يحملن اسماء غريبة مثل شر الطريق و سكسكة:نسوة بلطجيات ازدهرت أعمالهن في موسم الانتخابات المصرية

يحملن اسماء غريبة مثل شر الطريق و سكسكة:نسوة بلطجيات ازدهرت أعمالهن في موسم الانتخابات المصرية
غزة-دنيا الوطن

تحولت انتخابات برلمان مصر لعام 2005 إلى موسم مربح للعاطلين من البلطجية الذين شكلوا ما يشبه الشركات الخاصة التي يديرها رجال، وغالبا سيدات من العاطلات اللواتي توردن بلطجية للضرب أو هتيفة للهتاف بالساعة، أو كومبارس لحضور المؤتمرات الانتخابية، أو سيدات مسجلات خطرات للتحرش بالسيدات المؤيدات لمرشحين في الانتخابات.

وساهمت ظاهرة بذخ الإنفاق المالي لشراء الأصوات من قبل بعض المرشحين الأثرياء، فيما وصف بأنه رشاوى انتخابية، مع تصاعد نسبة البطالة بين شباب وفتيات مصر إلى ما تتراوح بين مليونين وستة ملايين شاب بنسبة تقترب من 10 - 15 في المائة من العمالة المصرية في اتساع حجم الظاهرة على اعتبار أن أرباحها سريعة وكبيرة، حيث يصل ما يتقاضاه البلطجي إلى 300 - 500 جنيه في يوم الانتخابات، وهو ما يعادل راتب بعض الموظفين في شهر كامل.

وفي الوقت الذي رصدت فيه صحف مستقلة ما قالت إنه "دراسات علمية"، لم تذكرها، تقدر حجم هذه الرشوة الانتخابية بخمسة مليارات جنيه (قرابة 820 مليون دولار)، رصدت صحف ومواقع إلكترونية مثل موقع "حركة المقاومة الإلكترونية" المصري، تفاصيل طريفة لبعض هذه المجموعات أو الشركات الخاصة التي تورد البلطجية والهتيفة بعضهم بغرض رعب وتخويف أنصار مرشح معين يدفع مرشح منافس للبلطجية لإسقاطه، أو بغرض عمل الخير مثل تحصيل أموال أو شيكات من أشخاص يرفضون دفع ما عليهم من مستحقات.

والأكثر غرابة أن غالبية هذه العصابات أو المسجلين خطرين تتزعمهم سيدات مطلقات يشتكين من المعاملة السيئة لأزواجهن واستغلالهن في أعمال سيئة مما حولهن إلى الانتقام من الرجال في صورة تبني أعمال البلطجة والفتونة، فيما يعتبره أدباء تحوير لفكرة "الفتوة" أو "زعيم الحرافيش" المنتشرة في الأدب القصصي المصري التي ظهرت في روايات الأديب نجيب محفوظ، والتي تعتمد على فكرة وجود شخص يقوم بدور الفتوة يتولى إعادة الحقوق لأصحابها وحماية الضعفاء مقابل دفع "إتاوه" لهذا الفتوة مقابل عمله، ولكن فكرة "الفتوة القوي" انتهت ليحل محلها "البلطجي الشرير".

"نجلاء اللوكس".. والباشا

ويقول "محمد السيد" رئيس تحرير موقع "حماسنا" إن مجموعة من شباب الإخوان ممن تعرضوا لضربات هؤلاء البلطجية الذين قيل إنه تم استئجارهم لضرب مؤيدي وأنصار الإخوان في الانتخابات، أعطوه تسجيلا صوتيا لبعض هؤلاء البلطجية جرى تسجيله بالصدفة مع أحدهم في محافظة بورسعيد، وهو عائد مخمور في نهاية يوم انتخابي بدون أن يشعر، اعترف فيه (البلطجي) بتفاصيل هامة عن هذه المجموعات من البلطجية التي يجري استئجارهم بالأموال في الانتخابات، ونص الحوار هو:

الشاب: إنتم كام واحد؟.

