تتهم حماس بتوزيع صورة شلح وهو يقبل يد خامنئي :انفجار متوقع بين حماس والجهاد الإسلامي رغم وساطات سورية وإيرانية

عمان ـدنيا الوطن- شاكر الجوهري
أبدت مصادر فلسطينية وثيقة الإطلاع مخاوفها من أن يؤدي تسارع وتيرة الأحداث المتصلة بإجراء الانتخابات التشريعية الفلسطينية في موعدها في الخامس والعشرين من الشهر المقبل, إلى انفجار كبير في العلاقة بين حركتي "حماس" والجهاد الإسلامي, استئنافا للخلاف الذي لا يزال يعتمل بينهما منذ عدة أشهر, وظهر جزء منه على السطح, فيما لا يزال جبل جليد مغمورا تحت الماء.
وتكشف المصادر عن أن جملة وساطات أجريت بين الحركتين الإسلاميتين, خصوصا خلال شهر تشرين ثاني/نوفمبر الماضي, أدت إلى شيء من التهدئة بينهما, بعد أن كان الدكتور رمضان عبد الله شلح أمين عام حركة الجهاد الإسلامي أدلى بتصريحات مناوئة لحركة "حماس" نشرتها صحيفة "الحياة" اللندنية في تشرين أول/اكتوبر الماضي, وأصدر المكتب السياسي لحركة الجهاد بيانا عنيف اللهجة, وغير مسبوق ضد "حماس", بعد أقل من ثلاثة أسابيع من تصريحات شلح.
وتقول المصادر إن عدة جهات بذلت جهودها للوساطة بين الحركتين بهدف احتواء الموقف, كان اولها الجهد الذي بذلته شخصيات اسلامية من بينها الدكتور محمد سليم الصوا ومنير شفيق, وهما شخصيتان اسلاميتان مستقلتان, تربطهما علاقات جيدة مع الحركتين. وكان لافتا أن شلح لم ينف تصريحاته التي نشرتها "الحياة", من خلال زاوية الكاتب جهاد الخازن, وأنه اكتفى بالقول أنه فوجىء بنشر تصريحاته التي أبلغ بها الخازن ليس بهدف النشر, في حين اشارت "حماس" إلى أنها لم تتخذ أي خطوة اعلامية ضد حركة الجهاد.
في اطار هذه المساعي, تؤكد المصادر أن الدكتور طلال ناجي نائب الأمين العام للجبهة الشعبية/القيادة العامة, كان قد نجح في عقد لقاء جمع فيه خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس", والدكتور رمضان عبد الله شلح أمين عام حركة الجهاد الإسلامي, وذلك بحضور شخصية سورية, فضلت المصادر عدم كشفها.
الهدف من هذا اللقاء كان تلطيف الأجواء, غير أن المصادر تقول إن نتائج اللقاء كانت أقل من المتوقع, ذلك أن شلح شخصيا هو الذي أدلى بتصريحات معادية لـ"حماس" هذه المرة, وإن أدت إلى احتواء شيء من التوتر الذي كان يعتمل في علاقات الحركتين.
وساطتان سورية وايرانية
لذلك, فقد قامت سوريا بدور مباشر لاحتواء الخلاف, حيث التقى مسؤولون سوريون الجانبين, وقدموا نصائح حارة بعدم التصعيد, وبينوا عدم وجود مصلحة في اندلاع خلاف بين حلفاء سوريا.
وتؤكد المصادر إن ايران وحزب الله بذلا كذلك جهودا في ذات الإتجاه, إذ أجرت وزارة الخارجية الإيرانية اتصالات مع ممثلي "حماس" والجهاد الإسلامي في طهران, وطلبت ابلاغ القيادتين بضرورة التهدئة. كما اتصل سفيرا ايران في دمشق وبيروت بالجانبين, وشددا على ضرورة التهدئة.
