ميريام فارس:لماذا أتعرض لهذا الهجوم؟

غزة-دنيا الوطن
بألم وحرقة تتحدّث الفنّانة ميريام فارس عن الفترة التي قضتها في القاهرة حين كان لبنان يتعرّض لحرب شرسة، تتساقط دموعها حين تذكر ما كتب عنها، فقد هوجمت ميريام كغيرها من الفنّانين الذين غنّوا في تلك الفترة، حين كانت المجازر تتنقل بين المناطق اللبنانيّة، وكان العالم كلّه يتعاطف مع لبنان باستثناء فنّانيه. تقول "قضيت أياماً عصيبة في القاهرة، لم أكن أبرح غرفتي وما أن انتهت الحرب حتّى عدت وكلّي شوق لوطني"، تشعر بحزن شديد بسبب ما أسمته محاولة لتشويه سمعتها أمام جمهورها، تقول "لست قاسية القلب كما حاولوا إظهاري"، فهي ترفض الدّفاع عن نفسها لأنّ ضميرها مرتاح ولم ترتكب ما تلام عليه، لكنّ إظهارها بصورة الفتاة غير المبالية بما يتعرّض له وطنها من مجازر آلمتها بشدّة. عادت من القاهرة لكنّها لازمت منزلها، فهي لم تستعد بعد إيقاع حياتها الطّبيعي، وكان أوّل خروج لها بعد عودتها لإجراء مقابلة مع "إيلاف" أوضحت فيها لجمهورها أمور كانت تؤلمها.
نبادرها بالسؤال:
عندما كان يتعرّض لبنان لعدوان إسرائيلي ومجازر يوميّة، كان بعض الفنّانين اللبنانيين يغنّون في الخارج، برأيك هل كان مقبولاً أن يغنّي أي فنّان لبناني في الوقت الذي يحترق فيه وطنه ويقتل شعبه؟
لا بالطبع، ولهذا السّبب ألغيت كل حفلاتي، عندما ضرب المطار كنت في سوريا، وكان من المفترض أن أعود إلى بيروت لأسافر إلى القاهرة، ثمّ إلى ليبيا، وتونس والبحرين، كان لدّي موسم حافل، لم أكتف بإلغائه، بل أعدت المال إلى أصحابه.
لكنّك لم تعلني عن إلغاء حفلاتك أسوةً ببعض زملائك؟
من سألني جاوبته، لكنّي لم أشأ الحديث حينها عن إلغاء حفلاتي، ما فعلته إنّما كان بوحي من واجبي الوطني، وشعوري بأنّي لا أستطيع أن أغنّي وأفرح الناس في الوقت الذي كان فيه الناس تعساء.
أحييت حفل زفاف في القاهرة أثار الصّحافة اللبنانيّة بشدّة، خصوصاً حول ما قيل عن تذمّر الحضور منك، لأنّك غنيت ورقصت في وقت كان لبنان يتعرّض لحرب شرسة، فماذا حصل بالضبط؟
أحب أن اوضّح أنّ الذين هاجموني كانوا بعدد أصابع اليد، خصوصاً في مصر لأنّي أعلنت عن إحيائي لحفل الزّفاف قبل أسبوع من موعده، قلت للجميع أنّي جئت إلى مصر التي أعتبرها بلدي الثّاني، لكنّي لم أكن سعيدة لأنّي تركت قلبي في لبنان، وأجرت الصحف المصريّة أحاديث معي، وعرفوا موقفي من مسألة تركي للبنان في تلك الظّروف، فأنا أعيش مع عائلتي، وعندما يأمر أهلي لا أستطيع أن أجادل فهم قرروا أن نغادر إلى مصر، خصوصاً أنّ حالة أختي الصغرى كانت تسوء يومياً، وانقطعت عن الطّعام، وكانت لا تبارح شاشة التلفزيون، وعندما وصلت إلى مصر، لم يكن بإمكاني إلغاء حفل الزّفاف لأنّي إنّما قدّمته بسبب معزّتي للعريس، وتجنّباً للانتقادات أعلنت عن الزفاف مسبقاً.
