وثائق سرية:الحرب بين إسرائيل وحزب الله هل كانت مدبرة؟

وثائق سرية:الحرب بين إسرائيل وحزب الله هل كانت مدبرة؟
اسم البرنامج: العين الثالثة

مقدم البرنامج: أحمد عبد الله

تاريخ الحلقة: الجمعة 3-11-2006

فضائية العربية

أحمد عبد الله: مشاهدينا الكرام أهلاً بكم في حلقة جديدة من العين الثالثة, بدأت بخطف جنديين وانتهت بحرب شبه مفتوحة وقتل مدنيين أبرياء, هي بالتأكيد الحرب غير التقليدية التي دارت رحاها بين حزب الله وإسرائيل.

ولكن تساؤلات كثيرة تلك التي خلفتها, فهل كانت المسألة كلها مدبرة من قبل جهة معينة؟ ولمصلحة من؟

الحرب بين إسرائيل وحزب الله هل كانت مدبرة؟

تقارير ووثائق استخباراتية سرية حصلنا عليها من مصادر أمنية في فرنسا وبلجيكا تشير إلى أنه كانت هناك أصابع خفية وراء كل ما حدث, تعالوا نتابع معاً.

التعليق الصوتي: هذه الوثائق والتقارير السرية أعدتها المصالح الاستخبارية الفرنسية والأوروبية تباعاً في الفترة الممتدة من ديسمبر 2005 إلى يونيو 2006, وهي ترصد على مدى عام كامل قبل نشوب الحرب بين إسرائيل وحزب الله اجتماعات وتخطيطات وتحضيرات سرية لتفجير هذه الحرب بشكل مبيت ومخطط له سلفاً, وذلك من منطلق تحالف إقليمي ثلاثي يضم حزب الله وإيران وسوريا حسب مزاعم هذه التقارير الفرنسية الأوروبية.

التعليق الصوتي: "في هذا الإطار سيلعب حزب الله اللبناني خلال الأشهر المقبلة دوراً مركزياً, ذلك أن الزيارات التي كان يقوم بها الأمين العام لهذه الحركة حسن نصر الله إلى طهران كانت في العادة نادرة ومحاطة بالسرية التامة, لكن زيارته الأخيرة إلى إيران التي امتدت من الأول إلى الثامن من أغسطس الماضي جرت في إطار من البروتوكول الرسمي العلني في مناسبة انتخاب الرئيس محمود أحمدي نجاد.

التعليق الصوتي: ومن أكثر ما ورد في هذه الوثيقة إثارة للجدل الزعم بأن الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله محق بأن يفرح وأن يهنئ نفسه بوصول أحمدي نجاد إلى السلطة لأنه يعرفه جيداً منذ عام 87, حيث تزعم الوثيقة أنهما التقيا لأول مرة في كوريا الشمالية خلال مشاركتهما في دورة تدريبية على أيدي أجهزة استخبارات نظام كيم إل سونغ ثم توطدت الصلات بينهما بعد ذلك بعشر سنوات في لبنان وتضيف الوثيقة:

التعليق الصوتي: "هذه الصلات الوثيقة التي تجمع نصر الله بالرئيس الإيراني الجديد جعلته في موقع قوة خوله أن يحظى في طهران بعدة لقاءات سرية مع أقوى رموزي الحرس الثوري, ومن القضايا التي أثيرت في تلك المحادثة مسألة نزع سلاح حزب الله, حيث أكد الجنرال الإيراني لضيوفه بأنه في غير الوارد أبداً أن يتخلى حزب الله عن سلاحه, وذلك بنفس القدر الذي ليس وارداً على الإطلاق أن تتخلى إيران عن برنامجها النووي.

التعليق الصوتي: الخبير البلجيكي كلود مونيكيه الذي يرأس في بروكسل المركز الإستراتيجي الأوروبي للاستخبارات والأمن يؤكد هذه المعلومات, ويجزم بأن قرار شن الحرب من قبل حزب الله لم يتخذ في بيروت بل في طهران, وذلك ضمن خطة هدفها الالتفاف على التهديدات الدولية بخصوص البرنامج النووي الإيراني.

كلود مونيكيه (مدير المركز الاستراتيجي الأوروبي للاستخبارات والأمن): ما حدث في الثاني عشر من يوليو الماضي كان مندرجاً بلا شك بين خطة هدفها استفزاز إسرائيل, فحزب الله منذ سنوات ومنذ انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان تعوّد على شن الهجمات الصغيرة وإطلاق القذائف, وأحياناً خطف الجنود الإسرائيليين لكن في إطار ضيق ومحدود, وأن يتم التوغل داخل الأراضي الإسرائيلية لقتل الجنود وخطف إسرائيل وهذا تصعيد لم يكن حزب الله يجهل حين أقدم عليه أية ردة فعل إسرائيلية سيفرزها, أنا متيقن ولست الوحيد في هذه الحالة بأن تلك العملية كانت مناورة للتضليل تم تقريرها على الأرجح في طهران لا في بيروت, في ظل التأزم القائم في غزة وفي ظل ما تواجهه سوريا بخصوص استقلال لبنان والتحقيق في اغتيال الرئيس الحريري, وبالأخص في ظل الأزمة المتصاعدة بخصوص الملف النووي الإيراني فإن حزب الله المرتبط بشكل وثيق بطهران لم يكن ليقدم على عملية بهذا الحجم دون الحصول من طهران لا على الموافقة فحسب, بل على الأمر منها بالتحرك, نحن إذن أمام عملية تم تقريرها في طهران بهدف صرف النظر عن الملف النووي الإيراني عبر افتعال حرب إقليمية.

