شقيق الجاسوس المشهور ايلي كوهن الذي أعدم بسوريا يروي قصة التجسس و العائلة بقلم : دكتور سمير محمود قديح

شقيق الجاسوس المشهور ايلي كوهن الذي أعدم بسوريا يروي قصة التجسس و العائلة بقلم : دكتور سمير محمود قديح
شقيق الجاسوس المشهور ايلي كوهن الذي أعدم بسوريا يروي قصة التجسس والعائلة .

بقلم / دكتور سمير محمود قديح

باحث في الشئون الامنية والاستراتيجية

مورس كوهن (80 عاماً) شقيق الجاسوس المشهور ايلي كوهن الذي أعدم بسوريا يروي قصة التجسس والعائلة .



موريس كوهين : حسبما يعرف نفسه هو عميل موساد متقاعد متخصص في علم التشفير، ولد في مصر لوالدين يهوديين من أصل سوري حلبي وفرّ إلى إسرائيل في أعقاب حرب الاستقلال عام1948،وهو يقيم اليوم في رمات غان، إسرائيل

الرواية كما كتبها موريس كوهن :

"أحـارس أنـا لأخـي؟"

أمضيت الجزء الأكبر من حياتي محتفظا بالأسرار. أسرار الدولة، أسرار العائلة والأسرار العاطفية. وقد صنت هذه الأسرار، واحتفظت بها قريبًا إلى قلبي، حبستها ذهنيا. كل سرّ منحني لحظات من الفخر، الفرح والألم.

ولكن، ثمة سر يحطم قلبي منذ عام 1962. من الممكن أن يكون هذا السر قد أنقذ وطني، لكنه، بالتأكيد، كلّفني جزءًا من روحي. إنه سر إلياهو كوهين، الجاسوس الإسرائيلي الأكثر شهرة.

واضاف:مر على موت إيلي 40 (أربعين )عامًا حتى الآن، وعلى الرغم من أنني لم أقتله، إلا أنني مدرك تمامًا أن فشلي في الكشف عما عرفته من الممكن أنه قد حسم مصيره. كنت مثل إيلي عضوًا في الاستخبارات الإسرائيلية، عميل في الموساد، متقاعد الآن. وكان تقاطع حياتنا في تلك الوكالة هو الأمر الذي أدى إلى جحيمي الشخصي

في الحقيقة لم أكن أعرف عن هذا الجاسوس الأشهر كامل أمين ثابت ( إيلي كوهين ) إلا ما كنت أسمعه من هذا وذاك ولم أكن قد قرأت عنه شيء مكتوب ولم يكن أحد منا على دراية بمهنة الآخر الجاسوسية وحتى لو كنا على دراية بذلك، فما كان بإمكاننا التباحث في عملنا. كنت مثل إيلي عضوًا في الاستخبارات الإسرائيلية، عميل في الموساد لقد علمت بمعظم الأمور عن هذا الجاسوس الإسرائيلي الأشهر في تاريخ سورية وكيف تم كشفه من قبل المخابرات وعن تأريخ حياته والتي سأطلعكم عليها لثوي في السنوات التي تلت موت إيلي. إليكم القصة الجاسوسية الشيقة بكاملها ولكن دعوني أبدأ أقرب ما يمكن من البداية .

عـائـلـة مـن الـلاجـئـيـن

ترك والدنا شاؤول جندي كوهين يهودي من أصل سوري حلبي ، الذي كان في سن 12 عامًا، مع والديه بيتهم في حلب في سوريا عام 1914 وهاجروا إلى الإسكندرية في مصر. كان الآلاف من اليهود قد تركوا حلب تلك السنة، من بينهم، أيضًا، والدتنا، صوفي التي كانت في السابعة من عمرها آنذاك. كانت مصر هي الدولة التي التقى فيها والدينا وفيها ولدت أنا وإيلي – ولد إيلي عام 1924 وولدت أنا بعد ثلاث سنوات من ذلك، وكنا المولودان الثاني والثالث من أصل ثمانية أطفال، بقي منهم سبعة على قيد الحياة حتى سن الرشد.