وتقول المصادر إن الشيخ حسن نصر الله, أمين عام حزب الله في لبنان, فعل الأمر نفسه, حيث كلف حسن حدرج مسؤول ملف العلاقات الفلسطينية في حزب الله الإتصال مع قيادتي الحركتين, ومطالبتهما بالتهدئة.
ومع ذلك, تتوقع المصادر, اندلاع الخلاف مجددا بين الحركتين, خاصة مع اقتراب موعد الإنتخابات التشريعية الفلسطينية, وازدياد احتمالات فوز حركة "حماس" بعدد كبير من مقاعد المجلس التشريعي الفلسطيني.
دور الإنتخابات
وتلفت المصادر إلى أن الموقف من الإنتخابات التشريعية كان من أبرز عوامل الخلاف العلني بين الحركتين.وفي تصريحات لـ"الحياة" قال شلح, وفقا لما نقله عنه جهاد الخازن (الحياة 20/10/2005): "يفترض أن تكون "حماس" والجهاد في خندق واحد, وقد صمدت علاقتهما دائما لتقلبات الأوضاع الفلسطينية والإقليمية, إلا أن الدكتور رمضان شلح يقول إن موضوع المشاركة في الإنتخابات أدى إلى افتراق في النهج بيننا وبين "حماس". ويضيف الخازن "هو (شلح) ذكرني بأن "حماس" والجهاد قاطعتا انتخابات 1996 عندما كانت السلطة مدانة ومتهمة بالتفريط لتنظيمها انتخابات تحت الإحتلال, واليوم أصبحت السلطة مدانة ومتهمة إذا أجلت الإنتخابات.. أريد من "حماس" والجبهة الشعبية تنويري (والكلام لا يزال لشلح) لأن شيئا لم يتغير بعد عشر سنوات حتى يتغير الموقف 180 درجة, وحتى اصبحت الإنتخابات مطلبا وطنيا بعد أن كانت ادانة وتفريطا".
انتقادات شلح لم تقتصر على مشاركة "حماس" في الإنتخابات التشريعية, لكنها تعدت ذلك إلى مجمل الرؤية السياسية لحركة المقاومة الإسلامية. فهو يرى ثلاثة مواقف سياسية ازاء الوضع الفلسطيني. فهم في الجهاد يرون "إن الحل في المقاومة فقط. المقاومة خيارنا, ويضيف هناك ثلاث وجهات نظر: الولايات المتحدة والسلطة الوطنية ومصر تقول السياسة فقط. "حماس" تريد أن تجمع بين المقاومة والسياسة. نحن نقول المقاومة فقط".
ويضيف الخازن ناقلا "الدكتور رمضان شلح يرى أن "حماس" تشعر أن لديها شعبية كبيرة وتريد استعمالها في الإنتخابات, وفي حين تعتقد اسرائيل أن "حماس" تريد الإستيلاء على السلطة, وتحاول ضربها بكل وسيلة, فإن واشنطن لا تمانع في تسلم "حماس" الحكم. وهذا يقلق السلطة التي تعتقد أن "حماس" جاهزة للعب دور البديل, فهي تخبىء البندقية الآن, وتركز على السياسة, وتشتغل مع الإخوان المسلمين في الأردن".
ثم ينتقل شلح إلى انتقاد ممارسات "حماس" على الأرض, ويحملها مسؤولية انفجار وأحداث جباليا, وصولا للقول "وقد حاولت "حماس" أن تجعل "فتح" والسلطة والشعب الفلسطيني يدفع فاتورة اخطائها"..!
بيان نابلس
أما البيان الذي وزع في نابلس عشية 9 تشرين ثاني/نوفمبر الماضي, وحمل توقيع المكتب السياسي لحركة الجهاد الإسلامي, فقد كان أكثر عنفا من تصريحات الدكتور شلح. فقد بدأ ذلك البيان بالآية الكريمة "والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين, وافسادا لمن حارب الله ورسوله من قبل, وليحلفن إن أردنا إلا الحسنى, والله يشهد أنهم لكاذبون", وهي الآية التي نزلت في المنافقين.