لماذا وقع الإسرائيليون في الفخ؟

التعليق الصوتي: السيد كاظم جلالي مقرر لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى الإيراني يرد على هذا الكلام بالقول: إنه إن كان هناك مؤامرة إيرانية لجر إسرائيل إلى الحرب, فلماذا وقع الإسرائيليون في الفخ؟

كاظم جلالي (مقرر لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية - طهران): هذا الكلام عن مخطط إيراني سوري مع حزب الله لا أساس له أبداً, لنفترض أن إيران تريد القيام بعمل عسكري لنفترض هذا, فلماذا وقعت إسرائيل في هذا السيناريو وهي لديها الموساد والمؤسسات الأمنية القوية؟ لنفترض أن إيران لديها مخطط لماذا وقعوا فيه؟ إذن لديهم ضعف كبير إن لم يفهموا ذلك, في نظري أن هذا الكلام أقرب إلى الهزل منه إلى الحقيقة.

التعليق الصوتي: الوثيقة السرية الثانية التي حصلنا عليها في باريس أُعدت في شهر مارس 2006 وتم إنجازها على خلفية ما تم تداوله آنذاك من معلومات بخصوص ترجيح توجيه ضربة عسكرية أميركية ضد المنشآت النووية الإيرانية, وكان هدف هذه الوثيقة السرية الفرنسية رصد مختلف ردود الفعل الإيرانية المتوقعة حيال التهديد بضرب منشآتها النووية.

التعليق الصوتي: "من بين ردود الفعل المرجحة جداً هجمة صاروخية إيرانية مضادة على إسرائيل, أو على القواعد العسكرية الأميركية في كامل المنطقة سواء في إسرائيل أو دول الخليج وربما حتى في آسيا الوسطى وأفغانستان, ومن ردود الفعل الأخرى التي تُعد مرجحة جداً من قبل الخبراء احتمال اللجوء إلى تحريك فوري لقوات حزب الله في لبنان أو زعزعة سريعة جداً للأوضاع في العراق عبر إثارة غالبية الشيعة الموالين لإيران ومختلف الميليشيات المسلحة ضد القوات الأميركية".

التعليق الصوتي: وأما الوثيقة السرية الثالثة فقد تم إنجازها في يونيو 2006 أي قبل شهر واحد من نشوب الحرب وهي ترصد صفقات سرية لمد حزب الله من قبل الحرس الثوري الإيراني بأنواع جديدة من الصواريخ التي لم يكن يمتلكها من قبل وبالأخص الصواريخ نازيوت 10 التي يصل مداها إلى 200 كيلو متر, كما تم انتداب مائة من مقاتلي حزب الله لتدريبهم من قبل الحرس الثوري الإيراني على كيفية استعمال هذا النوع من الصواريخ على حسب ما تقول به هذه الوثيقة.

التعليق الصوتي: "إن الحرس الثوري الإيراني بالتنسيق مع سوريا قام بمد حزب الله اللبناني بمنصات متنقلة مزودة بصواريخ من طراز فجر 5 ويصل مداه إلى 70 كيلو متراً ونازيوت ويصل مداه حتى 200 كيلو متر, وأن مائة مقاتل من حزب الله تم تدريبهم في إيران على استعمال هذه المنصات الصاروخية تحت إشراف ضباط من الحرس الثوري.

حسن نصر الله: نعم أنا أعترف بأنه لدى المقاومة منذ سنوات طويلة منذ الـ 92 بالتحديد قوة صاروخية محترمة ومعتد بها ومهمة كمّاً ونوعاً, وبالتالي أستطيع أن أقول إن شمال فلسطين المحتلة بكله وكلكله يقع تحت مرمى صواريخ المقاومة في لبنان.

التعليق الصوتي: المحلل الإيراني أمير الموسوي الخبير في الشؤون الجيو استراتيجية ينفي بشكل قطعي تزويد حزب الله من قبل إيران بمثل هذه الصفقات الصاروخية.

أمير الموسوي (خبير في الشؤون الجيو استراتيجية): هناك خطة لإيجاد إستراتيجية في المنطقة, صحيح لكن مد حزب الله بصواريخ أنا أستبعد هذا الأمر لأسباب واضحة جداً وبسيطة, أولاً ليس هناك خط مباشر مع لبنان لا خط جوي لا طيران فيه, ولا خط بحري لا سفن موجودة تسير إلى لبنان مباشرة, ولا يعني جيران لبنان لا يسمحوا لهذا الأمر حتى عن طريق سوريا الصديقة لإيران, باعتبار أن الوضع في لبنان كلنا يعلم ليس مهيئاً سياسياً ولا عسكرياً لأن تتم هذه العمليات بسهولة مع المقاومة, وفي نفس الوقت هناك يعني سبب واضح أن إيران لن تدخل بهذا المستوى إلى لبنان بسبب قوة حزب الله, أنا برأيي أن حزب الله يمتلك القوة الكافية لأن يحصل على هذه الأسلحة المختلفة بما في ذلك الصواريخ, لحزب الله أيادي قوية في المنطقة وفي العالم, وله أنصار كثيرون بالآلاف في العالم منتشرون, وله يعني موارد مالية عميقة جداً وعلى مستوى عال جداً في كل أنحاء العالم.

التعليق الصوتي: لكن كاظم جلالي له رأي مخالف فهو لا ينفي مثل هذه الصفقات, ويعتبر أن إيران بلد مصنع للأسلحة ويحق لها أن تبيعها لمن تشاء.

كاظم جلالي (مقرر لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية طهران): مسألة نوع السلاح الذي استخدمته المقاومة هذه مسألة قابلة للبحث والتطبيق, ولكن علينا ألا ننسى نقطة أساسية وهي أنه في كل حروب العالم الأسلحة التي تستخدم هي من الدول التي تصنّع السلاح, ولا أحد يسأل من الذي صنع السلاح ومن باعه فالسلاح متوفر ويباع في كل مكان, وإيران هي إحدى الدول المنتجة للسلاح ونحن اليوم نصنع الصواريخ والأسلحة, وطبعاً نحن بصدد البحث عن سوق في العالم لبيعها, وإن كنا نريد بإذن الله عالماً خالياً من الأسلحة ولا يكون فيه مكان للغة القوة والتهديد.

التعليق الصوتي: الخبير الجيو استراتيجي اللبناني الأصل أنطون صفير الذي يدير في باريس نشرة دفاتر الشرق, يرى أن هذا الحديث عن مؤامرة إقليمية إيرانية ليس سوى ذراً للرماد في العيون, فبالنسبة له من يحرك عرائس الدمى في لعبة التوازنات الإقليمية بالمنطقة ليست سوى الولايات المتحدة الأميركية.

