جاسوس مع وقف التنفيذ بقلم:عبدالله عيسى

من ملفات المخابرات الفلسطينية

جاسوس مع وقف التنفيذ

بقلم : عبد الله عيسى

الفصل الأول

تأسيس جهاز الرصد الفلسطيني

قصة واقعية من ملفات المخابرات الفلسطينية , تروى تفاصيل الحرب السرية بين المخابرات الفلسطينية والموساد الإسرائيلي , وكيف استطاعت تصفية ضابط " " "الموساد" على نهر الأردن من خلال عميل مزدوج .

كما تروى القصة تفاصيل إعدام أحد العملاء في صيدا أثناء حرب 1982 في قبو إحدى العمارات من خلال فتاة فلسطينية بعد أن زرعتها المخابرات الفلسطينية في بيت العميد .

وتتواصل الأحداث داخل الأراضي المحتلة لتقدم أدلة دقيقة على محاولات المخابرات لاغتيال رؤساء البلديات , وعمليات اغتيال رؤساء مكاتب منظمة التحرير الفلسطينية في أوروبا " .

كانت هزيمة حرب 1967 هزيمة لأجهزة المخابرات العربية قبل هزيمة الجيوش على أرض المعركة . كما أن انتصار أكتوبر ( تشرين الأول ) 1973 كان انتصاراً للمخابرات العربية قبل انتصار الجيش على أرض المعركة .

وبعد هزيمة 1967 برز النشاط الفدائي بشكل متزايد يوماً بعد يوم , في الوقت الذي كانت المخابرات الإسرائيلية تعيش نشوة الانتصار , وكانت الثورة الفلسطينية توجه ضرباتها بشكل متكرر ويومي وسط حالة انعدام الوزن العربية .

وشكلت العمليات الفدائية قلقاً حقيقياً لدى القيادة الإسرائيلية ولا سيما لدى جهاز المخابرات الإسرائيلية الذي لم يكن في تلك الفترة يلم معلومات كافية حول التنظيمات المسلحة التي تتمركز في شرق نهر النيل , فأخذت توجه جهودها نحو التجسس على المنظمات الفلسطينية في محاولة منها لمعرفة معلومات كافية حول هذه التنظيمات الفلسطينية المسلحة بهدف جمع أكبر قدر من المعلومات الدقيقة حولها .

لذا قامت بدفع عدد كبير من العملاء كمتطوعين في صفوف الثورة . ولم يكن من السهل على القيادة الفلسطينية التمييز بين هؤلاء المتطوعين الذين كانوا يردون يومياً على المواقع الفدائية في أغوار الأردن , وكانت الحاجة ملحة لتكوين جهاز

" الرصد " أو " الأمن " كنواة للمخابرات الفلسطينية .

ويتحدث " أبو على " أحد قادة هذا الجهاز في هذه الفترة فيقول : كانت علاقة الثورة الفلسطينية آنذاك مع مصر جيدة , ووافقت المخابرات المصرية على تدريب مجموعة من الضباط الفلسطينيين وذلك لتشكيل نواة المخابرات الفلسطينية , وقد أسهم عدد من الخبراء المصريين في تكوين تلك المخابرات الناشئة , ثم تواصلت الدورات التدريبية حتى نجحت الثورة الفلسطينية بمساعدة المخابرات المصرية في تأسيس النواة الأولى لجهاز الرصد .

ولم تحاول المخابرات المصرية اختراق الثورة الفلسطينية فقط , على العكس في بعض الأجهزة العربية , بل كانت المخابرات المصرية عندما تريد حاجة ما تطلبها رسمياً من منظمة التحرير الفلسطينية , هذا ما كان يحدث في عهد جمال عبد الناصر .

وكانت ولادة المخابرات الفلسطينية صعبة مثل ولادة الثورة تماماً , وكانت الحاجة ملحة في تلك الفترة إلى جهاز يحمى أمن الثورة , فيرصد العدو ويقوم بعمليات خاصة في مواقع متقدمة ومع نمو الثورة تزايدت الحاجة إلى جهاز متميز , يوماً بعد يوم . إذن كانت " الموساد " في تلك الفترة تبذل جهودها لجمع أي معلومات حول المنظمات الفلسطينية في شرق الأردن . وبعد حرب 1967 حين انفصلت الضفة الغربية عن الشرقية , أصبح فلسطينيو الأرض المحتلة يترددون على الأردن عبر نقطتين حدوديتين هما جسر الملك حسين والأمير محمد على نهر الأردن , فأقامت المخابرات الإسرائيلية على هاتين النقطتين مخابرات , بحيث أصبح المواطن الفلسطيني الذي يزور ذويه في الأردن يمر على مكتب المخابرات الإسرائيلية على الجسر ويتم التحقيق معه حول أسباب زيارته للأردن , وعن أسماء ذويه وأقاربه ومعارفه , وهل يوجد أحد منهم يعمل في منظمة التحرير الفلسطينية ؟ .

