فاديا بزي: بقينا أياما دون نوم وعايشنا الموت اكثر من مرة

غزة-دنيا الوطن
فاديا بزي من المراسلات اللواتي أسرعن إلي الجنوب فور تطور العدوان الصهيوني. مهمتها الأساسية تولي إعداد نشرة الأخبار في تلفزيون نيوتي في لكنها أصرت أن تكون في الجنوب الملتهب رغم كونها أماً لطفل في السابعة من عمره.
رغم قساوة هذه الحرب تري فاديا بزي بأن التجربة كانت مفيدة لها علي الصعيد المهني، ومكنتها من قول كلمتها ونقل صورة الهمجية الإسرائيلية ضد المدنيين.
معها كان هذا الحوار:
هل أنت جديدة في التعامل الإعلامي مع الحروب؟
أعمل في قناة نيو تي في منذ إفتتاحها في سنة 1992 كمراسلة وقد سبق ونفذت العديد من المهمات خلال عدوان تموز (يوليو) 1996. في عدوان نيسان (ابريل) 1996 لم تتم الموافقة بنزولي إلي الجنوب لأني كنت متزوجة حديثاً، إنما بعد توقف العدوان شاركت في كافة المهمات الإعلامية التي تلته. حالياً أعمل في إعداد نشرة الأخبار وليست لي مهمات علي الأرض. عندما خطف الجنديان الصهيونيان أتخذ قرار بذهاب فريق إلي الجنوب وكنت أنا مسؤولة عن إعداد نشرة الثانية والنصف فسألت الفريق الذي يغطي الدوام في تلك الأثناء رأيه بالمهمة فوافق علي الفور. وهذا الفريق تعرض للقصف بالقرب من المصيلح في منطقة النبطية ودخل المستشفي. عندها شعرت بالذنب، وعندما طرحت مسألة إرسال فريق آخر تطوعت، فرفضت الإدارة بحجة أن لي طفلاً. لكني كنت مصرة وتركت طفلي مع والده.
هل كنت مستعدة لحرب طويلة؟
إطلاقاً حتي أني لم أحمل معي ملابس إضافية. وما أن وصلنا إلي منطقة النبطية حتي كان التطور الهستيري للعدوان حيث بقينا علي تواصل مع إستديو الأخبار لمدة ثلاثة أيام متواصلة لم نذق خلالها طعم النوم سوي لدقائق.
من أي منطلق تعاملت مع الأحداث؟
عندما نكون وسط تطورات كالتي شهدها الجنوب نعيش اللحظة ليس إلا. كثيراً ما قصدنا مكاناً قصف للتو، وكثيراً ما كنا في مكان وقصف مباشرة بعد مغادرتنا. أنا والزملاء محمد كلاكش المصور، وعدنان عبدالله والفريق التقني الخاص بالبث المباشر، كنا نجول في المنطقة للتصوير، ومن ثم نعود إلي فندق بالقرب من المصيلح حيث ركزنا آلات البث.
نعرف أنك عدت إلي بيروت لحمل بعض الحاجيات ألم تضعفي حين شاهدت طفلك؟
هو من حفزني أكثر علي العودة إلي الجنوب. كان فرحاً لأن والدته لا تخاف الطائرة والصاروخ. كان يتابعني بإستمرار علي الشاشة وعندما أنهي رسالتي يطلب من شقيقتي أن يكلمني ليأمرني بالقول ألم أقل لك مئة مرة عدم قول أء . أء فهل أنت خائفة ؟
ما هو السلاح الأهم لطرد الخوف أمام الكاميرا؟
للكاميرا رهبتها في الحالات العادية، إنما في حالات الحرب لا مجال للتفكير بهذا التفصيل. لقد مررنا في لحظات لا نشعر خلالها بوجودنا. لم يعد هناك مجال للتفكير بالخوف أو عدمه، حدة القصف تركتنا شبه مسيرين، فقط علينا الإنتباه في تنقلاتنا أثناء العمل. سمة هذه الحرب هي الغدر حيث لم يعد بشر محمي. لقد تم إستهداف المستشفيات والدفاع المدني والصليب الأحمر والمدنيين بشكل مباشر. سلاح الحماية هو الوعي والتقديرات التي قد تصيب أو لا تصيب. علي سبيل المثال لم نكن نقصد المكان بعد قصفه مباشرة لأنه كان يستهدف بغارة ثانية عندما يتجمع الناس والدفاع المدني بهدف النجدة. كان القرار الصهيوني إيقاع أكبر قدر من الخسائر والضحايا.