لكنّ لبنان كان يحترق، والعالم بأسره كان يبكي دمار لبنان وقتل شعبه، بصراحة ميريام، ألم تشعري بالخجل من الغناء أمام الحضور المصري في ذلك الزّفاف؟
الفنّان يغنّي حتّى لو كانت أمّه في المستشفى، وحتّى لو كان يمرّ بظروف قاسيّة، أنا ألغيت كل حفلاتي، لكنّ العريس كما سبق وقلت له مكانة في قلبي، وأصرّ على وجودي في حفل زفافه، فحضرت حتّى وأنا في قمّة درجات يأسي، واستقبلني الحضور بوقفة احترام لحزني الذي كان بادياً على وجهي، لم أكمل وصلتي وقد أبلغت أصحاب الزّفاف بأنّي لن أتمكّن من إكمال الوصلة، واقترحت عليهم أن يستعينوا بفنّان بعدي وهذا ما حصل، غنيت أغنيتين وطلب منّي الجمهور أغنية ثالثة. لم أغضب بسبب ما كتب عن إحيائي العرس، فأنا أعلنت مسبقاً عنه، ما أغضبني هو تلك المحاولة لتشويه صورتي أمام الجمهور، أن أغنّي ويعترض الجمهور عليّ وأكمل كأنّ شيئاً لم يكن، هذه قمّة التشويه لصورتي، لست فتاة لا مبالية تجاه ما يحصل في وطني، أصحاب الزفاف طلبوا مني الحضور وألحوا علي، وأنّا قدمت رغم ألمي وحزني وهم عرفوا أنّي كنت أتألم من الداخل، ولا أعرف إذا كان خياري حينها صائباً أم لا.
لو عادت بك الأيّام إلى الوراء، هل كنت ستحيين الزّفاف؟
لم لا؟ فضميري مرتاح جداً. عندما شاهدت البسمة على وجوه هؤلاء النّاس، شعرت رغم حزني أنّي فعلت شيئاً لهذا الإنسان العزيز على قلبي.
أنت ابنة الجنوب وكنت تصرّحين بهذا الأمر...
(تقطعني قائلة) ديانا حدّاد أيضاً إبنة الجنوب. كل الفنّانين صرّحوا أنّهم سيقومون بإلغاء حفلاتهم العامّة، باستثناء الحفلات الخاصّة المتعاقد عليها مسبقاً. وأتساءل لماذا أنا بالذّات أتعرّض لكل هذا الهجوم؟ بعض ما كتب عنّي هو محاولة للتجريح وتحطيم صورتي أمام النّاس. وصدّقيني أنا لم أشا الحديث عن الموضوع، لكنّ جمهوري والأشخاص الذين يحبّوني طلبوا منّي أن أدافع عن نفسي لأنّهم يعرفونني جيداً، وأنا لم أشأ أن أكون في موقع دفاع لأنّي لم أرتكب خطأ.
كل فنّاني لبنان تعرّضوا للهجوم وليس أنت فقط، برأيك ألم يكن سلوك فنّانينا في الخارج مخيّباً للآمال في الفترة الماضية؟
لم أر أحداً، لم أعرف ما حصل لأنّي لا أهتم بما يفعله غيري، منذ دخولي الأوّل إلى عالم الفن، قرّرت الابتعاد عن تلك الأجواء والاهتمام بعملي فحسب.
لكن ميريام، هل ترين أنّ الفنّانين الذين أحيوا حفلات في الخارج في الفترة الماضية خدموا صورة لبنان؟
بصراحة لا أريد أن أدافع عن أحد، ولا أن أهاجم أحداً، لكل فنّان ظروفه، ما أعرفه أنّي شعرت أنّه من المنطقي أن ألغي جميع حفلاتي في تلك الظّروف، لماذا سأغني، ولمن؟ كنت سأقضي الصيف في الطّائرة، لكنّي فضلت إلغاء كل الحفلات وأنا أعرف أنّ أحد لن يهتم في حال ألغى فنّان حفلاته أم أبقى عليها، فالناس تقتل والبلد يتدمر، لكنّ بالنّهاية كل فنّان يقدّم قناعاته.
يقال أنّ بعض الفنّانين هم من روّج عنك تلك الأخبار التي أقامت الصّحافة ضدّك، هل ترين أنّ ثمّة جو من الكره في الوسط الفنّي؟
لم أنظر يوماً إلى الأمور من هذه النّاحية، حتّى المنافسة كنت أعتبرها أمراً إيجابياً، ولم أسمح لنفسي بأن أستمع إلى ما يقوله الآخرون عنّي، ما يهمّني هو عملي ومحبّة جمهوري، والأهم أن يكون ضميري مرتاحاً، وأكون مقتنعة بما أقدّمه.