أنطوان صفير (مدير مجلة دفاتر الشرق - باريس): من الذي سمح لإيران بأن تقيم جيو استراتيجية إقليمية شيعية إنهم الأميركان, فحين وصلوا إلى بغداد في أبريل 2003 أعطوا كل السلطة إلى طائفة واحدة, في حين أن العراق متعدد الطوائف وفيه الأكراد والمسيحيون والشيعة والسنة, إن اختزال الديمقراطية فقط في مسألة الاقتراع وفق قاعدة الأغلبية في دولنا ومنطقتنا لا يشكّل مقاربة جيو استراتيجية حقيقية, بل يجب لذلك الأخذ في الاعتبار الخصوصيات السسيولوجية والثقافية للمنطقة وذلك ما لم يفعله الأميركيون, وهذا ما سمح لإيران ويا لها من مفارقة بأن تصبح اللاعب الأساسي في صراعات تدور خارج حدودها.

التعليق الصوتي: لكن كلود مونيكيه يعود ويؤكد أن ما يقول به في خصوص الدور الإيراني في التخطيط لهذه الحرب وتفجيرها ليس مجرد تخمين أو ترجيح, ويكشف لنا معلومة سرية خطيرة توصل بها المركز الإستراتيجي الأوروبي الذي يشرف على إدارته, وفحواها أن اجتماعاً سرياً قد عُقد على أعلى مستوى بين حزب الله وإيران في دمشق, وخلال هذا الاجتماع تم اتخاذ القرار الفعلي بخطف الجنديين الإسرائيليين من أجل تفجير هذه الحرب.

كلود مونيكيه (مدير المركز الإستراتيجي الأوروبي للاستخبارات والأمن): علي لاريجاني المستشار الأمني للرئيس الإيراني كان موجوداً في دمشق بتاريخ 5 يوليو الماضي والتقى هناك بالشيخ حسن نصر الله, ومعاً شرعا بوضع خطة هذه الحرب لتتزامن مع أجندة خاصة جداً, في الوقت الذي كان سيُحال فيه الملف النووي الإيراني إلى مجلس الأمن الدولي وهذه ليست مجرد مصادقة بل هي التي تفسر لماذا حدث ما حدث ب12 يوليو الماضي.

التعليق الصوتي: للتثبت من مدى صحة ما ورد من معلومات في هذه الوثائق السرية التي حصلنا عليها, سعينا للاتصال بمسؤولي حزب الله لمعرفة آراءهم وتعليقاتهم في هذا الشأن, لكنهم بعد الاطلاع على هذه المعلومات رفضوا رفضاً باتاً مقابلتنا أو التحدث إلينا في هذا الموضوع.

كاظم جلالي (مقرر لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية - طهران): إن سفر مسؤولين إلى سوريا ليس بالأمر المخفي على أحد, ووجود الدكتور لاريجاني ولقاؤه مع الرئيس بشار الأسد قبل أيام من أسر الجنديين الإسرائيليين ذكرته جميع وسائل الإعلام, بالنسبة لنا قيام إسرائيل بعمليات عسكرية ودخولها الحرب مقابل أسر الجنديين هو عمل غير منطقي وسخيف, وهذا مخطط جاء من طرف إسرائيل وليس من طرفنا.

أمير الموسوي (خبير في الشؤون الجيو استراتيجية - طهران): هذا الاجتماع غير صحيح لأنه أولاً هناك تنسيق موجود بين إيران وسوريا باعتبار الدولتين لهما علاقات إستراتيجية وحساسة ومصيرية, فالتنسيق مستمر والاجتماعات مستمرة والزيارات مستمرة, السيد لاريجاني زار دمشق وأي مسؤول يزور دمشق جرت العادة في السابق يزور قيادات وطنية ومسؤولين من لبنان في دمشق, وطبعاً أنا أتصور ربما حصلت لقاء على يعني لقاءات هامشية إلى اللقاءات الأساسية للمسؤولين الإيرانيين إن كان السيد علي لاريجاني أو غيره, فهذا جرت العادة أن تلتقي القيادات الإيرانية في دمشق من خلال زيارة سورية مع قيادات لبنانية وطنية فليس بالجديد.

التعليق الصوتي: أنطون صفير يرد هو الآخر بالنفي على كلام مونيكيه ومزاعمه, ويحذر مما يعتبره انسياقاً وراء نظرية المؤامرة.

أنطوان صفير ((مدير مجلة دفاتر الشرق - باريس)): نحن العرب أبطال نظريات المؤامرة والإشاعات والاجتماعات السرية وما إلى ذلك, كل هذا سيُعرف بالتأكيد فلننتظر ونرى, وكون الغربيين هم الذين يروجون لهذا الكلام يجب أن يكون سبباً إضافياً لكي لا نصدقه, يجب علينا تحليل الأحداث ببرود, عرفوا أن الأمر ليس سهلاً فهو يتعلق بمدنيين أبرياء يُقتلون وبلداً بأكمله يحطم.

التعليق الصوتي: وبالفعل هناك أصوات ومصادر عدة تشكك في حقيقة المعلومات آنفة الذكر بخصوص دور الإيراني في التخطيط لهذه الحرب والإيعاز بتفجيرها, ومن هذه الأصوات رولان جاكار رئيس المرصد الدولي للإرهاب, والمستشار الإستراتيجي لدى مجلس الأمن الدولي.