البلطجي: إحنا مجموعة كبيرة ومعانا "نجلاء اللوكس"؟.

الشاب: مين نجلاء اللوكس؟.

البلطجي: يا باشا فيه حد ما يعرفش "نجلاء زعيمة أكبر شبكة.....")؟.

الشاب: وأنتم أخدتم كام في مقابل اللي عملتوه، لأننا سمعنا بأنكم طحنتم الإخوان!.

البلطجي: 200 جنيه كل واحد فينا، بس نجلاء اللوكس أخدت 500 والباشا هو اللي سلمها الــ 500 جنيه بنفسه، وقال لها إن دورك هو الأكبر في الانتخابات!.

الشاب: يعني نجلاء أخدت أكتر منكم!.

البلطجي: آيوا بس إحنا اتبهدلنا والأهالي هجمت علينا وفيه ناس راحت المستشفى مننا.

الشاب: والعلاج على حساب مين؟.

البلطجي: إحنا هددناهم والباشا راح بنفسه دفع مصاريف العلاج في مستشفى "آل سليمان" (يقصد أمين عام الحزب في الدائرة).

ويؤكد وائل عباس رئيس تحرير موقع "الوعي الإلكتروني" أن هناك الكثير من الصور الفوتوغرافية ولقطات الفيديو التي احتوت على الاتفاقات المالية بين البلطجية ومرشحي الحزب الحاكم والمندوبين، ولقطات لتحرش مسجلات الخطر والآداب بفتيات وسيدات، خصوصا من جماعة الإخوان المسلمين، بالإضافة للسيارات التي تحمل البلطجية بالآلات الحادة والسيوف في ظل سلبية أمنية اعتبرها البعض "مقصودة" ونشرت العديد من هذه الصور في صحف محلية.

ولا يتوقف الأمر عند نجلاء اللوكس في محافظة بورسعيد، بل امتد على مساحات جغرافية واسعة بمعظم المحافظات المصرية، وبين يوم وليلة أصبح البلطجي (عملة نادرة) في موسم الانتخابات ويتم انتقاؤه حسب الطلب والخدمة السريعة، في مقابل وجبات ومبلغ مالي يتراوح بين 30 إلى 100 جنيه (حوالي 5 - 16 دولارا) في الأماكن الشعبية ويصل إلى 700 جنيه في الأماكن الراقية أو شبه الراقية.

وينقل الناشط الإلكتروني محمد السيد عن (م. عادل) أحد شباب الإخوان المسلمين في القاهرة قوله إنه لم يصدر أي رد فعل من الإخوان تجاه بعض تحرشات البلطجية خلال الجولة الأولى من المرحلة الأولى في الانتخابات التشريعية، و"لكن خلال جولة الإعادة قررنا الدفاع عن أنفسنا، وكانت الفكرة تكوين "فرق ردع بمقرات المرشحين" ومواجهة البلطجية دون استخدام الآلات الحادة ولو كانوا هم يستخدمونها، وهو ما يفسر ما قاله بعض قادة الإخوان، ردا على اتهام صحف حكومية لهم باستئجار بلطجية أيضا، عن أنهم يقومون بالدفاع عن أنفسهم.

بيد أن المشكلة التي واجهها شباب الإخوان خصوصا في المحافظات الريفية الأكثر محافظة، هي كيفية التصرف مع "مسجلات الآداب" من هؤلاء البلطجيات النساء اللاتي كن يتحرشن بسيدات وفتيات الإخوان "بشد الحجاب والألفاظ الجارحة والسب والقذف وغيرها".

السيدة "شر الطريق"

وتعتبر السيدة "شر الطريق"، كما يسميها أنصارها، أشهر بلطجية حريمي في منطقة "الجيارة" بمصر القديمة في القاهرة، واسمها الحقيقي (كيداهم)، ولكنها تنفي أنها تمارس البلطجة من أجل الشر ولكن من أجل الخير، حيث تشرح "شر الطريق" عملها بالقول: "وظيفتنا هي إعادة الحق لأصحابه، فالزبون يأتي إلينا لندافع عنه، فيكون مثلا أحد النصابين أعطاه شيكا بدون رصيد ولإعادته إليه يستأجرنا نحن، ولذلك فإن دورنا مهم جدا في هذا الشأن".

