يتجاوز سعر بعضها 7 آلاف دولار: السبحة.. رحلة 3000 عام من البوذية وحتى الإسلام

يتجاوز سعر بعضها 7 آلاف دولار: السبحة.. رحلة 3000 عام من البوذية وحتى الإسلام
غزة-دنيا الوطن

السبحة أو المسبحة كما يقال لها استطاعت أن تعبر رحلتها الزمنية عبر الديانات المختلفة الوثنية والسماوية ما يقارب 3000 سنة من دون أن يمارس عليها أي نوع من سلطوية الإقصاء أو الرفض أو الازدراء كحال بقية الأشياء التي ينكرها بعض المتدينين في المعتقدات المختلفة.

فقد تناولتها أيدي رجال الدين على اختلاف هوياتهم ومعتقداتهم، واهتم بشرائها المعتمرون والحجاج كتذكار لذويهم في بلدانهم من أرض الحرمين الشريفين، بل وتنافس على حملها المتدينون الإسلاميون لتكون من أبرز علامات التقوى والتدين رغم أن بعضهم ينكر استخدام متعلقات الديانات الأخرى خوفا من التشبه بأصحابها لكن المسبحة أو السبحة كسرت ذلك الحاجز بقوة.

فايز الزهراني صاحب مؤسسة الزهراني للتجارة العامة وشيخ الطائفة السبحية في مكة المكرمة يقول عن تجربتها في الإسلام «كان المسلمون في بدايتهم يسبحون بالحصى والنوى والحبل المعقود كما ذُكر ذلك عن أبي هريرة الذي كان لديه حبل معقود ألف عقدة ولا ينام الليل حتى يسبح بهذه العقد عدة مرات ومن ثم تطورت عملية التسبيح من هذه الطرق إلى المسبحة الجوالة».

وأضاف «المسبحة في الإسلام بدعة مستحدثة تم استخدامها لغرض التسبيح والتذكير بذلك».

ويستطرد حديثه «أعتقد أن ما يهم هو قبول التسبيح من الله عز وجل وليس عدد التسبيحات التي تؤدى». والسبحة لم تكن ذات أصل إسلامي وليست من ابتكار المسلمين وكان أول ظهورها في الديانة البوذية الوثنية في بلاد جنوب آسيا نحو سريلانكا وتايلاند والهند ونيبال وقد أظهرت آثار تاريخية ورسومات آلهة البوذيين (براهما) وهو يحمل المسبحة في يده اليمنى، وهذا ما يشير اليه الزهراني بقوله «تعود المسبحة إلى البوذيين وظهرت في آثارهم ومعابدهم منذ أقدم السنين ومن المعروف أن البوذية هي أقدم ديانة وثنية وقد اخترعوا المسبحة لتكون أداة في طقوس تعبدهم وهي ما تزال إلى الآن لديهم حيث يستخدمها رجال الدين في معابدهم لأداء صلواتهم».

ولم تتوقف المسبحة عند استعمال البوذيين، بل تجاوز دورها الديني حدودها إلى أرض اليونان ليستخدموها، فإلى يد اليهود ومن ثم المسيحيين حتى وصلت إلى أيدي المسلمين ولكن ممن أخذها المسلمون؟ يقول الزهراني «أخذوها من الهند فحين كان المسلمون يسبحون بالحصى كان الهنود الوثنيون قد سبقوهم إليها منذ قرون».

ورغم أن المسبحة أو السبحة غرض ديني مشترك بين مختلف العقائد إلا أنه تظل بهذا الاستعمال فروق وضحها الزهراني قائلا:«المسبحة البوذية ليست لها معالم واضحة فهي مكونة من الحبات ومحصورة في استخدام رجال الدين لديهم وداخل المعابد ولم تخرج لأغراض أخرى».

أما المسبحة لدى اليهود والمسيحيين والمسلمين فلا يكاد يكون الاختلاف بينها سوى في العدد وبعض الملامح كما يشير الزهراني، ويقول «تشترك المسبحة بين المسلمين والمسيحيين واليهوديين في احتوائها على المئذنة والشاهد والفاصل ولكنها تختلف فيما بينها في العدد»، ويتابع «المسبحة لدى اليهود تكاد تكون هي المسبحة لدى المسلمين ولا فرق فيها سوى بعدد الحبات التي تتكون منها المسبحة حيث تتكون من 45 حبة لدى اليهود بينما تصل لدينا إلى 99 حبة، أما المسبحة لدى المسيحيين وتستخدم في صلاة المسبحة الوردية فتختلف أعدادها من طائفة إلى أخرى كما يشير الزهراني». ويقول: «يختلف عددها بين 17 و21 و33 حبة بين طائفة وأخرى وعادة يكون بها الصليب. والمسبحة التي اختلفت في عدد الحبات بين العقائد الدينية تشترك جميعها في فلسفة العدد الفردي كما قال الزهراني، جميعها أعداد فردية ومبعثها فلسفة قائمة على وحدانية الله عز وجل».

