دوائر أميركية ومخابرات عربية تروّج للجلبييّن الجُدد في العراق

دوائر أميركية ومخابرات عربية تروّج للجلبييّن الجُدد في العراق



بقلم: سمير عبيد *



يبدو أن العراق أصبح مسجلا كمختبر للطبخات والتوليفات وصيّغ الحكم السياسية في دوائر المخابرات الأميركية والغربية، ولدى بعض المخابرات العربية التي تدار من قبل المستشارين من وكالة المخابرات المركزية الأميركية ( سي أي أيه)، لهذا أبيح العراق لهذه المؤسسات ودوائر المخابرات كمسلخا بشريا ،وكمختبرا لترويج البضائع السياسية والإجتماعية والأخلاقية الفاسدة، وأصبح حقلا للتجارب السياسية الفاشلة ولصيّغ نظم الحكم الفاسدة، فزادت معاناة أهله، وأنحدرت البلاد الى الهاوية من الناحية السياسية والإقتصادية والإجتماعية والجغرافية، وأصبحت على كف عفريت مدمّر نتيجة فشل جميع التوليفات السياسية التي صنعتها ودعمتها الولايات المتحدة ودوائرها في المنطقة،مما سببت خرابا في البلاد والعباد، وأنتقل الخراب ليشمل الولايات المتحدة نفسها في العراق والمنطقة ،لأن الولايات المتحدة أعتمدت ولا زالت تعتمد على مجموعات سياسية فاشلة ومتكلسة، ولا تجيد غير النهب والسلب ونشر الفوضى والقتل والخزعبلات الدينية والإجتماعية، والعمل على تقسيم العراق جغرافيا وطائفيا ومذهبيا وإثنيا وحتى نفسيا ليتم بعدها الإنتقال الى مرحلة المكارم، أي كل جزء من العراق تمنحه المجموعة المتحكمة فيه الى الدولة التي تعشقها سواء كانت إيران أو الكويت أو الأردن أو تركيا أو إسرائيل والقائمة تطول، وفي مقدمة الجميع الى واشنطن ولندن.

ولكن و بعد مسلسل الإخفاقات الأميركية في العراق، وعلى جميع الأصعدة فكرت بعض الدوائر الأميركية ومعها بعض الأنظمة العربية التي أوحت الى مخابراتها بدعم هذه الأفكار التي تقود الى تكوين خلطة جديدة من السياسيين العراقيين ليكونوا بديلا عن السياسيين الحاليين، والذين أصبحواء عبء كبير على الولايات المتحدة وعلى العراقيين والمنطقة كلها، وهو مشروع سليم وطيب لو كانت النيات سليمة، وكانت من أجل العراق والعراقيين، لأن أصل الفكرة طيب وتصلح أن تكون أساسا لبناء نظام بديل في العراق يعتمد على أبناء العراق،ومن جميع الشرائح، وبدعم من الولايات المتحدة والغرب ودول المنطقة، ولكن للأسف الشديد فأن النيّة غير ذلك و أن في كل زمن تأتيك مجموعات الإنتهازيين والحيتان والعملاء، والذين تدعمهم بعض الدوائر الأميركية والغربية وبعض الأنظمة في المنطقة على أنهم الشرفاء والوطنيين، وهذا يحتم أن يدخل العراق في نفق جديد، ولكنه أكثر ظلاما، وهنا لسنا بصدد تبرير أستمرار حكم الفاشلين الحاليين في العراق، ولكن بصدد التنبيه الى إجتماعات وزيارات بدأت منذ عام الى العاصمة واشنطن ودوائرها من بعض الشخصيات والمجموعات العراقية التي لا تقل إنتهازية وخنوعا عن المجموعات الحاكمة حاليا بحراب الإحتلال في العراق، بل قد تكون أكثر خطرا لو دُعمت على طريقة الدعم السابق، ومن هنا تولد الخوف والتوجس، لأن الذئب يبقى ذئبا حتى لو إرتدى ثوب الحمل..

