فنانون ونجوم في سجون المرض وآخرون محاصرون بالأدوية.. وجحود الأصدقاء بقلم:د.نادر القنة

فنانون ونجوم في سجون المرض وآخرون محاصرون بالأدوية.. وجحود الأصدقاء

كتب الدكتور نادر القنة

أستاذ أكاديمي / فلسطين

ذلك يوم صعب، وزمن صعب·· حينما يضطر فيه الفنان مجبرا، لا مختارا، أن يعيش منزويا، منفردا، محاصرا بعلب الأدوية، وسلسلة طويلة من تعليمات الأطباء، التي يشبه غالبها "الفرمانات" العسكرية التقليدية·

هنا، تكون العزلة قاتلة وقاسية، أن يعيشها الفنان مجبرا، إلا من بعض الأحبة الذين يفتقدونه تارة بالسؤال وتارة ببطاقات الورد وتارة ثالثة بالرسائل التلفونية المختصرة الملغمة بالعبارات التقليدية المكرورة·

لا شك أنه يوم صعب، صعب للغاية أن يجد فيه الفنان نفسه بعيدا عن بلاتوهات السينما التي قضى فيها معظم أيام حياته، أو أن يترجل مجبرا من فوق خشبة المسرح التي شهدت ميلاده الفني، أو يحرم من الوقوف أمام الكاميرا التي عشقها عشقا جنونيا، وقاربت بينه وبين الناس· أو أن يوضع حاجزا بينه وبين "ميكرفون الإذاعة" الذي رسم له أجمل صورة في الأثير، وجعل لصوته بصمة خاصة، تعرف من أول نبرة صوتية·

حينما يقع الفنان فريسة للمرض، ويصبح أسيرا للأسرة البيضاء·· يكون ألمه هنا مضاعفا، بل ومركبا تركيبا معقدا، وشائكا، ومرا· أشد مرارة من الدواء الذي يتجرعه، فبجانب الألم الجسدي، والألم النفسي، وألم التوقف عن العمل، وألم الحنين الى الأضواء والنجومية·· هناك ألم أشد خطورة على الفنان ألا وهو جحود الآخرين ونكران الجميل وعدم الوفاء والإهمال والتناسي المتعمد من قبل رفاق الدرب، فالذين يسألون قلة، والذين يواصلون الاطمئنان هم قلة القلة، والذين يقدمون يد العون والمساعدة في الأزمنة الخانقة هم ندرة الندرة، بل العملة النادرة في ذاتها·



غضب فنان



حينما سكن المرض جسد الفنان الجميل "حسين الشربيني" وصار يعاني من مرض السكر، بالإضافة الى صعوبة في المشي، بعد أن أصيب بكسر في مفصل القدم اليسرى، وتم استبداله بمفصل صناعي منذ عام 2002، بالإضافة الى وجود ما يعرف بالأطراف العصبية في قدمه اليمنى، وهي نتيجة لوجود السكر·· فقد آلمه كثيرا أن يعيش بعيدا عن الفن الذي عشقه، والفن الذي صنع نجوميته وجعله ساكنا في قلوب محبيه وجمهوره·

لم يكن الشربيني الحالة الاستثنائىة الوحيدة في الفن الذي عاش حياة العزلة وأنيميا وفاء الأصدقاء والصحبة وأهل الفن ومشوار العمر· فمثله عدد غير قليل ممن نعرف، أو سمعنا عنهم من نجوم هذا الزمن مثل: يونس شلبي، حمدي غيث، وسيد زيان، وسعيد صالح، وصبري عبدالمنعم، وفؤاد المهندس، وحمزة الشيمي، وشريهان، وجورج سيدهم، وعبدالله محمود قبل وفاته، وفي مقدمة هؤلاء جميعا الفنان المحبوب "يوسف داوود" الذي فتح مرضه ملف "مرض الفنانين في مصر" وجحود المؤسسات والأصدقاء وأهل المهنة· وصارت قضيتهم قضية عامة أمام المؤسسات والآخرين، وحملت في جوانب كثيرة منها الشق الأخلاقي قبل أن يكون المهني·



التعاطف المفقود



أعود ثانية الى حكاية الفنان حسين الشربيني، الذي عبر بصدق عن هذا المشهد المؤلم وصوره بمنظار واقعي، قائلا: "ليس التقاعس في حقي وحدي، ولكنه في حق كل الممثلين المرضى·· والذين لا يعملون، والمفترض أن النقابة، أهم دور لها هو توفير فرص عمل للناس التي لا يُعرض عليها أعمال، لأن المسألة حاليا أصبحت مقصورة على مجموعة معينة و%80 من أعضاء النقابة لا يعملون لظروفي نفسها، مثل: حمزة الشيمي، ويونس شلبي، وسيد زيان، وصبري عبدالمنعم، ولا يوجد أي تحرك ولم يعد لدى أحد الرغبة في أن يساعد غيره، فقد فقدنا التعاطف والحب بيننا وبين بعضنا سواء كممثلين أو حتى كشعب بشكل عام·