هل شعرت بالحاجة للتدريب علي حماية الذات أثناء الحروب؟
بصراحة أعتبر الدورات العسكرية التي قمت بها مع الحزب الشيوعي اللبناني خير مساعد لي في الظروف التي مررت بها كمراسلة في أرض المعركة. وقد إستفدت من هذه الخبرة في الكثير من المواقع وخاصة علي جسر الخردلي أثناء قصفه بالطائرات.
هل من إيجابيات لوجود المراسلين في تجمعات؟
أكيد من شأنه أن يدفع بإتجاه المنافسة بحد أدني في حين نبقي جميعنا أسرة واحدة لأننا نواجه الشدائد نفسها والمخاطر نفسها. وتبقي حدود المنافسة في سرعة بث الخبر والصورة وليس أكثر. المهم نقل الخبر بأقل الخسائر وأن لا يعتبر المراسل نفسه إنتحاريا.
ما هو المشهد الأكثر إيلاماً بالنسبة لك في هذه الحرب؟
كل المشاهد مؤلمة، هذه الحرب بحد ذاتها هدفت لتقطيع وطن بعضه عن الأخر وقتل سكانه. لكن المشاهد الأكثر إيلاما هي تلك التي المجازر التي أرتكبت بحق المدنيين.
هل يعتاد الإنسان علي الحرب؟ هل يسقط الخوف من حسابه؟
الإنسان إنسان والخوف شعور طبيعي في كل الحالات، ربما من الغريب أن أقول لك بأني لا أخاف من الحرب بحد ذاتها. صورنا مجازر صريفا، شحور، دير قانون، الدوير، وفي كل هذه المشاهد بكيت الأطفال الشهداء.
هل تخليت مرة عن مهنتك وساعدت في الإنقاذ؟
بعد نقلنا المباشر لمجزرة زبقين أتي شاب يحمل طفلة في عمر الشهرين لا تتحرك من دون أن يظهر عليها أي جرح، بمجرد وضعها علي الحمالة فقدت أعصابي وبدأت بالصراخ والضرب علي وجهي كما قال لي الزملاء. ومن ثم تبعتها إلي المستشفي حيث علمت بأنها مصابة بالصدمة فقط. وبعد إنتهاء المعارك سألت عنها وعلمت أن شملها إجتمع مع والديها بعد رؤيتها في وسائل الإعلام وأجرت نيو تي في تحقيقاً عن نجاة الطفلة مريم وحكايتها. ومن المؤكد بأني سوف أزورها قريباً.
هل كان للفتاة المراسلة وضعها المميز في هذه المعركة؟
هذا هو الشائع لكن الواقع يؤكد المساواة في المسؤوليات والمخاطر.
هل كان لكم إحتكاك مع الإعلاميين الغربيين وهل سجلت بعض الملاحظات علي مواقفهم؟
الوقت لم يكن يسمح إلا بالقليل من اللقاءات والنقاشات. أحدهم زار بنت جبيل وعندما قلت له إني من هذه المدينة وسألته عن أوضاعها قال لي: ليس بإمكاني وصفها سوي بقطعة البيتزا لحجم الدمار الذي حلّ بها. ومن النقاشات البسيطة التي كانت تجري بيننا هو الإعتراف بأن ما حلّ بلبنان جريمة كبري، لكنهم في الوقت نفسه كانوا يقولون بأن ثمة قتلي مدنيين سقطوا في الجانب الآخر.
ما هي الذكريات التي تحملينها عن هذه الحرب؟
إنها ذكريات حلوة ومرة في الوقت نفسه. ما هو إيجابي علي الصعيد الشخصي تمكني من المساهمة في أن أكون واحدة من العدسات التي نقلت صورة الجنوب خلال هذا العدوان، وهي أضافت إلي رصيدي المهني تجربة جيدة تعلمت منها الكثير. وكوننا من البشر لا شك سنحمل ذكريات مرة عن هذه الحرب منها أننا كفريق شفنا الموت الشخصي أكثر من مرة، وعايشناه حيثما كنا. ففي بعض جولاتنا علي القري كنا نقابل صامدين لنعود في الجولة الثانية وقد إنضموا إلي قافلة الشهداء. إنهم شبان وأطفال يرافقوني بصورهم كثيراً وأعتقد بأني لن أنساهم.
إلي أي حد تتخلي المراسلة عن خصوصيتها النسائية؟
لابل هي تنسي نفسها كلياً. في الأيام الأولي لتواجدي في الجنوب لم أكن أحمل ملابس كي أبدلها. ولم أكن أنظر إلي المرآة حتي قيل لي من بيروت بأن آثاراً تظهر علي وجهي، فصرت أنتبه لهذا التفصيل.