وتعتبر "حماس", وفقا للمصادر, هذا البيان بـ"التصعيد الأكبر" من جانب الجهاد الإسلامي.
صدر هذا البيان عقب اشتباك وقع بين عناصر من الحركتين في مسجد الحنبلي بمدينة نابلس, وعكس حدة الموقف الذي أدى لاندلاع مثل هذا الإشتباك غير المسبوق, فوصف ما اقدمت عليه "حماس" بـ"العمل الجبان", وقال "إنه ليس غريبا على هذه الحركة التي تدعي زورا وبهتانا بأنها أمل هذه الأمة وهذا الشعب". وأضاف "إننا ندرك تماما أن هذه الحركة لديها الإستعداد الكافي باستباحة دماء المسلمين بغض النظر عن توجهاتها الفكرية والعقدية, فبالأمس القريب استباحوا دماء المسلمين في غزة, واطلقوا قذيفة .R.B.J على أحد مراكز الشرطة الفلسطينية.. الخ..".
وخلص البيان للقول "إننا في حركة الجهاد الإسلامي ندين مثل هذه الأعمال الإجرامية". وطالب بـ"انزال أقصى العقوبات بحق هؤلاء المجرمين". وختم البيان مطالبا "هذه الحركة (حماس) أن تلجم الموتورين والمعتوهين من ابنائها قبل أن تفلت الأمور لا سمح الله".
ولأن التصعيد كان غير عادي, فقد كانت مواجهات نابلس هي المرة الأولى التي ينتقل فيها الخلاف بين الحركتين إلى خارج قطاع غزة, حيث المعقل الرئيسي لكليهما. كما أنه انتقل لأول مرة إلى دمشق, حيث قيادتي الحركتين, عبر تصريحات شلح لـ"الحياة".
اليسار الإسلامي
وقد اثارت تصريحات شلح, التي لم يحاول نفيها أو تصحيحها, اجواء توتر بين الحركتين, وكان قد سبقها, كما تقول المصادر, امتناع شلح عن حضور أكثر من لقاء للفصائل الفلسطينية العشر دعت إليه "حماس", كما تخلف عن هذه الإجتماعات كذلك نائبه زياد نخاله (أبو طارق), وكان يمثل الحركة في هذه اللقاءات عبد العزيز الميناوي.
ودأب ممثلو "الجهاد", بمن فيهم شلح, في اللقاءات التي عقدتها قيادات الفصائل الفلسطينية العشر مع فاروق القدومي, أمين سر حركة "فتح", خلال زياراته المتكررة لدمشق, على وصف حركتهم بأنها تمثل اليسار الإسلامي في الساحة الفلسطينية, في اشارة تهدف إلى نعت "حماس" من طرف خفي بأنها تمثل اليمين الإسلامي.
وجاء كل ذلك منسجما مع وقوف الجهاد الإسلامي إلى جانب السلطة في حادث جباليا, حيث وقعت حركة الجهاد على بيان اصدرته لجنة المتابعة للأحزاب الوطنية والإسلامية, أدان "حماس" في حادث تفجير جباليا, وقال إنه نجم عن انفجار صاروخ عائد لحركة "حماس", ولم يكن بفعل قصف جوي اسرائيلي. وتلاحظ المصادر أن حركة الجهاد الإسلامي كانت طرحت نفسها كوسيط بين "حماس" والسلطة الفلسطينية في اعقاب اطلاق "حماس" في تموز/يوليو الماضي صواريخ على اهداف اسرائيلية عبر قطاع غزة.
ما الذي دفع العلاقات بين الحركتين الإسلاميتين إلى هذا التدهور..؟
تربط المصادر هذا التدهور بنتائج الإنتخابات البلدية التي فازت "حماس" بها بشكل لافت منذ أولى مراحلها. وتقول المصادر إن هذه النتائج يبدو أنها اثارت حفيظة حركة الجهاد الإسلامي, لأنها اظهرت وجود قوتين رئيسيتين في الساحة الفلسطينية هما "فتح" و"حماس", إذ أن حركة الجهاد كانت تقدم نفسها كقوة موازية لحركة "حماس".