ويرتفع صوت الشربيني قليلا باتجاه نقابة الفنانين مطالبا بضرورة أن تعرف هذه النقابة كيف يعيش الفنانون المرضى، الذين أقصاهم مرضهم عن الاشتغال بالفن، وصاروا بحكم الظروف أسرى مرضهم، فهو يقول: "على الأقل يعرفوا الناس المبتعدين عايشين إزاي، لأنه صعب على الفنان جدا شعور الانزواء والاحتجاب عن الضوء، أو يقوموا ببناء مستشفى أو دار مسنين لغير القادرين فيشعر الفنان أن نقابته ترعاه وتقف بجواره"·

لذلك كله فقد أحال الشربيني نفسه على المعاش، وتقاعد مرغما عنه، رغم عشقه للفن الذي أعطاه جل عمره وحياته وشبابه، هذا الاعتزال القسري المؤلم وجد له تفسيرا فلسفيا وقال: "أنا لا أحب أن يراني الجمهور في صورة مختلفة عن التي عرفها عني"·



صرخة سيد زيان



وعبر مجلة الكواكب في العدد (2810) بتاريخ 7 يونيو 2005 أطلق الفنان الكوميدي المحبوب سيد زيان عبارة قصيرة جدا، لكنها محملة بالعذاب والآلام والآمال··· كما تجسد الوضع الصحي الذي يعيشه في معزل عن مهنته، وعن جمهوره الذي أحبه، حيث قال: "نفسي أخف"·

الفنان سيد زيان يكره بطبعه العزلة، ويكره الانطواء، ويكره الحياة المغلقة، فقد عاش حياته بالطول والعرض قريبا من الناس، بل في قلب قلبهم، يستشعر بهم، ويتلمس قضاياهم، ويقرأ أفكارهم، ويساهم مع رفاق دربه في تجسيد ما يعانيه مجتمعه من أمراض وعلل وأحزان تارة عبر السينما، وأخرى عبر التلفزيون، وتارة ثالثة عبر المسرح·

وتعود حكاية مرض الفنان سيد زيان الى عام 2002 حينما أصيب "بجلطة في المخ" كان من مضاعفاتها وأعراضها، إصابته "بشلل نصفي"، وذلك نتيجة إصابته مبكرا بالضغط الدموي المرتفع· فبعد تصويره لمسلسل "أبيض وأسود" مع ممدوح عبدالعليم، وصفية العمري سقط سيد زيان من الإعياء والتعب "حسب تقرير الصحافية هبة عادل" وحدث له ما حدث حيث بدأت رحلة علاجه المكوكية بين مصر، والسعودية، وألمانيا، طالبا الشفاء العاجل من الإصابة التي ألمت به، أو على الأقل عدم حدوث مضاعفات جانبية أخرى، حتى لا تتعقد حالته الصحية، ويصبح الشفاء مستحيلا·



كلمة·· كلمة



تقول هبة عادل في تقريرها عن صحة الفنان سيد زيان: "لقد استطاع أخيرا السير بالاستعانة بعكاز وبدأ منذ سنة الكلام·· كلمة·· كلمة، حتى بدأ يقول آية قرآنية كاملة، وذلك بمساعدة مدرسة تخاطب·· ترافقه دائما في جلسات العلاج، والأطباء يؤكدون أن اليد اليمنى التي ما زالت تعاني من العجز عن الحركة ستتحسن بالتدريج ما دام اللسان والرجل قد تحسنا"·

وفي الوقت الذي كان فيه سيد زيان يطمع أن ترعاه نقابة الممثلين وهو في أزمته الصحية، فإنها لم تقدم له شيئا، ولم تلتزم اتجاهه بأي نفقات علاجية، الأمر الذي دفعه هو شخصيا لتحمل تكاليف علاجه من جيبه الخاص، حقا، إنها مأساة فنان عاش حياته من أجل سعادة الآخرين ونذكر أن الجلطة ذاتها أيضا منعت يونس شلبي من الوقوف أمام الكاميرا وجعلته حبيس سرير المرض غير قادر على العمل، بعد أن صرف كل ما لديه على علاجه، أما شريهان التي تعيش وضعا ماليا أفضل من غيرها من الفنانين المرضى بحكم اعتبارات كثيرة، أهمها استقرار زيجتها من رجل الأعمال الأردني "علاء الخواجة"·· فإن المرض اللعين عزلها كلية عن مجتمعها الفني الذي تحبه بجنون لا حدود له، وجعلها أقرب ما تكون من السجينة الممنوعة من كل شيء، حتى الكلام·· كونه يجهدها، لذلك فهي لا ترد إلا على اتصال ابنتها "لولوة"، وحديث أقل مع زوجها علاء الخواجة، فهي ممنوعة من المشاركة في أي مناسبات اجتماعية، أو القيام بأي جهد، حتى لا تتضاعف حالتها الصحية، كونها مصابة بـ "سرطان الغدد اللعابية" وهو أشرس وأندر أنواع السرطانات، ولا يصيب عادة إلا واحدا من كل عشرة ملايين من البشر·

