يانصيب الفضائيات:المسابقات تعتمد في عملها على القمار وأكل أموال الناس بالباطل

يانصيب الفضائيات:المسابقات تعتمد في عملها على القمار وأكل أموال الناس بالباطل
غزة-دنيا الوطن

على شاشة كل تلفاز عربي تنتظرك دائما العديد من الأرقام الهاتفية، فما عليك إلا أن تتصل للإجابة عن سؤال وتحقق حلمك في الثراء واقتناص فرصة العمر.. ملمح بات مألوفا لدى الكثير من المشاهدين لدرجة أنه تحول إلى ظاهرة تتلاعب برغبات المشاهدين من خلال الإغراءات المقدمة من خلال برامج المسابقات المختلفة التي تبثها هذه القنوات.

وأثارت هذه النوعية من البرامج التي بدأت قبل عدة سنوات موجات متلاحقة من الاعتراضات، خاصة من قبل خبراء الاقتصاد لتأثيرها السلبي على عدد من المفاهيم المتعلقة بمنظومة العمل والادخار والاستهلاك، كما أنها لا تحدث أية قيمة مضافة في الاقتصاد، ولكن جمعيات المستهلك لم تلعب إلى الآن أي دور في الحد من هذه المسابقات أو مراقبتها.

ثوب جديد لليانصيب

الدكتور مختار الشريف الخبير في مجال الاقتصاد يؤكد أن المسابقات عبر شاشات القنوات التليفزيونية والفضائية تمثل نوعًا من التلاعب بعواطف المشاهدين لتحقيق نوع من المكسب السريع للقائمين على هذه القنوات.

ولكن الخبير الاقتصادي قال إنه لا يمكن الحكم على برامج المسابقات بأنها تدخل في إطار النصب، خاصة أن الطرفين المتفاعلين والمتمثلين في المشاهد والقائمين على البرامج يتفقان على التعامل بالقواعد الموضوعة، دون وجود صفة الإلزام في التعامل.

ووصف هذه البرامج بأنها شبيهة إلى حد كبير بفكرة ما كان يعرف في السابق بورقة "اليانصيب"، لكن الأسلوب تغير مع تطور وسائل الإعلام والإقناع معا.

وأوضح أن العديد من برامج المسابقات تلجأ إلى تضخيم حجم الإغراءات لجذب أكبر عدد من المتفاعلين معها، من خلال اللعب على رغباتهم ودوافعهم الموجودة بالأصل، مشيرا إلى أن هذه الرغبات هي التي تحرك للأسف بشكل عملي دورة الاقتصاد، على عكس ما هو مفترض من تحرك الاقتصاد برشاد المستهلكين.

وعلى الرغم من اتفاق العديد من الخبراء حول تأثير برامج المسابقات التليفزيونية والفضائية على فكرة العمل ومنظومة الاقتصاد، فإن الشريف قلل من هذا التأثير على اقتصاديات المجتمعات بشكل كلي.

وقال: إن التأثير المتعلق بهذه النوعية من البرامج يلحق بالفرد المتفاعل معها الذي اتخذ قرار المشاركة في هذه المسابقات، وأنفق جزءًا من حصيلته، سواء كانت كبيرة أو صغيرة في إجراء المكالمات التليفونية سعيا لاقتناص ضربة الحظ التي غالبا ما تنتهي بخيبة أمل دون اليأس من تكرار التجربة التي تتزايد بتزايد الدافع والرغبة في الفوز التي تحركها الإغراءات الضاغطة التي لا تترك له فرصة للتفكير بشكل عقلاني.

أين جمعيات المستهلك؟

ولكن يظل السؤال: أين جمعيات حماية المستهلك لتحد من التأثيرات السلبية لهذه المسابقات؟ في هذا السياق تقول الدكتورة سعاد الديب، رئيس الجمعية الإعلامية للتنمية وحماية المستهلك، وعضو مجلس إدارة الاتحاد النوعي لجمعيات حماية المستهلك العربية: إن على جمعيات حماية المستهلك دورا في التوعية بمخاطر هذه البرامج على عمليات الاستثمار والادخار التي تبدأ بالفرد وتصب في منظومة المجتمع بشكل كامل.

وتشير إلى أن هذه البرامج تستنزف مدخرات الأفراد واستثماراتهم للمضاربة على شيء غير ملموس وغير مضمون؛ بل ويعزز مفاهيم ذات أضرار على فكرة العمل وجدواها والادخار والاستثمار.

ولكنها أعربت عن أسفها لعدم تواجد جهات معنية في الكثير من الدول العربية تكون بمثابة حكم فاصل بين المستهلك أو المتسابق والجهة القائمة على برامج المسابقات، خاصة أنه لا يمكن إنكار وجود حجم للأضرار رغم عدم وجود إحصاءات دقيقة حولها.

وأضافت أن هناك العديد من البرامج التي تستهدف بشكل أساسي استنزاف موارد المتسابقين من خلال استمرارهم في الاتصال أكبر فترة ممكنة عبر تسجيل مقدمة طويلة عن البرنامج وفرص الفوز به، والتي لا تقل عن دقيقتين في بعض البرامج، فضلا عن محاولة إقناع المتصل بتكرار التجربة التي تتسم في الغالب بالخطأ لتنتهي المكالمة بستة دقائق بإجمالي يصل إلي نحو 9 جنيهات (نحو دولار ونصف).

