ألف أغنية وطنية سعودية تقص للأجيال عصر الفهد في 24 عاماً

ألف أغنية وطنية سعودية تقص للأجيال عصر الفهد في 24 عاماً
غزة-دنيا الوطن

ودع الشعب السعودي منذ ايام خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود، وبذلك يكون الشعب الذي عاش معه 24 عاما قد ودع بالتالي ما يقارب الألف أغنية وطنية تغنت بالوطن في عهده، وحوالي 500 أغنية تغنت بالملك.

ولا شك أن الشعب السعودي يتذكر الأغنية الشهيرة «الله أحد» من كلمات الأمير بدر بن عبد المحسن ولحن وغناء فنان العرب محمد عبده والتي كانت تقول «الله احد وارضي بعد ارضي تحت ظل الفهد... في يدنا كتاب الله وفي يدنا الحسام.. أخوان من طاع الله في حرب وسلام.. والله معك يا بلادي.. حنا الوفا من طبعنا... وعادتنا طيب وكرم... حكمنا من شعبنا.. هذا اخو وهذا ابن عم... حنا جسد فيها الفهد روح... حنا بلد للخير نبي صروح».

وظلوا يرددونها في قلوبهم وعلى ألسنتهم والدموع تنهمر من أعينهم وهم يتابعون التقارير التي تحكي عن حياته والإنجازات التي تمت في عهده على شاشات الفضائيات وآيات من الذكر الحكيم تليها، ومن هنا يمكن القول إن تاريخ الأغنية الوطنية السعودية في عهده بدأت بأول ألبوم غنائي لمحمد عبده «فوق هام السحب» للشاعر الأمير بدر بن عبد المحسن عام 1988م والتي ضمت مجموعة من الأغنيات الوطنية (الله أحد، حدثينا يا روابي نجد، موطني الصقر).

وقد أدرك الملك فهد، رحمه الله، تأثير الأغنية الوطنية في النفس وما تتركه من بصمات تمتد إلى كل ركن من أركان الأحياء والبيوت والمدارس، لغة حسية معبرة ومؤثرة، فأمر بتعديل السلام الملكي الذي وضعه الموسيقار عبد الرحمن الخطيب وتكليف الشاعر إبراهيم خفاجي بكتابة كلمات جديدة تتوافق مع المرحلة الجديدة، ولتتحد الكلمة مع اللحن وتعطي نشوة وطنية تتغلغل داخل الجسد وتثير جنون النفس وترقى بها إلى الذروة وهي تسمع وتغني النشيد الوطني المصحوب برفرفة العلم الأخضر (سارعي للمجد والعلياء... مجدي لخالق السماء).

وقد كان الملك فهد ،طيب الله ثراه، يحب سماع أغنية للفنان محمد عمر من كلمات الشاعر علي صقيل وكانت تقول: (وسمٌ على ساعدي.. نقشٌ على بدني... وفي الفؤاد وفي العينين يا وطني) وهذا يدل على ذوقه الفني وحبه بالتغني بالوطن وكان يرى الوطن أما حنونا لا بد من تدليلها.

ولقد شهدت الأغنية الوطنية في عهده الزاخر ولادة الأوبريتات الوطنية، التي جمعت كل الفنون، مجسدة مسرحا غنائيا تتغنى بكل المناسبات الوطنية، ومن أشهرها أوبريتات الجنادرية التي حملت عنوانا مختلفا في كل سنة، وتنافس الفنانون السعوديون في المشاركة في هذه الأوبريتات، على سبيل المثال فنان العرب محمد عبده الذي شارك في جميع الأوبريتات مع الفنان الراحل طلال مداح، كما شارك في غنائها عدد من المطربين الشباب أمثال عبادي الجوهر وعبد المجيد عبد الله ومحمد عمر وراشد الماجد وخالد عبد الرحمن وراشد الفارس ورابح صقر وغيرهم. وكانت أول أوبريت أقيمت بالجنادرية عام 1410هـ وحملت اسم (مولد أمه) كتبها الشاعر الأمير سعود بن عبد الله، وهو أول أوبريت جمع بين محمد عبده وطلال مداح، وقد تغزل الشاعر والفنانون بالوطن، كعشيق يستحق بذل الغالي والنفيس من أجله، فما زلنا نردد المقطع الذي يقول: "معشوقتي... معشوقتي... منها بدت هجرة نبي... وفي أرضها نزل الوحي... يبقى على طول السنين... معشوقتك.. معشوقتي».