رولان جاكار (رئيس المرصد الدولي للإرهاب - باريس): ما هو مؤكد وهو بالفعل أمر مربك ومريب هو أن ذلك الاجتماع قد عُقد بالفعل, هو أمر أكدته مصادر أمنية متعددة من دول مختلفة غربية شرق أوسطية وخليجية, كان هنالك اجتماع سري بالفعل, ولكن ما دار خلال هذا الاجتماع كان متعلقاً فقط بتبادل المعلومات من أجل تعاون عسكري أكثر بين إيران وسوريا, وهذا التعاون يشمل تبادر الخبرات والضباط وتبادل الأسلحة وذخائر، ولأن المعروف أن حزب الله مرتبط منذ سنين بإيران وسوريا فإن تساؤلات ومخاوف أثيرت بلا شك بخصوص احتمال أن يؤدي هذا التبادل العسكري السوري الإيراني إلى تجديد ترسانة أسلحة حزب الله وهذا ما فكر به الإسرائيليون بكل تأكيد.

التعليق الصوتي: وهناك من يذهب أبعد من ذلك, معتبراً أن المؤامرة السرية التي كانت وراء تفجير الحرب لم يجرِ التخطيط لها في معسكر إيران وحزب الله وسوريا بل على الطرف الآخر الأميركي الإسرائيلي.

من أصحاب هذا الرأي الجنرال بيار غالوا أحد أبرز الخبراء الفرنسيون في مجال الإستراتيجية العسكرية, وهو قائد سلاح الطيران الفرنسي سابقاً ويعد الأب الروحي للبرنامج النووي الفرنسي في عهد الجنرال ديغول.

الجنرال بيار غالوا (قائد سلاح الطيران الفرنسي سابقاً): ما حدث هو أنه في الخامس عشر من يونيو الماضي تم توقيع اتفاقية بين دمشق وطهران, بموجب هذه الاتفاقية تعاهدت طهران بمساعدة دمشق عسكرياً أي مدها بأسلحة أغلبها روسية الصنع وصواريخ دفاعية وهجومية, أعتقد أن هذه الاتفاقية أرعبت إسرائيل التي تساءلت بلا شك ماذا لو أمدت سوريا حزب الله بهذا النوع من الأسلحة؟ إننا سنجد أنفسنا حيال وضع لا يمكن التحكم فيه, حيث أننا لم نملك أي وسيلة لمنع هذا النوع من الصواريخ البالستية من السقوط فوق رؤوسنا وذلك ما رأيناه بالفعل في حيفا, والمخاوف ذاتها أثيرت على الطرف الأميركي, لذا أعتقد أن الإطار العام لهذه الحرب كان الهجوم على حزب الله ولبنان الذي لا يملك جيشاً للدفاع على نفسه, بدلاً من الهجوم مباشرة على دمشق التي تملك جيشاً أقوى وأحسن تجهيزاً.

التعليق الصوتي: هذه الاتفاقية العسكرية السورية الإيرانية التي أُحيطت أمورها العسكرية بالسرية والتكتم الشديد لم تثر فضول ومخاوف الإسرائيليين فحسب, بل أنها أيضاً شغلت العديد من أجهزة الأمن والاستخبارات الغربية التي سعت في رصد تفاصيلها وانعكاساتها المتوقعة على التوازنات الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط.

ويشير تقرير سري أوروبي حصلنا عليه في بروكسل أن هذه الاتفاقية كان مزمعاً عقدها في يناير الماضي لولا حادثة مقتل قائد القوات المسلحة للحرس الثوري الإيراني الجنرال أحمد كاظمي في حادثة طيران في أذربيجان بتاريخ 9 يناير عام 2006.

التعليق الصوتي: "قبيل مقتله في الحادث برفقة أبرز معاونيه كان قائد القوات البرية للحرس الثوري الإيراني الجنرال أحمد كاظمي على موعد في دمشق مع قائد الأركان العسكرية السورية الجنرال علي حبيب, وكان اللقاء المزمع بينهما مندرجاً ضمن خطة دعم إيرانية لسورية أوعز بها مرشد الثورة آية الله علي خامنئي بناء على طلب عاجل من الرئيس السوري بشار الأسد تحسباً لاحتمال تعرض بلاده لهجمات عسكرية أميركية أو لعقوبات اقتصادية.

نص اتفاقية عسكرية بين دمشق وطهران

هذه الخطط التي أطلقت عليها تسمية إجراءات دفاع مشتركة تم توقيعها في نهاية المطاف من قبل الرجل الثاني في الحرس الثوري الإيراني الجنرال باقر ذو القدر وقائد الأركان السوري الجنرال علي حبيب, وهي تضم ثلاثة محاور رئيسية عسكرية وتقنية واقتصادية.

ينص الشق العسكري على تزويد إيران سوريا بالعديد من المعدات العسكرية ومن أهمها أجهزة رادار لحماية العاصمة وكبريات مدن الشمال السوري والشاطئ المتوسطي, وقد سلمت إيران لسوريا تلك الرادارات بالفعل ومعها تقنيون إيرانيون قادرون على تشغيلها، وإلى جانب ذلك تعهد الإيرانيون أيضاً بتعويض سوريا على رفض روسيا مدها بالمزيد من الصواريخ المضادة للطيران من طراز إس إيه ثمانية عشر وذلك عبر تزويدها بصواريخ إيرانية متوسطة وطويلة المدى من طراز عقاب ومداها 40 كم وزلزال ومداها 300 كم.

وفيما يتعلق بالشق التقني تعهدت إيران بأن تقدم لسوريا الدعم اللازم لتطوير وتعديل ما تمتلكه من صواريخ سكود سي التي يصل مداها إلى 700 كم, وذلك بهدف التوصل على المدى المنظور إلى إنتاجها وتصنيعها في سورية.