هل تأثرت بما كتب عنك؟
تأثرت بمحاولة تشويه صورتي أمام جمهوري، وتضايقت لأنّي كنت أساساً حزينة ومكتئبة، ولم يكن ينقصني هذا الهجوم.
في الفندق الذي أقمت فيه هل كان يوجد فنّانون لبنانيون؟
نعم وكنا نلتقي في الفندق ونتبادل التحيّة، لكنّي لم أجلس مع أحد رغم أنّي دعيت أكثر من مرّة.
بأيّة نفسيّة كنت تعيشين حرب لبنان في الخارج؟
تضايقت أكثر حين سافرت، عندما كنت في بيروت كنت أسمع أصوات المدافع، كان منزلي يهتز من أصوات الانفجارات، لكنّ الوضع كان أرحم من الابتعاد عن لبنان في تلك الظّروف، كنّا نجتمع الأهل والجيران والأصدقاء، نسلّي بعضنا ونحاول التخفيف عن بعضنا، حين وصلت إلى القاهرة لازمت غرفتي، لم أكن أخرج حتى إلى لوبي الفندق، في حين كان أصدقائي يعيشون حياتهم في بيروت، وتمنيت لو بقيت تحت رحمة المدافع عوضاً عن التواجد في الخارج وأنا لا أعلم شيئاً عن أحبائي. كانت فترة عصيبة أتمنّى ألا تعاد.
بعض الفنّانين قدّموا المساعدات وتبرّعوا بمبالغ ماليّة صرّحوا عنها في وسائل الإعلام، هل أنت مع أن يصرّح الفنّان عن تبرعاته كي يكون عبرة لغيره ربّما، أو أن يقدّم مساعدات لوجه الله من دون التصريح عنها؟
هناك وجهات نظر عدّة في هذا الموضوع، البعض يقول أنّه بتصريحه قد يشجّع الآخرين على فعل الخير، والبعض الآخر مثلي يفكّر أنّه عندما يعلن عن إحسانه يضيع صواب عمله عند الله. لذا إذا قدّمت مساعدة لغيري لا أفصح عنها. هل من المعقول أن يعلّمني الفن ألا أقدّم أمراً ما وأسكت عنه؟ هل يجب أن أصرّح دائماً كي لا أنتقد؟
هل قصدت قريتك في الجنوب للاطمئنان عنها؟
قريتي لم يصبها الدمار، لكنّي منذ عودتي من مصر لم أخرج سوى لإجراء هذه المقابلة معك. حتّى الآن لم أستعد إيقاع حياتي الطّبيعي.
ماذا غيّرت فيك هذه التجربة القاسية مع الحرب؟
شعرت في هذه الحرب أنّي كبرت، أنّي حملت مسؤوليّة كبيرة، شعرت بأسى على الأطفال الذين يتكلّمون بالحرب كما الكبار، ابن خالي يبلغ من العمر أربع سنوات، ويتحدّث بالحرب كأنه رجل، هذا أمر مؤلم، على ماذا يتربّى أطفالنا؟ وحتّى في مجالي تفتّحت عيناي على أمور عدّة، كنت أعتقد أنّ كل الناس طيّبين لكنّي اكتشفت أنّي كنت مخطئة.
هل تذكرين أحداث الحرب اللبنانيّة؟
كنت صغيرة حين انتهت الحرب، لكنّ هذه الحرب أعادت إلى ذاكرتي أصوات الانفجارات وشعور الخوف الذي كان ينتابني حين كنت طفلة، ولم أكن أفهم حينها ماذا يحصل.
اليوم بدأ دور الفنّان لإعادة الحياة إلى لبنان، المفترض أن يتكاتل فنّانو لبنان لأقامة حفل غنائي ضخم لإعادة نبض الحياة إلى بيروت، ولإخراج الناس من بيوتهم وأحزانهم، هل ثمّة مشروع يتمّ التحضير له في هذا الإطار؟
نحضر مشاريع عدّة، فضلاً عن أغاني جديدة، لكنّ يجب أن يتكاتف الجميع لأنجاح هذا المشروع، وأنا من جهتي مستعدّة لتقديم أي شيء لدعم إعادة الحياة إلى لبنان، لأقول لأحبائنا العرب عودوا إلى بيروت التي افتقدتكم، تأثرنا لعطفكم الكبير ووقوفكم معنا في زمن الحرب، فالكلمة تقف في وجه المدفع، لذا عندما عدت إلى بيروت، شعرت أنّه من واجبي المشاركة في إعادة البهجة إلى نفوس النّاس.
