التأثير السياسي للفضائيات العربية
·التأثير السياسي للفضائيات العربية
·د.علي الجابري
يقول الكاتب محمد حسنين هيكل في مقولة شهيرة "ليس هناك أعلام لوجه الله". كما لا يوجد أعلام خارج السيطرة بهذا الشكل أو ذاك. من هنا يمكن القول أن الفضائيات العربية ظهرت في معظم الأقطار العربية كمكملات لمظاهر السيادة ، ويلاحظ أن أغلب القنوات في العالم الثالث والعالم العربي هي عبارة عن جهاز لخدمة الأنظمة أكثر من التركيز على البرامج التلفزيونية الأخرى. إلا أن ما تبثه القنوات الفضائية العربية يشير إلى أغلب الدول العربية لا تمتلك حتى الآن رؤى استراتيجية لكيفية توظيف قنواتها الفضائية لخدمة سياساتها الخارجية ومصالحها الوطنية، بل أن الخطاب الإعلامي العربي لم يتكيف ويتواءم مع طبيعة التدفق الإعلامي والإخباري في عصر القنوات الفضائية. إلا أن ذلك لا يمنع أن تكون هناك مجموعة من الفضائيات العربية تحاول أن تستجيب للناحتين الوطنية والقومية. إلا أن ذلك ليس كل الصورة فقد أفرز التنوع في طبيعة القنوات الفضائية العربية وبرامجها ولغاتها تصنيفات متعددة للجمهور العربي تسمح لها بتغطية الرقع الجغرافية الموجود فيها سواء كانت داخل المنطقة العربية أو خارجها. كما أن بعض المحطات العربية استطاعت أن تؤكد وجودها من خلال حجم المشاهدة التي تحظى بها، ولعل من يتابع بعض المحطات المذكورة يلمس أن محتويات ومضامين برامجها يميل إلى جعل الخطاب الإعلامي العربي خطاباً منفتحاً يأخذ بالمعطيات الحضارية على مختلف مواقعها الجغرافية والتاريخية، فهي تحاول أن تعكس عبر برامجها تباين البنيات الثقافية للمجتمعات العربية في إطار المحيط الحضاري العام، من خلال إبراز المعايير والقيم التي تظهر التباينات المنعشة للذات والهوية العربيتين. وهو ما مكنها من جذب العديد من المشاهدين العرب القاطنين في الغرب (أوروبا والولايات المتحدة وكندا) وعززت عبر برامجها انتماءهم لهويتهم العربية، وتعرفهم على الحضارة والثقافة والتراث العربي، وسحبتهم من مشاهدة القنوات الأجنبية.
وأبرزت الحرب على العراق 2004 معادلة إعلامية جديدة لعب الإعلام العربي المرئي الناشيء فيها دوراً ليس بالهين، فقد أصبحت الفضائيات العربية تعمل بشكل مستقل عن المصادر الإعلامية العالمية الإخبارية، وصار للفضائيات العربية مراسلون في الخطوط الأمامية للحرب جعلها تستقصي المعلومات من أرض الحدث عوضاً عن تلقيها من مصدر خارجي وإعادة صهرها، وصار الإعلام العربي المرئي خلال الحرب مصدراً مهماً للأخبار مما أكسبه صبغة ليست إقليمية فقط بل عالمية أيضاً.
ويعتقد ان هذه الحرب سجلت مرة تفوق الإعلام الفضائي العربي على نظيره الغربي ويعود ذلك للأسباب التالية:
1- أن الإعلاميين الأمريكيين اختاروا منذ البداية فريقهم، فتحولوا إلى طرف فاقد لكل حيادية وموضوعية، وقد صرحت بعض القيادات الإعلامية الأمريكية أنها تختار هذه المرة الوطنية على المهنية والحرفية.
2- أنهم وفي مفارقة عجيبة تحولوا في لحظة إلى أعلام دعائي سياسي، واختاروا أسوأ ما في إعلامنا العربي الرسمي وهو (البروباغندا) السياسية القائمة على إخفاء الحقيقة والتعتيم عليها، في الوقت الذي كانت الفضائيات العربية تعطي حق جميع الأطراف في تقديم المعلومة والرأي.
3- اعتماد أكبر الشبكات التلفزيونية الأمريكية على الصور الخاصة بالقنوات العربية، وهو ما يعني فقدانها لرهان السبق الصحفي.
4- أن الإعلام العربي وخلافاً -لكل ما يقال- قادر فعلاً على البروز والتألق والتفوق على نظيره الغربي إذا ما توفرت له عناصر القوة والموضوعية.
5- إن أسطورة الإعلام الغربي النزيه والموضوعي قد بدت تتهاوى ، وعلينا الاستفادة الفورية من هذه السقطة التاريخية.
إلا أن اللافت للانتباه أنه وبرغم نجاح القنوات الفضائية العربية خلال تغطيتها للحرب على العراق، إلا أنها اختلفت وتباينت في طريقة التغطية فيما بينها أولاً، كما اختلفت صورة التغطية قبل انهيار النظام العراقي السابق في التاسع من نيسان 2003 والمرحلة التي تلت الانهيار. ويكفي بهذا الخصوص الإشارة إلى التسميات أو المصطلحات التي استخدمتها الفضائيات العربية للإشارة إلى الحرب، فمثلاً في قناة الجزيرة نقرأ "الحرب على العراق"، وفي قناة المنار "العدوان الأمريكي"، وفي قناة المستقبل "العراق في مهب الحرب"، وفي الفضائية اللبنانية (LBC): "حرب على العراق.
وترى الدكتورة هويدا صبري (كلية الإعلام- جامعة القاهرة) في دراستها للمعالجة الإخبارية لأحداث الحرب على العرق في الفضائيات العربية أن أهم الانتقادات التي يمكن أن توجه للفضائيات العربية تكمن في:
1- الانحياز إلى الشارع العربي على حساب الحقائق والمعلومات خلال الحرب وبعدها.
2- غياب الموضوعية في أداء الفضائيات العربية بسبب القيود التي فرضها الغضب العربي، وهذه المرة الأولى التي يفرض فيها الرأي العام قيوداً على التغطية واستجابت الفضائيات العربية لذلك.
