الفضائية الفلسطينية.. خطاب تقليدي وانغلاق وطني بقلم:مؤمن بسيسو

الفضائية الفلسطينية.. خطاب تقليدي وانغلاق وطني بقلم:مؤمن بسيسو
مؤمن بسيسو

Email: [email protected]

لعل من نافلة القول أن الفضائية الفلسطينية يُفترض أن تشكل رأس الحربة في المعركة الإعلامية الدائرة حاليا مع الاحتلال الإسرائيلي إزاء خطة الانسحاب من غزة، والحاضنة الأساس لعناصر التوعية والاستنهاض الجماهيري فلسطينيا وعربيا، والتعبير عن أشكال الهموم والمعاناة الفلسطينية، والقاعدة المعلوماتية والمرجع الإعلامي لمختلف وسائل الإعلام المحلية والعربية والدولية.

بيد أن واقع الحال لا يحمل كثيرا من البشريات، فالفضائية الفلسطينية التي حاولت مؤخرا تطوير ذاتها، شكلا ومضمونا، لا زالت تعج بالكثير من النواقص والسلبيات التي تشوه الأداء والممارسة، وتجعل منها رقما مهملا في سباق التطور والتنافس الإعلامي، وأداة ضعيفة في مواكبة المستجدات المتلاحقة، ومواجهة التحديات الإعلامية الكبرى التي تتربص بشعبنا الفلسطيني وقضيته الوطنية.

وسط هذا الواقع المضطرب الذي تعيشه الفضائية الفلسطينية جاءت خطة الانسحاب من غزة لتكرس هذه المعضلات، وتبرزها بشكل أكثر وضوحا، وتضع هذه الفضائية أمام قدرها المحتم الذي لم يسعفها في مواجهة الدعاية الإعلامية الإسرائيلية، بحيث باتت أقرب كثيرا إلى الفشل منه إلى النجاح، وأبعد ما تكون عن الإصلاحات الإعلامية الحقيقية، بنية ونهجا وسلوكا.

فقد بدا واضحا مدى افتقار الفضائية إلى خطة واضحة ومتكاملة للتصدي للرواية الإسرائيلية، وكبح آثار وتداعيات مسرحية الإخلاء ذات الأبعاد "الإنسانية التراجيدية"، فضلا عن خطة إصلاحية شاملة، تنتشلها من وهدة التقوقع والجمود والارتجال، وتقذف بها في عالم الفعالية والحراك والانطلاق.

لم يكن غريبا أن تتسربل الفضائية الفلسطينية برداء السلطة الفلسطينية، وتتبنى نهجها، وتمتثل سياساتها بخصوص مسألة الانسحاب من غزة، فما يجري لا يعدو كونه استمرارا للحقبة الماضية التي أعقبت ولادة السلطة، بسمتها المعروف الذي أضحت معه الفضائية فضائية للسلطة وحدها، تروج لها، وتسوّق سياساتها ومواقفها، وتعبر عن فعالياتها المختلفة، دون أن تكون فضائية جامعة للشمل الداخلي، وممثلة ومعبرة عن كافة أطياف العمل الوطني الفلسطيني.

لذا ليس تجنيا القول بانغلاقها –أي الفضائية- وطنيا، فهي وإن كانت تستضيف بين الفينة والأخرى ألوانا فصائلية خارج اللون المعروف للحزب الحاكم (حركة فتح)، فإن الغالبية الساحقة من معالجاتها الإعلامية يطغى عليها الانغلاق والنظرة الأحادية، وافتقاد تعددية الفكر، وتنوع الرأي والموقف.

إجمالا، لا يزال الخطاب الإعلامي للفضائية الفلسطينية خطابا تقليديا، لا ناظم له أو محدد لطبيعته ومضامينه واتجاهاته، بحيث يدور في الفلك السلطوي، ويعتمد على قدر كبير من الجهود الفردية والاجتهادات الشخصية، بعيدا عن أساليب التجدد والإبداع والعمل المؤسسي السليم، ليصل الأمر حدّ عدم القدرة على إنتاج نشرة أخبار مهنية رصينة تستقطب اهتمام وعناية المشاهدين، وتستحوذ على رضاهم وقبولهم.

وليس آخرا، ما تكتوي به هذه الفضائية من ضعف الكفاءة والمهنية والاحتراف، والافتقار إلى الكوادر الإعلامية الكافية، المؤهلة إعلاميا، والقادرة على قيادة السفينة الإعلامية وسط الأنواء والأعاصير والتحديات المتلاطمة، في ذات الوقت الذي تعيش فيه بعض عناصرها وكوادرها المؤهلة غربة نفسية، لاضطرارها التساوق مع النهج والخطاب المفروض، وتجرّع المحددات والاشتراطات التي تحكم عملها وأداءها خلافا لقناعاتها المهنية.

لذا كان متوقعا أن تفشل الفضائية الفلسطينية في اجتياز اختبار خطة الانسحاب ومفاعيلها الهامة وآثارها الواسعة، وتنكفئ في مواجهة الدعاية الإسرائيلية المنظمة، وتكتفي بتغطية فعاليات السلطة واللجان المنبثقة عنها، وبعض التغطيات التقليدية، دون أن تباشر أي عمل نوعي أو تغطية منظمة، من قبيل إعداد التقارير والأفلام التسجيلية والوثائقية وحتى الفنية، فضلا عن النقل والبث الحيّ، مما يجسد حقيقة أربعة عقود من المعاناة الفلسطينية الهائلة، وصور وأشكال التضحية والصمود الفلسطيني الجميل.

التعليقات