هل تشعرين أنّ الحياة ستعود إلى طبيعتها في بيروت قريباً؟
بالتأكيد وفي أسرع وقت، فاللبناني يعشق الحياة، وقلبه كبير يتّسع لكل الناس، لذا أعود وأدعو السوّاح إلى العودة إلى لبنان، لأنّهم هم من يعطونا الأمل بأنّ الحياة عادت إلى مجراها الطّبيعي. أنا فخورة لأنّي لبنانيّة، فخورة ببلدي وبشعبي، في الليلة التي جئنا فيها إلى بيروت بعد انتهاء الحرب لم يكن لدينا ما نأكله في المنزل، فاشترينا علبة لبنة وربطة خبز وكنا نتلذّذ بالطعام، ونقول "ما أحلى لقمة اللبنة في أرضك يا لبنان".
قبل اندلاع الحرب، كنت بصدد إطلاق فيديو كليب لأغنية "واحشني إيه"، ماذا تقرّر بالنسبة إلى الكليب؟
كان من المفترض أن أصوّر الأغنية في فرنسا مع المخرج وسام سميرة وفريق العمل الذي تعاونت معه في كليب "حقلق راحتك"، لكن حين طرح الفكرة أمامي، فضّلت أن نصوّرها في بيروت خصوصاً أنّ الكليب يحتوي على مشاهد طبيعيّة وطرقات شعرت أنّها طرقات بيروت، وأصرّيت على الأمر ولم أعرف سبب إصراري، وكان من المفترض أن يعرض في الأسبوع الذي اندلعت فيه الحرب. وقامت قناة "روتانا" بتصوير ال"مايكينغ أوف" مع مقابلة لي، وعرضتها في الوقت الذي اندلعت فيه الحرب، في المقابلة كنت أقول أنّي أحببت التصوير في مناطق وشوارع بيروت، وتلقيت عشرات الاتصالات من أصدقائي الذين كانوا يبكون لأنّ تلك المناطق بالذّات كانت تقصف في تلك الليلة.
بألم وحرقة تتحدّث الفنّانة ميريام فارس عن الفترة التي قضتها في القاهرة حين كان لبنان يتعرّض لحرب شرسة، تتساقط دموعها حين تذكر ما كتب عنها، فقد هوجمت ميريام كغيرها من الفنّانين الذين غنّوا في تلك الفترة، حين كانت المجازر تتنقل بين المناطق اللبنانيّة، وكان العالم كلّه يتعاطف مع لبنان باستثناء فنّانيه. تقول "قضيت أياماً عصيبة في القاهرة، لم أكن أبرح غرفتي وما أن انتهت الحرب حتّى عدت وكلّي شوق لوطني"، تشعر بحزن شديد بسبب ما أسمته محاولة لتشويه سمعتها أمام جمهورها، تقول "لست قاسية القلب كما حاولوا إظهاري"، فهي ترفض الدّفاع عن نفسها لأنّ ضميرها مرتاح ولم ترتكب ما تلام عليه، لكنّ إظهارها بصورة الفتاة غير المبالية بما يتعرّض له وطنها من مجازر آلمتها بشدّة. عادت من القاهرة لكنّها لازمت منزلها، فهي لم تستعد بعد إيقاع حياتها الطّبيعي، وكان أوّل خروج لها بعد عودتها لإجراء مقابلة مع "إيلاف" أوضحت فيها لجمهورها أمور كانت تؤلمها.
نبادرها بالسؤال:
عندما كان يتعرّض لبنان لعدوان إسرائيلي ومجازر يوميّة، كان بعض الفنّانين اللبنانيين يغنّون في الخارج، برأيك هل كان مقبولاً أن يغنّي أي فنّان لبناني في الوقت الذي يحترق فيه وطنه ويقتل شعبه؟
لا بالطبع، ولهذا السّبب ألغيت كل حفلاتي، عندما ضرب المطار كنت في سوريا، وكان من المفترض أن أعود إلى بيروت لأسافر إلى القاهرة، ثمّ إلى ليبيا، وتونس والبحرين، كان لدّي موسم حافل، لم أكتف بإلغائه، بل أعدت المال إلى أصحابه.