3- الافتقار إلى المعايير الكفاءة والمهنية في أداء الفضائيات العربية ونقص الدقة في المعلومات وسيطرة التحليلات التي تثير الجانب العاطفي للمشاهدين.
4- غلبة الإطار الأيديولوجي على أداء الفضائيات العربية.
5- لجوءها إلى المبالغة والتضخيم والتعجل والنبرة الحماسية على حساب المعلومة.
6- اتباعها لاستراتيجية الخداع الإعلامي والإعلام المضاد كبث الشائعات ومنها مقتل نائب الرئيس العراقي السابق الذي بثته الجزيرة، واستيلاء القوات الأمريكية على الإذاعة العراقية في اليوم الثالث للحرب (العربية)، واستسلام الفرقة 51 مشاة العراق في اليوم الرابع للحرب (أبو ظبي).
من هنا يمكن القول أن الفضائيات العربية ليست حزمة واحدة، وتتفاوت في قدرتها المالية والتقنية والبشرية وفرصها المتاحة، وحسب الرسالة التي تريد توجيهها، لكن التفاوت الأهم يكمن في من يتحكم بالقنوات الفضائية (حكومات ومستثمرين ورجال أعمال). إذ لا يمكن النظر إلى الفضائيات العربية بمعزل عن جهة تمويلها أو اتجاهات العاملين فيها داخل المحطة الواحدة حتى وإن كان تدعي الاستقلالية.
أن تزايد عدد القنوات الفضائية المتخصصة (كالإخبارية والاقتصادية والرياضية… الخ) زعزع مكانة القنوات الإعلامية التي تتسم بالطابع العام، وهذه التغييرات أسهمت في تغيير موقع الجمهور في المعادلة الإعلامية الحديثة التي تقيمها التكنولوجيات الجديدة، حيث أصبح طرفاً مشاركاً فيها، ولم يعد يطلق على الجمهور تسمية القارئ أو المشاهد، بل أصبح يسمى "المستخدم" "user" نتيجة منطلق التفاعلية (Interactivity) الذي فرضته التكنولوجيات الحديثة، أو التطورات التكنولوجية التي أدخلت على وسائل الاتصال القديمة.
إنجازات القنوات الفضائية العربية :
على الرغم من الرأي القائل بأن القنوات الفضائية العربية ما زالت في مرحلة بناء الذات، وما زالت في طور البناء والتشكيل، وهي في مرحلة مخاض قد تكون نهايتها تحمل الكثير للإعلام المرئي العربي ، وتؤسس لعهد جديد في إعلام حر وقوي قادر على أن يضع قدمه بقوة بين الفضائيات العالمية ، إلا أنها خلال أقل من خمسة عشر عاماً استطاعت أن تحرك رياح الحرية في المشهد السياسي العربي وحققت بعضها إنجازات وقفزات هائلة جعلها موضع احترام المشاهد العربي، بل وأن بعضها أغضبت حكومات ودول كبرى، على أثر ما حققته من مستوى وتأثير في المجتمع العربي.
ويمكننا تلخيص أهم الإنجازات والتأثيرات الإيجابية التي استطاعت القنوات الفضائية العربية أن تحققها منذ انطلاقتها إلى الآن، في النقاط التالية:
1- استطاعت الفضائيات العربية أن تستثمر التقانه البصرية، وأن توظفها بشكل جيد، وبات المشاهد العربي يجد ذاته فيها بحكم تنوعها وتعدديتها.
2- استطاعت القنوات الفضائية العربية الخاصة أن تكون منافساً قوياً للفضائيات الحكومية وهو ما دفعها إلى الانفتاح وأشاعة أجواء من الحرية والديمقراطية فيما تبثه من أخبار وبرامج -برغم تباينها بين قناة وأخرى- لتتمكن من الوقوف في وجه الموجة الجديدة من الفضائيات والتي تمتلك الجرأة والحرية في التعرض لكل ما يعاني منه المواطن العربي.
3- أتاحت القنوات الفضائية الحكومية والخاصة للمواطن العربي فرصة الاختيار وانتقاء ما يعتقدها تلبي رغباته وطموحاته، فتعددية القنوات العربية واختلاف أهدافها وتوجهاتها وضعت المشاهد العربي في حالة من الحرية التي لم يعهدها قبل ذلك، وخولته عبر (الريمونت كونترول) الذي يحمله بيده أن ينتقل بين الفضائيات، ليقف عند الفضائية التي يقر ويؤمن بصدقيتها ومهنيتها وقدرتها على نقل الحقيقة والتعرض لمشاكله التي يرغب في أن يجد لها حلاً، حتى وإن كان عن طريق إثارتها إعلامياً، وقد أبدعت الكثير من الفضائيات في ملامسة الآلام وطموحات المشاهد العربي.
4- ساعدت الفضائيات العربية المواطن العربي من مشرقه إلى مغربه على التحرر من سلطة الإذاعات الأجنبية كإذاعة لندن وصوت أمريكا، وصار يثق بالأخبار التي تبثها الفضائيات العربية التي غالباً ما كانت تتواجد في قلب الأحداث وتنقل ما يجري بالصوت والصورة بفضل انتشار مراسليها في العديد من الأقطار ومواقع الحدث.
5- اهتمت العديد من القنوات العربية -وخاصة الخليجية منها -بتنوع جنسيات العاملين فيها من مختلف البلدان العربية، فقنوات الجزيرة والعربية وأبو ظبي على سبيل المثال- فيها كوادر عربية من مختلف البلدان العربية من المشرق إلى المغرب العربي وهو ما ولد شعوراً لدى المشاهد بأنها قنوات غزيرة بالقدرات والكفاءات وتنوع جنسيات العاملين فيها يمكن أن يقود أيضاً إلى تنوع اهتمامها في القضايا العربية.
6- اعتمدت العديد من الفضائيات على كوادر صحفية بارزة ومشهورة في ميدان الصحافة المكتوبة، وهو ما أعطاها قوة إضافية نتيجة قدرة وحرفية العاملين فيها.
7- يرى الكثير من الإعلاميين العرب أن القنوات الفضائية العربية تمكنت في غير مرة من ملامسة نبض الأمة وهمومها وآمالها وتطلعاتها في الكثير من تغطياتها للأحداث، مع أن البعض يرى في ذلك سلبية، لأن الفضائيات بذلك تقدم الحدث كما تريده هي، وليس كما هو.