وتذهب المصادر بعيدا في اعتبار أن التصعيد العسكري الحالي لحركة الجهاد الإسلامي يهدف إلى جانب الرد على العمليات الإسرائيلية التي تركز على قادتها وكوادرها وعناصرها, إلى اثبات فعاليتها, في الوقت الذي تبدي فيه "حماس" حرصا على التهدئة, من أجل توفير ظروف موائمة لإجراء الإنتخابات التشريعية. كما أنها (الجهاد) تهدف إلى خلق ظروف تفرض تأجيل, أو عدم اجراء الإنتخابات التشريعية, التي تجاهر بمعارضتها.
وبالتوازي, تبدي حركة الجهاد الإسلامي حرصا على تقديم نفسها باعتبارها حركة مبدئية. ومن هذا المنطلق, أعلنت مبكرا مقاطعتها للإنتخابات التشريعية.
3 عوامل تحسس
لكن "حماس" في المقابل, كما تكشف المصادر, بعد أن اثارت مواقف حركة الجهاد حفيظتها, رأت في تحفظاتها "مزايدة سياسية" عليها. وتنقل المصادر عن اوساط "حماس" قولها في مناسبات مغلقة أن السبب الحقيقي لموقف الجهاد الإسلامي لا يعود لاعتبارات سياسية, وإنما لعدم وجود قوة انتخابية لدى حركة الجهاد الإسلامي, وأن مشاركتها في الإنتخابات من شأنه أن يبين الفارق الكبير بين حجمي الحركتين.
إلى جانب ذلك, تكشف المصادر عن ثلاثة عوامل تثير الحساسية في العلاقات بين الحركتين:
العامل الأول: حساسية مفرطة تسود العلاقة بين الدكتور محمد الهندي مسؤول الجهاد الإسلامي في قطاع غزة, وقادة "حماس" في القطاع, وخاصة الدكتور محمود الزهار. إذ يتهم الهندي قادة "حماس" في قطاع غزة بالتعامل مع قادة الجهاد الإسلامي بفوقية, ما دفعه لاتخاذ مواقف عدائية حيالهم.
وتقول المصادر إن الهندي أجرى أكثر من اتصال هاتفي مع الدكتور شلح مطالبا اياه بمواقف واضحة حيال "حماس", منتقدا علاقته المميزة بقادتها في دمشق, خاصة خالد مشعل والدكتور موسى أبو مرزوق نائب رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية.
العامل الثاني: حلول الحساسية محل العلاقة الحميمة بين خالد مشعل والدكتور رمضان شلح عقب آخر حلقات الحوار الفلسطيني ـ الفلسطيني في القاهرة, وذلك جراء انعقاد جلسة الحوار الحقيقية والفعلية في جناح خالد مشعل بحضور محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية, الذي بعد أن اتفق مع مشعل على التهدئة, وبقية بنود اعلان القاهرة, أبلغ بها بقية الفصائل, التي كان قادتها ينتظرون في صالة الإجتماع, دون أن يدروا ما كان يدور في جناح مشعل.
العامل الثالث: اتهام حركة الجهاد الإسلامي لحركة "حماس" بتوظيف علاقتها بإيران توظيفا سلبيا, واتهام "حماس" لقادة الجهاد الإسلامي بالتشيع. وتنقل المصادر عن قادة الجهاد أن قادة "حماس" يتحدثون في مجالسهم عن تشيع قادة حركة الجهاد الإسلامي, وأن الدكتور شلح بايع على خامنئي مرشد الثورة الإسلامية في ايران بيعة شرعية باعتباره وليا لأمر المسلمين.
وأكثر من ذلك, يتهم قادة الجهاد الإسلامي "حماس" بأنها كانت وراء التوزيع الواسع النطاق في الأراضي الفلسطينية المحتلة, لصورة تبين الدكتور شلح وهو يقبل يد خامنئي.