كنّا منبوذين على نحو مضاعف كيهود. عداء المسلمين المصريين نحو اليهود كان في تزايد مستمر، ولم يفعل البريطانيون، الذين حكموا مصر حتى عام 1954، شيئا لمعالجة هذا التمييز. لقد أدركنا، منذ نعومة أظفارنا، أننا دخيلون على مصر وكنا توّاقون لخلق مكان ننتمي إليه بشكل حقيقي.

عند بلوغي سن العاشرة، كانت الحركة الصهيونية قد اكتسبت الكثير من الزخم بين أوساط اليهود أمثالي. انضممت إلى "هحالوتسيم" (الطلائعيين)، وهي نوع من كشافة الأولاد تابعة للشبيبة الصهيونية، ومع بلوغي سن 14 عامًا، أصبحت قائد فرقة كشفية. كنا نحن الكشافة وطنيين بشكل كامل لوطن لم يكن موجودًا، وكانت مهمتنا استخدام معرفتنا للتاريخ والثقافة اليهوديين من أجل حث الأحداث اليهود على الانضمام إلينا. وعلى الرغم من أننا لم نكن بالغين، إلا أننا سعينا من أجل تسريع إقامة دولة يهودية، أرض نستطيع الاحتفاء فيها بإرثنا بدون خوف أو حياء.

كان إيلي، الذي كان أكبر سنًا من أن يلتحق بالكشافة، ناشطًا في الحركة الصهيونية السرية. وفق القانون المصري آنذاك، فرض على جميع الذكور، بمن فيهم اليهود، الخدمة في الجيش، لكنه تم رفض إيلي على أساس ولاء مشكوك فيه . دفع والدي عنه بدل عسكري وغرامة مالية فائقة. بدلاً من ذلك، التحق إيلي بجامعة القاهرة ليدرس للحصول على لقب في الهندسة الإلكترونية. تم اضطهاد إيلي وطلاب يهود آخرين في الجامعة من قبل الإخوان المسلمين، وهكذا انسحب إيلي ليتابع دراسته في البيت. علمت لاحقًا أن هذا الأمر مكنه من العمل بحرية من أجل القضية الصهيونية. نحن في العائلة لم نكن، لحسن الحظ، على علم بحقيقة كون إيلي مشكوك بأمره من قبل السلطات المصرية. وكان هذا سر إيلي الأول من بين العديد من أسراره.

عندما بلغت السن الملائمة للالتحاق بالجيش المصري، قام أبي بتدبير إعفاء لي، دفع بدل عسكري واستخدم علاقاته من أجل عدم التحاقي بالجيش وانضمامي بالحرس الملكي.

ثم ذهبت في العام 1948 للعمل كموظف في أرشيف الجيش البريطاني في المقر الرئيسي لخدمة الجيش الملكي الانكليزي في الإسماعيليةRoyal Army Service Corp

. درست في الليل موضوع المحاسبة في المعهد الفرنسي La Société de Comptabilité de France”" والفن المعماري في المعهد البريطاني ”British Institute of Engineering Technology”

إلا أن ظروف اليهود في مصر كانت تتفاقم بشكل متزايد، تم اعتقالي وسجني، في إحدى الأمسيات، بعد أن تبين أنه لم يكن بحوزتيّ بطاقة شخصية لإثبات الهوية. في غياب سجن ملائم في منطقة فأيد، احتفظ بي من اعتقلني في مرحاض خارجي خلال الليل، قبل أن يأخذوني إلى مركز الشرطة في الإسماعيلية للتحقيق. في السيارة إثناء السفر على الطريق، لحظت أن في حوزتي أوراق كتبت عليها باللغة العبرية أغاني وطنية شعبية فأصبحت رهينة لما في جيبي