*القدس العربي ـ زهرة مرعي
فاديا بزي من المراسلات اللواتي أسرعن إلي الجنوب فور تطور العدوان الصهيوني. مهمتها الأساسية تولي إعداد نشرة الأخبار في تلفزيون نيوتي في لكنها أصرت أن تكون في الجنوب الملتهب رغم كونها أماً لطفل في السابعة من عمره.
رغم قساوة هذه الحرب تري فاديا بزي بأن التجربة كانت مفيدة لها علي الصعيد المهني، ومكنتها من قول كلمتها ونقل صورة الهمجية الإسرائيلية ضد المدنيين.
معها كان هذا الحوار:
هل أنت جديدة في التعامل الإعلامي مع الحروب؟
أعمل في قناة نيو تي في منذ إفتتاحها في سنة 1992 كمراسلة وقد سبق ونفذت العديد من المهمات خلال عدوان تموز (يوليو) 1996. في عدوان نيسان (ابريل) 1996 لم تتم الموافقة بنزولي إلي الجنوب لأني كنت متزوجة حديثاً، إنما بعد توقف العدوان شاركت في كافة المهمات الإعلامية التي تلته. حالياً أعمل في إعداد نشرة الأخبار وليست لي مهمات علي الأرض. عندما خطف الجنديان الصهيونيان أتخذ قرار بذهاب فريق إلي الجنوب وكنت أنا مسؤولة عن إعداد نشرة الثانية والنصف فسألت الفريق الذي يغطي الدوام في تلك الأثناء رأيه بالمهمة فوافق علي الفور. وهذا الفريق تعرض للقصف بالقرب من المصيلح في منطقة النبطية ودخل المستشفي. عندها شعرت بالذنب، وعندما طرحت مسألة إرسال فريق آخر تطوعت، فرفضت الإدارة بحجة أن لي طفلاً. لكني كنت مصرة وتركت طفلي مع والده.
هل كنت مستعدة لحرب طويلة؟
إطلاقاً حتي أني لم أحمل معي ملابس إضافية. وما أن وصلنا إلي منطقة النبطية حتي كان التطور الهستيري للعدوان حيث بقينا علي تواصل مع إستديو الأخبار لمدة ثلاثة أيام متواصلة لم نذق خلالها طعم النوم سوي لدقائق.
من أي منطلق تعاملت مع الأحداث؟
عندما نكون وسط تطورات كالتي شهدها الجنوب نعيش اللحظة ليس إلا. كثيراً ما قصدنا مكاناً قصف للتو، وكثيراً ما كنا في مكان وقصف مباشرة بعد مغادرتنا. أنا والزملاء محمد كلاكش المصور، وعدنان عبدالله والفريق التقني الخاص بالبث المباشر، كنا نجول في المنطقة للتصوير، ومن ثم نعود إلي فندق بالقرب من المصيلح حيث ركزنا آلات البث.
نعرف أنك عدت إلي بيروت لحمل بعض الحاجيات ألم تضعفي حين شاهدت طفلك؟
هو من حفزني أكثر علي العودة إلي الجنوب. كان فرحاً لأن والدته لا تخاف الطائرة والصاروخ. كان يتابعني بإستمرار علي الشاشة وعندما أنهي رسالتي يطلب من شقيقتي أن يكلمني ليأمرني بالقول ألم أقل لك مئة مرة عدم قول أء . أء فهل أنت خائفة ؟
ما هو السلاح الأهم لطرد الخوف أمام الكاميرا؟
للكاميرا رهبتها في الحالات العادية، إنما في حالات الحرب لا مجال للتفكير بهذا التفصيل. لقد مررنا في لحظات لا نشعر خلالها بوجودنا. لم يعد هناك مجال للتفكير بالخوف أو عدمه، حدة القصف تركتنا شبه مسيرين، فقط علينا الإنتباه في تنقلاتنا أثناء العمل. سمة هذه الحرب هي الغدر حيث لم يعد بشر محمي. لقد تم إستهداف المستشفيات والدفاع المدني والصليب الأحمر والمدنيين بشكل مباشر. سلاح الحماية هو الوعي والتقديرات التي قد تصيب أو لا تصيب. علي سبيل المثال لم نكن نقصد المكان بعد قصفه مباشرة لأنه كان يستهدف بغارة ثانية عندما يتجمع الناس والدفاع المدني بهدف النجدة. كان القرار الصهيوني إيقاع أكبر قدر من الخسائر والضحايا.
