الإعتزال دخلت في مشكلة حادة مع زوجها وقررت على إثرها السفر والإبتعاد بعد ما تردد من زملاء وأصدقاء أن الطلاق وقع بينها وبين زوجها خالد خطاب ثلاث مرات، لكن المفتي أكد أن الطلاق الأخير حسب رواية خالد لا يحتسب كونه خرج في ساعة غضب، لتستأنف حنان حياتها الزوجية من جديد بعدما تابع الناس تفاصيلها على صفحات الجرائد يوميًا بعد يوم، لكنها أعلنت في الوقت نفسه توقف نشاطها الفني لعدة أشهر مقبلة .
بالطبع ذهبت آلاف الزوجات لشيوخ الأزهر في حالات مماثلة، لكن ما يجعل الوضع مختلفًا هذه المرة هو وجود اسم فنانة في القضية التي تؤكد أن علاقة الفنانين بالدين في السنوات الأخيرة باتت ملتبسة ومليئة بعلامات الإستفهام إلى حد كبير، ولا يمكن إرجاع كلام الكثير من الفنانين عن التدين في الآونة الأخيرة إلى حالة خاصة بمهنة معينة يشعر أصحابها أنهم إبتعدوا كثيرًا عن الله ويجب عليهم العودة بعدما حققوا الشهرة والثروة وإفتقدوا السعادة وراحة البال، ليس هذا الإفتراض بصحيح في المطلق، لكن تحول الفنانين نحو التدين أمر مرتبط بتغيرات مجتمع بأكمله، رصدها المتابعون للحراك الإجتماعي في مصر خلال السنوات العشرين الماضية وتحديدًا منذ أن إنطلقت ظاهرة إعتزال الفنانات وإرتدائهن الحجاب، أي الإعتزال المرتبط بالتدين لا بالرغبة في الراحة، وهوالإعتزال الذي كان ينفي في معظم الأحوال كل ماضي الفنانة أو الفنان .
نقول ليس الأمر متربطًا بالفنانين وحدهم، فالمجتمع كله تغير، والممارسات التي لم تكن ضد الدين في منتصف القرن العشرين وحتى نهاية السبعينات، باتت كذلك مع مطلع القرن العشرين، في الزمان كان الفنانين يعيشون حياتهم دون رقيب ولم يصفهم وقتها أحد بأنهم خارجون عن الدين، لم تكن تلك القضية تشغل بال العلماء في ذلك الوقت، صحيح كانت ولا تزال نظرة المجتمع للفنان لا تتناسب مع حب الناس للفن بكل أنواعه، تلك الشيزوفرينيا التي نعيشها جميعًا، وصحيح أن بعض الشيوخ مثل الشيخ عبد الحميد كشك تخصص في السخرية من الفنانين وأغانيهم، لكن الناس – غالبيتهم المعتدلة – كانوا يسمعون "التريقة "في صلاة الجمعة ويضحكون على محرم فؤاد وشادية وأم كلثوم، لكنهم يعودون للإستماع إليهم رغم كلام الشيخ كشك .
كل هذا كان يحدث قبل الموجة الحالية من التدين، التي رد بعضهم ظهورها إلى إنتشار الديكتاتورية وغياب القيم المجتمعية التي تجعل الناس مهتمون فقط بالكشف عن إيمان الإنسان ومدى علاقته بربه، وظهرت مجموعة من الشيوخ الذين تخصصوا في إستتابة الفنانين لأنهم في رأيهم وسيلة للوصول إلى شريحة أكبر من الجمهور، غير أن الأمور لم تكن بهذه السهولة بالطبع، بل إن ظاهرة تدين الفنانين في شكلها الجديد إنقسمت إلى مرحلتين، في الأولى ولأنها الأقدم كان التدين "حقيقي" إلى حد كبير، فاعتزلت فنانات كثيرات ولم يعدن للفن مرة أخرى إلا لحالات خاصة، ونذكر شادية وشمس الباردوي وهناء ثروت وياسمين الخيام ونسرين ومن الرجال حسن يوسف ومحمد العربي ومحسن محي الدين وغيرهم .