بحذر، مزّقت الأوراق إربًا إربًا، مضغتها حتى أصبحت عجينة ورقية ثم قذفت بها خارج الشباك. عندما وصلنا إلى مركز الشرطة، بقيت قطعة صغيرة من الورق في جيبي. كنت بحاجة لطريقة ناجعة لأتخلص فيها من الأغاني. وبات الحاجب الذي كان ينظف الأرض، فرصتي الأخيرة لأخلص نفسي من قطعة الورق الأخيرة. لففت قطعة الورق بورقة نقدية قيمتها جنيه واحد وألقيتها على الأرض. عندما رأى الحاجب الورقة النقدية، وضع قدمه عليها بسرعة ليضمنها لنفسه، وانتهى المطاف بقطعة الورق مع النفايات، بوساطة رجل النظافة الذي ركز انتباهه على النقود فقط. كان ذلك أول عمل لي في الجاسوسية.

بعد ذلك بفترة وجيزة، تم تسريحي من المقر الرئيسي للجيش البريطاني، وأصبح من الواضح أنني لن أتمكن من العثور على عمل آخر في مصر. مع حلول عام 1948، أعلنت إسرائيل عن قيامها وبات وضع اليهود في الدول العربية أكثر خطورة. نتيجة لذلك، قررت عائلتي أنه يتحتم عليّ وعلى أختي أوديت وأخي عزرا أن نهاجر إلى إسرائيل

علمنا آنذاك، للمرة الأولى، أن إيلي كان يعمل لصالح الهغناه (القوة العسكرية السرية في إسرائيل بين الأعوام 1920-1948 التي أصبحت لاحقًا جيش الدفاع الإسرائيلي). أخبرني أصدقاء مشتركون لنا أن إيلي كان على علاقة بأشخاص يستطيعون إنتاج تأشيرات سفر مزيفة لليهود الذين يرغبون في مغادرة مصر. فعلا انضم ايلي كوهين إلى منظمة الشباب اليهودي الصهيوني في الإسكندرية وبدا متحمسا للسياسة الصهيونية ،‏ وفي سنة‏ وبعد حرب 1948 اخذ يدعو مع غيره من أعضاء المنظمة لهجرة اليهود المصريين إلى إسرائيل وبالفعل في عام 1949عندما واجهتني صعوبة في الحصول على وثائق للمغادرة، توجهت إلى إيلي وطلبت مساعدته، إلا أنه أنكر أن باستطاعته المساعدة. لكني أعرف الآن أن رفضه كان عملاً أساسيًا للحفاظ على نفسه وعائلته. فقد كان من شأن مساعدة أحد أفراد العائلة أن يعرض غطاءه للخطر وأن يجعله عرضة للسجن، التعذيب والموت.

ثم قبل فوات الأوان، وبعد جهد جهيد حصلت على وثائق المغادرة. وفي أكتوبر 1949 سافرت أنا واثنان من أشقائي عزرا وأوديت إلى برينديسي في إيطاليا، حيث حصلنا على الوثائق الهجرة الضرورية للدخول إلى إسرائيل. وبعد عام انضم والدينا وبقية العائلة ألينا، عندما تخلف إيلي في الإسكندرية.

عندما بلغ عزرا سن 19 سنة وهو السن المثالي للالتحاق بما أصبح رسميًا جيش الدفاع الإسرائيلي، بينما بلغت أنا سن 21 سنة وحصلت على وظيفة في دائرة البريد

في عام 1952، أطاحت حركة الضباط الأحرار، وهي مجموعة ثورية دعمها البريطانيون وقادها جمال عبد الناصر (الذي أصبح لاحقًا رئيس مصر)، بالملك فاروق، وفي العام ذاته، تم اعتقال إيلي إلى جانب العديد من الآخرين، بشبهة الضلوع في نشاطات صهيونية. تم استجواب إيلي مطوّلاً من قبل المخابرات المصرية (وكالة الاستخبارات)، إلا أنه لم يثبت وجود أية علاقة ملموسة له مع أية حركة تخريبية.