ومع أن المسبحة وجدت لغرض ديني إلا أنها تجاوزته لأغراض أخرى حيث ينقسم محبوها إلى ثلاثة أقسام كما يقول الزهراني، هناك من يتخذها أداة للتعبد والتسبيح وهناك من يتخذها للوجاهة الاجتماعية وهناك من يتخذها هواية يجمع النادر منها والباهظ الثمن. وموقف النساء من السبحة هو ذاته موقف الرجال منها كما أشار شيخ الطائفة السبحية. ويقول: هناك فروق بينهما فسبح النساء ناعمة ورقيقة وتكون حباتها أصغر حجما مما يصنع للرجال وهن أكثر اقبالا على السبح المصنوعة من اللؤلؤ والعقيق والأحجار الكريمة.

وماذا عن الرجال؟ يجيب الزهراني، حتى الرجال يهتمون بالنوعية التي تصنع منها السبحة فمنهم من يطلبها مرصعة بالألماس الحر الغالي الثمن ومنهم من يطلبها بالاحجار الكريمة كالعقيق والياقوت وغيرها، لكنها تختلف عن سبح النساء كونها أكثر غلاظة وحباتها أكبر حجما.

وتتفاوت أسعار السبح بين النصف ريال كما يقول الزهراني وتصل الى 7000 ألف دولار إذا ما كانت مرصعة بالألماس الحر، وهي لم تعد صناعة خاصة لصائغي السبح وإنما أصبحت الشركات العالمية تتنافس في تصميماتها من الأحجار الكريمة النادرة، ومع ذلك يظل هناك نوع مفضل من دون الباقي هو الكهرمان أو الكهرب بفعل أسطورة من الطب القديم وهو معروف لدى العرب بالعنبر ويقول الزهراني، سبحة العنبر أو الكهرمان من السبح المفضلة لأنه يساهم في علاج أمراض الكبد عندما تكون مبكرة وهذا ما شاع في الطب القديم بحيث أن العنبر لديه قدرة للتسلل من تحت الجلد ليصل إلى داخل الجسم ويعمل على تصحيح وظائف الكبد وعلاجه إذا ما كان المرض مبكرا.

ويتابع: والعنبر يعود إلى نوع من 1500 نوع من أشجار الصنوبر التي تنمو في منطقة البلطيق أي في روسيا والمناطق الثلجية الشديدة، حيث يتجمد العنبر داخل شجر الصنوبر من قديم الزمان ويتم استخراجه وصناعة العقود للنساء والسبح للرجال.

لكن ليس الكهرمان أو العنبر الوحيد الذي يفضله هواة السبح، بل يقف بجواره العقيق والعودة والصندل لأنها أيضا كما يقول الزهراني مواد نادرة وأصبحت من المحميات خوفا من انقراضها ولذلك تعد من الأنواع الغالية لقلتها.

والسبح التي نراها بين الأيدي تجاوزت هذا الغرض أيضا لتكون معلقة على الجدران أو على طاولات صالونات الاستقبال في المنازل بأحجام كبيرة ومن أنواع متعددة علامة للتدين إلى جانب غرض الزينة والوجاهة الاجتماعية التي أصبحت تتنافس فيها النساء أكثر من الرجال تقول لمياء أحمد بصراح، لا أعتقد بغرضها الديني ولكن ألوان السبح وأنواعها التي أحتفظ بها في صندوق خاص دائما ما تكون مناسبة للون حقيبتي وحذائي أو الثوب الذي أرتديه «وتزيد» أحب أن أمشي وأنا ممسكة بها فهي تشعرني بالزهو وبالأعين التي تكاد تريد أن تخطفها من يدي لجمالها، وهي على عكس نائلة إسماعيل التي تحب أن تشتري سبحة تستخدهما لغرض التذكير والتسبيح وتقول: حقيقة أهتم بنوعيتها ولكن ليس بشكل كبير، وعادة ما أستخدمها حينما أمارس رياضة المشي في الشارع كي تصرفني عن التفكير في هواجس ووساوس وتلهيني أثناء المشي.

وتتابع، بل هي تلهيني عن سماع غناء المطربات إذا ما اضطررت أن أذهب إلى حفل زواج لأحد أقاربي فطالما هي في يدي أنا لا أسمع سوى صوتي.

*الشرق الاوسط

التعليقات