في المرحلة الثانية أي في السنوات العشر الأخيرة، ومع تطور الظاهرة ودخول عناصر جديدة، إختفلت أشياء كثيرة، فالشيخ الشعرواي مثلاً كان يهنئ الفنانة بالحجاب ويطلب منها الجلوس في المنزل وتقديم عملاً نافعًا ولو كان فنيًا فبشروط خاصة وحاسمة، لكن خلفاء الشيخ مثل عمرو خالد وخالد الجندي، كان لهم رأي أخر، فشجعوا الفنانين على التواجد داخل الوسط، فعادت مني عبد الغني وصابرين وسهير البابلي وسهير رمزي وكثيرات، وكان إنضمام حنان ترك نصرًا كبيرًا للذين حصروا الدين في حجاب فنانة، ووسط كل هذا وقف الناس سواء كانوا مشاهدين للفن أم قراء لما تكتبه الصحف في حيرة شديدة، النزعة الدينية جعلت بعضهم يرحب بالحجاب والتدين للرجال والتعامل مع الفنان على أنه تحول ملاكًا فجأة، هؤلاء نفسهم لم يكن لديهم مانعًا من متابعة أي أعمال فنية أخرى لا تتمسك بالتقاليد، في الجهة المقابلة، لا زال من يقتنع أن الفن عمل مستقل بذاته لا يصح إخضاعه لمعتقدات دينية، وكل وجهة نظر تسير في طريق والطرق لا تتقاطع أبدًا، بالتالي بات الأمر أشبه بمسرحية هزلية تتوالى فصولها بشكل مكرر ورتيب ومع ذلك تجد لها جمهورًا، آخر تلك الفصول كان كلام الفنان تامر حسني عن علاقته بالداعية عمرو خالد، وظهور خالد على شاشة قناة المحور ليؤكد أنه غير مسؤول عن تصرفات تامر حسني الشخصية والأخلاقية، هو فقط يدعوه إلى الإلتزام، في محاولة واضحة من الداعية الشاب لتلافي ما حدث مع الممثل أحمد الفيشاوي تلك القضية التي تابعها الناس بشغف أكثر من إهتمامهم بما يحدث في القضية الفلسطينية أو إحتلال العراق، وأخيرًا خرج داعية كويتي ليعلن أنه جلس مع الفنان عمرو دياب وتناقشا في أمور دينية، ومن يتأمل بحياد قضية الداعية والفنان الشهير، يلاحظ أن الشيخ هو الذي دعى الفنان إلى الجلوس على مائدته وأنه هو الذي سرب تفاصيل المقابلة للصحف، والسبب المعلن لم يتغير، إنها الرغبة في التأكيد على أن أي فنان هو مشروع تائب يضيف للشيخ بريقًا خاصًا، ونحن هنا لا نتكلم عن النوايا، فالله أعلم بها، لكن عن إستخدام الدعاية في الدين، والترويج للتوبة تمامًا كمن يروج لسلعة إستهلاكية تحصد أرباحًا، فالكل يكسب الآن، الفنان من جمهوره الذي لا يتعامل معه بمبدأ الحلال والحرام، والداعية الذي يصنع جمهورًا موزايًا لا يفكر إلا بالحلال والحرام.
وبدلاً من أن ينشغل الناس بالقضايا الأهم، تتكرر الأسئلة في الدائرة المغلقة ، هل تعود حنان ترك إلى التمثيل مع الحجاب، هل تعتزل نهائيًا، هل إرتدت حلا شيحا النقاب، هل تتزوج من جديد، ما الذي كان يفعله الفنانون حتى يهدموا حياتهم السابقة بهذا الشكل، كيف سمح حسن يوسف لنجله بالتمثيل في السينما وهو الذي إبتعد عنها قبل أن يعود في أعمال دينية، هل تعود عبير الشرقاوي وحنان وشهيرة وغيرهن للتمثيل بالحجاب، أم يقتصر تواجدهن على المناسبات الدينية، هل تقديم الممثلات لبرامج دينية أمر مطلوب أم أنه وسيلة لكسب العيش بديلاً عن فلوس التمثيل وكلاهما عمل يتم تحت الأضواء كل الإختلاف في غطاء الرأس والسيناريو الذي تحفظه الفنانة، هل ترتدي منى زكي الحجاب أسوة بابنة جيلها حنان ترك، وهل يعتزل عمرو دياب، وهو الذي لم يتكلم عن لقائه بالداعية الكويتي بالمناسبة، أي أن الشيخ كان الأسرع إعلاميًا؟؟؟
وأخيرًا هل سنظل نبحث عن إجابات لتلك الأسئلة بينما هناك قضايا أهم تدهس واقعنا العربي ولا يكترث بها الناس، بينما الفنانون والشيوخ منخرطون في لعبة التدين .