وأن الغريب في المجموعات والشخصيات والخلطات التي يُروج لها أنها كانت بعثية ويسارية وشيوعية وإسلامية هامشية، ومنها من كانت تعيش من عطايا وهبات الرئيس المرحوم صدام حسين هي وعائلاتها، ومنهم من كان يسافر ويعود الى بغداد بشكل مكوكي ودوري، وكان يحصد الهدايا والعطايا من نظام صدام، وفجأة تغيروا وأصبحوا يتعاطون مع الدوائر الأميركية مع الإصرار على الدجل والكذب والإنتهازية، فتراهم يتكلمون بوسائل الإعلام العربية كلاما يختلف تماما عن الكلام الذي يتكلمونه لوسائل الإعلام الأميركية والغربية، ففي الكلام الأول يسوقون أنفسهم حماة البلاد والعباد وأنهم يرفضون الإحتلال والقتل وأنحدار حقوق الإنسان في العراق ويدعمون العمل المقاوم والعروبة ، ولكنهم في وسائل الإعلام الثانية يكيلون المديح للولايات المتحدة والى مشروعها مع انتقادات بسيطة حول بعض الأخطاء، ويقدمون أنفسهم بديلا عن رجال الحكم الحالي في العراق، ولكن لو نظرنا اليهم نرى أنهم خطر جديد على العراق ومستقبل أجياله، خصوصا وأن من يُروج لهم من أقرباء وعائلات وأصهار أصحاب المشروع الطائفي والتقسيمي في العراق ، وأن إختلافهم مع الحكيم والجلبي وغيرهما لمجرد إختلافات غنائم ومناصب لا غير، ولكن عندما أنتقلوا خارج العراق جيّروها على أنها إختلافات وطنية وعلى غرار معارضة الجنرال حسين كامل، ومعارضة عبد الحليم خدام!!.



الجلبيّون الجُدد... وأروقة المخابرات..!



فبدورنا نحذر الشعب العراقي من الوقوع في الخطأ القاتل مرة أخرى، لأن هناك زيارات وإجتماعات مكوكية لبعض المجموعات والشخصيات العراقية، ومنها من أصول غير عراقية أيضا الى الدوائر الخاصة في الولايات المتحدة وبريطانيا، وكذلك الى دوائر بعض المخابرات العربية التي ترعاها الولايات المتحدة ، والهدف سماع التوجيهات منها ومن أجل توضيح الدعم المادي واللوجستي والإعلامي والسياسي، والهدف الثاني هو خلق حالة ( جلبيّة) جديدة في العراق، ولقد شرع الإعلام العربي ومنذ عام تقريبا نحو دعم هذه الوجوه والاٌقلام والالسنة التي تروج للظاهرة (الجلبيّة الجديدة) بحيث أن هناك بعض القنوات الفضائية أدمنت على بعض الوجوه المتجهمة، والتي تتكلم الكلام نفسه وكل يوم ، والذي يصب بالترويج الى الجلبيّين الجُدد، ولهذا قامت بعض دوائر المخابرات العربية وبإيعاز من الدوائر الأميركية بتهيئة بعض القنوات الفضائية لإستضافتهم ،و بتأسيس بعض المواقع الألكترونية، وحتى الصحف الورقية والإلكترونية، وطوروا بعض المواقع العراقية والعربية المغمورة ، وبدعم من دوائر المخابرات العربية والأجنبية الداعمة للجلبييّن الجُدد، بحيث أنها فتحت لهم ورش لتدريب كوادر بعض المواقع الإلكترونية، وهكذا دعموا بعض الإجتماعات والمؤتمرات الصفراء في بعض العواصم العربية والأجنبية، والتي هي مقدمات لولادة الطبخات الجلبيّة الجديدة، وللآن فإن هناك ظاهرتين بارزتين وهي :



الظاهرة الأولى :



( سنيّة بعثية الجذور)