وعن سبب احترافها لأعمال البلطجة أو الفتونة تقول "شر الطريق" التي لا تحظى بسمات جمالية نسائية كافية "لقد ظلمني الرجال، فما إن يروني حتى يقولون لي إن شكلي "يقطع الخميرة من البيت"، وعندما تزوجت من عاطل طلقني بعد الزفاف بأيام، "لأنني قمت بعضه العضة القاضية"، ومن وقتها قررت أن انتقم من "كل جنس الرجال"، وتقول إنها وجدت في وظيفة الفتوة المطلوب، بالإضافة إلى أنه "مصدر رزقي لأنه لا عائل لي"، وبرغم ذلك أحيانا أؤدي الخدمة المطلوبة مجانا "ما هو أصل الافترى وحش.. وحدّ الله بيننا وبين المفتري"!.

"سكسكة" و"مجانص".. محاكم متنقلة !

أما "سكسكة" فاحترس أن تلتقي بها في الطريق، فالويل كل الويل لمن يقع تحت يدي "سكسكة المفترية" كما يسميها أنصارها، والتي تتفق مع "شر الطريق" فيما تقوله وتضيف: "بنحصر عملنا في تأديب الظالمين، أي أننا محكمة تصدر حكمها وتنفذه سريعا بدلا من مماطلة المحاكم العادية التي يتوه فيها المواطنون، فمثلا قد يطلب منا شخص تأديب جار له لا يراعي حرمة الجيرة ويؤذي جاره باستمرار أو الانتقام من زوج مفتر يتجنى على زوجته ويعذبها دون داع.

وهناك أيضا، كما تؤكد المصادر "مجانص الدهل" التي تقول إنها منذ أن دخلت السجن في قضية مشاجرة أفضت إلى موت، وهي تحترف مهنة البلطجة أو الفتونه كما تحب أن نناديها "من أجل الخير" وفعل، ولذلك فهي تلتزم بالتسعيرة الرسمية التي أعلنتها رابطة البلطجيات الحريمي، وتأتي الأسعار كالتالي: ردح 800 جنيه، ردح + قلة أدب 1600 جنيه، فضيحة بجلاجل 3000، فضيحة بدون جلاجل 250 جنيها، هتك عرض 5000 جنيه، ضرب بالروسية (الرأس) 400 جنيه، بالإضافة إلى أسعار خاصة لطلبات الجملة...!.

وتنفي "نفتالين بليه" إحدى مشاهير البلطجيات بدورها أن يكون عملها شر، مؤكدة أن قلبها رقيق ولذلك تعمل تخفيضات لأسعار الجملة إذا طلب الشخص عدة أعمال لتنفيذها مرة واحدة، وأنها برغم صدور قانون البلطجة الجديد، فإنها لا تتردد في مساعدة "الغلبان" مهما حدث، وأحيانا تنفذ المطلوب "بدون مقابل"، وخاصة أن "هناك كثيرا من الظالمين الذين أشعر أنني أود أن أضربهم بدون سبب فكثير من الوجوه العكره تستحق الذبح" كما تقول.

وأخيرا هناك الأخت "مهبولة الشوارع"، وهذا هو أسمها، وهي من البلطجيات التي تتميز باستعمال المطواة قرن الغزال، وتتقن رياضة "الكونغ فو" أيضا.

وتؤكد "مهبولة" أنها سعيدة لإضرابها عن الزواج بعد أن شاهدت مأساة والدتها مع والدها الذي كان يعذبها دون أي سبب، ولذلك قررت "شوارع" أن تنتقم لوالدتها ولجنس النساء، وجرائمها إحداث عاهات مستديمة، والغريب أن معظم هذه الجرائم المجني عليهم فيها نساء والجانية امرأة احترفت البلطجة مثل باقي البلطجيات الحريمي.