أبدت مصادر فلسطينية وثيقة الإطلاع مخاوفها من أن يؤدي تسارع وتيرة الأحداث المتصلة بإجراء الانتخابات التشريعية الفلسطينية في موعدها في الخامس والعشرين من الشهر المقبل, إلى انفجار كبير في العلاقة بين حركتي "حماس" والجهاد الإسلامي, استئنافا للخلاف الذي لا يزال يعتمل بينهما منذ عدة أشهر, وظهر جزء منه على السطح, فيما لا يزال جبل جليد مغمورا تحت الماء.
وتكشف المصادر عن أن جملة وساطات أجريت بين الحركتين الإسلاميتين, خصوصا خلال شهر تشرين ثاني/نوفمبر الماضي, أدت إلى شيء من التهدئة بينهما, بعد أن كان الدكتور رمضان عبد الله شلح أمين عام حركة الجهاد الإسلامي أدلى بتصريحات مناوئة لحركة "حماس" نشرتها صحيفة "الحياة" اللندنية في تشرين أول/اكتوبر الماضي, وأصدر المكتب السياسي لحركة الجهاد بيانا عنيف اللهجة, وغير مسبوق ضد "حماس", بعد أقل من ثلاثة أسابيع من تصريحات شلح.
وتقول المصادر إن عدة جهات بذلت جهودها للوساطة بين الحركتين بهدف احتواء الموقف, كان اولها الجهد الذي بذلته شخصيات اسلامية من بينها الدكتور محمد سليم الصوا ومنير شفيق, وهما شخصيتان اسلاميتان مستقلتان, تربطهما علاقات جيدة مع الحركتين. وكان لافتا أن شلح لم ينف تصريحاته التي نشرتها "الحياة", من خلال زاوية الكاتب جهاد الخازن, وأنه اكتفى بالقول أنه فوجىء بنشر تصريحاته التي أبلغ بها الخازن ليس بهدف النشر, في حين اشارت "حماس" إلى أنها لم تتخذ أي خطوة اعلامية ضد حركة الجهاد.
في اطار هذه المساعي, تؤكد المصادر أن الدكتور طلال ناجي نائب الأمين العام للجبهة الشعبية/القيادة العامة, كان قد نجح في عقد لقاء جمع فيه خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس", والدكتور رمضان عبد الله شلح أمين عام حركة الجهاد الإسلامي, وذلك بحضور شخصية سورية, فضلت المصادر عدم كشفها.
الهدف من هذا اللقاء كان تلطيف الأجواء, غير أن المصادر تقول إن نتائج اللقاء كانت أقل من المتوقع, ذلك أن شلح شخصيا هو الذي أدلى بتصريحات معادية لـ"حماس" هذه المرة, وإن أدت إلى احتواء شيء من التوتر الذي كان يعتمل في علاقات الحركتين.
وساطتان سورية وايرانية
لذلك, فقد قامت سوريا بدور مباشر لاحتواء الخلاف, حيث التقى مسؤولون سوريون الجانبين, وقدموا نصائح حارة بعدم التصعيد, وبينوا عدم وجود مصلحة في اندلاع خلاف بين حلفاء سوريا.
وتؤكد المصادر إن ايران وحزب الله بذلا كذلك جهودا في ذات الإتجاه, إذ أجرت وزارة الخارجية الإيرانية اتصالات مع ممثلي "حماس" والجهاد الإسلامي في طهران, وطلبت ابلاغ القيادتين بضرورة التهدئة. كما اتصل سفيرا ايران في دمشق وبيروت بالجانبين, وشددا على ضرورة التهدئة.
وتقول المصادر إن الشيخ حسن نصر الله, أمين عام حزب الله في لبنان, فعل الأمر نفسه, حيث كلف حسن حدرج مسؤول ملف العلاقات الفلسطينية في حزب الله الإتصال مع قيادتي الحركتين, ومطالبتهما بالتهدئة.
