القنوات التلفزيونية الفضائية العربية : الغزو الفكري... الداخلي بقلم:سليمان بودالية

القنوات التلفزيونية الفضائية العربية : الغزو الفكري... الداخلي بقلم:سليمان بودالية
القنوات التلفزيونية الفضائية العربية : الغزو الفكري... الداخلي.‏

بقلم: سليمان بودالية. صحفي جزائري

‏ تعيش الأسرة العربية تحديا خطيرا في مواجهتها المفتوحة مع زخم إعلامي فضائي، ليس لها من الوسائل الكثير ‏لمواجهته، على اعتباره خطرا داخليا يستفيد بالدرجة الأولى من اللغة وثانيا من عجز الرقابة أو انعدامها أصلا، فلا يبقى ‏أمام ضعف خطوط الهجوم لدى الأمة إلا تعزيز المقدرات الذاتية للدفاع، و لا يتم ذلك إلا بتحصين الناشئة من سماء تمطر ‏ميوعة!‏

‏ المؤسف أن الحد الأدنى من التقدم العلمي و الحرية التي هبت على العالم الإسلامي و العربي على ‏الأخص، في صورة تفاعلات العولمة لا تكاد تبرز إلا في الإعلام المرئي الفضائي الذي أضحى محل منافسة بين ‏مليارديرات عرب يتنافسون في أيهم الأكثر قدرة على ترقيص الشباب العربي، وأيهم أقدر من غيره على تعرية أكبر عدد ‏من فنانات الكليب، بينما بقت حرية الرأي محدودة في قنوات تعد على الأصابع، إذا ما تحفظنا في القول أن قناة "الجزيرة" ‏هي القناة الوحيدة التي تفتح نقاشات الرأي، و لو أنها لم تنج، هي الأخرى، من النقد لاتهامها بالسكوت إذا ما تعلق الأمر ‏بالحكومة القطرية و إشعالها فتيل الشغب السياسي بين الأقطار العربية. لتسقط تحت طائلة ذات الحكم القنوات العراقية التي ‏توالدت كالفطر، أغلبها -إن لم تكن- كلها تدعم الاحتلال الأمريكي و تدعو إلى طائفية مقيتة.‏

‏ لعل الخطر القادم من القنوات التلفزيونية الأجنبية التي تبث عبر الأقمار الاصطناعية الأوربية أو ‏الأمريكية أقل بكثير مما يدخل البيت العربي في دولة ما من جيرانه أو من سياسة حكامه الإعلامية، حيث أن الجهل باللغة ‏الفرنسية أو الانجليزية لدى الأجيال الجديدة في العالم العربي يقي الشباب في عمومه من التأثر بما يبث فيها، وبالمقابل فإن ‏ما يجده سهل المنال من قنوات فاقت المائة قناة فضائية عربية يجعله يرتبط به و يتلقى رسالته كاملة.‏

‏ و المشكلة هنا أن درجات المحافظة المرتفعة لدى بعض شعوب الوطن العربي شابها بعض ‏التراجع بسبب ما صنعت قنوات شعوب أخرى، ففي حين ينظر المشاهد الجزائري إلى هز البطن كفعل غير ‏أخلاقي لا تبالي الأسرة السورية أن تلتقي حول وصلة رقص شرقي! تماما كما يجد التلفزيون السعودي الواجب ‏في حذف مشاهد الغرام بينما لا يبالي التلفزيون المصري في عرض قبلة حارة بين عشيقين في فيلم يسبق أو يلي ‏رسوما متحركة!! ‏

‏ التلفزيونات العربية الفضائية نقلت الطباع اللبنانية المتحررة إلى الخليج العربي فبات طبيعيا أن ‏تتحدث المذيعة اللبنانية مثلا و هي في لبسها المكشوف في تلفزيون دبي أو أبوظبي بلهجة لبنانية فصيحة دون ردة ‏فعل من مجتمع يفترض أنه محافظ و له لهجته الخاصة، لتبقى جرأة بعض القنوات أكبر من أن توصف، في وقت ‏لا يكلف مسيرو المحطات و لا وزارات الإعلام ولا قادة منظمات الإذاعات العربية أنفسهم فرض تشريعات تلزم ‏تحديد أوقات و بث تحذيرات عندما يتعلق الأمر ببرامج لا تصلح للأطفال أو تخدش الحياء العام، عكس ما تفعله ‏التشريعات الأوربية – المتحررة و المتفتحة- كما في وضع رموز تشير لطبيعة البرنامج المعروض، مثلا.‏

‏ مسائل الكليب العربي العاري و الفيلم المدبلج و البرامج التافهة في التلفزيونات العربية جعلت الفرد والأسرة معا في ‏حالة ضياع اجتماعي، فلا كرس لسان القنوات الهوية و لا أعطى بديلا ترفيهيا معوضا لما يتلقاه من الغرب، و النتيجة أن ‏الإعلام العربي بات وسيلة غزو فكري داخلي منحط يدعمه تواطؤ الحكومات مع ملاك القنوات و غياب المثقف الأصيل ‏عن المعركة..‏

‏ و ليس أقل كارثية تحول الهاتف النقال إلى أداة لإشاعة قلة الحياء بعد ظهور بدعة الإهداءات على قنوات الكليب، ‏فلا تكاد أغنية راقصة تعرض حتى يصاحبها سيل من الرسائل الغرامية إلى درجة الابتذال لدى جمهورها من المراهقين ‏الذي يتخذ القنوات دور مواعيد افتراضية يتم فيها تبادل أرقام الهاتف بعد عبارات الود و العشق و حتى الأبعد من ذلك!‏

‏ نحن بصدد كارثة أخلاقية و إن لم تتم مراجعة الأداء الفضائي العربي فإن الأمة الإسلامية و العربية ، ‏بالأخص ، تسير نحن التحول إلى عميل ثقافي للغرب يحطم جدران بيته بفأس يدفع ثمنها و بالتالي يكون قد سمح للعولمة ‏أن تقتحم حرمته الثقافية بأقل التكاليف أو بالأحرى بفاتورة دفعها هو ذاته.‏

‏ إن الأسرة مطالبة بتحصين أبنائها ثقافيا لكن الدور على الحكومات في أن تفرض رقابة أخلاقية على ما ‏يخرج من أراضيها حفاظا على الأجيال العربية الصاعدة، فلا يعقل أن تكمم الأصوات السياسية المعارضة للنظم المستبدة و ‏يترك الحبل على الغارب لقنوات العري و الخلاعة بحجة لا محدودية البث الفضائي أو الحق في الإعلام و الترفيه و ما إلى ‏ذلك من حجج واهية يكذبها واقع المدرسة و الكتاب و المسرح و التي أصبحت صورا قاطعة الدلالة على التجهيل المتعمد ‏للشعب العربي.‏

التعليقات