في الفترة ذاتها، ‏ التحق هناك بالوحدة رقم ‏131‏ بجهاز أمان لمخابرات جيش الدفاع الإسرائيلي‏ تم إرسال أخي إلى دورة جاسوسية في إسرائيل. كانت قد مرت سنوات عدة منذ آخر مرة رأينا فيها إيلي، وهكذا يمكنك أن تتخيل ابتهاجنا عندما اتصل بشقيقتي أوديت ليعلمها أنه في البلاد. في الحال، أخبرتني أوديت باسم الفندق الذي كان ينزل فيه في تل أبيب، وذهبت بسيارتي لرؤيته، إلا أنني فوّت الفرصة. فقد اكتشف المشرفون عليه أنه اتصل بنا وأبعدوه بسرعة قبل وصولي إليه، وأعيد إلى مصر.

مزّقت الأوراق إربًا إربًا، مضغتها حتى أصبحت عجينة ورقية ثم قذفت بها خارج الشباك. وعندما وصلنا إلى مركز الشرطة، بقيت قطعة صغيرة من الورق في جيبي. لففت قطعة الورق بورقة نقدية قيمتها جنيه واحد وألقيتها على الأرض. كان ذلك أول عمل لي في الجاسوسية. .

من الممكن أن إيلي لم يعرف أن أخاه موريس، الذي كان يصغره بثلاثة أعوام، كان، أيضًا، عميلاً للموساد.

وأصبح في حينه عضوًا في وحدة الاستخبارات الإسرائيلية تحت قيادة (أبراهام دار) وهو أحد كبار الجواسيس الإسرائيليين الذي وصل إلى مصر ليباشر دوره في التجسس ومساعدة اليهود علي الهجرة وتجنيد العملاء‏،‏ التي كانت تحاول إفساد العلاقات بين مصر وبين الولايات المتحدة،. بدون أن نعرف، فقد كان التدريب والتخطيط لما عُرف لاحقًا بقضية لافون، على اسم وزير الدفاع الإسرائيلي إسحاق لافون واتخذ الجاسوس اسم( جون دار لينج‏) وشكل شبكة للمخابرات الإسرائيلية بمصر التي لقبت بلقب "سوزانا"، لاختراق سلسلة من التفجيرات ببعض المنشات الأمريكية في القاهرة والإسكندرية‏ بهدف إفساد العلاقة بين مصر والولايات المتحدة الأمريكية .

كشفت السلطات المصرية عام 1953 قضية لافون، وقامت باعتقال 11 يهوديًا، من بينهم إيلي. تم إطلاق سراح إيلي مرة أخرى نظرًا لعدم وجود أدلة، إلا أن رفاق إيلي لم يكونوا محظوظين إلى هذا الحدّ حيث أعدم اثنان منهم شنقا وجزّ الباقون في السجن. أدى هذا الحادث إلى إطلاق شرارة الهجمات الرسمية على منازل اليهود، وتم اعتقال اليهود المصريين، مجموعات مجموعات، طيلة السنوات الثلاث التي تلت ذلك الحدث. كان إلى تحت مراقبة المخابرات المصرية التي نم تنس ماضيه فاعتقلته مع بدء لعدوان الثلاثي ضد مصر في أكتوبر 1956

.‏.‏وبعد الإفراج عنه ، طُرد إيلي من مصر نهائيًا وهاجر إلى إسرائيل بمساعدة الوكالة اليهودية في مصر عن طريق نابولي ايطاليا، سكن مع والدينا في شقتهما في بات يام وتقدم بطلب للعمل كمترجم في عمليات الاستخبارات الإسرائيلية. على الرغم من براعته في اللغات، التدريبات الواسعة في مجال الاستخبارات ودوره في الحركة السرية الإسرائيلية، إلا أنه قد تم رفضه لعدم إلمامه في اللغة العبرية الحديثة.