كاظم جلالي (مقرر لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية - طهران): إذا عدنا إلى اجتماع مجموعة السبع في سان بطرس بورغ وما أدلى به بوش من تصريحات سيئة عن حزب الله دون ذكره بالاسم, حيث تحدث عن ضرورة التخلص من هؤلاء في لبنان, وإذا عدنا أيضاً إلى ما تم تداوله عبر العالم من كلام عن تحضير الكيان الصهيوني لحملات ضد حزب الله, نجد أن الشرارة انطلقت عند خطف الأسيرين الإسرائيليين من قبل حزب الله، أما أن يكون ذلك سبباً لكل ما جرى فهذا في نظري غير صحيح, بل هناك مخطط إسرائيلي فالكيان الصهيوني يعتقد أن لبنان يجب أن يكون تابعاً له وهو فشل في ذلك لأن لبنان فيه مقاومة, إسرائيل دخلت لبنان عام 82 وأُجبرت على الخروج منه بتلك الطريقة المعروفة في عام 2000, إذاً بنظر إسرائيل تجب السيطرة على لبنان, وقد بدأت العمل السياسي بذلك بالقرار 1559 أولاً بخروج القوات السورية من لبنان, وثم ثانياً بالدعوة لنزع سلاح الميلشيات والقصد هو حزب الله دون ذكره بالاسم, ورأينا كيف استطاعوا بعملية اختيار المرحوم رفيق الحريري إخراج القوات السورية من لبنان, ثم جاء دور حزب الله لأنهم رأوا أن حزب الله له جمهوره وشعبيته في لبنان, ورأوا كيف يحصل على الأغلبية في الانتخابات, وعندما لم يفلحوا في الإطار السياسي في السيطرة على لبنان لجؤوا للمخطط العسكري, والعمل العسكري يحتاج مبرر فكان مبررهم هو خطف الجنديين, لكن هذا المبرر للقيام بعمل عسكري بمثل هذا الحجم ليس بالأمر المقنع بل هو أقرب إلى الهزل.

لماذا لم تفلح الماكينة العسكرية الإسرائيلية في تحقيق أهدافها؟

التعليق الصوتي: لماذا لم تفلح الماكينة العسكرية الإسرائيلية في تحقيق أهدافها بالرغم من ضخامتها وقوة تجهيزها؟ وبالرغم من مغالاتها في اللجوء إلى القوة التدميرية الفتاكة لسلاح القصف كما تبينه هذه الصور الفضائية لحي سكني في ضاحية بيروت الجنوبية قبيل وبعد القصف.

كيف استطاع حزب الله أن يجر إسرائيل نحو حرب غير متوازية لا يستطيع أي جيش نظامي مهما بلغ من القوة والتجهيز أن يخرج منتصراً منها؟ ما هي سمات وخصوصيات هذه الحرب غير المتوازية؟ وفيم تختلف عن الحروب التقليدية؟ وكيف ستنعكس الهزة العسكرية التي أحدثتها في صفوف الجيش الإسرائيلي على النظرية الأمنية للدولة العبرية؟

رولان جاكار (رئيس المرصد الدولي للإرهاب - باريس): القصف الإسرائيلي استطاع تدمير البنى التحتية اللبنانية وبعض المراكز القيادية لحزب الله, ولكن كل ذلك متوقعاً و معروفاً سلفاً وهذا هو المأزق في مواجهة كهذه, إنها ليست حرب عصابات كما يقال بل هي حقاً حرب..

الجنرال بيار غالوا (قائد سلاح الطيران الفرنسي سابقاً): إنها توليفة عجيبة من الروح الاستشهادية مع أنواع سلاح جديدة لا علاقة لها بما كان سائداً في السابق خلال الحروب التقليدية من أسلحة كانت تقتضي أعداداً كبيرة من المقاتلين وتقتضي أيضاً صناعة تسليحية ضخمة.

رولان جاكار (رئيس المرصد الدولي للإرهاب - باريس): لقد سبق أن رأينا ذلك بوضوح في أفغانستان, فرغم الأقمار الصناعية المتطورة المستعملة للتصنت والمراقبة, ورغم الطائرات المقاتلة وطائرات الاستكشاف وكل التكنولوجيا الأميركية, إلا أن الحرب غير المتوازية الآن لم تحسم وما تزال مستمرة, والشيء ذاته نلاحظ في العراق وفي كل جبهات القتال المنافسة.

الجنرال بيار غالوا (قائد سلاح الطيران الفرنسي سابقاً): إذا عدنا إلى معارك التخندق الكلاسيكية كما تعلمناها عبر التاريخ فإن مثل هذه المواجهات غير ممكنة, ولكن مع ظهور أنواعاً جديدة من الأسلحة التي لا يمكن مواجهتها بشكل صدامي لأنها تستعمل كسلاح عمودي لا يمكن إبطال مفعوله يتمثل بقوة الجاذبية الأرضية, وبالتالي فقد أصبح بالإمكان إحداث إصابات وخسائر بليغة باستعمال وسائل أو أدوات ضئيلة جداً, فإطلاق صاروخ بالستي لا يحتاج في أصعب الحالات سوى إلى فريق ضئيل من 15 إلى 20 شخصاً وهذا العدد لا يقارن بالجيوش الضخمة التي كانت تستعمل في الحروب الكلاسيكية خلال المواجهات المدفعية أو في معارك الطيران, بعبارة أخرى في حروب اليوم الجمع بين الإرادة السياسية التي قد تصل إلى حد الاستشهاد, وبين امتلاك عدد قليل من هذه الأسلحة الصاروخية له قدرة إيذاء شديدة وحاسمة.

التعليق الصوتي: هذه الطبيعة غير المتوازية التي جعلت الجيش الإسرائيلي يتعثر في هذه الحرب رغم تفوقه من حيث القوة والقدرات التسليحية كان حزب الله قد حسب حسابها سلفاً.

حسن نصر الله: أن تضع جيشاً نظاماً على الحدود الدولية مباشرة في مواجهة عدوا قد يعتدي في أي لحظة من اللحظات, هو أنت تضع هذا الجيش في فم التنين أو كما يقولون عندنا بالعامية في بوز المدفع, المقاومة إنما صمدت حتى الآن في عيتا الشعب في كفر كلا في العديسة في الطيبة في بنت جبيل في عيترون في كل البلدات الأمامية بسبب أنه ليس لها وجود كلاسيكي, ليس لها وجود نظامي لها طريقة متمايزة في التواجد هي لا تملك أي غطاء جوي, العدو الإسرائيلي يقصف ويضرب ويدمر ولكنه لم يستطع أن ينال من إرادة في المجاهدين ولا من قدرتهم على الحركة.