وهذا محمد عبده يغني «أجل نحن الحجاز ونحن نجد» وأسامة عبد الرحيم يغني «هبوا بني الإسلام» وعبد الله رشاد يغني «أرض الكويت تصيح» وكانت رسالة خليجية وأغنية رسمية في تلك الحقبة للكويت تحدثت عن وقفة الملك فهد مع الكويت الشقيقة وكيف دعا إلى حل تلك الأزمة بحنكته وحكمته، وغيرها من الأغنيات الوطنية السعودية التي لم يكتف بغنائها فنانون سعوديون بل خليجيون أيضا.

كذلك تعتبر الأغنية الوطنية السعودية مثل غيرها من الأغنيات الوطنية العربية، فقد ترجمت في عهد الملك الراحل فهد بن عبد العزيز الأحداث السياسية التي عاصرتها الدولة، فمثلا في أزمة الخليج بحربها (عاصفة الصحراء) شهدت ولادة الكثير من هذه الأغنيات، إذ تجاوزت 150 أغنية وطنية، وامتازت بعضها بأنها كانت خير رسول حب وغرام من أم حنون شجاعة هي (الوطن) تقف صامدة في وجه العدو الغاشم المتربص بأبنائها الذين ينتظرون رسائلها ليطمئنوا عليها ويعودوا إلى أحضانها الدافئة.

وبعد (عاصفة الصحراء) عادت الأغنية الوطنية السعودية إلى حالتها من الهيام والغرام بالتغني بجمال المعشوقة بسفوحها وجبالها وبحرها وسمائها، وظهرت أسماء شاعرات سعوديات كتبن عن جنونهن بهذا العشق الأبدي مثل الشاعرة ريم البوادي التي كتبت أوبريت (موكب النهضة) والشاعرة برق الحياة التي كتبت أوبريت «ملحمة الجزيرة»، ومن أشهر الأغنيات الوطنية التي غناها فنان العرب محمد عبده في تلك الفترة «ألف لا بأس با أبو فيصل» بمناسبة شفاء الملك فهد و«تاج الملوك، إلا الفهد، يا فهدنا، درب الملوك، رايتك البيضة، جيل الفهد، سيد القاده» وغيرها.

وهكذا استمرت الأغنية الوطنية السعودية في عهده تتحدث عن إنجازاته في شتى المجالات، وتتحدث عن فهد الإنسان بلغة فنية راقية، وعندما يقال لمن يريد أن يدرس تاريخ دولة وملامحها «عليك بالرجوع الى أرشيف أغانيها الوطنية» لم يكذب القائل، فالأغنية الوطنية خير مؤرخ لتلك الأحداث في كتاب بلغة موسيقية خاصة وكلمات لم تخلق إلا من أجلها.

وكما وقفت أمنا الحبيبة (الوطن) في أزمة الخليج أمام العدو، وقفت أيضا أمام أبنائها الذين يحاولون تشويه ملامحها بصبغها بدم أحمر وأشلاء بشرية متناثرة عليها في زوايا من جسدها، فكانت هذه الفترة الأخيرة وليدة أغنيات وطنية خرجت تضامنا ضد الإرهاب ومنها «بلادي» للشاعر ضياء خوجه ومن ألحان محمد شفيق وغناء الفنان راشد الماجد وأغنية "خير الديار" للشاعر المعنّى وألحان صالح الشهري وغناء رابح صقر و(لا) للشاعر نواف بن فيصل وألحان محمد شفيق وغناء محمد عبده وغيرها من الأغنيات التي كانت حوالي 40 أغنية. وكان الفنان محمد عبده من الفنانين الذين كانت لهم حصة الاسد في التغني بالوطن والمليك فكان له ما يقارب الـ 200 عمل فني وطني بين أغنية وأوبريت، فقد كان ولا يزال سفير الأغنية الوطنية السعودية أينما حل، وفي إنجازاته الكبيرة، منها «رايتك بيضا» و«سألت الحب» و«ذهب الملوك» و«درب الملوك» و«صفوة ملوك العرب» و«رجل السلام» و«إلاّ الفهد» وغيرها. ويقول الفنان عبادي الجوهر الذي له أكثر من 50 أغنية وأوبريت وطنية «بالتأكيد أن خادم الحرمين الشريفين الملك فهد رحمه الله كان له أكبر الأثر على الأغنية الوطنية، والتي حظيت بدعمه المباشر ودعم وزارة الإعلام للفنانين». وشارك الجوهر في مناسبات متعددة مثل أحداث الخليج الأولى والثانية، ومناسبة اليوم الوطني، وأوبريت «كفاح أجيال» في مهرجان الجنادرية عام 1418هـ، ومناسبة العشرينية غنيت للملك الراحل أوبريت «مليك القلوب» وشارك معه نبيل شعيل وفضل شاكر ومحمد الحلو وأحلام والراحلة ذكرى وأصالة وأروى ورجاء بلمليح ومن السودان صلاح بن البادية ومن فلسطين نزار بلال، وفي حملة التضامن ضد الإرهاب غنى ثلاث أغنيات «الفتن، وربوع الوطن، حبك في الصميم».