ومع ذلك, تتوقع المصادر, اندلاع الخلاف مجددا بين الحركتين, خاصة مع اقتراب موعد الإنتخابات التشريعية الفلسطينية, وازدياد احتمالات فوز حركة "حماس" بعدد كبير من مقاعد المجلس التشريعي الفلسطيني.
دور الإنتخابات
وتلفت المصادر إلى أن الموقف من الإنتخابات التشريعية كان من أبرز عوامل الخلاف العلني بين الحركتين.وفي تصريحات لـ"الحياة" قال شلح, وفقا لما نقله عنه جهاد الخازن (الحياة 20/10/2005): "يفترض أن تكون "حماس" والجهاد في خندق واحد, وقد صمدت علاقتهما دائما لتقلبات الأوضاع الفلسطينية والإقليمية, إلا أن الدكتور رمضان شلح يقول إن موضوع المشاركة في الإنتخابات أدى إلى افتراق في النهج بيننا وبين "حماس". ويضيف الخازن "هو (شلح) ذكرني بأن "حماس" والجهاد قاطعتا انتخابات 1996 عندما كانت السلطة مدانة ومتهمة بالتفريط لتنظيمها انتخابات تحت الإحتلال, واليوم أصبحت السلطة مدانة ومتهمة إذا أجلت الإنتخابات.. أريد من "حماس" والجبهة الشعبية تنويري (والكلام لا يزال لشلح) لأن شيئا لم يتغير بعد عشر سنوات حتى يتغير الموقف 180 درجة, وحتى اصبحت الإنتخابات مطلبا وطنيا بعد أن كانت ادانة وتفريطا".
انتقادات شلح لم تقتصر على مشاركة "حماس" في الإنتخابات التشريعية, لكنها تعدت ذلك إلى مجمل الرؤية السياسية لحركة المقاومة الإسلامية. فهو يرى ثلاثة مواقف سياسية ازاء الوضع الفلسطيني. فهم في الجهاد يرون "إن الحل في المقاومة فقط. المقاومة خيارنا, ويضيف هناك ثلاث وجهات نظر: الولايات المتحدة والسلطة الوطنية ومصر تقول السياسة فقط. "حماس" تريد أن تجمع بين المقاومة والسياسة. نحن نقول المقاومة فقط".
ويضيف الخازن ناقلا "الدكتور رمضان شلح يرى أن "حماس" تشعر أن لديها شعبية كبيرة وتريد استعمالها في الإنتخابات, وفي حين تعتقد اسرائيل أن "حماس" تريد الإستيلاء على السلطة, وتحاول ضربها بكل وسيلة, فإن واشنطن لا تمانع في تسلم "حماس" الحكم. وهذا يقلق السلطة التي تعتقد أن "حماس" جاهزة للعب دور البديل, فهي تخبىء البندقية الآن, وتركز على السياسة, وتشتغل مع الإخوان المسلمين في الأردن".
ثم ينتقل شلح إلى انتقاد ممارسات "حماس" على الأرض, ويحملها مسؤولية انفجار وأحداث جباليا, وصولا للقول "وقد حاولت "حماس" أن تجعل "فتح" والسلطة والشعب الفلسطيني يدفع فاتورة اخطائها"..!
بيان نابلس
أما البيان الذي وزع في نابلس عشية 9 تشرين ثاني/نوفمبر الماضي, وحمل توقيع المكتب السياسي لحركة الجهاد الإسلامي, فقد كان أكثر عنفا من تصريحات الدكتور شلح. فقد بدأ ذلك البيان بالآية الكريمة "والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين, وافسادا لمن حارب الله ورسوله من قبل, وليحلفن إن أردنا إلا الحسنى, والله يشهد أنهم لكاذبون", وهي الآية التي نزلت في المنافقين.
وتعتبر "حماس", وفقا للمصادر, هذا البيان بـ"التصعيد الأكبر" من جانب الجهاد الإسلامي.