8- تمكنت القنوات الفضائية العربية -السياسية الإخبارية منها- من تغطية أهم الأحداث الدولية، واستطاعت الجزيرة -على سبيل المثال- أن تتفوق على القنوات الفضائية الأمريكية والغربية في أحداث أفغانستان والعراق، مما أجبر الإعلام العالمي على اعتمادها مصدراً أساسياً للخبر والصورة. وذلك كله يعود لانتشار مكاتب ومراسلي القنوات العربية في مختلف مناطق الأحداث، وهو ما أسهم في إلغاء سيادة الأخبار القادمة من الوكالات الغربية الكبرى، مع أن هذه الحالة تتفاوت بين فضائية وأخرى، بعضها كان حاضراً ميدانياً في قلب الأحداث، وبعضها بعيداً. إلا أنه في النتيجة أصبح بإمكان المشاهد العربي أن يقف على حقيقة الأحداث عن طريق هذه الفضائية أو تلك.
9- أصبحت الفضائيات العربية مختبراً حقيقياً للإعلاميين الذين تكونوا ونشأوا وتربوا في إطار المحطات الرسمية العربية ، وأعادت الفضائيات بناء قدراتهم ومهاراتهم المهنية وحققوا رصيداً جماهيرياً كبيراً في مختلف البلدان العربية. مثلما أن الفضائيات تمكنت من التأثير على ذهنية الإعلام الرسمي وساهمت إلى حد ما بتحريره من القيود والمحددات.
10- أن الفضائيات العربية -كما يعتقد الكثير من أساتذة الفكر والإعلام- لها تأثير أساسي في تكوين وتشكيل تفكير العرب وسلوكهم، وفي تغيير طبيعة الوعي الشعبي وربما في تغيير الممارسات السياسية لدى القوى الشعبية في العالم العربي، فهناك برامج كثيرة تقدم على المحطات العربية إلى جانب التقارير الإخبارية، وهذه البرامج تتضمن حلقات للمناقشة وتعليقات سياسية وبرامج حول قضايا الأمة العربية وتقارير استقصائية خاصة تعزز ما ذكر أعلاه.
11- يعتقد أن الفضائيات العربية استطاعت أن تحقق ما يمكن أن يطلق عليه (توازن الرعب الإعلامي) مع البث الفضائي الغربي الذي يمكن أن يهدد وجود المواطن العربي.
12- أسهمت الفضائيات العربية في تحقيق نوع من الترابط الفكري والحضاري بين الشعوب العربية وبعضها البعض، وتصحيح المفاهيم المرتبطة بالشعوب العربية والإسلامية التي ترددها فضائيات الدول الأجنبية وتوصيل رسالة إعلامية لكل أنحاء العالم من خلال الترجمة والصورة المصاحبة لها بلغات عالمية.
لمؤاخذات على الفضائيات العربية :
ومع كل ما سجل لصالح القنوات الفضائية العربية الا ان ذلك لا يمنع من تسجيل العديد من المؤاخذات أو السلبيات التي طغت على بعضها ويمكن ان يكون لها تأثيراً سلبياً على الإعلام الفضائي العربي ,مالم يتم تداركها ووضع علاج مناسب لها خلال المراحل القادمة التي ينبغي أن تتزايد فيها مقدرة الإعلام الفضائي ,وتترسخ تجربته بما يجعله اكثر قدرة ومصداقية ..ومن أبرز تلك المؤاخذات مايلي :
1- تفتقر العديد من الفضائيات العربية إلى الكادر المهني القادر على إستعمال التقنيات الحديثة في إنتاج برامج تتوجه إلى المشكلات التي تلامس الواقع العربي ,وذلك لن يتم مالم يكن لدينا إعلاميون يتمتعون بقدر عال من المهنية والكفاءة والإيمان بطرح مشكلات المجتمع العربي .
2- هنالك من يرى أن جميع الفضائيات العربية لاتتعامل مع القضايا القومية *إنطلاقاً من منظور ملتزم بهذه القضايا ,بل أن منظورها قطري تطغى عليه التبعية ,وحتى القطرية تطغى من منظور أميريكي بحكم تأثير كل الأنظمة العربية بالإمريكيين
3- قيام بعض الفضائيات العربية بممارسة النقد ضد بعض النظم العربية ,بمعنى تركيزها على جهات معينة دون غيرها وإهمال جهات أخرى بشكل يثير الشكوك والريبة .
4- تهافت الفضائيات العربية على (خطف) الكوادر الناجحة والمعروفة في القنوات الأخرى وعزوف أغلبها عن تدريب وإكتشاف كوادر جديدة .
5- إن مايقال عن حرية الرأي والرأي الأخر في أغلب القنوات الفضائية ليس حقيقياً تماماً ,حيث يشير شاكر حامد مراسل قناة أبو ظبي ((كثيراً مايخضع ذلك إلى السياسات والعلاقات , واعني هنا السياسات الخفية ودور الدول والمؤسسات والشخصيات الممولة في ذلك ..كذلك لم تكن لنا حرية في العمل كصحفين من جهة السلطات ومن جهة توازنات السياسات الخفية لمحطاتنا في آن واحد .هناك مقابلات تفرض ومقابلات تلغى ..ولكن هناك لامركزية تتيح التعبير عن أراء مختلفة ))
6- خضوع الفضائيات العربية إلى كل أنواع الرقابات الحكومية والذاتية والأجنبية وضغوط الرقابة الأجنبية هي الأخطر من وجهة نظر الدكتور نبيل دجاني أستاذ الإعلام في الجامعة اللبنانية , ويكمن بعض أهم الحلول لتخطي الرقابة تلك في الإعتماد على العامل المهني ..أي الإعتماد على الصورة .ويشير الباحث أن الصورة ليست كافية تماماً في بعض الحالات لمنع التدخلات الأجنبية ,فالإدارة الأمريكية أعترضت وشنت حملة كبرى على قناة الجزيرة لأنها تبث صور القتلى الأمريكان خلال الحرب على العراق 2003 واعتبرتها مخالفة للقوانين الدولية ,كذلك تعترض على بث صور المجموعات المسلحة التي تقوم بعمليات عسكرية في العراق , وكثيراً ماأعترضت على بث الرسائل الصوتية أو التلفزيونية لزعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن أو الزرقاوي المسؤول عن تنظيم القاعدة في العراق ,أو حتى رسائل الرئيس العراقي السابق صدام حسين قبل إلقاء القبض عليه من قبل القوات الأمريكية .