وكانت المخابرات الإسرائيلية تجمع كل هذه المعلومات حتى التافهة منها , وكان للمحقق الإسرائيلي نظرة في المواطن الذي يجلس أمامه , فإذا أحس أنه بالإمكان الاستفادة منه استخبارياً أعطاه ورقة لمراجعة مكتب الحاكم العسكري في بلدته , والشيء نفسه يحدث في حالات الشك في علاقته بالتنظيمات الفدائية . وبقيت هذه الإجراءات متبعة حتى إقامة السلطة الوطنية الفلسطينية .

حوار على الجسر

وفى ديسمبر ( كانون الأول ) 1967 كان إبراهيم , الذي لم يتجاوز العشرين من عمره , عائداً في الأردن في زيارة لأقاربه هناك , حيث تم استدعاؤه إلى مكتب ضابط المخابرات على الجسر . جلس الفتى يستمع إلى أسئلة المحقق , عن أسباب زيارته للأردن وعن عمله , فأجاب أنه عاطل وذهب يبحث عن عمل ففشل وعاد . ففوجئ بالضابط يقول له : ما هي علاقتك بالمنظمات الفدائية في الأردن ؟

أجاب إبراهيم ببرود : لا توجد لي أية علاقة ولا أعرف أحدا منهم .

قال الضابط : كلا , ومعارفكم وأصدقائكم في مخيم الحسنى ؟ ألا يوجد أحد مع الفدائيين ؟

هز الفتى رأسه علامة الرفض , وقال : لا أعرف أحداً , ولقد زرت أقاربي لمدة أسبوع وبحثت عن عمل ولم أجد ولم تتح لي الفرصة لأعرف أحداً .

ابتسم الضابط بخبث وقال : ولماذا عائد الآن إلى إسرائيل ؟

قال : عائد إلى منزلي في القدس , وسأحاول أن أجد عمل هنا في الضفة الغربية .

صمت الضابط قليلاً بعد أن دون باللغة العبرية على ورقة وقال له : غداً تراجع مركز المخابرات في القدس لتأخذ هويتك ( البطاقة الشخصية التي تعطيها السلطات الإسرائيلية لمواطن الضفة الغربية ) من هناك .

خرج الفتى من مكتب الضابط ولم يعط الأمر أهمية أكثر من أنها مضايقات إسرائيلية للمواطنين العائدين من الأردن .

كان الفتى عادياً وليست له أية خلفيات سياسية أو أمنية . ولم يدر بأي شئ مما كان يفكر فيه الضابط .

عاد الفتى إلى منزله . وفى صباح اليوم التالي قام بمراجعة مركز المخابرات في مدينة القدس , حيث توجد في كل المدن الرئيسية في الضفة وقطاع غزة مراكز كبيرة للشرطة استحدثت بعد الاحتلال .

وهذا المركز يضم الشرطة وحرس الحدود والمخابرات , وأصبحت هذه المراكز مثل القلاع الحصينة . بحيث قامت السلطات الإسرائيلية باتخاذ عدة إجراءات أمنية لحراسة هذه المجمعات – إن صح التعبير .

فالسور الخارجي أسلاك شائكة , كلها موصولة بالكهرباء , أضاف إلى جرس الإنذار المربوط بهذه الأسلاك الشائكة وكل مسافة متر توجد أسلاك الإنذار في جميع جوانب المركز .

كذلك الكلاب البوليسية المدربة التي تحرس المركز من جميع الجوانب , فضلاً عن نقاط الحراسة من جميع الجوانب , ثم السوار الرملية حيث تتركز المدافع الرشاشة .

وفى بعض المراكز يوجد سور عال وفوقه توجد الأسلاك الشائكة . وفى كل مركز من هذه المراكز يوجد مكتب للمخابرات وسجن , حيث يستدعى يومياً عشرات المواطنين للتحقيق معهم .

دخل الفتى هذه القلعة الحصينة من الباب الحديدي الكبير وهو يجول بنظره في وجود المتحفزين الذين يقومون بحراسة المركز من هجمات الفدائيين .

دخل إلى قاعة الانتظار وجلس مع سائر الناس الذين ينتظرون دورهم في التحقيق . وبعد ساعة نودي على اسمه , فدخل على الضباط الذي رحب به قائلاً : أهلاً إبراهيم تفضل اجلس .

جلس الفتى وهو يقول : شكراً .

كان في الغرفة ضابط آخر اسمه " دافيد " , فالتفت قائلاً : كيف حال أبو إسماعيل ؟

قال الفتى بدهشة : من أبو إسماعيل ؟

ضحك " دافيد " بخبث وقال : والدك هل نسيته ؟ غير معقول يا إبراهيم .

دهش الفتى . كيف عرفوا أن والده يدعى أبو إسماعيل وكانت دهشته أكبر عندما سأله الضابط عن أحد أقاربه في مخيم الحسنى في عمان . ولكن الفتى لم يدرك أن هذه المعلومات هو الذي أعطاها لضابط التحقيق عند الجسر , وظن أنهم يعدون عليه أنفاسه .