*ايلاف
لم يكن بعيدًا عن المنطق أن تربط الأخبار بين اسم الفنانة حنان ترك وفضيلة مفتي الديار المصرية، فترك التي تتخبط في خطواتها الفنية منذ إعلانها الحجاب دون الإعتزال دخلت في مشكلة حادة مع زوجها وقررت على إثرها السفر والإبتعاد بعد ما تردد من زملاء وأصدقاء أن الطلاق وقع بينها وبين زوجها خالد خطاب ثلاث مرات، لكن المفتي أكد أن الطلاق الأخير حسب رواية خالد لا يحتسب كونه خرج في ساعة غضب، لتستأنف حنان حياتها الزوجية من جديد بعدما تابع الناس تفاصيلها على صفحات الجرائد يوميًا بعد يوم، لكنها أعلنت في الوقت نفسه توقف نشاطها الفني لعدة أشهر مقبلة .
بالطبع ذهبت آلاف الزوجات لشيوخ الأزهر في حالات مماثلة، لكن ما يجعل الوضع مختلفًا هذه المرة هو وجود اسم فنانة في القضية التي تؤكد أن علاقة الفنانين بالدين في السنوات الأخيرة باتت ملتبسة ومليئة بعلامات الإستفهام إلى حد كبير، ولا يمكن إرجاع كلام الكثير من الفنانين عن التدين في الآونة الأخيرة إلى حالة خاصة بمهنة معينة يشعر أصحابها أنهم إبتعدوا كثيرًا عن الله ويجب عليهم العودة بعدما حققوا الشهرة والثروة وإفتقدوا السعادة وراحة البال، ليس هذا الإفتراض بصحيح في المطلق، لكن تحول الفنانين نحو التدين أمر مرتبط بتغيرات مجتمع بأكمله، رصدها المتابعون للحراك الإجتماعي في مصر خلال السنوات العشرين الماضية وتحديدًا منذ أن إنطلقت ظاهرة إعتزال الفنانات وإرتدائهن الحجاب، أي الإعتزال المرتبط بالتدين لا بالرغبة في الراحة، وهوالإعتزال الذي كان ينفي في معظم الأحوال كل ماضي الفنانة أو الفنان .
نقول ليس الأمر متربطًا بالفنانين وحدهم، فالمجتمع كله تغير، والممارسات التي لم تكن ضد الدين في منتصف القرن العشرين وحتى نهاية السبعينات، باتت كذلك مع مطلع القرن العشرين، في الزمان كان الفنانين يعيشون حياتهم دون رقيب ولم يصفهم وقتها أحد بأنهم خارجون عن الدين، لم تكن تلك القضية تشغل بال العلماء في ذلك الوقت، صحيح كانت ولا تزال نظرة المجتمع للفنان لا تتناسب مع حب الناس للفن بكل أنواعه، تلك الشيزوفرينيا التي نعيشها جميعًا، وصحيح أن بعض الشيوخ مثل الشيخ عبد الحميد كشك تخصص في السخرية من الفنانين وأغانيهم، لكن الناس – غالبيتهم المعتدلة – كانوا يسمعون "التريقة "في صلاة الجمعة ويضحكون على محرم فؤاد وشادية وأم كلثوم، لكنهم يعودون للإستماع إليهم رغم كلام الشيخ كشك .
كل هذا كان يحدث قبل الموجة الحالية من التدين، التي رد بعضهم ظهورها إلى إنتشار الديكتاتورية وغياب القيم المجتمعية التي تجعل الناس مهتمون فقط بالكشف عن إيمان الإنسان ومدى علاقته بربه، وظهرت مجموعة من الشيوخ الذين تخصصوا في إستتابة الفنانين لأنهم في رأيهم وسيلة للوصول إلى شريحة أكبر من الجمهور، غير أن الأمور لم تكن بهذه السهولة بالطبع، بل إن ظاهرة تدين الفنانين في شكلها الجديد إنقسمت إلى مرحلتين، في الأولى ولأنها الأقدم كان التدين "حقيقي" إلى حد كبير، فاعتزلت فنانات كثيرات ولم يعدن للفن مرة أخرى إلا لحالات خاصة، ونذكر شادية وشمس الباردوي وهناء ثروت وياسمين الخيام ونسرين ومن الرجال حسن يوسف ومحمد العربي ومحسن محي الدين وغيرهم .