7- إن العديد من القنوات العربية التي نجحت في معالجة القضايا العربية الحساسة والمؤثرة وتمكنت من تغطيتها بشكل لافت ,لم تتمكن من فعل الشيء نفسه فيما يخص القضايا والأحداث التي تتعلق بالدولة التي تدعم أو تمول أوتنطلق منها القناة , فالجزيرة لا تتعرض لخصوصيات الداخل القطري ,وقناة العربية لاتتطرق لأحداث في السعودية أو الإمارات العربية المتحدة في زاوية مخالفة لسياسة الدولة .
8- مازالت الفضائيات العربية بعيدة عن المؤسسية في العمل , وتخضع للمجاملات والتأثيرات التي يمكن أن يقوم بها أي مسؤول أعلامي يدير العمل فيها ,على عكس المحطات العالمية المعروفة كهيئة الإذاعة البريطانية التي لها قواعدها وأنظمتها ودستورها الخاص الذي يجب العمل في ضوئه مهما تغيرت الظروف واستبدلت الوجوه التي تديرها.
9- اغلب الفضائيات العربية تخضع لإعتبارات العلاقات الشخصية والمزاجية في توظيف العاملين فيها وخاصة في الحكومية منها ,إذ ليست هناك أسس وقواعد ثابتة في التوظيف ,لأن تقاليد العمل غائبة عن تلك الفضائيات .
10- من أخطر التهم التي تسجل على الفضائيات العربية إسستضافتها لشخصيات (إسرائيلية ) سياسية مما أعتبره العديد من السياسين والإعلاميين والمشاهدين أساءة إلى الأمن القومي العربي وأستهانة بمشاعر المواطنين العرب الذين يعتبرون أنهم في صراع وجود مع الكيان الصهيوني ولايفترض أن يتم إستضافة المسؤولين (الإسرائيليين) وعرض وجهات نظرهم ، وأول القنوات العربية التي أظهرت شخصيات (إسرائيلية ) على شاشتها قناة الجزيرة التي أتهمت كثيراً بأنها (قناة إسرائيلية ) أو قناة تديرها في الخفاء السياسة (الإسرائيلية) .
11- تعتمد الكثير من الفضائيات العربية على الإنتاج الأجنبي للبرامج , ولاتقدم على خوض تجربة الإنتاج برغم أنها تمتلك أحدث الوسائل والتقنيات التي تمكنها من الإنتاج البرامجي المتميز .وقد يكون سبب ذلك انها تشتري تلك البرامج بثمن زهيد .
12- تتهم العديد من الفضائيات العربية بتقليد الفضائيات الأجنبية وتبني القضايا التي تعد من أولويات الفضائية الأجنبية كأولوية عربية وأغفال القضايا العربية الملحة التي يفترض أن تتصدر أولويات الأعلام العربي .فمشاكل الغرب أصبحت مشاكلنا كالإرهاب والتلوث الحضاري والثقافي هو الأخطر , فالفضائيات تتبنى شيئاً فشيئاً النظرة الأمريكية والغربية للإرهاب .
13- يؤاخذ على الكثير من القنوات الفضائية الحكومية انها لاتفرق بين بثها الفضائي الذي يصل إلى أغلب دول العالم وبين البث الذي يستهدف الجمهور المحلي . فالبرامج التي تعرض على المحطات الأرضية هي ذاتها التي تقدم على شاشة الفضائيات وذلك سببه قيام الحكومات العربية بتحويل تلفزيوناتها المحلية الى قنوات فضائية دون تخطيط أو إدراك للفرق بين الجمهور المستهدف محلياً أو دولياً .
14- مازالت الحكومات العربية تسيطر على الفضائيات العربية حتى التجارية منها أو التي تبدو مستقلة وتعمل في الخارج ,بل أنها أتاحت للحكومات وسائل جديدة في الهيمنة والإحتكار في مجال الصورة والإعلام أكثر ذكاءاً ودهاء وأقل إلتزاماً بالمعايير الرسمية الثقافية والإخلاقية والسياسية , ولم يكن رجال الأعمال والمستثمرون الإعلاميون سوى واجهات لغسيل السياسات الرسمية ، ولم يكونوا سوى وكلاء لحكام اكثر قسوة منهم ، واكثر التزاما بالتعليمات والسياسات الرسمية .
15- تتهم الفضائيات العربية رغم تنوعها بأنها تميل إلى التسطيح والإثارة وغياب الحوار الهادف والعلمي , ويغلب عليها السباب والشتائم وتبادل الإتهامات وتصفية الحسابات .
16- لاتزال العديد من الفضائيات العربية أسيرة المناهج القطرية للأنظمة العربية التي يرتبط أغلبها بالمصالح الأمريكية –(الإسرائيلية ) مما أنعكس سلباً على عمليات التغطية الإخبارية والبرامج السياسية التي تعطي أحياناً الإنطباع بأنها لاتجير لصالح القضايا العربية .
17- يؤاخذ على أداء الفضائيات العربية أغلبها التركيز أولاً على الترفيه , فالبرنامج الترفيهية تمثل نسبة 60% من ساعات البث الفضائي كما أظهرت ذلك أطروحة دكتوراه للباحث أمين سعيد عبد الغني من جامعة المنصورة بمصر . ولاحظ عبد الغني غياب الفنون العربية مثل السينما الجادة والمسرح والفنون الشعبية والأداب العربية والفنون التشكيلية على شاشات أغلب القنوات الفضائية العربية ,كما يلاحظ أيضاً غياب الواقع العربي سياسياً وأقتصادياً وثقافياً ودينياً وعلمياً عن خريطة البث الفضائي .
18- تعمل بعض البرامج التي تبثها الفضائيات العربية على استنزاف دخل المواطنين في الإتصالات التلفونية من خلال التلفون المحمول للإشتراك في المسابقات *الأمر الذي يساهم في زيادة الإنفاق من الدخل الأسري ومن ثم التأثير سلبياً على الأولويات التي ينبغي أن يوجه اليها دخل المواطن,وهومايمكن أن يقود الدولة إلى المديونية الداخلية والخارجية وقد تضطر إلى فرض الضرائب .