أنطوان صفير (مدير مجلة دفاتر الشرق - باريس): جميع هذه الاعتبارات خلقت بالفعل حرباً غير متوازية تماماً, ولكن هناك معطى آخر فحزب الله كان وما يزال مسلحاً بشكل جيد لكنه فوق ذلك منظم بشكل جيد, ووفق الطريقة ذاتها التي اعتمدها الهوشمين مع الفيت كوم, ولا يقتصر الأمر فقط في الأنفاق الشهيرة بل أيضاً في توزيع ا لمناطق العسكرية إلى 75 منطقة تمتد من جنوب لبنان إلى ضاحية الجنوبية لبيروت, وتنظيم كل ذلك في شكل وحدات مستقلة عن بعضها البعض.

الجنرال بيار غالوا (قائد سلاح الطيران الفرنسي سابقاً): هناك هذا المعطى بالفعل وله أهميته, ولكن هناك أيضاً المعطى المتمثل في الروح الاستشهادية وهو أمر مؤثر جداً, ففي الماضي كانت هناك بالفعل شخصيات تفضّل الشهادة بدل التخلي عن معتقداتها ولكنها لم تكن تقتل نفسها من أجل قتل الأعداء, بينما الآن نشهد رجالاً ونساءً يتحولون إلى قذائف حية مضحين عمداً بحياتهم من أجل فكرة أو قضية, وفي فترة مادية مثل التي نعيشها يشكل هذا الأمر نقطة تمايز لافتة جداً.

التعليق الصوتي: هذا الطبع غير متوازي للحرب زادت حدته أكثر بفعل الأهمية الكبيرة التي أولاها الجانبان للحرب النفسية, وذلك بقصد التأثير في معنويات الآخر أو تشويه سمعته.

كلود مونيكيه (مدير المركز الإستراتيجي الأوروبي للاستخبارات والأمن): أعتقد أن السلاح الأكثر فتكاً بيد حزب الله هم المدنيون اللبنانيون, فنحن هنا قبالة جيش غير نظامي يتحرك من دون زي رسمي, وهو في الغالب يتخفى وسط المدنيين وبين النساء والأطفال, وبالتالي فإن أفضل سلاح لديه هو الأخطاء والفظائع التي يمكن أن يرتكبها الطرف الآخر كما حدث في قانا أو مثل قصف مركز القوات الدولية, إنه سلاح نفسي نعم, ولكن هذا النوع من الحروب هي أساساً حروب نفسية.

رولان جاكار (رئيس المرصد الدولي للإرهاب - باريس): نعم من المؤكد أن حزب الله لديه خبرة كبيرة في امتحان ردود الفعل الإسرائيلية, وهم يمارسون في الوقت نفسه تأثيراً نفسياً واجتماعياً كبيراً على بعض فئات الشعب وخاصةً في الجنوب اللبناني، هذه هي الخصوصية التنظيمية لحزب الله أكاد أقول, فهو تنظيم سياسي وعسكري ولكنه أيضاً تنظيم اجتماعي, فهو يقوم بفتح مستشفيات ومدارس ويقدم العون الخيري للمحتاجين وخاصةً في جنوب لبنان، وبالتالي فهؤلاء يتعاطفون معه مما يسهّل اختلاط من يعملون في السرية وينظمون العمليات العسكرية ضد إسرائيل ومن يقومون بالعمل الخيري ويعيشون بشكل عادي، ولأن حزب الله يعرف جيداً ردود فعل الإسرائيليين فهو يدرك أنهم حين يتعلق الأمر بأمنهم ودفاعهم فإنهم يضربون بشكل يكاد يكون أعمى.

[فاصل إعلاني]

التعليق الصوتي: حيال فشل إسرائيل خلال هذه الحرب في تحقيق هدفها المعلن في تفكيك سلاح حزب الله وبالأخص ترسانته الصاروخية، أصبح السؤال حول مستقبل هذه الترسانة مطروحاً وبشكل أكثر إلحاحاً، سواء على الصعيد الداخلي اللبناني أو على صعيد توازن الرعب الذي يلقي بظلاله على المنطقة بأكملها.

كرستيان هوش مدير أسبوعية ماريان السياسية يُعد أحد أبرز الأخصائيين الفرنسيين في الشأن اللبناني, وذلك منذ أن كان مراسلاً في بيروت طيلة سنوات الحرب الأهلية، وبذلك فهو يعرف حزب الله منذ نشأته ولا يزال يتابع شؤونه عن قرب.

كرستيان هوش (مدير مجلة ماريان - باريس): إننا هنا أمام ميليشيا منظمة ومسلحة جيداً، وكما رأينا فإنها تمتلك من دون شك صواريخ متوسطة المدى تصل إلى 140 أو 160 كم، وإن كانت لا تستعمل أياً منها عدا ذلك الصاروخ الذي دمر بارجة إسرائيلية وهو على الأرجح صاروخ أرض بحر إيراني الصنع أو ربما صيني، وقد لا يكون هناك فرق بين الاثنين، فالصواريخ الإيرانية مطورة في الغالب من نماذج صينية يتم تزويدها بأجهزة تحكم إيرانية، وإذاً فإن حزب الله يمتلك صواريخ أخرى وهذه هي النقطة الأولى الأساسية في موازين القوى، فالأمر لم يعد مقتصر فقط على قذائف الكاتيوشا بل يتعلق أيضاً بصواريخ متوسطة المدى مثل هذه التي وصفناها.

كلود مونيكية (مدير المركز الاستراتيجي الأوروبي للاستخبارات والأمن): في الأصل حين بدأ الصراع يوم 12 يوليو حسب تقديرات عدة أجهزة استخبارات إسرائيلية وأوروبية، كان لدى حزب الله ما بين عشرة إلى 12 ألف قذيفة كاتيوشا لكن هذه الأرقام غير دقيقة، فقد يكون العدد 12 ألفاً كما قد يكون 15 ألف أو 20 ألف لكن المؤكد أنه يفوق الـ 10 آلاف، أما فيما يتعلق بصورايخ الأطول مدى مثل فجر أو زلزال أو غيرها من الصواريخ المطورة في الغالب من نماذج كورية أو صينية معدلة من قبل إيرانيين فإن الأمر في عداد المجهول، الأرجح بحكم تكلفة هذه الصواريخ المرتفعة وصعوبة الحصول عليها واستعمالها أن يكون الأمر متعلقاً ببضع عشرات لا غير.