أصل كلمة "بلطجي" !

يذكر أن كلمة "بلطجي" التي انتشرت علي نطاق واسع في مصر منذ بدء الانتخابات البرلمانية بسبب انتشار أعمال العنف واستئجار مرشحين لبلطجية بالأجر لمنع تصويت أنصار خصومهم، تقول معاجم مصرية إن لها أصلا تركيا من كلمة "بلطه" أو "حامل البلطة" الذي يكسر الأشجار.

حيث يؤكد "سامح فرج" مؤلف معجم (فرج للعامية المصرية والتعبيرات الشعبية للصناع والحرفيين في النصف الثاني من القرن العشرين) أن كلمة "بلطجي" تعني حامل البلطة باللغة التركية، وأنه في عهد الدولة العثمانية كان الجنود "البلطجية" – بمعني حاملي البلطة - يتقدمون القوات الغازية يقطعون الأشجار بالبلط ويشقون طريقا أمام القوات المتقدمة وكان دورهم أيضا عمل فتحات أو هدم أجزاء في جدران الحصون والقلاع حتى تقتحمها قوات المشاة.

ويضيف "ولم تكن كلمة بلطجي تحمل معاني سيئة، حتى أن أسماء البعض كانت مشابهة لها مثل (بلجه جي مصطفى باشا) الذي كان واليا على مصر قبل الدولة العثمانية 1752 - 1755، وفي عصر محمد علي والي مصر كانت قوات البلطجية موجودة في الجيش، ولكن في الثلث الأول من القرن العشرين أصبحت كلمة "بلطجي" صفة سيئة وتعني الشخص المستهتر الأقرب إلى الفتوات في الحياة الشعبية في فترات سابقة، حتى وصل الأمر لصدور قانون في السنوات القليلة الماضية "لمكافحة أعمال البلطجة وترويع الآمنين" لتصبح كلمة "البلطجي" في نهاية الأمر مرادفا للمجرم.

البطالة وحش كاسر

ولا تخفي الحكومة المصرية ارتفاع نسبة البطالة في سوق العمل، ولكن أرقام البطالة تختلف في التقديرات الحكومية المخففة نسبيا عن بقية تقديرات الخبراء الاقتصاديين المستقلين وتقديرات المنظمات الدولية، وتعزوها الحكومة إلى القفزات المستمرة في تعداد السكان (72 مليون نسمة) مع عدم قدرة السوق الاقتصادي على استيعاب القوى العاملة التي تخرج سنويا للسوق من طلاب الجامعات والعاهد بالآلاف.

وتشير إحصاءات رسمية إلى أن نسبة البطالة في مصر تصل إلى حوالي 9.9 في المائة من أصل اليد العاملة الفعلية، وأن عدد العاطلين يقترب من مليوني شخص، بيد أن جهات اقتصادية أخرى تقدر عدد العاطلين بنحو 4.5 مليون عاطل وتقدرهم جهات أخرى بـ 6 ملايين، في حين تقدر الحكومة حجم العاطلين بنحو مليون و440 ألفاً فقط.

ويقول خبراء إن المشكلة مرشحة أكثر للتزايد حيث أن طالبي العمل يتزايدون سنويا والجامعات المصرية تخرج نحو 160 ألف خريج، وتصل أعداد خريجي الشهادات فوق المتوسطة إلى 600 ألف، غير 350 ألفاً متسربين من التعليم يتوقع دخولهم إلى سوق العمل سنويا، و150 ألف عاطل بدرجة "دكتوراه.

ويقول صندوق النقد الدولي إن على مصر أن تحقق نموا نسبته 6 في المائة لتتمكن من إيجاد 600 ألف فرصة عمل للوافدين الجدد إلى سوق العمل والعاطلين عن العمل، بيد أن التحول في سياسة الحكومة والتوقف عن تشغيل الخريجين منذ مطلع التسعينيات، وترك السوق للعرض والطلب وفق احتياجات القطاع الخاص رفع نسبة العاطلين عن العمل.

*قدس برس

التعليقات