·د.علي الجابري
يقول الكاتب محمد حسنين هيكل في مقولة شهيرة "ليس هناك أعلام لوجه الله". كما لا يوجد أعلام خارج السيطرة بهذا الشكل أو ذاك. من هنا يمكن القول أن الفضائيات العربية ظهرت في معظم الأقطار العربية كمكملات لمظاهر السيادة ، ويلاحظ أن أغلب القنوات في العالم الثالث والعالم العربي هي عبارة عن جهاز لخدمة الأنظمة أكثر من التركيز على البرامج التلفزيونية الأخرى. إلا أن ما تبثه القنوات الفضائية العربية يشير إلى أغلب الدول العربية لا تمتلك حتى الآن رؤى استراتيجية لكيفية توظيف قنواتها الفضائية لخدمة سياساتها الخارجية ومصالحها الوطنية، بل أن الخطاب الإعلامي العربي لم يتكيف ويتواءم مع طبيعة التدفق الإعلامي والإخباري في عصر القنوات الفضائية. إلا أن ذلك لا يمنع أن تكون هناك مجموعة من الفضائيات العربية تحاول أن تستجيب للناحتين الوطنية والقومية. إلا أن ذلك ليس كل الصورة فقد أفرز التنوع في طبيعة القنوات الفضائية العربية وبرامجها ولغاتها تصنيفات متعددة للجمهور العربي تسمح لها بتغطية الرقع الجغرافية الموجود فيها سواء كانت داخل المنطقة العربية أو خارجها. كما أن بعض المحطات العربية استطاعت أن تؤكد وجودها من خلال حجم المشاهدة التي تحظى بها، ولعل من يتابع بعض المحطات المذكورة يلمس أن محتويات ومضامين برامجها يميل إلى جعل الخطاب الإعلامي العربي خطاباً منفتحاً يأخذ بالمعطيات الحضارية على مختلف مواقعها الجغرافية والتاريخية، فهي تحاول أن تعكس عبر برامجها تباين البنيات الثقافية للمجتمعات العربية في إطار المحيط الحضاري العام، من خلال إبراز المعايير والقيم التي تظهر التباينات المنعشة للذات والهوية العربيتين. وهو ما مكنها من جذب العديد من المشاهدين العرب القاطنين في الغرب (أوروبا والولايات المتحدة وكندا) وعززت عبر برامجها انتماءهم لهويتهم العربية، وتعرفهم على الحضارة والثقافة والتراث العربي، وسحبتهم من مشاهدة القنوات الأجنبية.
وأبرزت الحرب على العراق 2004 معادلة إعلامية جديدة لعب الإعلام العربي المرئي الناشيء فيها دوراً ليس بالهين، فقد أصبحت الفضائيات العربية تعمل بشكل مستقل عن المصادر الإعلامية العالمية الإخبارية، وصار للفضائيات العربية مراسلون في الخطوط الأمامية للحرب جعلها تستقصي المعلومات من أرض الحدث عوضاً عن تلقيها من مصدر خارجي وإعادة صهرها، وصار الإعلام العربي المرئي خلال الحرب مصدراً مهماً للأخبار مما أكسبه صبغة ليست إقليمية فقط بل عالمية أيضاً.
ويعتقد ان هذه الحرب سجلت مرة تفوق الإعلام الفضائي العربي على نظيره الغربي ويعود ذلك للأسباب التالية:
1- أن الإعلاميين الأمريكيين اختاروا منذ البداية فريقهم، فتحولوا إلى طرف فاقد لكل حيادية وموضوعية، وقد صرحت بعض القيادات الإعلامية الأمريكية أنها تختار هذه المرة الوطنية على المهنية والحرفية.
2- أنهم وفي مفارقة عجيبة تحولوا في لحظة إلى أعلام دعائي سياسي، واختاروا أسوأ ما في إعلامنا العربي الرسمي وهو (البروباغندا) السياسية القائمة على إخفاء الحقيقة والتعتيم عليها، في الوقت الذي كانت الفضائيات العربية تعطي حق جميع الأطراف في تقديم المعلومة والرأي.
3- اعتماد أكبر الشبكات التلفزيونية الأمريكية على الصور الخاصة بالقنوات العربية، وهو ما يعني فقدانها لرهان السبق الصحفي.
4- أن الإعلام العربي وخلافاً -لكل ما يقال- قادر فعلاً على البروز والتألق والتفوق على نظيره الغربي إذا ما توفرت له عناصر القوة والموضوعية.
5- إن أسطورة الإعلام الغربي النزيه والموضوعي قد بدت تتهاوى ، وعلينا الاستفادة الفورية من هذه السقطة التاريخية.
إلا أن اللافت للانتباه أنه وبرغم نجاح القنوات الفضائية العربية خلال تغطيتها للحرب على العراق، إلا أنها اختلفت وتباينت في طريقة التغطية فيما بينها أولاً، كما اختلفت صورة التغطية قبل انهيار النظام العراقي السابق في التاسع من نيسان 2003 والمرحلة التي تلت الانهيار. ويكفي بهذا الخصوص الإشارة إلى التسميات أو المصطلحات التي استخدمتها الفضائيات العربية للإشارة إلى الحرب، فمثلاً في قناة الجزيرة نقرأ "الحرب على العراق"، وفي قناة المنار "العدوان الأمريكي"، وفي قناة المستقبل "العراق في مهب الحرب"، وفي الفضائية اللبنانية (LBC): "حرب على العراق.
وترى الدكتورة هويدا صبري (كلية الإعلام- جامعة القاهرة) في دراستها للمعالجة الإخبارية لأحداث الحرب على العرق في الفضائيات العربية أن أهم الانتقادات التي يمكن أن توجه للفضائيات العربية تكمن في:
1- الانحياز إلى الشارع العربي على حساب الحقائق والمعلومات خلال الحرب وبعدها.
2- غياب الموضوعية في أداء الفضائيات العربية بسبب القيود التي فرضها الغضب العربي، وهذه المرة الأولى التي يفرض فيها الرأي العام قيوداً على التغطية واستجابت الفضائيات العربية لذلك.
3- الافتقار إلى المعايير الكفاءة والمهنية في أداء الفضائيات العربية ونقص الدقة في المعلومات وسيطرة التحليلات التي تثير الجانب العاطفي للمشاهدين.
