الابنودي لم يعد يملك غير الهتاف المرّ

الابنودي لم يعد يملك غير الهتاف المرّ وطارق متري فضل السياسة علي الكيمياء

زهرة مرعي

الحمد لله والشكر لله كلمات تتكرر من أفواه أمهات الشهداء، من أخواتهم ومن زوجاتهم. الله أكرمنا بالشهادة يتابعن الحديث. كلمات نسمعها كثيراً علي شاشة تلفزيون المنار منذ وقف إطلاق النار، فهذه الشاشة تجول في الكثير من برامجها علي بلدات وقري الجنوب والبقاع تتواصل مع سكانها العائدين، وتستطلع بعضاً من سيرة المقاومين الشهداء.

ونحن نستمع ونشاهد تلك النسوة فنكبر فيهن الصلابة والصبر والشجاعة في تحمل فراق الأحباء. ولا شك أن كثيراً من الأفكار تتنازعنا بين رضي تلك النساء وفخرهن بالشهادة، وبين حسرة نساء أخريات من أن الشهادة لم تطرق بابهن بعد.

أن تقول سيدة جليلة متشحة بالسواد الله أكرمنا بشهيدين إبني، وإبن إبني أمر ليس بالسهل. وعندما يطرح عليها الزميل عماد مرمل سؤالا في حيثيات ودوافع الشهادة تقول: ولاد خلقوا وربيوا بالحرب كيف بدك ياهن يطلعوا؟ مين بدو يدافع عنا؟ مين بدو يرفع رأسنا ؟

وأن تقول زوجة شهيد الحمد لله زوجي قتل إسرائيليين إثنين قبل أن يستشهد. ألمي من الداخل كبير، لكن الحمد لله النصر والعودة إلي المنازل تكبر القلب.

عبارات وإحاسيس ربما هي خاصة جداً ولصيقة جداً بالمواطن الجنوبي الذي بدأ يعرف منذ مجزرة حولا سنة 1948 معني أن يكون هذا الوطن جاراً لدولة غاصبة هي إسرائيل.

وعندما يسأل عماد مرمل بعض الحضور رأيه بمسألة تسليم سلاح المقاومة يأتي الرد من الجميع طالما إسرائيل علي حدودنا ماراح نغمض عين ولا نرتاح ولا نسلم سلاح .

إنه لسان حال الجنوبيين جميعهم. تختلف أسماء الشهداء، وأسماء الأمهات والزوجات والقري وتبقي الشهادة هي الهدف ليبقي الجنوب حراً خالياً من الإحتلال الصهيوني. إنها الشهادة واللغة الخاصة بين الجنوبي وأرضه والتي لها رموزها الخاصة جداً والمرتبطة إرتباطاً وثيقاً بالإيمان.

الدولة الضحية!

وزير الثقافة ووزير الخارجية بالوكالة في الأمم المتحدة خلال العدوان الإسرائيلي علي لبنان، إنه الوزير الدكتور طارق متري ضيف برنامج خليك بالبيت . رجل قام بالكثير من الجهود في مرحلة دقيقة من تاريخ لبنان، وفي زمن كانت فيه الجهود الأمريكية والإسرائيلية والبريطانية تنصب علي وطننا الصغير لإنتزاع أقصي الممكن منه، وكان الوزير طارق متري يعمل مع فريقه ليحتفظ لبنان بكل الأوراق منها صمود المقاومة وإستبسال رجالها الإشداء.

أراد الزميل زاهي وهبي حواراً يذهب بإتجاه فكري مع رجل دولة مختص بالفلسفة والكيمياء لكن السياسة فرضت نفسها، لأن اللحظة هي لحظة سياسة بإمتياز، والسياسة فيها ممتدة إلي أجل غير مسمي طالما القرار 1701 لم يطبق كلياً بعد، ولم يصدر قرار بوقف إطلاق النار الفعلي عن مجلس الأمن.

كان طارق متري صريحاً وشفافاً عندما سأله زاهي وهبي هل إنتصر لبنان ؟ وكانت الإجابة: عندي شعور بالإعتزاز ببسالة المقاومين وتضامن اللبنانيين، وشعور بالأسي لحجم الدمار الكبير. أشعر بأني مجروح.