صدر هذا البيان عقب اشتباك وقع بين عناصر من الحركتين في مسجد الحنبلي بمدينة نابلس, وعكس حدة الموقف الذي أدى لاندلاع مثل هذا الإشتباك غير المسبوق, فوصف ما اقدمت عليه "حماس" بـ"العمل الجبان", وقال "إنه ليس غريبا على هذه الحركة التي تدعي زورا وبهتانا بأنها أمل هذه الأمة وهذا الشعب". وأضاف "إننا ندرك تماما أن هذه الحركة لديها الإستعداد الكافي باستباحة دماء المسلمين بغض النظر عن توجهاتها الفكرية والعقدية, فبالأمس القريب استباحوا دماء المسلمين في غزة, واطلقوا قذيفة .R.B.J على أحد مراكز الشرطة الفلسطينية.. الخ..".
وخلص البيان للقول "إننا في حركة الجهاد الإسلامي ندين مثل هذه الأعمال الإجرامية". وطالب بـ"انزال أقصى العقوبات بحق هؤلاء المجرمين". وختم البيان مطالبا "هذه الحركة (حماس) أن تلجم الموتورين والمعتوهين من ابنائها قبل أن تفلت الأمور لا سمح الله".
ولأن التصعيد كان غير عادي, فقد كانت مواجهات نابلس هي المرة الأولى التي ينتقل فيها الخلاف بين الحركتين إلى خارج قطاع غزة, حيث المعقل الرئيسي لكليهما. كما أنه انتقل لأول مرة إلى دمشق, حيث قيادتي الحركتين, عبر تصريحات شلح لـ"الحياة".
اليسار الإسلامي
وقد اثارت تصريحات شلح, التي لم يحاول نفيها أو تصحيحها, اجواء توتر بين الحركتين, وكان قد سبقها, كما تقول المصادر, امتناع شلح عن حضور أكثر من لقاء للفصائل الفلسطينية العشر دعت إليه "حماس", كما تخلف عن هذه الإجتماعات كذلك نائبه زياد نخاله (أبو طارق), وكان يمثل الحركة في هذه اللقاءات عبد العزيز الميناوي.
ودأب ممثلو "الجهاد", بمن فيهم شلح, في اللقاءات التي عقدتها قيادات الفصائل الفلسطينية العشر مع فاروق القدومي, أمين سر حركة "فتح", خلال زياراته المتكررة لدمشق, على وصف حركتهم بأنها تمثل اليسار الإسلامي في الساحة الفلسطينية, في اشارة تهدف إلى نعت "حماس" من طرف خفي بأنها تمثل اليمين الإسلامي.
وجاء كل ذلك منسجما مع وقوف الجهاد الإسلامي إلى جانب السلطة في حادث جباليا, حيث وقعت حركة الجهاد على بيان اصدرته لجنة المتابعة للأحزاب الوطنية والإسلامية, أدان "حماس" في حادث تفجير جباليا, وقال إنه نجم عن انفجار صاروخ عائد لحركة "حماس", ولم يكن بفعل قصف جوي اسرائيلي. وتلاحظ المصادر أن حركة الجهاد الإسلامي كانت طرحت نفسها كوسيط بين "حماس" والسلطة الفلسطينية في اعقاب اطلاق "حماس" في تموز/يوليو الماضي صواريخ على اهداف اسرائيلية عبر قطاع غزة.
ما الذي دفع العلاقات بين الحركتين الإسلاميتين إلى هذا التدهور..؟
تربط المصادر هذا التدهور بنتائج الإنتخابات البلدية التي فازت "حماس" بها بشكل لافت منذ أولى مراحلها. وتقول المصادر إن هذه النتائج يبدو أنها اثارت حفيظة حركة الجهاد الإسلامي, لأنها اظهرت وجود قوتين رئيسيتين في الساحة الفلسطينية هما "فتح" و"حماس", إذ أن حركة الجهاد كانت تقدم نفسها كقوة موازية لحركة "حماس".