وعندما لاحظ دافيد أن اللعبة قد مرت على الفتى , دخل في الموضوع الرئيسي .

قال له : لماذا سافرت إلى الأردن ؟

فأجاب الفتى الإجابة التي تحدث بها إلى ضابط الجسر , ثم كرر دافيد الأسئلة حول سبب زيارته للأردن والأشخاص الذي قابلهم , وكان يدون كل ذلك , عندئذ أدرك دافيد وزميله أن الفتى يصلح للمهمة المطلوبة , فقال دافيد : ما رأيك لو ساعدتك في إيجاد عمل لك ؟

استغرب الفتى من هذه المساعدة غير المنتظرة , فقال : كيف ؟

دافيد : يجب أن تعتبرني صديقك , وأنا سأساعدك في البحث عن عمل . وسأجد لك عملاً . لقد أحببتك أنت شاب جيد .

لم يعرف الفتى كيف يتصرف , إن رفض مساعدة دافيد مشكلة وان قبلها مشكلة أيضاً , ولكنه اضطر أن يجيبه إجابة عادية وقال : كما تريد يا خواجة !

دافيد : إذن غداً صباحاً تأتى إلى هنا . ولكن انتظرني الآن قليلاً في المكتب المجاور .

وجاء شرطي واصطحبه إلى مكتب مجاور وجلس ينتظر نصف ساعة , فعاد الشرطي يقول له باستطاعتك الانصراف . ولم يقابل دافيد ثانية .

مصيدة الشقراء

خرج الفتى من مركز المخابرات في حدود الساعة الثانية بعد الظهر , وما إن سار خطوات حتى اعترضت سبيله فتاة متوسطة القامة شعرها الأصفر ينساب على كتفيها , توقفت أمامه وسألته بابتسامة ذات معنى عن شارع في القدس , فأرشدها . ولكن الفتاة اليهودية طلبت منه أن يصطحبها ليرشدها إلى ذلك الشارع , وكان الفتى في سن المراهقة , ودعوة مثل هذه فرصة لا تعوض , فانطلق يسير معها من شارع إلى آخر , وأثناء سيرها مر على إحدى دور السينما , فتوقفت قائلة : ما رأيك لو نشاهد معاً شريطاً سينمائيا ً ؟

لاقت الدعوة قبولاً حسناً لدى إبراهيم , ولكنها سألته : لست أدرى هل توجد معي فلوس كافية ؟ كم معك ؟

أخرج فلوسه من جيبه , فكان المبلغ دينارين , فقال : معي مبلغ يكفينا الآن .

قام الفتى بقطع تذكرتين بنصف دينار وبقى معه دينار ونصف الدينار , دخلا القاعة وبعد قليل بدأ العرض . جلست بجانبه حوالي نصف ساعة ثم استأذنته في الخروج قليلاً بمفردها , فخرجت وجلس في انتظارها .

توجهت إلى هاتف وتحدثت مع شخص ما قليلاً ثم عادت دون أن يراها إبراهيم وهى تتحدث بالهاتف . وبعد انتهاء العرض خرجت معه إلى الشارع , وتمشيا قليلاً وفجأة ظهر دافيد " صدفة " في سيارته " الفورد " الحمراء . توقفت السيارة قرب إبراهيم فاعتذر للفتاة وصعد معه إلى السيارة , حيث انطلقت بهما تجوب شوارع القدس .

وبطبيعة الحال لم يظهر على دافيد أنه يعرف الفتاة بل تجاهلها تماماً وهى أيضاً فعلت ذلك .

قال دافيد بلهجة خبيثة : اسمع يا إبراهيم أنا سأساعدك في البحث عن عمل ولكن هذا لا يمنع كوني أعرف عنك كل شئ . ولا تحاول أن تكذب علينا .

قال إبراهيم : ولكنني لم أكذب عليكم !

دافيد : أعرف أنك لم تكذب علينا . ولو حاولت الكذب لعرفنا فوراً .

وحتى أثبت لك أننا نعرف كل شئ , هل تريد أن أقول لك كم معك في جيبك من الفلوس ؟ أقول لك الآن : أن معك دينار ونصف الدينار . ماذا تقول ؟

أخرج إبراهيم الفلوس من جيبه فوجدها فعلاً ديناراًً ونصف الدينار . صعق من هذه المفاجأة وقال بدهشة : كيف عرفت ؟

دافيد : هذا عملنا . يجب أن تفهم شيئاً وهو أننا نعرف كل شيء " .

كان ضابط " الموساد " يلاحظ تأثير كلامه على إبراهيم , مستغلاً سذاجته وعدم درايته بالمسائل الأمنية , ليؤثر عليه بوسائل أمنية بسيطة تتناسب وشخصية الشاب المرشح للعمل .

استرسل ضابط " الموساد " في حديثه بثقة قائلاً : هل تريد أ أذكر أين ذهيت بالأمس ومع من تحدثت ؟ لا داعي لذلك ...

التعليقات