4- غلبة الإطار الأيديولوجي على أداء الفضائيات العربية.
5- لجوءها إلى المبالغة والتضخيم والتعجل والنبرة الحماسية على حساب المعلومة.
6- اتباعها لاستراتيجية الخداع الإعلامي والإعلام المضاد كبث الشائعات ومنها مقتل نائب الرئيس العراقي السابق الذي بثته الجزيرة، واستيلاء القوات الأمريكية على الإذاعة العراقية في اليوم الثالث للحرب (العربية)، واستسلام الفرقة 51 مشاة العراق في اليوم الرابع للحرب (أبو ظبي).
من هنا يمكن القول أن الفضائيات العربية ليست حزمة واحدة، وتتفاوت في قدرتها المالية والتقنية والبشرية وفرصها المتاحة، وحسب الرسالة التي تريد توجيهها، لكن التفاوت الأهم يكمن في من يتحكم بالقنوات الفضائية (حكومات ومستثمرين ورجال أعمال). إذ لا يمكن النظر إلى الفضائيات العربية بمعزل عن جهة تمويلها أو اتجاهات العاملين فيها داخل المحطة الواحدة حتى وإن كان تدعي الاستقلالية.
أن تزايد عدد القنوات الفضائية المتخصصة (كالإخبارية والاقتصادية والرياضية… الخ) زعزع مكانة القنوات الإعلامية التي تتسم بالطابع العام، وهذه التغييرات أسهمت في تغيير موقع الجمهور في المعادلة الإعلامية الحديثة التي تقيمها التكنولوجيات الجديدة، حيث أصبح طرفاً مشاركاً فيها، ولم يعد يطلق على الجمهور تسمية القارئ أو المشاهد، بل أصبح يسمى "المستخدم" "user" نتيجة منطلق التفاعلية (Interactivity) الذي فرضته التكنولوجيات الحديثة، أو التطورات التكنولوجية التي أدخلت على وسائل الاتصال القديمة.
إنجازات القنوات الفضائية العربية :
على الرغم من الرأي القائل بأن القنوات الفضائية العربية ما زالت في مرحلة بناء الذات، وما زالت في طور البناء والتشكيل، وهي في مرحلة مخاض قد تكون نهايتها تحمل الكثير للإعلام المرئي العربي ، وتؤسس لعهد جديد في إعلام حر وقوي قادر على أن يضع قدمه بقوة بين الفضائيات العالمية ، إلا أنها خلال أقل من خمسة عشر عاماً استطاعت أن تحرك رياح الحرية في المشهد السياسي العربي وحققت بعضها إنجازات وقفزات هائلة جعلها موضع احترام المشاهد العربي، بل وأن بعضها أغضبت حكومات ودول كبرى، على أثر ما حققته من مستوى وتأثير في المجتمع العربي.
ويمكننا تلخيص أهم الإنجازات والتأثيرات الإيجابية التي استطاعت القنوات الفضائية العربية أن تحققها منذ انطلاقتها إلى الآن، في النقاط التالية:
1- استطاعت الفضائيات العربية أن تستثمر التقانه البصرية، وأن توظفها بشكل جيد، وبات المشاهد العربي يجد ذاته فيها بحكم تنوعها وتعدديتها.
2- استطاعت القنوات الفضائية العربية الخاصة أن تكون منافساً قوياً للفضائيات الحكومية وهو ما دفعها إلى الانفتاح وأشاعة أجواء من الحرية والديمقراطية فيما تبثه من أخبار وبرامج -برغم تباينها بين قناة وأخرى- لتتمكن من الوقوف في وجه الموجة الجديدة من الفضائيات والتي تمتلك الجرأة والحرية في التعرض لكل ما يعاني منه المواطن العربي.
3- أتاحت القنوات الفضائية الحكومية والخاصة للمواطن العربي فرصة الاختيار وانتقاء ما يعتقدها تلبي رغباته وطموحاته، فتعددية القنوات العربية واختلاف أهدافها وتوجهاتها وضعت المشاهد العربي في حالة من الحرية التي لم يعهدها قبل ذلك، وخولته عبر (الريمونت كونترول) الذي يحمله بيده أن ينتقل بين الفضائيات، ليقف عند الفضائية التي يقر ويؤمن بصدقيتها ومهنيتها وقدرتها على نقل الحقيقة والتعرض لمشاكله التي يرغب في أن يجد لها حلاً، حتى وإن كان عن طريق إثارتها إعلامياً، وقد أبدعت الكثير من الفضائيات في ملامسة الآلام وطموحات المشاهد العربي.
4- ساعدت الفضائيات العربية المواطن العربي من مشرقه إلى مغربه على التحرر من سلطة الإذاعات الأجنبية كإذاعة لندن وصوت أمريكا، وصار يثق بالأخبار التي تبثها الفضائيات العربية التي غالباً ما كانت تتواجد في قلب الأحداث وتنقل ما يجري بالصوت والصورة بفضل انتشار مراسليها في العديد من الأقطار ومواقع الحدث.
5- اهتمت العديد من القنوات العربية -وخاصة الخليجية منها -بتنوع جنسيات العاملين فيها من مختلف البلدان العربية، فقنوات الجزيرة والعربية وأبو ظبي على سبيل المثال- فيها كوادر عربية من مختلف البلدان العربية من المشرق إلى المغرب العربي وهو ما ولد شعوراً لدى المشاهد بأنها قنوات غزيرة بالقدرات والكفاءات وتنوع جنسيات العاملين فيها يمكن أن يقود أيضاً إلى تنوع اهتمامها في القضايا العربية.
6- اعتمدت العديد من الفضائيات على كوادر صحفية بارزة ومشهورة في ميدان الصحافة المكتوبة، وهو ما أعطاها قوة إضافية نتيجة قدرة وحرفية العاملين فيها.
7- يرى الكثير من الإعلاميين العرب أن القنوات الفضائية العربية تمكنت في غير مرة من ملامسة نبض الأمة وهمومها وآمالها وتطلعاتها في الكثير من تغطياتها للأحداث، مع أن البعض يرى في ذلك سلبية، لأن الفضائيات بذلك تقدم الحدث كما تريده هي، وليس كما هو.