كمواطن عادى، وجد إيلي وظيفة كمحاسب ومراقب في "همشبير"، وهي مجموعة من مستودعات البيع بالتجزئة. وانقطعت صلته مع "أمان" وبدا لفترة ما أن إيلي سيندمج في المجتمع الإسرائيلي بشكل خفي ومجهول، وتعلو على وجهي ابتسامة عندما أتخيل أنه تمتع بهذه الفترة القصيرة بعيدًا عن الجاسوسية.

في غضون ذلك، تمكنت جيدًا من اللغة العبرية وقطعت شوطًا طويلاً في حياتي الشخصية والمهنية. تزوجت عام 1952 من حانا شيرازي فتات يهودية من أصل عراقي وعملت كقائم لوائي بأعمال كل مدراء البريد الغائبون أسناء وجودهم في عطلة مرضية أو إجازة سنوية. بعد سنة، وُلد لحانا ولي ابننا الأول شاؤول ، وبعد ذلك بفترة قصيرة عُينت مديرا للبريد في إيلات. وكجميع الرجال في إسرائيل، خدمت أنا أيضًا في الاحتياط. وطُلب مني مرارًا، في الوقت الذي كنت فيه في الخدمة، بأن أنضم بصورة مستديمة إلى الاستخبارات العسكرية لكنني كنت متزوجًا بسعادة مع عائلة آخذة في نمو, ولم يكن لديّ أي اهتمام بأن أصبح بطلاً شهير أو أن أترك عشيّ السعيد الذي عملت على بنائه. وهكذا رفضت جميع العروض.

في الحقيقة، جميع أفراد عائلة كوهين كانوا منغمسين في حياتهم الشخصية. حتى إيلي وجد حبًا حقيقيًا على سطح الأرض، وكنت أنا الذي عرّفت ناديا مجلد بأخي الكبير.

في أحد الأيام، اتصلت بي زوجتي في العمل، لتطلب مني أن أمرّ على معمل الخياطة التابع لأختها هيلا لأحضر لها ثوبين كانت قد قامت بتعديلهما. عند وصولي إلى الحانوت، وجدت هيلا تعمل على قياس ثوب جديد لشابة فائقة الجمال. من الواضح أنني أثرت فضول الشابة وسألت هبلا بلهجة عربية عراقية حادة ومفعمة بالحيوية كيف تعرفت على هذا الشاب الوسيم. "هل هو شكنازي؟ ما هو أصله؟"وبعد أن قالت هيلا أنني زوج أختها، احمر وجه الشابة، وأضافت بخجل، "لو كنت أعزب، لكنت عرّفتك على أختي ناديا التي تعيش مع والدينا في الجانب الآخر من الشارع. ابتسمت وقلت لها، "إذا كانت أختك ناديا جميلة مثلك، سيسرني ترتيب لقاء لها مع أخي." أنجزنا جميع الترتيبات الضرورية، وعند التقاء ناديا وإيلي، كان واضحًا على الفور أنه من المقدر أن يكونان سوية. كان إلياهو، في الثلاثين من عمره، شخصية سمراء ووسيمة؛ كان لبق الحديث ومهذب. ناديا فتات يهودية من أصل عراقي، كانت ابنة الخامسة والعشرين، رشيقة القوام، قمحاوية البشرة وأطول من إيلي بقليل.

تزوج إيلي وناديا في آب عام 1959، بمراسيم متواضعة في كنيس سفا رادي في تل أبيب، واستقرا بجوار والدينا في بيت يام، واندمجا مع ابنتهم الأولى صوفي بيسر في مشهد الطبقة الوسطى الإسرائيلية.

في غضون ذلك، واصلت الاستخبارات الإسرائيلية محاولاتها في تجنيدي. خرجت في عطلة من عملي عام 1960 للقيام بمهمة. ونظرًا لإتقاني العديد من اللغات، تخصصت في علم التشفير.

