نظيرة وفضيلة أشهر أبلتين في العالم العربي

نظيرة وفضيلة أشهر أبلتين في العالم العربي
غزة-دنيا الوطن

اعتدنا منذ الصغر في مصر على مناداة من يكبرننا في السن من النساء بكلمة «أبلة». وعلى الرغم من عدم معرفة الكثيرين بمعناها الحقيقي الا أنها ظلت حتى وقت قريب هي السائدة في العائلة وفي المدرسة قبل ان تنافسها في التواجد كلمة «ميس» بالانجليزية والتي تعني بالعربية كلمة آنسة. وعلى الرغم من ان كلمة «أبلة» أعم وأشمل من «ميس» الا ان البعض بات يفضل الاخيرة. أما كلمة أبلة «التي يرجح الكثيرين أنها تركية الاصل وتعني الآنسة الصغيرة فقد باتت لدى الكثيرين موضة قديمة. وفي تاريخ العرب الحديث يمكننا رصد إثنتين من النساء حظيتا بلقب أبلة وفاقت شهرتهما الافاق العربية، وكان لهما تأثير كبير في حياة النساء والاطفال العرب. أولهما أبلة نظيرة أول من قدمت لنساء العرب دليلا للطهي، والاخرى أبلة فضيلة التي ساهمت في تربية ملايين الاطفال في العالم العربي من الذين نشأوا على صوتها الدافئ وحكاياتها الرائعة.

* أبلة نظيرة في بعثه الى لندن :

عندما قررت وزارة المعارف عام 1926 إرسال بعثات من كافة التخصصات الى جامعات لندن لاستكمال الدراسة العملية هناك، كانت نظيرة نيقولا التى لم يتعد عمرها وقتها الـ 18 عاما من ضمن 14 فتاة تم اختيارهن من كلية التدبير المنزلي للذهاب في بعثه لجامعة «جلوستر» بأنجلترا بهدف تلقي المزيد من فنون الطهي وشغل الابرة وكانت مدة البعثة ثلاث سنوات.

يقول د.صادق الابن الاكبر لأبلة نظيرة ان تلك البعثة وقتها كانت تعد سبقا حيث أنه لم يكن من السهل تقبل الاهل فكرة سفر بناتهن لاستكمال دراستهن في الخارج الا ان تميزهن العلمي والخلقي فرض الوضع الجديد على الجميع. وقد اختارت نظيرة نيقولا بعد عودتها من البعثه التفرغ لمجال الطهي والعمل بالتدريس لمادة الثقافة النسوية التي تحول اسمها الان الى مادة التدبير المنزلي وكان ذلك في مدرسة السنية للبنات. ومن هنا تفرغت أبلة نظيرة للطهي واصبح يحتل مساحة كبيرة في حياتها ففي المدرسة كانت تبذل قصارى جهدها لتعليم الفتيات فن الطهي، فالامر لم يكن قاصرا على مجرد تدريس مادة في المنهج ولكنها كانت تحاول ان تجعلهم يحبون ذلك بل ويتفنون في تقديم الجديد. وفي المنزل كانت شديدة الاهتمام بأناقة الطعام مهما كان بسيطا حيث تحرص على الاعتناء بالسفرة وتزينها بالخضروات والفاكهة دائما. ولعبت الصدفة دورها في حياة أبلة نظيرة حين أعلنت وزارة التربية والتعليم في بداية الاربعينيات من القرن الماضي عن تنظيم مسابقة على مستوى المدارس تشترك فيها مدرسات التدبير المنزلي بهدف تأليف كتاب في الطهي تعتمده الوزارة كمنهج دراسي للفتيات في فن التدبير المنزلي. وبالطبع كان قرار أبلة نظيرة بالاشتراك في المسابقة وليحصل كتابها الذي حمل عنوان «أصول الطهي» على المركز الاول ويتم توزيعه على المدارس لتقوم جميع المعلمات بتدريسه.

ويقول ابنها دكتور صادق: لم يكن لدى والدتي أي نية تجارية عند تأليف الكتاب على العكس تماما فقد ارادت فقط ان تقدم خلاصة تجاربها وما تلقته من اسس الطهي في البعثه في هذا الكتاب بحيث يفتح الباب امام من ترغب من الفتيات في اتقان الطهي الذي كانت تطلق عليه دائما «الفن» لانها كانت تؤمن بأنه موهبة كالغناء والتمثيل .