في المرحلة الثانية أي في السنوات العشر الأخيرة، ومع تطور الظاهرة ودخول عناصر جديدة، إختفلت أشياء كثيرة، فالشيخ الشعرواي مثلاً كان يهنئ الفنانة بالحجاب ويطلب منها الجلوس في المنزل وتقديم عملاً نافعًا ولو كان فنيًا فبشروط خاصة وحاسمة، لكن خلفاء الشيخ مثل عمرو خالد وخالد الجندي، كان لهم رأي أخر، فشجعوا الفنانين على التواجد داخل الوسط، فعادت مني عبد الغني وصابرين وسهير البابلي وسهير رمزي وكثيرات، وكان إنضمام حنان ترك نصرًا كبيرًا للذين حصروا الدين في حجاب فنانة، ووسط كل هذا وقف الناس سواء كانوا مشاهدين للفن أم قراء لما تكتبه الصحف في حيرة شديدة، النزعة الدينية جعلت بعضهم يرحب بالحجاب والتدين للرجال والتعامل مع الفنان على أنه تحول ملاكًا فجأة، هؤلاء نفسهم لم يكن لديهم مانعًا من متابعة أي أعمال فنية أخرى لا تتمسك بالتقاليد، في الجهة المقابلة، لا زال من يقتنع أن الفن عمل مستقل بذاته لا يصح إخضاعه لمعتقدات دينية، وكل وجهة نظر تسير في طريق والطرق لا تتقاطع أبدًا، بالتالي بات الأمر أشبه بمسرحية هزلية تتوالى فصولها بشكل مكرر ورتيب ومع ذلك تجد لها جمهورًا، آخر تلك الفصول كان كلام الفنان تامر حسني عن علاقته بالداعية عمرو خالد، وظهور خالد على شاشة قناة المحور ليؤكد أنه غير مسؤول عن تصرفات تامر حسني الشخصية والأخلاقية، هو فقط يدعوه إلى الإلتزام، في محاولة واضحة من الداعية الشاب لتلافي ما حدث مع الممثل أحمد الفيشاوي تلك القضية التي تابعها الناس بشغف أكثر من إهتمامهم بما يحدث في القضية الفلسطينية أو إحتلال العراق، وأخيرًا خرج داعية كويتي ليعلن أنه جلس مع الفنان عمرو دياب وتناقشا في أمور دينية، ومن يتأمل بحياد قضية الداعية والفنان الشهير، يلاحظ أن الشيخ هو الذي دعى الفنان إلى الجلوس على مائدته وأنه هو الذي سرب تفاصيل المقابلة للصحف، والسبب المعلن لم يتغير، إنها الرغبة في التأكيد على أن أي فنان هو مشروع تائب يضيف للشيخ بريقًا خاصًا، ونحن هنا لا نتكلم عن النوايا، فالله أعلم بها، لكن عن إستخدام الدعاية في الدين، والترويج للتوبة تمامًا كمن يروج لسلعة إستهلاكية تحصد أرباحًا، فالكل يكسب الآن، الفنان من جمهوره الذي لا يتعامل معه بمبدأ الحلال والحرام، والداعية الذي يصنع جمهورًا موزايًا لا يفكر إلا بالحلال والحرام.
وبدلاً من أن ينشغل الناس بالقضايا الأهم، تتكرر الأسئلة في الدائرة المغلقة ، هل تعود حنان ترك إلى التمثيل مع الحجاب، هل تعتزل نهائيًا، هل إرتدت حلا شيحا النقاب، هل تتزوج من جديد، ما الذي كان يفعله الفنانون حتى يهدموا حياتهم السابقة بهذا الشكل، كيف سمح حسن يوسف لنجله بالتمثيل في السينما وهو الذي إبتعد عنها قبل أن يعود في أعمال دينية، هل تعود عبير الشرقاوي وحنان وشهيرة وغيرهن للتمثيل بالحجاب، أم يقتصر تواجدهن على المناسبات الدينية، هل تقديم الممثلات لبرامج دينية أمر مطلوب أم أنه وسيلة لكسب العيش بديلاً عن فلوس التمثيل وكلاهما عمل يتم تحت الأضواء كل الإختلاف في غطاء الرأس والسيناريو الذي تحفظه الفنانة، هل ترتدي منى زكي الحجاب أسوة بابنة جيلها حنان ترك، وهل يعتزل عمرو دياب، وهو الذي لم يتكلم عن لقائه بالداعية الكويتي بالمناسبة، أي أن الشيخ كان الأسرع إعلاميًا؟؟؟
وأخيرًا هل سنظل نبحث عن إجابات لتلك الأسئلة بينما هناك قضايا أهم تدهس واقعنا العربي ولا يكترث بها الناس، بينما الفنانون والشيوخ منخرطون في لعبة التدين .
*ايلاف
التعليقات