وتذهب المصادر بعيدا في اعتبار أن التصعيد العسكري الحالي لحركة الجهاد الإسلامي يهدف إلى جانب الرد على العمليات الإسرائيلية التي تركز على قادتها وكوادرها وعناصرها, إلى اثبات فعاليتها, في الوقت الذي تبدي فيه "حماس" حرصا على التهدئة, من أجل توفير ظروف موائمة لإجراء الإنتخابات التشريعية. كما أنها (الجهاد) تهدف إلى خلق ظروف تفرض تأجيل, أو عدم اجراء الإنتخابات التشريعية, التي تجاهر بمعارضتها.
وبالتوازي, تبدي حركة الجهاد الإسلامي حرصا على تقديم نفسها باعتبارها حركة مبدئية. ومن هذا المنطلق, أعلنت مبكرا مقاطعتها للإنتخابات التشريعية.
3 عوامل تحسس
لكن "حماس" في المقابل, كما تكشف المصادر, بعد أن اثارت مواقف حركة الجهاد حفيظتها, رأت في تحفظاتها "مزايدة سياسية" عليها. وتنقل المصادر عن اوساط "حماس" قولها في مناسبات مغلقة أن السبب الحقيقي لموقف الجهاد الإسلامي لا يعود لاعتبارات سياسية, وإنما لعدم وجود قوة انتخابية لدى حركة الجهاد الإسلامي, وأن مشاركتها في الإنتخابات من شأنه أن يبين الفارق الكبير بين حجمي الحركتين.
إلى جانب ذلك, تكشف المصادر عن ثلاثة عوامل تثير الحساسية في العلاقات بين الحركتين:
العامل الأول: حساسية مفرطة تسود العلاقة بين الدكتور محمد الهندي مسؤول الجهاد الإسلامي في قطاع غزة, وقادة "حماس" في القطاع, وخاصة الدكتور محمود الزهار. إذ يتهم الهندي قادة "حماس" في قطاع غزة بالتعامل مع قادة الجهاد الإسلامي بفوقية, ما دفعه لاتخاذ مواقف عدائية حيالهم.
وتقول المصادر إن الهندي أجرى أكثر من اتصال هاتفي مع الدكتور شلح مطالبا اياه بمواقف واضحة حيال "حماس", منتقدا علاقته المميزة بقادتها في دمشق, خاصة خالد مشعل والدكتور موسى أبو مرزوق نائب رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية.
العامل الثاني: حلول الحساسية محل العلاقة الحميمة بين خالد مشعل والدكتور رمضان شلح عقب آخر حلقات الحوار الفلسطيني ـ الفلسطيني في القاهرة, وذلك جراء انعقاد جلسة الحوار الحقيقية والفعلية في جناح خالد مشعل بحضور محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية, الذي بعد أن اتفق مع مشعل على التهدئة, وبقية بنود اعلان القاهرة, أبلغ بها بقية الفصائل, التي كان قادتها ينتظرون في صالة الإجتماع, دون أن يدروا ما كان يدور في جناح مشعل.
العامل الثالث: اتهام حركة الجهاد الإسلامي لحركة "حماس" بتوظيف علاقتها بإيران توظيفا سلبيا, واتهام "حماس" لقادة الجهاد الإسلامي بالتشيع. وتنقل المصادر عن قادة الجهاد أن قادة "حماس" يتحدثون في مجالسهم عن تشيع قادة حركة الجهاد الإسلامي, وأن الدكتور شلح بايع على خامنئي مرشد الثورة الإسلامية في ايران بيعة شرعية باعتباره وليا لأمر المسلمين.
وأكثر من ذلك, يتهم قادة الجهاد الإسلامي "حماس" بأنها كانت وراء التوزيع الواسع النطاق في الأراضي الفلسطينية المحتلة, لصورة تبين الدكتور شلح وهو يقبل يد خامنئي.
التعليقات