8- تمكنت القنوات الفضائية العربية -السياسية الإخبارية منها- من تغطية أهم الأحداث الدولية، واستطاعت الجزيرة -على سبيل المثال- أن تتفوق على القنوات الفضائية الأمريكية والغربية في أحداث أفغانستان والعراق، مما أجبر الإعلام العالمي على اعتمادها مصدراً أساسياً للخبر والصورة. وذلك كله يعود لانتشار مكاتب ومراسلي القنوات العربية في مختلف مناطق الأحداث، وهو ما أسهم في إلغاء سيادة الأخبار القادمة من الوكالات الغربية الكبرى، مع أن هذه الحالة تتفاوت بين فضائية وأخرى، بعضها كان حاضراً ميدانياً في قلب الأحداث، وبعضها بعيداً. إلا أنه في النتيجة أصبح بإمكان المشاهد العربي أن يقف على حقيقة الأحداث عن طريق هذه الفضائية أو تلك.
9- أصبحت الفضائيات العربية مختبراً حقيقياً للإعلاميين الذين تكونوا ونشأوا وتربوا في إطار المحطات الرسمية العربية ، وأعادت الفضائيات بناء قدراتهم ومهاراتهم المهنية وحققوا رصيداً جماهيرياً كبيراً في مختلف البلدان العربية. مثلما أن الفضائيات تمكنت من التأثير على ذهنية الإعلام الرسمي وساهمت إلى حد ما بتحريره من القيود والمحددات.
10- أن الفضائيات العربية -كما يعتقد الكثير من أساتذة الفكر والإعلام- لها تأثير أساسي في تكوين وتشكيل تفكير العرب وسلوكهم، وفي تغيير طبيعة الوعي الشعبي وربما في تغيير الممارسات السياسية لدى القوى الشعبية في العالم العربي، فهناك برامج كثيرة تقدم على المحطات العربية إلى جانب التقارير الإخبارية، وهذه البرامج تتضمن حلقات للمناقشة وتعليقات سياسية وبرامج حول قضايا الأمة العربية وتقارير استقصائية خاصة تعزز ما ذكر أعلاه.
11- يعتقد أن الفضائيات العربية استطاعت أن تحقق ما يمكن أن يطلق عليه (توازن الرعب الإعلامي) مع البث الفضائي الغربي الذي يمكن أن يهدد وجود المواطن العربي.
12- أسهمت الفضائيات العربية في تحقيق نوع من الترابط الفكري والحضاري بين الشعوب العربية وبعضها البعض، وتصحيح المفاهيم المرتبطة بالشعوب العربية والإسلامية التي ترددها فضائيات الدول الأجنبية وتوصيل رسالة إعلامية لكل أنحاء العالم من خلال الترجمة والصورة المصاحبة لها بلغات عالمية.
لمؤاخذات على الفضائيات العربية :
ومع كل ما سجل لصالح القنوات الفضائية العربية الا ان ذلك لا يمنع من تسجيل العديد من المؤاخذات أو السلبيات التي طغت على بعضها ويمكن ان يكون لها تأثيراً سلبياً على الإعلام الفضائي العربي ,مالم يتم تداركها ووضع علاج مناسب لها خلال المراحل القادمة التي ينبغي أن تتزايد فيها مقدرة الإعلام الفضائي ,وتترسخ تجربته بما يجعله اكثر قدرة ومصداقية ..ومن أبرز تلك المؤاخذات مايلي :
1- تفتقر العديد من الفضائيات العربية إلى الكادر المهني القادر على إستعمال التقنيات الحديثة في إنتاج برامج تتوجه إلى المشكلات التي تلامس الواقع العربي ,وذلك لن يتم مالم يكن لدينا إعلاميون يتمتعون بقدر عال من المهنية والكفاءة والإيمان بطرح مشكلات المجتمع العربي .
2- هنالك من يرى أن جميع الفضائيات العربية لاتتعامل مع القضايا القومية *إنطلاقاً من منظور ملتزم بهذه القضايا ,بل أن منظورها قطري تطغى عليه التبعية ,وحتى القطرية تطغى من منظور أميريكي بحكم تأثير كل الأنظمة العربية بالإمريكيين
3- قيام بعض الفضائيات العربية بممارسة النقد ضد بعض النظم العربية ,بمعنى تركيزها على جهات معينة دون غيرها وإهمال جهات أخرى بشكل يثير الشكوك والريبة .
4- تهافت الفضائيات العربية على (خطف) الكوادر الناجحة والمعروفة في القنوات الأخرى وعزوف أغلبها عن تدريب وإكتشاف كوادر جديدة .
5- إن مايقال عن حرية الرأي والرأي الأخر في أغلب القنوات الفضائية ليس حقيقياً تماماً ,حيث يشير شاكر حامد مراسل قناة أبو ظبي ((كثيراً مايخضع ذلك إلى السياسات والعلاقات , واعني هنا السياسات الخفية ودور الدول والمؤسسات والشخصيات الممولة في ذلك ..كذلك لم تكن لنا حرية في العمل كصحفين من جهة السلطات ومن جهة توازنات السياسات الخفية لمحطاتنا في آن واحد .هناك مقابلات تفرض ومقابلات تلغى ..ولكن هناك لامركزية تتيح التعبير عن أراء مختلفة ))
6- خضوع الفضائيات العربية إلى كل أنواع الرقابات الحكومية والذاتية والأجنبية وضغوط الرقابة الأجنبية هي الأخطر من وجهة نظر الدكتور نبيل دجاني أستاذ الإعلام في الجامعة اللبنانية , ويكمن بعض أهم الحلول لتخطي الرقابة تلك في الإعتماد على العامل المهني ..أي الإعتماد على الصورة .ويشير الباحث أن الصورة ليست كافية تماماً في بعض الحالات لمنع التدخلات الأجنبية ,فالإدارة الأمريكية أعترضت وشنت حملة كبرى على قناة الجزيرة لأنها تبث صور القتلى الأمريكان خلال الحرب على العراق 2003 واعتبرتها مخالفة للقوانين الدولية ,كذلك تعترض على بث صور المجموعات المسلحة التي تقوم بعمليات عسكرية في العراق , وكثيراً ماأعترضت على بث الرسائل الصوتية أو التلفزيونية لزعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن أو الزرقاوي المسؤول عن تنظيم القاعدة في العراق ,أو حتى رسائل الرئيس العراقي السابق صدام حسين قبل إلقاء القبض عليه من قبل القوات الأمريكية .