هل شعرت بالحاجة للتدريب علي حماية الذات أثناء الحروب؟
بصراحة أعتبر الدورات العسكرية التي قمت بها مع الحزب الشيوعي اللبناني خير مساعد لي في الظروف التي مررت بها كمراسلة في أرض المعركة. وقد إستفدت من هذه الخبرة في الكثير من المواقع وخاصة علي جسر الخردلي أثناء قصفه بالطائرات.
هل من إيجابيات لوجود المراسلين في تجمعات؟
أكيد من شأنه أن يدفع بإتجاه المنافسة بحد أدني في حين نبقي جميعنا أسرة واحدة لأننا نواجه الشدائد نفسها والمخاطر نفسها. وتبقي حدود المنافسة في سرعة بث الخبر والصورة وليس أكثر. المهم نقل الخبر بأقل الخسائر وأن لا يعتبر المراسل نفسه إنتحاريا.
ما هو المشهد الأكثر إيلاماً بالنسبة لك في هذه الحرب؟
كل المشاهد مؤلمة، هذه الحرب بحد ذاتها هدفت لتقطيع وطن بعضه عن الأخر وقتل سكانه. لكن المشاهد الأكثر إيلاما هي تلك التي المجازر التي أرتكبت بحق المدنيين.
هل يعتاد الإنسان علي الحرب؟ هل يسقط الخوف من حسابه؟
الإنسان إنسان والخوف شعور طبيعي في كل الحالات، ربما من الغريب أن أقول لك بأني لا أخاف من الحرب بحد ذاتها. صورنا مجازر صريفا، شحور، دير قانون، الدوير، وفي كل هذه المشاهد بكيت الأطفال الشهداء.
هل تخليت مرة عن مهنتك وساعدت في الإنقاذ؟
بعد نقلنا المباشر لمجزرة زبقين أتي شاب يحمل طفلة في عمر الشهرين لا تتحرك من دون أن يظهر عليها أي جرح، بمجرد وضعها علي الحمالة فقدت أعصابي وبدأت بالصراخ والضرب علي وجهي كما قال لي الزملاء. ومن ثم تبعتها إلي المستشفي حيث علمت بأنها مصابة بالصدمة فقط. وبعد إنتهاء المعارك سألت عنها وعلمت أن شملها إجتمع مع والديها بعد رؤيتها في وسائل الإعلام وأجرت نيو تي في تحقيقاً عن نجاة الطفلة مريم وحكايتها. ومن المؤكد بأني سوف أزورها قريباً.
هل كان للفتاة المراسلة وضعها المميز في هذه المعركة؟
هذا هو الشائع لكن الواقع يؤكد المساواة في المسؤوليات والمخاطر.
هل كان لكم إحتكاك مع الإعلاميين الغربيين وهل سجلت بعض الملاحظات علي مواقفهم؟
الوقت لم يكن يسمح إلا بالقليل من اللقاءات والنقاشات. أحدهم زار بنت جبيل وعندما قلت له إني من هذه المدينة وسألته عن أوضاعها قال لي: ليس بإمكاني وصفها سوي بقطعة البيتزا لحجم الدمار الذي حلّ بها. ومن النقاشات البسيطة التي كانت تجري بيننا هو الإعتراف بأن ما حلّ بلبنان جريمة كبري، لكنهم في الوقت نفسه كانوا يقولون بأن ثمة قتلي مدنيين سقطوا في الجانب الآخر.
ما هي الذكريات التي تحملينها عن هذه الحرب؟
إنها ذكريات حلوة ومرة في الوقت نفسه. ما هو إيجابي علي الصعيد الشخصي تمكني من المساهمة في أن أكون واحدة من العدسات التي نقلت صورة الجنوب خلال هذا العدوان، وهي أضافت إلي رصيدي المهني تجربة جيدة تعلمت منها الكثير. وكوننا من البشر لا شك سنحمل ذكريات مرة عن هذه الحرب منها أننا كفريق شفنا الموت الشخصي أكثر من مرة، وعايشناه حيثما كنا. ففي بعض جولاتنا علي القري كنا نقابل صامدين لنعود في الجولة الثانية وقد إنضموا إلي قافلة الشهداء. إنهم شبان وأطفال يرافقوني بصورهم كثيراً وأعتقد بأني لن أنساهم.
إلي أي حد تتخلي المراسلة عن خصوصيتها النسائية؟
لابل هي تنسي نفسها كلياً. في الأيام الأولي لتواجدي في الجنوب لم أكن أحمل ملابس كي أبدلها. ولم أكن أنظر إلي المرآة حتي قيل لي من بيروت بأن آثاراً تظهر علي وجهي، فصرت أنتبه لهذا التفصيل.
*القدس العربي ـ زهرة مرعي
التعليقات