وتتجاوز قيمة الاتصالات الـ 100 ألف دولار في اليوم في بعض الفضائيات الكبرى في أيام بث حلقات المسابقات، وتهبط إلى متوسط لا يقل عن 20 ألفا في الأيام الأخرى، حسب بعض التقديرات لعدد من العاملين بجمعيات حماية المستهلك، وطبقا لما تم رصده من خلال شركات الاتصالات التي تتقاسم العائد مع القنوات والفضائيات العربية.

الأعلى مشاهدة

وقد تغلغلت برامج المسابقات في المجتمعات العربية، فتشير العديد من الإحصاءات في الفترة الماضية إلى أن هذه البرامج هي الأعلى مشاهدة في بعض الدول خاصة في ظل تقديمها في أوقات تحظى بإقبال المشاهدين على القنوات التليفزيونية والفضائية.

فلقد كشف استطلاع لمركز بحوث الرأي العام بكلية الإعلام جامعة القاهرة تم إجراؤه في أكتوبر 2005 حول نسب مشاهدة القنوات التليفزيونية والفضائية خلال شهر رمضان الماضي، أن نسبة مشاهدة برامج المسابقات خلال هذا الشهر بلغت 37.5% من العينة، منهم 18.7% يشاهدونها بصفة منتظمة، و13.4% أحيانا و5.3% نادرا.

وتم إجراء الاستطلاع حسب المسئولين بالمركز على عينة قوامها 400 مفردة من سكان إقليم القاهرة الكبرى، لتعد الإناث التي مثلت نصف العينة الأكثر إقبالا على برامج المسابقات المختلفة.

ولم تقتصر وسائل الاتصال ببرامج المسابقات على المكالمات الهاتفية التقليدية، وإنما دخلت رسائل المحمول القصيرة الـ SMS لتمثل أداة جديدة وفعالة في التجاوب مع العديد من هذه البرامج، خاصة إذا ما كانت تعتمد على أناس في تقديمها وليس تسجيلا صوتيا بالأسئلة المطروحة.

ورغم دخول المسابقات في نطاق وسائل الترويج سواء كانت لفكرة أو لسلعة، فإن العديد من الخبراء اعتبروها أكثر هذه الوسائل إضرارا، خاصة أنها لا تقدم شيئا ملموسا للفرد أو للمجتمع على خلاف ترويج السلع الصناعية من خلال الإعلانات التي تحث على اقتنائها واستهلاكها.

فشراء الفرد لسلعة للحصول على جائزة أو للاشتراك في مسابقة رغم أنه سلوك اقتصادي غير رشيد، فإنه يساهم في تنشيط إنتاج هذه السلعة وزيادة الكميات المنتجة منها، وقد يجعل هناك فرص عمل لبعض الأفراد، ويزيد طلب الشركات المنتجة للسلعة على مستلزمات الإنتاج اللازمة لإنتاجها؛ وهو ما يساهم في زيادة دخول من يملكون هذه المستلزمات.

وسيلة للتمويل والاستمرار

وفي مقابل الانتقادات السابقة، فإن بعض الآراء ذهبت إلى أن برامج المسابقات أصبحت بمثابة طوق النجاة للعديد من هذه الكيانات الإعلامية، خاصة في ظل محدودية مصادر تمويلها الذاتية.

فالعديد من المحطات الفضائية وضعت في اعتبارها عملية الربح لاستمرار تواجدها، خاصة في ظل تكبد أغلبها خسائر ليست بالقليلة وتخطى حجم مديونيتها دخلها المحقق بما فيها فضائيات عربية شهيرة. ويقول أحد الإعلاميين إنه لا يجب أن يطال اللوم هذه المحطات الفضائية، وإنما لا بد أن يتم توجيهه إلى المشاهد نفسه الذي لا بد أن يتحلى بالرشد في الاستهلاك، وتوجيه موارده لما يعود عليه بالنفع؛ أي أن المستهلك هو الذي يحمي نفسه من المسابقات إن أراد.

وأفتى العلامة د. يوسف القرضاوي بحرمة المسابقات الهاتفية التي انتشرت في الفضائيات العربية وترصد ملايين الدولارات والدراهم والريالات للفائزين بها، من خلال المبالغ التي يتم تحصيلها من المتصلين. واعتبر القرضاوي مثل هذه المسابقات نوعًا من ألعاب القمار المحرمة شرعًا.

وأضاف: إن هذه المسابقات تعتمد في عملها على القمار، وأكل أموال الناس بالباطل؛ فالشخص المتصل يدفع مبالغ مالية من خلال اتصاله، وربما يربح أو لا يربح، وبذلك فإن العملية دخلت في إطار المقامرة والنصب من جانب هذه الشركات.

وأضاف: إن هذا عمل محرم وآثم، ولا يجوز تشجيعه حتى لا نُفسد على الناس عقولهم ونفوسهم، فبدلاً من أن يكسب المرء بكده وعرقه وعمل يده يعتمد على كنز الأحلام أو غيره من المسميات التي يجوز فيها الفوز من بين عشرات أو مئات الملايين من الناس، مشيرًا إلى أن الإسلام حرّم القمار حتى لا يفسد الناس.

*اسلام اون لاين

التعليقات