7- إن العديد من القنوات العربية التي نجحت في معالجة القضايا العربية الحساسة والمؤثرة وتمكنت من تغطيتها بشكل لافت ,لم تتمكن من فعل الشيء نفسه فيما يخص القضايا والأحداث التي تتعلق بالدولة التي تدعم أو تمول أوتنطلق منها القناة , فالجزيرة لا تتعرض لخصوصيات الداخل القطري ,وقناة العربية لاتتطرق لأحداث في السعودية أو الإمارات العربية المتحدة في زاوية مخالفة لسياسة الدولة .
8- مازالت الفضائيات العربية بعيدة عن المؤسسية في العمل , وتخضع للمجاملات والتأثيرات التي يمكن أن يقوم بها أي مسؤول أعلامي يدير العمل فيها ,على عكس المحطات العالمية المعروفة كهيئة الإذاعة البريطانية التي لها قواعدها وأنظمتها ودستورها الخاص الذي يجب العمل في ضوئه مهما تغيرت الظروف واستبدلت الوجوه التي تديرها.
9- اغلب الفضائيات العربية تخضع لإعتبارات العلاقات الشخصية والمزاجية في توظيف العاملين فيها وخاصة في الحكومية منها ,إذ ليست هناك أسس وقواعد ثابتة في التوظيف ,لأن تقاليد العمل غائبة عن تلك الفضائيات .
10- من أخطر التهم التي تسجل على الفضائيات العربية إسستضافتها لشخصيات (إسرائيلية ) سياسية مما أعتبره العديد من السياسين والإعلاميين والمشاهدين أساءة إلى الأمن القومي العربي وأستهانة بمشاعر المواطنين العرب الذين يعتبرون أنهم في صراع وجود مع الكيان الصهيوني ولايفترض أن يتم إستضافة المسؤولين (الإسرائيليين) وعرض وجهات نظرهم ، وأول القنوات العربية التي أظهرت شخصيات (إسرائيلية ) على شاشتها قناة الجزيرة التي أتهمت كثيراً بأنها (قناة إسرائيلية ) أو قناة تديرها في الخفاء السياسة (الإسرائيلية) .
11- تعتمد الكثير من الفضائيات العربية على الإنتاج الأجنبي للبرامج , ولاتقدم على خوض تجربة الإنتاج برغم أنها تمتلك أحدث الوسائل والتقنيات التي تمكنها من الإنتاج البرامجي المتميز .وقد يكون سبب ذلك انها تشتري تلك البرامج بثمن زهيد .
12- تتهم العديد من الفضائيات العربية بتقليد الفضائيات الأجنبية وتبني القضايا التي تعد من أولويات الفضائية الأجنبية كأولوية عربية وأغفال القضايا العربية الملحة التي يفترض أن تتصدر أولويات الأعلام العربي .فمشاكل الغرب أصبحت مشاكلنا كالإرهاب والتلوث الحضاري والثقافي هو الأخطر , فالفضائيات تتبنى شيئاً فشيئاً النظرة الأمريكية والغربية للإرهاب .
13- يؤاخذ على الكثير من القنوات الفضائية الحكومية انها لاتفرق بين بثها الفضائي الذي يصل إلى أغلب دول العالم وبين البث الذي يستهدف الجمهور المحلي . فالبرامج التي تعرض على المحطات الأرضية هي ذاتها التي تقدم على شاشة الفضائيات وذلك سببه قيام الحكومات العربية بتحويل تلفزيوناتها المحلية الى قنوات فضائية دون تخطيط أو إدراك للفرق بين الجمهور المستهدف محلياً أو دولياً .
14- مازالت الحكومات العربية تسيطر على الفضائيات العربية حتى التجارية منها أو التي تبدو مستقلة وتعمل في الخارج ,بل أنها أتاحت للحكومات وسائل جديدة في الهيمنة والإحتكار في مجال الصورة والإعلام أكثر ذكاءاً ودهاء وأقل إلتزاماً بالمعايير الرسمية الثقافية والإخلاقية والسياسية , ولم يكن رجال الأعمال والمستثمرون الإعلاميون سوى واجهات لغسيل السياسات الرسمية ، ولم يكونوا سوى وكلاء لحكام اكثر قسوة منهم ، واكثر التزاما بالتعليمات والسياسات الرسمية .
15- تتهم الفضائيات العربية رغم تنوعها بأنها تميل إلى التسطيح والإثارة وغياب الحوار الهادف والعلمي , ويغلب عليها السباب والشتائم وتبادل الإتهامات وتصفية الحسابات .
16- لاتزال العديد من الفضائيات العربية أسيرة المناهج القطرية للأنظمة العربية التي يرتبط أغلبها بالمصالح الأمريكية –(الإسرائيلية ) مما أنعكس سلباً على عمليات التغطية الإخبارية والبرامج السياسية التي تعطي أحياناً الإنطباع بأنها لاتجير لصالح القضايا العربية .
17- يؤاخذ على أداء الفضائيات العربية أغلبها التركيز أولاً على الترفيه , فالبرنامج الترفيهية تمثل نسبة 60% من ساعات البث الفضائي كما أظهرت ذلك أطروحة دكتوراه للباحث أمين سعيد عبد الغني من جامعة المنصورة بمصر . ولاحظ عبد الغني غياب الفنون العربية مثل السينما الجادة والمسرح والفنون الشعبية والأداب العربية والفنون التشكيلية على شاشات أغلب القنوات الفضائية العربية ,كما يلاحظ أيضاً غياب الواقع العربي سياسياً وأقتصادياً وثقافياً ودينياً وعلمياً عن خريطة البث الفضائي .
18- تعمل بعض البرامج التي تبثها الفضائيات العربية على استنزاف دخل المواطنين في الإتصالات التلفونية من خلال التلفون المحمول للإشتراك في المسابقات *الأمر الذي يساهم في زيادة الإنفاق من الدخل الأسري ومن ثم التأثير سلبياً على الأولويات التي ينبغي أن يوجه اليها دخل المواطن,وهومايمكن أن يقود الدولة إلى المديونية الداخلية والخارجية وقد تضطر إلى فرض الضرائب .
التعليقات