لكنّك لم تعلني عن إلغاء حفلاتك أسوةً ببعض زملائك؟
من سألني جاوبته، لكنّي لم أشأ الحديث حينها عن إلغاء حفلاتي، ما فعلته إنّما كان بوحي من واجبي الوطني، وشعوري بأنّي لا أستطيع أن أغنّي وأفرح الناس في الوقت الذي كان فيه الناس تعساء.
أحييت حفل زفاف في القاهرة أثار الصّحافة اللبنانيّة بشدّة، خصوصاً حول ما قيل عن تذمّر الحضور منك، لأنّك غنيت ورقصت في وقت كان لبنان يتعرّض لحرب شرسة، فماذا حصل بالضبط؟
أحب أن اوضّح أنّ الذين هاجموني كانوا بعدد أصابع اليد، خصوصاً في مصر لأنّي أعلنت عن إحيائي لحفل الزّفاف قبل أسبوع من موعده، قلت للجميع أنّي جئت إلى مصر التي أعتبرها بلدي الثّاني، لكنّي لم أكن سعيدة لأنّي تركت قلبي في لبنان، وأجرت الصحف المصريّة أحاديث معي، وعرفوا موقفي من مسألة تركي للبنان في تلك الظّروف، فأنا أعيش مع عائلتي، وعندما يأمر أهلي لا أستطيع أن أجادل فهم قرروا أن نغادر إلى مصر، خصوصاً أنّ حالة أختي الصغرى كانت تسوء يومياً، وانقطعت عن الطّعام، وكانت لا تبارح شاشة التلفزيون، وعندما وصلت إلى مصر، لم يكن بإمكاني إلغاء حفل الزّفاف لأنّي إنّما قدّمته بسبب معزّتي للعريس، وتجنّباً للانتقادات أعلنت عن الزفاف مسبقاً.
لكنّ لبنان كان يحترق، والعالم بأسره كان يبكي دمار لبنان وقتل شعبه، بصراحة ميريام، ألم تشعري بالخجل من الغناء أمام الحضور المصري في ذلك الزّفاف؟
الفنّان يغنّي حتّى لو كانت أمّه في المستشفى، وحتّى لو كان يمرّ بظروف قاسيّة، أنا ألغيت كل حفلاتي، لكنّ العريس كما سبق وقلت له مكانة في قلبي، وأصرّ على وجودي في حفل زفافه، فحضرت حتّى وأنا في قمّة درجات يأسي، واستقبلني الحضور بوقفة احترام لحزني الذي كان بادياً على وجهي، لم أكمل وصلتي وقد أبلغت أصحاب الزّفاف بأنّي لن أتمكّن من إكمال الوصلة، واقترحت عليهم أن يستعينوا بفنّان بعدي وهذا ما حصل، غنيت أغنيتين وطلب منّي الجمهور أغنية ثالثة. لم أغضب بسبب ما كتب عن إحيائي العرس، فأنا أعلنت مسبقاً عنه، ما أغضبني هو تلك المحاولة لتشويه صورتي أمام الجمهور، أن أغنّي ويعترض الجمهور عليّ وأكمل كأنّ شيئاً لم يكن، هذه قمّة التشويه لصورتي، لست فتاة لا مبالية تجاه ما يحصل في وطني، أصحاب الزفاف طلبوا مني الحضور وألحوا علي، وأنّا قدمت رغم ألمي وحزني وهم عرفوا أنّي كنت أتألم من الداخل، ولا أعرف إذا كان خياري حينها صائباً أم لا.
لو عادت بك الأيّام إلى الوراء، هل كنت ستحيين الزّفاف؟
لم لا؟ فضميري مرتاح جداً. عندما شاهدت البسمة على وجوه هؤلاء النّاس، شعرت رغم حزني أنّي فعلت شيئاً لهذا الإنسان العزيز على قلبي.
أنت ابنة الجنوب وكنت تصرّحين بهذا الأمر...
(تقطعني قائلة) ديانا حدّاد أيضاً إبنة الجنوب. كل الفنّانين صرّحوا أنّهم سيقومون بإلغاء حفلاتهم العامّة، باستثناء الحفلات الخاصّة المتعاقد عليها مسبقاً. وأتساءل لماذا أنا بالذّات أتعرّض لكل هذا الهجوم؟ بعض ما كتب عنّي هو محاولة للتجريح وتحطيم صورتي أمام النّاس. وصدّقيني أنا لم أشا الحديث عن الموضوع، لكنّ جمهوري والأشخاص الذين يحبّوني طلبوا منّي أن أدافع عن نفسي لأنّهم يعرفونني جيداً، وأنا لم أشأ أن أكون في موقع دفاع لأنّي لم أرتكب خطأ.