رولان جاكار (رئيس المرصد الدولي للإرهاب – باريس): حزب الله تنظيم يميل إلى التكتم والسرية الشديدة ولذا فإنه يفضل إخفاء حقيقة ترسانته، بالرغم من الطابع الدعائي الذي يمكن أن يشكله الكشف عنه، وحين يقول الشيخ حسن نصر الله مثلاً أنه يمتلك 12 ألف كاتيوشا فإنه في واقع الأمر يمتلك 16 ألف, لذا فحين يقول الجيش الإسرائيلي اليوم إنه حطم ربع هذه الترسانة أو حتى نصفها فإنه في الواقع ما يزال متبقياً منها ما كان يكفي أو أكثر.

حسن نصر (الأمين العام لحزب الله): المقاومة اليوم تملك أكثر انتبهوا هة شحطتين تحت أكثر أكثر من عشرين ألف صاروخ.

كلود مونيكية (مدير المركز الاستراتيجي الأوروبي للاستخبارات والأمن): نعم لقد منحت لحزب الله ميزانيات إضافية وتم مده بأسلحة وصواريخ ومنها صواريخ يصل مداها إلى 200 إلى 300 كيلو متر، أي أنها قادرة على ضرب مناطق وسط إسرائيل، وهذا يغيّر بشكل جذري معطيات ميزان القوى بين حزب الله وإسرائيل.

أنطوان صفير (مدير مجلة دفاتر الشرق - باريس): لا أعتقد أن قذائف الكاتيوشا تشكل سلاحاً هاماً أو متطوراً، لكن صواريخ أخرى من قبيل الزلزال وما يعادلها هي بالفعل كذلك.

كلود مونيكية (مدير المركز الاستراتيجي الأوروبي للاستخبارات والأمن): طالما كان الأمر متعلقاً بالكاتيوشا التي لا يتعدى مداها 5 - 20 كيلو متر، فإن ذلك كان يشكل تهديداً وأذى إلى إسرائيل ولكن بشكل محدود جداً، أما أن يمتلك حزب الله صواريخ تستطيع أن تصيب حيفا كما رأيناها وربما تل أبيب غداً فإن هذا يغير المعطيات تماماً حتى على الصعيد الاستراتيجي.

ترسانة حزب الله الصاورخية مم تتكون؟

التعليق الصوتي: المرصد الدولي للإرهاب الذي يديره رونالد جاكار في باريس فتح لنا أرشيفه ووثائقه السرية بخصوص ترسانة حزب الله الصاورخية, وذلك لمحاولة رسم معالمها ورصد مختلف مكوناتها ومواصفات كل فئة من الصواريخ التي تحتويها.

التعليق الصوتي: "تنقسم هذه الترسانة إلى ثلاثة أصناف أولها القذائف الصاروخية أو ما يعرف عادةً باسم صواريخ الكاتيوشا, وأبرز ما يمتلكه حزب الله منها نوعان قذائف حاسب ويصل مداها إلى 8.5 كم وقذائف آراش ومداها 29 كم.

تأتي بعد ذلك الفئة الثانية وهي القذائف الصاروخية المتطورة والتي تعرف أيضاً باسم الجيل الثالث من الكاتيوشا ويمتلك منها حزب الله 4 أنواع، قذائف شاهين 2 ومداها 30 كم، قذائف إم 220 ومداها 30 كم، قذائف فجر 3 ومداها 43 كم، وقذائف فجر 5 ومداها 75 كم.

وتأتي بعدها الفئة الثالثة وهي الصواريخ متوسطة المدى وتُعد الأكثر سرية في هذه الترسانة، وذلك ما تكشفه هذه الوثيقة السرية الفرنسية التي تشير بأن حزب الله استلم حديثاً دفعةً هامةً من هذه الصواريخ المتطورة بحيث يمتلك منها الآن نوعين، صواريخ زلزال 2 ومداها 150 كم، صواريخ نازويت 10 ومداها 200 كم، لكن أياً من هذه الصواريخ المتطورة لم يستعمل خلال الحرب مع إسرائيل مما يطرح بشكل أكثر إلحاحاً مسألة مستقبل سلاح حزب الله وبالتالي مصير هذه الترسانة الصاروخية.

كرستيان هوش (مدير مجلة ماريان - باريس): في العادة عندما تقدم إسرائيل على حرب كهذه فإنها تحقق أهدافاً عسكرية, ولكن النتائج هنا غير مقنعة على الإطلاق، والأرجح الآن أن هدف إسرائيل هو دفع المنظومة الدولية إلى ممارسة ضغوط شديدة على إيران، وإن كنت لا أرى كيف يمكن فعل ذلك في ظل المعطيات الحالية من أجل التوصل إلى نزع سلاح حزب الله كما هو منصوص عليه في القرار الدولي الذي يبقى كما نراه دون أي مفعول ملموس, قد يكون هذا النوع من الضغوط الدولية كافياً لإقناع هذه الميليشيات التي هي الأخيرة من نوعها لوضع السلاح، لكنني صراحةً أتحفظ كثيراً على ذلك أن يتم نشر قوات دولية في لبنان بشكل يمكن توزيعه على الخريطة بين صيدا وصور والحدود الإسرائيلية، نعم وبعد سيؤدي ذلك إلى بعض التهدئة، ولكن ما لم يتم استئصال الورم المتعلق بسلاح حزب الله بشكل جذري فإن لبنان للأسف سيشهد المزيد من الأحداث التراجيدية المشابهة.