وقد انتشر الكتاب وذاع سيطه بسبب سهولة اسلوبه كما انه كان محددا في وصفاته للمأكولات بطريقة تناسب المحترفة ومن تدخل المطبخ لاول مرة على حد سواء، لذلك انتقل من بين يدي فتيات المدرسة الى ايدي امهاتهن بسرعة كبيرة وبعد ان ازداد الطلب عليه تم عمل طبعات عديدة للكتاب الذي استكملت أبلة نظيرة بدورها كتابة اجزاء اخرى منه حتى وصل الى 18 جزءا واصبح موسوعة شاملة لكافة اشكال الطهي.

وتقول د. وفاء عامر استاذة بكلية الاقتصاد المنزلي جامعة حلوان ان اهم ما يميز الكتاب هو انه يراعي الحالة الاقتصادية للاسر البسيطة حيث يقدم لهم وصفات سهلة ومناسبة وفي الوقت نفسه جديدة كما انه يقدم وجبات متميزة للولائم الكبيرة وجميع المقادير والوصفات المذكورة فيه مباشرة، فأي سيدة تجيد القراءة تستطيع تطبيقها بسهولة. ويضيف دكتور صادق قائلا: بعد نجاح الكتاب وصدور طبعات عديدة له اضافة الى تأليفها كتيبات اخرى وصلت الى 8 كتيبات تنوعت ما بين الحديث عن الحلويات الشرقية والغربية او الحديث عن وصفات انواع معينة من الطعام. حادثت الاستاذة صفية المهندس والدتي وطلبت منها الاشتراك في تقديم برنامج «ربات البيوت» بالاذاعة المصرية على ان تقدم كل يوم وصفة لأكلة معينة وبالفعل استجابت أبلة نظيرة وكانت وقتها على المعاش واصبح هناك ميعاد يومي بين أبلة نظيرة وملايين من الذين ينتظرون سماع تقديمها الشهي والمرتب لمقادير الوجبات.

من منا لا يذكر الفنان سمير غانم في مسرحية «المتزوجون» حينما كان يقول لزوجته في المسرحية شيرين جملته الشهيرة: «متأكدة ان ده كتاب نظيرة صفحة الملوخية؟ دا صفحة الوفيات يا لينا». هذه الجملة أضحكتنا جميعا وما زال البعض منا يرددها الا انها أحزنت أبلة نظيرة التي كانت ترى في الجملة اهدارا لحقها وسخرية منها. والى جانب البرنامج اكتفت أبلة نظيرة بتقديم سفرة اسبوعية متكاملة في مجلة «حواء» المصرية استمرت في تقديمها حتى بعد توقف البرنامج والى ان وافتها المنية عام 1992 عن عمر يناهز الـ90 عاما.

الطريف هو ما ترويه شهيرة زوجة الدكتور صادق إبن أبلة نظيرة وهي تقول: «تخيلوا زوجة تطهو لابن أبلة نظيرة كيف سيتقبل طعامها؟ وتضيف ضاحكة: عند بداية زواجي لم يكن عندي ادنى فكرة عن المطبخ ولم أفكر يوما في دخوله. ولكن أبلة نظيرة التى كانت تتميز بخفة الدم والبساطة الشديدة لم تلتفت لذلك وأصرت على تعليمي كل فنون الطهي وفي شهر واحد اصبحت على دراية كاملة بكافة فنون المطبخ وهو ما أدين لها به .

* فضيلة توفيق محامية تلبس ثوب مصلح اجتماعي: «يا ولاد يا ولاد.. تعالوا تعالوا.. علشان نسمع أبلة فضيلة راح تحكي لنا حكاية جميلة».. تلك هي كلمات البرنامج الاذاعي الذي تقدمه ابلة فضيلة للاطفال منذ ما يزيد عن خمسين عاما وما زالت. وما زال عدد كبير من الاطفال يهرعون الي جهاز الراديو للاستماع الى حدوتة أبلة فضيلة بمجرد سماع كلمات الأغنية. ولم تكن أبلة فضيلة تتصور يوما انها ستصبح الأبلة التي ينتظرها الكبار قبل الصغار يوميا بفارغ الصبر لسماع الحدوتة، فقد كان الجميع يلقبونها بالاستاذة منذ ان كانت في المرحلة الثانوية وتنبؤا لها بأن تكون محامية شهيرة وذلك لجرأتها في قول كلمة الحق دائما إضافة الى دقة مخارج الالفاظ لديها وبالفعل التحقت فضيلة توفيق بكلية الحقوق وتخرجت منها لتتدرب مباشرة في مكتب المحامي ووزير النقل وقتها حمدي باشا زكي.

وكانت أول مهمة كلفها بها هي الجلوس مع الزبائن الجدد وكتابة ملخص لقضية كل واحد منهم ليتم عرضها عليه بعد ذلك. وفي نهاية اليوم الاول لعملها دخل السكرتير على سيادة الوزير راجيا إياه بطرد فضيلة فورا من المكتب قائلا انها ستتسبب في غلق المكتب وقطع ارزاق العاملين وأولهم حمدي باشا نفسه وذلك لأنها قامت بالصلح الودي بين اكثر من نصف الزبائن مما يعني عدم وجود قضايا.