كل فنّاني لبنان تعرّضوا للهجوم وليس أنت فقط، برأيك ألم يكن سلوك فنّانينا في الخارج مخيّباً للآمال في الفترة الماضية؟
لم أر أحداً، لم أعرف ما حصل لأنّي لا أهتم بما يفعله غيري، منذ دخولي الأوّل إلى عالم الفن، قرّرت الابتعاد عن تلك الأجواء والاهتمام بعملي فحسب.
لكن ميريام، هل ترين أنّ الفنّانين الذين أحيوا حفلات في الخارج في الفترة الماضية خدموا صورة لبنان؟
بصراحة لا أريد أن أدافع عن أحد، ولا أن أهاجم أحداً، لكل فنّان ظروفه، ما أعرفه أنّي شعرت أنّه من المنطقي أن ألغي جميع حفلاتي في تلك الظّروف، لماذا سأغني، ولمن؟ كنت سأقضي الصيف في الطّائرة، لكنّي فضلت إلغاء كل الحفلات وأنا أعرف أنّ أحد لن يهتم في حال ألغى فنّان حفلاته أم أبقى عليها، فالناس تقتل والبلد يتدمر، لكنّ بالنّهاية كل فنّان يقدّم قناعاته.
يقال أنّ بعض الفنّانين هم من روّج عنك تلك الأخبار التي أقامت الصّحافة ضدّك، هل ترين أنّ ثمّة جو من الكره في الوسط الفنّي؟
لم أنظر يوماً إلى الأمور من هذه النّاحية، حتّى المنافسة كنت أعتبرها أمراً إيجابياً، ولم أسمح لنفسي بأن أستمع إلى ما يقوله الآخرون عنّي، ما يهمّني هو عملي ومحبّة جمهوري، والأهم أن يكون ضميري مرتاحاً، وأكون مقتنعة بما أقدّمه.
هل تأثرت بما كتب عنك؟
تأثرت بمحاولة تشويه صورتي أمام جمهوري، وتضايقت لأنّي كنت أساساً حزينة ومكتئبة، ولم يكن ينقصني هذا الهجوم.
في الفندق الذي أقمت فيه هل كان يوجد فنّانون لبنانيون؟
نعم وكنا نلتقي في الفندق ونتبادل التحيّة، لكنّي لم أجلس مع أحد رغم أنّي دعيت أكثر من مرّة.
بأيّة نفسيّة كنت تعيشين حرب لبنان في الخارج؟
تضايقت أكثر حين سافرت، عندما كنت في بيروت كنت أسمع أصوات المدافع، كان منزلي يهتز من أصوات الانفجارات، لكنّ الوضع كان أرحم من الابتعاد عن لبنان في تلك الظّروف، كنّا نجتمع الأهل والجيران والأصدقاء، نسلّي بعضنا ونحاول التخفيف عن بعضنا، حين وصلت إلى القاهرة لازمت غرفتي، لم أكن أخرج حتى إلى لوبي الفندق، في حين كان أصدقائي يعيشون حياتهم في بيروت، وتمنيت لو بقيت تحت رحمة المدافع عوضاً عن التواجد في الخارج وأنا لا أعلم شيئاً عن أحبائي. كانت فترة عصيبة أتمنّى ألا تعاد.
بعض الفنّانين قدّموا المساعدات وتبرّعوا بمبالغ ماليّة صرّحوا عنها في وسائل الإعلام، هل أنت مع أن يصرّح الفنّان عن تبرعاته كي يكون عبرة لغيره ربّما، أو أن يقدّم مساعدات لوجه الله من دون التصريح عنها؟
هناك وجهات نظر عدّة في هذا الموضوع، البعض يقول أنّه بتصريحه قد يشجّع الآخرين على فعل الخير، والبعض الآخر مثلي يفكّر أنّه عندما يعلن عن إحسانه يضيع صواب عمله عند الله. لذا إذا قدّمت مساعدة لغيري لا أفصح عنها. هل من المعقول أن يعلّمني الفن ألا أقدّم أمراً ما وأسكت عنه؟ هل يجب أن أصرّح دائماً كي لا أنتقد؟
هل قصدت قريتك في الجنوب للاطمئنان عنها؟
قريتي لم يصبها الدمار، لكنّي منذ عودتي من مصر لم أخرج سوى لإجراء هذه المقابلة معك. حتّى الآن لم أستعد إيقاع حياتي الطّبيعي.