ويقول الجوهر «لا شك أن الأغنية الوطنية التي ترتبط بأحداث معينة الهدف منها شحذ الهمم ومساندة الجنود البواسل، أو التغزل بحب الوطن والتطرق لمنجزات ولاة الأمر، ودور الفنان هو دور إيجابي وواجب وطني تجاه وطننا الذي أعطانا الكثير، وهو يستحق منا الكثير، وأسأل الله أن يرحم مليك القلوب خادم الحرمين الملك فهد بن عبد العزيز ويدخله الجنة بغير حساب».

بينما الموسيقار محمد شفيق الذي لحن أكثر من 150 أغنية وطنية، وهو أكثر ملحن لحن الأغاني الوطنية السعودية ومعظمها كانت لفنان العرب محمد عبده، يرى ان سبب تميز الأغنيات الوطنية في عهد الفهد يعود الى الإنجازات والمشاريع الجبارة التي كان يهتم بها ويقول «الوطن أغلى حبيبة فكيف بالتغني بالملك الذي يسهر على راحتنا ويفعل كل هذا من اجلنا، لا شعوريا تتحد أناملنا بأوتار العود لتؤلف لحنا يتغنى بهذه الحبيبة الحنونة والتي تعطينا أكثر مما نعطيها، ومن الأوبريتات التي لحنتها مولد أمة، والله البادي، ووقفة حق، وكتاب مجد بلادي، ومسيرة مجد» وطبعا يضيق حصر الأغاني الوطنية التي لحنتها، لكن آخرها إشرافي على تنفيذ أغنيات حملة التضامن ضد الإرهاب، وعددها 37 أغنية لحنت منها 14 أغنية غناها عدد من المطربين السعوديين».

أما الفنان عبد الله رشاد وهو واحد من الفنانين السعوديين الذين تغنوا بالوطن وشارك في أكثر من 80 أوبريتا وطنيا يقول «بدأ الحس الوطني في الشعب يزداد ويلتهب بإنجازات الملك فهد، الذي كان داعما للحركة الفنية والثقافية والأدبية ومن هنا كان شعورنا الراقي بحب الوطن متمثلا بالأغنيات الوطنية التي تمت في عهده الذهبي فتعلمنا المعنى الوطني الحقيقي من قائد حكيم ومحب لإحياء الشعور بالمواطنة الصالحة، وكانت الأغنيات الوطنية السعودية عسكرية تهدف إلى رفع معنويات الجيش والشعب».

أما الملحن صالح الشهري، وقد لحن ما يقارب 80 أغنية وطنية اشتهرت منها في تلك الفترة أغنية «شعب واحد» التي غناها الفنان عبد المجيد عبد الله، فيقول «الأغاني الوطنية تترجم الأحداث والأوضاع السياسية وتصل بكل سهولة إلى الشعب وتحيي الحس الوطني، وقد كان الملك فهد مهتما بهذه الأغنية ويدعمها من قبل وزارة الإعلام، وإذا كان الوطن هو الأم فالأب هو الملك، ومن حقهما على الأبناء أن يتغنوا بهما ويبذلوا كل ما بوسعهم في سبيل رضاهما، وقد حظيت بالشرف العظيم والفخر الكبير عندما أسند لي تلحين أوبريت الجاندرية «أمجاد الموحد» كلمات الشاعر الشاب عبيد الدبيسي وشارك في غنائه الفنان الراحل طلال مداح ومحمد عبده وعبادي الجوهر وعبد المجيد عبد الله ورابح صقر وخالد عبد الرحمن وراشد الفارس». ويضيف الشهري «شاركت في حملة التضامن ضد الإرهاب بأربع أغنيات من ألحاني، وهي «حبك في الصميم» كلمات يوسف رجب وغناء عبادي الجوهر، و«أنا السعودي» كلمات أحمد عبد الحق وغناء محمد عمر، و«يا وطن» كلمات عبد الله القحطاني و«خير الديار» كلمات المعنى، وغناهما رابح صقر».

*الشرق الاوسط

التعليقات