وعندما استدعاها حمدي باشا ظنت انه سيقوم بتوبيخها وطردها فورا، إلا انه قال لها ببساطة انسي القانون وقرر الحاقها بالاذاعة التي دخلتها أبلة فضيلة عام 1959. وعندما سألوها اي البرامج تفضلين للتدريب عليها ردت بتلقائية برامج الاطفال. ولكن وقتها لم يكن لبرامج الاطفال مساحة كبيرة من الاهتمام باستثناء برنامج بابا شارو الشهير والذي رفض بدوره ان تشاركه فيه قائلا ان هذا سيمثل عبئا على الطفل اثناء التسجيل بأن نقوم بتحفيظه هذا بابا وهذه ماما. لذلك تم الحاقها بالتدريب على القاء نشرات الاخبار. وفي اول اختبار عملي لها كان مقررا ان تذيع النشرة كلا من فضيلة توفيق واميمة عبد العزيز وعندما اصبحتا على الهواء دفعت فضيلة بأميمة لتقرأ الخبر الاول وكان عن أحد الحروب.

تقول أبلة فضيلة عن هذا الموقف: شعرت بان هناك وابلا من القنابل ينهال علينا داخل الاستديو وذلك لبراعة وقوة اميمة في قراءة الاخبار. وقتها عرفت بأنني لن أستطيع قراءة النشرة مع هذه المذيعة مرة اخرى لانه لا يوجد ادنى توافق بين اسلوب كل منا. وطلبت نقلي الى استديو المنوعات ولحسن حظي كان هناك خلاف حاد بين احد الوزراء وبابا شارو وقتها مما ارغم بابا شارو على ترك برنامجه والاذاعة كلها فكان عملي في برامج الاطفال التي احببتها .

لم يكن هناك بديل وقتها لملأ فراغ بابا شارو افضل من فضيلة توفيق لذلك تم الحاقها مباشرة ولكنها نجحت بسرعة ان تحتل مكانا مميزا في قلوب المصريين كلهم وليس الاطفال فقط، وقد رفضت ان يطلق على البرنامج اسم ماما فضيلة لاقتناعها انه لا يوجد احدا يستطيع ان يسمى بماما سوى الام نفسها لذلك فضلت كلمة «أبلة» لسهولته ورواجه عند الصغار والكبار معا.

ويروي الاذاعي حمدي الكنيسي انه عندما تم افتتاح التلفزيون ظن معظم الناس ان الذين احتفظوا بمواقعهم في الاذاعة هم من لا يحملون ادنى قدر من الجمال، لذلك عندما زارت السيدة جيهان السادات مبنى الاذاعة والتلفزيون لاول مرة طلبت لقاء أبلة فضيلة على وجه الخصوص وقد اندهش وزير الاعلام وقتها من هذا الامر كثيرا وسأل فضيلة على انفراد هل يوجد سوء تفاهم ما، فردت قائلة انه ربما لاهتمامها بشؤون الاطفال طلبت لقائي.

وعندما رأتها السيدة الاولى قالت لها «ما انتي حلوة ليه ماروحتيش التلفزيون؟» أجابت فضيلة قائلة انها تعشق الاذاعة وعلاقتها بالاطفال نشأت ونمت من خلالها وهي لا تضمن النجاح نفسه والحفاظ على تلك العلاقة اذا طلت عليهم من خلال شاشة التلفزيون.

وتقول ناريمان الجوهري مدير عام البرامج الثقافية بالاذاعة انه منذ ان تولت أبلة فضيلة رئاسة محطة البرنامج العام، وهي اصبحت اما وقدوة للجميع فكانت تجمع بين بساطة الاطفال وتلقائيتهم وحزم وحنية الام في الوقت نفسه. وتؤمن أبلة فضيلة ان تربية الابناء تتطلب الاخذ في الاعتبار كافة العوامل التي تحيط بالطفل فقديما عندما كانت تقول لنا امهاتنا ان هناك عصفورة تخبرها بالتصرفات الخاطئة التي تصدر عنا كنا نصدقها! بينما الان عندما نحكي حدوتة ونقول فيها البطة اخبرت صديقتها البطة الاخرى تجد اندهاشا شديدا من الاطفال وعدم تقبل للفكرة اذ انهم لن يقتنعوا ابدا ان هناك حديثا بين البط لذلك لا يجب ان تستهتر الام بتفكير ابنها او خواطره ابدا وذلك حتى تضمن السيطرة على تربيته.

التعليقات