وبعد أن تم استئصال الورم من الفك، بدأت صحتها تتحسن قليلا، حيث تتابع علاجها في ألمانيا، بعد أن تلقت جزءا كبيرا منه في القاهرة وباريس·



قلب النجم سعيد صالح



وأخيرا وصل المرض والوهن قلب نجم الكوميديا سعيد صالح ليتحالف مع السكري والضغط في قهر جسد هذا الفنان، ولكن هيهات، هيهات، فالأمر عند سعيد مختلف، حيث يقاوم كل أمراض الدنيا بروحه الجميلة وابتسامته المعهودة·

سعيد صالح أرغمه قلبه مؤخرا على الهدوء والاستقرار ليرقد في "دار الفؤاد" ليجري عملية جراحية عاجلة في القلب، وكان قبل ذلك قد حل زائرا في "معهد ناصر"، حيث أصدر الرئيس مبارك تعليماته بأن يحاط سعيد صالح بأعلى درجة من الرعاية الصحية وهو ما كان لهذا الفنان في دار الفؤاد، ولكن هل يلتزم سعيد صالح بتعليمات الأطباء؟

المؤشرات تقول: إنه من الصعب على فنان متمرد مثل سعيد أن يكون ملتزما هادئا غير مشاغب، هذا الفنان ولد في الأصل ليرسي دعائم المشاغبة الجميلة في قلوب محبي فنه·



يوسف داوود



أما الفنان يوسف داوود فإنه تعرض في العام الماضي 2004 الى أزمة صحية حادة أوشك على إثرها أن يفقد حياته، حيث تعرض الى فشل كلوي·· وحينها رأى الأطباء أن الحل الوحيد هو "زرع كلى"·

وكان السؤال كيف يمكن ذلك، وهذا الفنان قد أصبح على الحديدة" بعد أن صرف معظم مدخراته على الغسيل الكلوي، وعلى العلاج بعد أن أدار الكل له ظهره باستثناء عدد قليل من الفنانين وزملاء الدرب الذين مدوا له يد المساعدة، بالإضافة الى فاعل خير تحمل تكاليف علاج داوود، يقال إنه "محمد فريد خميس" رئيس شركة "النساجون الشرقيون"، الذي صرف ما يزيد عن مئة ألف جنيه في علاج يوسف داوود· علاوة على قيام متبرع مصري، بالتبرع في كليته لصالح داوود·

هذا الفنان يمر بأزمة صحية خانقة حيث يضطر يوميا الى صرف مئتي جنيه مصري لشراء الأدوية في حين تقدم له الدولة شهريا 1400 جنيه مساعدة منها لاستكمال علاجه·

وعن دور النقابة في علاجه يقول يوسف داوود: "النقابة مغلوبة على أمرها لأن إمكاناتها ضعيفة، لكن بقدر المستطاع ساعدتني مع العلم أن مساعدات النقابة غير مساوية لحجم المشكلة الصحية بالنسبة لي فهي عالجتني فترة في مستشفى الهرم"·

ورغم نجاح عملية يوسف داوود، إلا أنه حدثت له جلطة في أقدامه· فدائما هي منتفخة، والحركة عليها ثقيلة، وعندما يمشي يشعر بالتعب الشديد، لدرجة العذاب وفوق هذا وذاك فإن داوود بحاجة الى إجراء عملية في عينه، والى عملية زراعة أسنان·



حمدي غيث



وكذلك الحال فإن الفنان حمدي غيث قد تعرض في الآونة الأخيرة الى الإصابة بأزمة قلبية نتيجة الجهد الذي بذله الأمر الذي دفع الأطباء المشرفين على علاجه الى إصدار أوامر صارمة تتطلب منه عدم بذل أي مجهود عضلي، قد يؤثر على عضلة القلب، وذلك حتى لا تتدهور حالته الصحية، بعد أن كان قد نقل من منزله الى المستشفى، حيث تم إجراء جراحة عاجلة وتركيب جهاز منظم لضربات القلب، بالإضافة الى إلزامه بالراحة التامة وعدم بذل مجهود قد يؤثر على سلامة الجهاز نفسه ليعيش في عزلته الخاصة بعيدا عن الناس وجمهوره·

حقا أن مأساة أهل الفن وهم يعيشون أسرى أسرتهم البيضاء ومحاطين بأدويتهم أكبر بكثير من حجم السعادة التي يحاولون جاهدين زراعتها في قلوب محبيهم وجمهورهم، وما يزيد عليهم من مشقة هذا الحزن والألم قصر ذات اليد أحيانا، ونكران الآخرين وجحودهم أحيانا أخرى، والأهم من ذلك كله تلك العزلة القسرية التي يرون فيها صورة السجون حتى وإن كانت محاطة بالورود·

التعليقات