يقود هذه الظاهرة شخص جذوره بعثية، ويحمل شهادة أكاديمية عالية، يجيد اللعب بالكلمات، بحيث ان له حديث للعرب يختلف عن حديثة للأميركيين والغربيين، وكان من المقربين الى نظام صدام حسين، ولقد غرف الكثيرمن العطايا والأموال والأملاك، وكان زائرا مكوكيا الى بغداد بمناسبة وبغير مناسبة و من منفاه الإختياري في دولة عربية، فلقد ذهب الى الولايات المتحدة قبل عام تقريبا وقدم دراسة من 93 صفحة الى دوائر خاصة هناك ومنها دوائر مخابراتية، وهي دراسة من عصارة أدمغة الشرفاء الذين يكتبون في المواقع التي يهيمن عليها، ومن جهد الذين يكتبون في المؤسسة الإعلامية التي يديرها تحت شعار الفكر والقومية والحرية، أي هو إصطياد عكر للأفكار والرؤى، وبما أن هذه الدولة العربية أصبحت مرتعا لصناعة السياسيين الجُدد، فلقد تقاطر عليها كما كبيرا من المغرر بهم من الوطنيين ومن المتكلسين والمتكرشين والمتقاعدين والمطرودين سياسيا ووظيفيا وأخلاقيا كي يكون لهم نصيبا من الطبخات القادمة في العراق وغير العراق، ولقد تم إختيار هذه الشخصية التي ستسافر هذه الأيام نحو واشنطن لتقديم ما عندها من أسرار وأفكار تمكنت من إصطيادها من أفكار وأدمغة المغفلين والمحاصرين في العراق، وأنها إختيرت اي تلك الشخصية من أحد المذاهب التي هي بعيدة عن دائرة الصراع المذهبي في العراق ( سنة وشيعة) وهي قريبة من البعثيين، ومن ثم تحمل شعارات ليبرالية غربية أمام الأميركان وشعارات قومية عروبية أمام العرب، ولكن ستبقى تلك الشخصية قديمة وغير قادرة على النهوض بأي شيء وجاءت من أجل الإنتهازية لا غير ،ولقد خُدعنا بها من قبل ولكننا إنتبهنا في آخر المطاف بأنها شخصية جلبيّة قولا وفعلا، وأنها قبلت الدور المرتقب مقابل إمتيازات، ولأجل أنتقال من مرحلة الى أخرى ولخدمة الولايات المتحدة وخدمة المسائل الشخصية..



الظاهرة الثانية:



شيعيّة يسارية إنتقلت نحو الليبرالية النفعية



أما الشخصية التي تقود الظاهرة الثانية فهي شخصية شيعية تحمل جذورا يسارية، وتستند على القانون وحقوق الإنسان في عملها كغطاء، ولكنها شخصية تعاملت مع الولايات المتحدة قبل الدكتور أحمد الجلبي، وحتى قبل الدكتور أياد علاوي ، ولقد إستلمت قيادة ( المؤتمر الوطتي العراقي) في بداية التأسيس ،علما أن المؤتمر الوطني هو عبارة عن شركة تابعة لوكالة المخابرات المركزية الأميركية ( سي أي أيه)، وتأسس على غرار التشكيلات التي أسستها الولايات المتحدة في السبعينات والثمانينات من القرن العشرين في بعض دول أمريكا اللاتينية، ولقد كانت تلك الشخصية معتمدة من المخابرات المركزية الأميركية في بداية التسعينات، ولهذا تسلمت قيادة المؤتمر الوطني، ولكن الذي أبعدها هو ولاءها المزدوج المتوزع بين المخابرات الأميركية من جهة والمخابرات العراقية من جهة أخرى، فتمت متابعة تلك الشخصية ولقد تكلف بذلك الدكتور أحمد الجلبي الذي شغل الشخصية الثانية أو الثالثة في بداية تأسيس المؤتمر الوطني، ولقد أعتمد الجلبي بمتابعته لهذه الشخصية القيادية في المؤتمر الوطني على السيد رامسفيلد ومجموعة من كبار ضباط المخابرات المركزية (سي أي أيه) وبالفعل تم ضبط هذه الشخصية في قبرص، وفي أحد الفنادق الفخمة فيها و داخل الإجتماع مع المخابرات العراقية، وكانت تناقش معهم عمليات تهريب النفط العراقي نحو العالم بطرق سرية، ولمصلحة النظام ولمصلحة شخصيات نافذة في الحكم العراقي السابق مقابل عمولات خاصة وتسهيل مهمات، فتمت مصادرة الأوراق ومحضر الإجتماع إضافة لتصوير الجلسة ،وتمت مقايضة هذه الشخصية بين تقديم الإستقالة و بهدوء من رئاسة المؤتمر الوطتي وأمانة سره لصالح الجلبي وعدم كشف أسرار المؤتمر الوطني، أو الإعلان عن الفضيحة في وسائل الإعلام ومن ثم المحاكمة، فوافقت تلك الشخصية على الإقتراح الأول وبقيت على علاقتها السرية نوعا ما مع بعض رموز النظام العراقي السابق، ولهذا هناك شكوك بأنها كانت ولا زالت تدير بعض الحسابات السرية التابعة للنظام، ولقد أخذت التغطية من خلال العمل في المنظمات الخاصة بحقوق الإنسان وتقديم المحاضرات، ولو لاحظتم وتيرة معارضة هذه الشخصية ستجدونها معارضة فاترة ( المكسورة عينه) للنظام السابق والنظام الحالي، العبارة بين الأقواس يفهمها العراقيون فقط ولكن الغريب أن هناك بعض المخابرات العربية ويبدو بإشارة أميركيةأصبحت تعيد تلميع هذه الشخصية التي إستهوتها الإقامة بعيدا عن مدينة الضباب لندن نحو الإقامة في ذلك البلد العربي الذي تُعشعش فيه الظاهرة الأولى، وكذلك تُعشعش فيه بؤر غسيل الأموال المهربة من العراق إسوة ببؤرة خليجية وأخرى بدوية.



فمن واجبنا تذكير هذه الشخصيات بماضيها كي تعمل من اجل العراق، وليس العمل ضد العراق بشعارات وردية وإنقاذية وتوضيح الأمور الى الشعب العراقي والى الشرفاء العاملين في الحقل السياسي والوطني، وكذلك نوضح الصورة الى الشعوب العربية بأن هناك مسلسلا يُعد نحو ولادة طبخة ( جلبيّة) للعراق ومن هذه الوجوه القديمة والتي هي وجوه معتمدة ضمن محافل دولية معروفة، ومحافل المخابرات العالمية،لذا لابد من الوقوف بوجه هكذا سيناريوهات نحو ولادة سيناريوهات لا تقودها دوائر المخابرات الاميركية والغربية والعربية، بل تقودها النخب السياسية الوطنية مع قبول المساعدة من الدوائر السياسية من هذه البلدان دون المرور على دوائر المخابرات، ومنع فرض العملاء من جديد مع الحفاظ على مصالح تلك الدول ،وفي مقدمتها مصالح الولايات المتحدة في العراق والمنطقة، فلا نهوض للعراق إلا من خلال السيناريو الوطني الذي يجمع جميع الشرائح العراقية، وتكون المقاومة العراقية في صلبه وقلبه.... لهذا نحذر العراقيين في الداخل والخارج من بعض وسائل الإعلام العربية ، ونحذر من الأحزاب والجبهات التي تولد دون سابق إنذار وتروج لها بعض المواقع الإلكترونية الصفراء التي أصبحت ميزانياتها من دوائر المخابرات، والتي معظمها لافتات عراقية ولكنها في العمل لافتات الى دوائر المخابرات الدولية والعربية، والغاية خلط الأوراق واللحاق على الكيكة العراقية، أي أن عنصر إنقاذ العراق مفقووووووووود تماما وهنا المصيبة!!.



كاتب ومحلل سياسي

4/3/2007

مركز الشرق للبحوث والمعلومات

[email protected]

التعليقات