أنطوان صفير (مدير مجلة دفاتر الشرق باريس): هل يمكن استئصال هذا الورم بشكل نهائي؟ نعم بشرط أن يكون هناك قرار سياسي, فإذا تم التوصل إلى تسوية سياسية شاملة بخصوص الحدود السورية اللبنانية الإسرائيلية بما فيها مزارع شبعا, وإلى تسوية سياسية أيضاً بخصوص طبيعة العلاقات السورية اللبنانية, في هذه الحالة لن يعود بمقدور حزب الله أن يحتفظ بجناحه العسكري وسيتوجب عليه حتماً أن يتخلى عنه، وعندئذ فقط ستكون له مكانته الكاملة كقوة سياسية لبنانية.

كاظم جلالي (مقرر لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية - طهران): هذا الموضوع يعود للبنانيين أنفسهم، أما أن تتولى الدول الكبرى نزع سلاح حزب الله فهذا أمر سيء وهو نوع من التدخل في شؤون بلد مستقل، أما ما يقرره الشعب اللبناني فهو يعود له وحده، الأهم هو أن المشكلة ليست في حزب الله وسلاحه إنما في كيفية التعامل غير العادل بالنسبة للصهيونية وإسرائيل عبر العالم.

الجنرال بيار غالوا (قائد سلاح الطيران الفرنسي سابقاً): إن الهجوم هكذا على بلد مثل لبنان بدعوى تحطيم حزب سياسي يفتقد إلى أي منطق، والأصح أنه تم التهجم على لبنان لأنه لم يكن ممكناً لإسرائيل الهجوم على سوريا أو شن حرب تستهدف فقط أسلحة حزب الله المختلفة.

أمير العسكري (خبير في الشؤون الجيو استراتيجية): ردود الفعل الصهيونية كانت غير متوائمة مع العملية العسكرية، هناك عملية عسكرية قد نفذت في جنوب لبنان كالعادة وكالسنوات الماضية هناك عمليات تتم ويتم ردعها من قبل الجيش الصهيوني, لكن هذه المرة اتضح أن هناك مخطط مبيت للشعب اللبناني وللبنان وللمنطقة كلها, لذا عندما بدأت الحرب بدأت الأصوات تظهر والنوايا تظهر, عندما نادت السيدة رايس بإيجاد شرق أوسط جديد.

التعليق الصوتي: إذا لم يكن هدف هذه الحرب تحطيم حزب الله عسكرياً كما كان معلناً فما هي أهدافها الخفية إذن؟ هل تكون في التمهيد لبروز شرق أوسط جديد؟ وكيف ستكون انعكاسات ذلك على مستقبل الأوضاع في المنطقة وفي لبنان بداية؟

نعيم قاسم (نائب الأمين العام لحزب الله): ما دامت قوات اليونفيل ضمن إمرة الجيش اللبناني وليست مستقلة في قراراتها, وما دامت قوات اليونفيل تقوم بإجراء حماية لبنان من إسرائيل فهي قوات مرحب بها، نحن ننصح أن لا يحصل تورط في إعطاء اليونفيل ومجلس الأمن مجال للتدخل في السيادة اللبنانية لأن هذا الأمر سيحدث شرخاً كبيراً وله مخاطر.

التعليق الصوتي: على الطرف الآخر ما هي انعكاسات هذه الحرب في إسرائيل؟ وكيف سيؤثر سقوط أسطورة عدم قابلية الجيش الإسرائيلي للهزيمة في العقلية الأمنية للدولة العبرية؟ ألا يخشى أن تكون نتيجة هذه الهزة اللجوء إلى سلاح نووي في حال نشوب حرب إسرائيلية عربية قادمة؟

كاظم جلالي (مقرر لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية - طهران): الإسرائيليون هزموا بشكل فظيع ولم تكن إسرائيل تتصور أن تهزم أمام جماعة صغيرة، فإسرائيل لها انتصاراتها السابقة في ستة أو سبعة أيام, إلى حد أن الرؤساء العرب توصلوا إلى قناعة بأن إسرائيل لا تهزم، وبعد كل هذا ها هي إسرائيل تنهزم أمام جماعة صغيرة تسمى حزب الله.

كلود مونيكيه (مدير المركز الإستراتيجي الأوروبي للاستخبارات والأمن): أعتقد أن الإسرائيليين يتقنون فن الاستراتيجية بالقدر الكافي لمعرفة أن السلاح النووي هو سلاح الملاذ الأخير, وأن استعماله لا يتلائم إلا مع أنواع خاصة جداً من الحروب.

رولان جاكار (رئيس المرصد الدولي للإرهاب - باريس): نعم إنه سلاح الملاذ الأخير لكن إسرائيل يمكن أن تستعمله في حال تعرضها لحرب شاملة, ومثل هذه الحرب لا يمكن أن يقوم بها تنظيم مثل حزب الله لوحده، أما إذا تعاضدت عدة جيوش عربية قوية ضد إسرائيل بحيث تكون الأخيرة مهددة في وجودها, ففي هذه الحالة قد يذهب الدكتور فولامور إسرائيلي على طريقة شخصية ستانري كوبرك الشهيرة فيقرر الرد بهجمة نووية لكننا الآن بعيدون عن سيناريو مثل هذا.

كلود مونيكيه (مدير المركز الإستراتيجي الأوروبي للاستخبارات والأمن): لا أعتقد أن إسرائيل سترد على أية حرب تقليدية باللجوء إلى السلاح النووي, ولكن في المقابل من الوارد غداً إذا حصلت إيران على سلاح نووي أو إذا هاجمت إيران إسرائيل بأسلحة كيماوية فإن إسرائيل قد ترد نووياً، وأعتقد أن هذا هو الحد الأدنى لاستعمال السلاح النووي.

رولان جاكار (رئيس المرصد الدولي للإرهاب - باريس): بالضبط ولهذا السبب تعبّر إسرائيل عن مخاوف قصوى من بروز قوى نووية إيرانية, ففي اللحظة التي سيمتلك فيها بلد آخر من بلدان المنطقة السلاح النووي فإن المعطى سيتغير تماماً, وستكون هناك نظريتان إما نظرية الرد على عدم استعمال أي طرف للنووي, وإما المواجهة الشاملة بإقدام كلا الطرفين على ذلك، في كلتا الحالتين ستكون المواجهة هنا مواجهة ندية.

التعليقات