ماذا غيّرت فيك هذه التجربة القاسية مع الحرب؟
شعرت في هذه الحرب أنّي كبرت، أنّي حملت مسؤوليّة كبيرة، شعرت بأسى على الأطفال الذين يتكلّمون بالحرب كما الكبار، ابن خالي يبلغ من العمر أربع سنوات، ويتحدّث بالحرب كأنه رجل، هذا أمر مؤلم، على ماذا يتربّى أطفالنا؟ وحتّى في مجالي تفتّحت عيناي على أمور عدّة، كنت أعتقد أنّ كل الناس طيّبين لكنّي اكتشفت أنّي كنت مخطئة.
هل تذكرين أحداث الحرب اللبنانيّة؟
كنت صغيرة حين انتهت الحرب، لكنّ هذه الحرب أعادت إلى ذاكرتي أصوات الانفجارات وشعور الخوف الذي كان ينتابني حين كنت طفلة، ولم أكن أفهم حينها ماذا يحصل.
اليوم بدأ دور الفنّان لإعادة الحياة إلى لبنان، المفترض أن يتكاتل فنّانو لبنان لأقامة حفل غنائي ضخم لإعادة نبض الحياة إلى بيروت، ولإخراج الناس من بيوتهم وأحزانهم، هل ثمّة مشروع يتمّ التحضير له في هذا الإطار؟
نحضر مشاريع عدّة، فضلاً عن أغاني جديدة، لكنّ يجب أن يتكاتف الجميع لأنجاح هذا المشروع، وأنا من جهتي مستعدّة لتقديم أي شيء لدعم إعادة الحياة إلى لبنان، لأقول لأحبائنا العرب عودوا إلى بيروت التي افتقدتكم، تأثرنا لعطفكم الكبير ووقوفكم معنا في زمن الحرب، فالكلمة تقف في وجه المدفع، لذا عندما عدت إلى بيروت، شعرت أنّه من واجبي المشاركة في إعادة البهجة إلى نفوس النّاس.
هل تشعرين أنّ الحياة ستعود إلى طبيعتها في بيروت قريباً؟
بالتأكيد وفي أسرع وقت، فاللبناني يعشق الحياة، وقلبه كبير يتّسع لكل الناس، لذا أعود وأدعو السوّاح إلى العودة إلى لبنان، لأنّهم هم من يعطونا الأمل بأنّ الحياة عادت إلى مجراها الطّبيعي. أنا فخورة لأنّي لبنانيّة، فخورة ببلدي وبشعبي، في الليلة التي جئنا فيها إلى بيروت بعد انتهاء الحرب لم يكن لدينا ما نأكله في المنزل، فاشترينا علبة لبنة وربطة خبز وكنا نتلذّذ بالطعام، ونقول "ما أحلى لقمة اللبنة في أرضك يا لبنان".
قبل اندلاع الحرب، كنت بصدد إطلاق فيديو كليب لأغنية "واحشني إيه"، ماذا تقرّر بالنسبة إلى الكليب؟
كان من المفترض أن أصوّر الأغنية في فرنسا مع المخرج وسام سميرة وفريق العمل الذي تعاونت معه في كليب "حقلق راحتك"، لكن حين طرح الفكرة أمامي، فضّلت أن نصوّرها في بيروت خصوصاً أنّ الكليب يحتوي على مشاهد طبيعيّة وطرقات شعرت أنّها طرقات بيروت، وأصرّيت على الأمر ولم أعرف سبب إصراري، وكان من المفترض أن يعرض في الأسبوع الذي اندلعت فيه الحرب. وقامت قناة "روتانا" بتصوير ال"مايكينغ أوف" مع مقابلة لي، وعرضتها في الوقت الذي اندلعت فيه الحرب، في المقابلة كنت أقول أنّي أحببت التصوير في مناطق وشوارع بيروت، وتلقيت عشرات الاتصالات من أصدقائي الذين كانوا يبكون لأنّ تلك المناطق بالذّات كانت تقصف في تلك الليلة.
التعليقات