في هذه الإستضافة لم تغب عن بال زاهي وهبي بعض الإسئلة التي تطرحها مجموعة من اللبنانيين كمثل: لماذا كل هذه الهمجية الإسرائيلية بحق لبنان؟ السؤال طرح للإستفتاء علي بعض المثقفين والكتاب، منهم من قال إنه حقد إسرائيل وحسدها من الدور الثقافي والحضاري للبنان . ومنهم من قال لأن لبنان يقدم النموذج المعاكس للكيان الصهيوني العنصري . ومنهم من قال ان أسرائيل تحاول أن تبقي الدولة الضحية التي من حقها أن تفعل ما تشاء للدفاع عن نفسها . وكان تحليل الإستديو يميل لإعتماد أكثر من إجابة مع تفضيل أكبر للإجابة الأخيرة.

ولم يغب عن بال زاهي وهبي سؤال يتردد علي لسان عدد لا بأس به من اللبنانيين لماذا نحن وحدنا ندفع الثمن كل كم سنة ؟ وهنا كانت للوزير طارق متري إجابة دبلوماسية ووطنية، فهو إعتز بالمقاومة والنصر وتمني عدم طرح التخوين علي من يجد جواباً لمثل هذا السؤال.

أسئلة كثيرة واجهت الوزير طارق متري الذي سيبقي إسمه مرتبطاً بالقرار 1701، لكنها بقيت سياسية بحتة.

زمن البياعين!

إنه الممثل الحقيقي للشارع المصري الذي كان صادقاً كل الصدق بتضامنه مع الشعب اللبناني ومقاومته. إنه الشاعر الشعبي الفذ عبد الرحمن الأبنودي الذي وجدته علي الشاشة يلقي قصيدة جديدة له في خلال نقل قناة المنار المباشر لمهرجان الإتحاد الدولي لنقابات العمال العرب تضامناً وتمجيداً للبنان ومقاومته . سمعته يقول بصوته العميق المعبر الصادق والمجبول بإيمان المواطن المصري بنقاء ترابه وصفاء هواه وهويته أنا المصري كريم العنصرين (...) يا حزب الله حكامنا باعوك .. يا صاحبي ما عدنا نملك غير هتافنا وهتافنا مر (...) يا نصر الله دا زمن البياعين وإنت طلعت للأمة منين؟ أنا المصري كريم العنصرين .

عبد الرحمن الأبنودي تضامن معنا بشعره الشفاف الذي يعبر عن لسان الغالبية العظمي من الشعب المصري. تضامن رجل وقف علي منبر وكان في كل ما يقوله يشكل تظاهرة من الرجال.

اعلان يثلج القلب

منذ بدأت الإعلانات القليلة جداً تتسلل بخجل إلي قناة المنار لفتني إعلان مدينة المفروشات الذي يقول بوقت لازم كلنا نوقف حد بعض مدينة المفروشات بتقدملك أحلي أسعار لتفرش بيتك عن جديد . إعلان يثلج القلب ويعلن عن تضامن فعلي بين اللبنانيين. فهذا المكان الكبير للمفروشات قدر حجم معاناة آلاف العائلات التي فقدت منازلها ومعها مفروشاتها فقررت الدخول في حملة التطوع لمساعدة إخوتنا في الوطن. ليت أصحاب الأدوات الكهربائية والأدوات المنزلية يفعلون الشيء نفسه، بعد تطوع المئات لمحو آثار العدوان وإعادة البناء كل وفق إمكاناته.

مصدر الشريط

جميعنا بإنتظار ما ستبثه قناة ال بي سي مساء الثلاثاء في الخامس من أيلول، وما ستعيد بثه في اليوم التالي. إنه فيلم الأسري الإسرائيليين في لبنان الطيار رون أراد الذي أسقطت طائرته في لبنان سنة 1986، والذي لا يزال مصيره لغزاً بالنسبة لكيان العدو، والأسري الثلاثة الذين خطفهم حزب الله سنة 2000، والحنان تننباوم الذي خطف من أوروبا. الجدل بدأ حول هذا الفيلم قبل أن يعرض فالمخرج والمنتج الإسرائيلي نفتالي غليكسبرغ يقول بأنه شارك في إعداد الشريط، وقناة أل بي سي تقول بأنها لم تشتره من مصدر إسرائيلي. فما هو مصدر هذا الشريط إذاً؟ وماذا سيكون موقف المقاومة منه؟ وهل لها دور فيه إن كان فيلماً حقيقياً وليس مركباً؟ هذه الأسئلة وغيرها متروكة للمحللين الذين سيقولون رأيهم بعد عرض الشريط الذي نحن بإنتظاره بشوق كبير وحشرية أكبر.

بعد كتابة هذه الأسطر في المساء سمعت صباحا تصريحاً لمدير عام قناة ال بي سي قال فيه بأنه اشتري الفيلم من الإعلامي اللبناني المعروف إبراهيم الأمين.

صحافية من لبنان

[email protected]

*القدس العربي