كذلك سعت الاستخبارات الإسرائيلية لتجنيد إيلي الذي كان قد أتقن العبرية. فقد تم تجنيده من قبل شعبة الاستخبارات، وهي شعبة من جيش الدفاع الإسرائيلي المعروفة بالتسمية العبرية المختصرة "أمان"، والتي تعني "شعبة الاستخبارات". في البداية رفض إيلي‏, الذي كان يستمتع بالبيت والعائلة ‏,الانضمام ، إلا أنه فقد عمله في "همشبير" بشكل غامض، وبعد أن أصبح غير قادر على إعالة عائلته قبل عرض" أمان" في نهاية الأمر.

وقد رأت المخابرات الإسرائيلية في أيلي كوهين مشروع جاسوس جيد فتم إعداده في البداية لكي يعمل في مصر‏,‏ ولكن الخطة ما لبثت أن عدلت‏,‏ ورأي أن أنسب مجال لنشاطه ألتجسسي هو دمشق‏.‏ وبدأ الإعداد الدقيق لكي يقوم بدوره الجديد‏, ‏ ولم تكن هناك صعوبة في تدريبه علي التكلم باللهجة السورية‏, ‏ لأنه كان يجيد العربية بحكم نشأته في الإسكندرية

ورتبت له المخابرات الإسرائيلية قصة ملفقه يبدو بها مسلما يحمل اسم (كامل أمين ثابت) هاجر وعائلته إلى لإسكندرية ثم سافر عمه إلى الأرجنتين عام 1946 حيث لحق به كامل وعائلته عام 1947 وفي عام 1952 توفى والده في الأرجنتين بالسكتة القلبية كما توفيت والدته بعد ستة أشهر وبقى كامل وحده هناك يعمل في تجارة الأقمشة.

وتم تدريبه على كيفية استخدام أجهزة الإرسال والاستقبال اللاسلكي والكتابة بالحبر السري كما راح يدرس في الوقت نفسه كل أخبار سوريا ويحفظ أسماء رجالها السياسيين والبارزين في عالم الاقتصاد والتجارة. مع تعليمه أصول الآيات القرآنية وتعاليم الدين الإسلامي بعد فترة من التدريب المكثف ونقله من جيش الدفاع الإسرائيلي إلى الموساد، تم إرسال إيلي إلى الأرجنتين. يوجد لدينا في الأرجنتين أقرباء، وكنت قد التقيت، بعد سنوات عدة، خالتنا التي أخبرتني أنها التقت إيلي هناك. قال لها إيلي أنه كان مجرد سائحًا حمل تحيات أبناء أختها من البلاد القديمة إليها. وقد شكّت في أن يكون إيلي ابن أختها لكنها لم تتأكد من ذلك. إنها لمخاطرة من قبل أخي أن يكون وديًا تجاه أفراد من أبناء العائلة

بطاقة عمل أيلي، المعروف أيضًا كثابت

إلا أن خلفية عائلتي بالتحديد هي التي جعلت إيلي ذا قيمة للموساد. فقد قضى إيلي طفولته، مثل بقية أفراد العائلة، في استيعاب اللهجة العربية الحلبية المستخدمة في البيت، وكان قد سمع الكثير من الحكايات عن سوريا لتسمح له بأن يبدو جيد المعرفة بتعقيداتها ومنعطفات الحياة فيها.

أدرك الموساد قيمة هذه الفرصة وقام بتحويل إيلي إلى رجل جديد. أصبح أخي، حرفيًا، كامل أمين ثابت، مهاجر سوري ثري ورث ثراء ضخم ومشروع تجاري عائلي عن والده. قام كامل أمين ثابت بإنفاق ماله (الذي زوده به رؤساؤه في الموساد) بشكل بارز في استضافة الحفلات، وعبّر عن رغبته الحقيقية في العودة إلى سوريا للمساهمة في تطوّر الحكومة والعمل على دمار إسرائيل.

التعليقات